وليد الشيخ - حماقات بعيدة عن المنزل

سبقتكِ اللذّةُ
وسالَ عطرُكِ وبلّلَ غابةَ المسك.

لو انتظرتِ قليلاً
كان خاتمُ الزّواج سيخرجُ من جيبِ السّترةِ الزّرقاء
وكمشهدٍ مكرّرٍ في السّينما الأمريكيّة
يركع
ويطلبُ يدكِ
بل جسدَكِ
وروحَكِ
وما بينَهما من سوءِ قصد.

كانت اللذةُ قطّةً مبلّلةً تركضُ تجاهَ الموقدة
كانت أصابعُه النحيلةُ والطويلةُ تلوِّحُ بالشهوةِ

كان بيتُكِ قد تبّلل
وسروال الساتان الزّهري
المخرّم
والماء كصوتِ النّاي
والسيّد الذّئبُ على بابِ المعبد.

لي عادتان سرِّيتان يومياً
وعاداتٌ علنيّة
رغبات مدفونة في التّمثيل
بطولة مع منى زكي
أقبِّلها كل خمس دقائقَ دون توظيفٍ دراميّ.

حقيبةُ الكحل والزينةِ والأسرارِ الشهريّة
على الكتف
شفتانِ غليظتان في دوّارِ المنارة
الأولادُ تمنَّوا الموتَ في شوارعِ تل أبيب
النساءُ شتمنَ حظهنَّ العاثر
وكلَّما مرت،
يحترقُ الفلافلُ في الزّيت
وينسى الحلاقونَ مقصّاتِهم على الرؤوس
وتطيرُ مخيّلاتٌ فاسقة في شارع رُكَب.

الذي نزلَ مسرعاً من الحافلة
ولوَّحَ بيدٍ تشبهُ غصنَ الرّمان
فتيّاً
ويعرفُ ذلك.

الجاراتُ يذكرنَ الصّباحاتِ التي خرجَ فيها
فاتحاً صدرَه
أشعلن الصّباح بالكاسيت:
يا اسمر
يا اسمراني

الفتي مثل عشبٍ برّيّ
ينفضُ نعاسَه الخفيفَ من الشّرفة
وجبة إيروتيكا قبلَ الإفطار
على موائدِ الحيّ

أدركتكِِِِِ عند العتبة
شالك يوشك ُ أن يأخذَ الريح
الغرائزُ التي ركضت خلف كفليك الهاربتين
رفعتْ صوتها مجاهِرةً في الطريقِ العام
أصابعُك المحفوفةُ بمخاطرِ الملامسةِ تساءلت

وحين التفتِّ إليّ
رأيتُ وجهَكِ شاحباً

وكي أخفّفَ عنك
أبلغتك:
أنّي مذ درجتُ على تلكَ العادة
في الأماكنِ المظلمةِ من البيت
أو
خلفَ الخزانةِ في بيتِ قريبتي
المملوءةِ برائحةِ تسعِ نساءٍ وحيدات
صارّ الذئبُ نوّاحَ الليل
والصباح حفلة أولادٍ قضَوا نحبَهم في المحارمِِ الورقيّة.

لا صدفة طيِّبة كي ألتقيَك، مثلاً
على بابِ سينما
لا سينما كي ألتقيك صدفة
ولا بنات في الحيّ
ليسهرَ الليلُ على الشّبابيك.

إنّه صدرُكِ
بليغٌ كحكمةٍ
وإثمهُ فضّاح.

الحديقةُ
الخلفيّةُ
للرّوح
روحك
حيث أنا
أرتِّبُ الصمتَ لكِ
وأتلو ما بلغتُ من يقين.

***

وحيدة كالموت
ونائية
يتيمة بأبوين نسيا
بذرةً حارّة
تفتّقت ضلوعُها إلى الداخل
فهرمت.

***

وحيدة كإله
بأتباعٍ كفَرة
لم يرفعوا الصلاةَ
ولم يسفحوا - لو مرّةً - دمَ القربان .

. . .

منذ الطفولةِ أتفرَّسُ في الرّوح
تتقلَّبُ جذلى بين الماءِ والرّمل
بين الرّبِّ - بيدِه التي باركت الخلق –
وبين الخطيئةِ بلونِها الشهيّ

****

وقطعتان فضّيتان من الظلّ
وليتركوا تموز
حيثُ لها وحدَها
أقمتُ مآدبَ عُريٍٍ فقيرة
وتوّجتُ فمَ الحبّ.

***

المرأةُ
الوحيدةُ
الباقية
بعد غسلِ أصابعي
من عجين الأنوثةِ
والصّراخ الشّاحب
لها
أيقظتُ ذئباً مريضاً من الجري
سكبتُ على رملِها الوجعَ الأبيض
رميتُ الحصى خلف بؤس الطفولة
بيد أنّا
كلّما نتحدّث
يفضي الحوارُ إلى جهةٍ ثالثة
وعندما نتراءى
كرجلٍ وامرأة
تقومُ المتاريسُ
وتعلنُ أنّ الحربَ طاحنة
وأنّ الموتَ سيفضي بنا للسرير.

. . .

إنّهُ الفجرُ
فتنةُ الكونِِ التي لا مثيلَ
سوى تمتماتِكِ المائلةِ كلَّ صباح.

كأنّه
ملعبٌ لكرةِ القدم
بين منتخبين لعائلةٍ واحدة.

شيءٌ يذكِّر بالنّهايات
في مسرحٍ تابعٍ للقطاعِ العامّ
( ليس عندنا سوى قطاعِ غزة )
الممثّلون من الذين رسَبوا في امتحاناتِ معهدِ التّمثيلِ العالي

أن تنتسب للحزب الشيوعي
وتدفعَ من جيبِ أبيك الاشتراك.

أن تجتمعَ مرتين أسبوعيّا
لأنّ الرّفاق يدرسونَ سيغال
وما العمل؟

أن تشربَ نبيذاً لأوّل مرة
كي تثبتَ أنّك لا تخافُ أحداً

أن تصعدَ الجبل
لتنافسَ الأولادَ بظهورِ شعرِ العانة
وترسمَ على الطّين
ما تظنّ أنّه المرأة .

أن تقفَ قبالةَ السّماء وتحلم
بأن يموت أهلُك جميعاً
ويأخذك الجار إلى بيتِه
لتنامَ جوار ابنتِه

أن تمارسَ تلكَ العادة
في المراحيضِ العامّة
على رسوماتٍ فاجرةٍ لنساءٍ بدينات .

أن تكونَ صغيراً
ولا تصدّقَ ذلك .

ليس عندي ما يستحقّ الذّكر

لا إيدز
ولا عرض من الحكومة لأكونَ وزيرَ ثقافة
أو بيئة
أو حكمٍ محليّ.

لا كرت إعاشةٍ من وكالةِ الغوث
ولا حزب شيوعيّ.

ليس عندي كالسيوم كفاية
لا غرين كارد
ولا حتّى فيزا لأمريكا

ولا دولة لأشكو لها من الأباتشي.

إشاراتٌ صغيرة ترسلها المرأة من النافذة
كأن تمسح فمَها بإصبعين فقط
أو تمسكَ طرفَ إذنِها اليسرى

إشاراتٌ فاضحة يرسلُها المراهق
كأن يشيرَ بيدِه مودّعاً
أو يمسكَ خصيتيه ويحكّهما

إشاراتٌ أوليّة من المدير للسكرتيرة
تواطؤٌ بعدمِ الفهم
تفسيرٌ مملٌّ للواجبات
أسئلةٌ مكرّرة عن الورق المروّس من نوع A4

إشاراتٌ سياسيّة من الرّئيس لمجلس الوزراء:
كأن يتجاهلَ مصافحةَ وزراءِ الحقائبِ السّياديّة
أو أن يمدحَ قدراتِهم أمامَ وسائلِ الإعلام
أو يذكرَ أكثرَ من مرّة
الدهيشة
والأمعري
وعين الحلوة.

إشاراتٌ بيضاءُ من بوتينَ إلى أيتام البريسترويكا
وسوداءُ من بوش إلى أتباعِ عمر بن الخطاب
وزرقاءُ من شارون إلى المستوطنين
وصفراءُ من جامعةِ الدول العربيّة إلى رفح.

إنّه أبي
الرجلُ الذي اعتدتُ أن أراهُ قربَ أمي
يقول لها أشياء غامضة.

إنه معلِّمُ الابتدائيّة
برائحةِ بيضٍ وخشبٍ قديمٍ وصابون
يتمشّى تحتَ شمسِِ المدرسة.

إنّه سكرتيرُ المنظّمة الحزبيّة الأولى
يقترحُ جدول الأعمال
ويسجّلُ ملاحظاتٍ بخطٍّ صغيرٍ جدا.

الحاجةُ جميلة، أيضاً
عارية
تستحمّ في الحوش

الأولاد يصفِّقونَ حولها.

عندما نصحو على أصواتٍ مبلّلة
لجاراتٍ فرحاتٍ بليلةِ الأمس
ينشرنَ ملابسهنَّ الخاصّة
ويتهامسنَ بألسنةٍ خجولة
عن عظامهنّ التي نخرتْها النشوة

تكونُ الميركافا في إِجازة.

شجرةُ رمّانٍ بلهاءُ في الحديقة
فقيرة مثل أولادِ المخيّم في الخمسينات
مرتبكة مثل عيدِ الحبِّ لمقاتلين من البوليساريو

عشبٌ يتحرّش بأغصانها
ماعز الرّيفِ الشرقيّ يهتِكُ عِرضَها يومياًّ
لا شرطة
لا لجنة آدابٍ عامّة
ولا شبكة المنظّمات الأهلية
ولا أولاد حلالٍ يرفعون الضّيم.
ممنوع البصْق
والتدخين
أو إخراجُ اليد أو الرأس
أو رمي النفاياتِ من الشّبابيك
أو التكلّم مع السائق.

ممنوع لبسُ الشّورت على البلكون
أو النّظر في عيني الأب مباشرة
أو النومُ حتى الظهيرة
أو أن تلعبَ الأخت على الباسكاليت

ممنوع التجوّل.

أنـتِ الوحيدةُ في الحي

وأنتِ الوحيدةُ في الحيّ،

حينَ تفيقين يتثاءبُ الوقت
النساء الفائراتُ يشتمن حظهن العاثر، سائقُ التاكسي العجوزُ يدّعي محبَّة لأغاني مارسيل، الشمسُ المغناجُ تتواطؤُ بإحساسِ الّلذّةِ الذي يسيلُ على الرّصيفِ والشّباكِ والوسائد .

أكاد أحسّ:
الشقيات المتكآت على حوافّ الأبواب الخشبيّة، يتركن لأجسادهنَّ حريّة الملامسة مع الخشب النافر، لأيديهنّ طلاقة البوْح على أفخاذِ "السلفة" الجديدة، المتباهية بثمارِها التي تضجّ تحت ثوب النّوم الزّهري، كدليلٍ وإشارة على طيبِ الإغفاءة في الليلةِ السالفة.

أنتِ الوحيدةُ في الحي،
والباقي بشرٌ سواء، نساء ورجال وصغار مثل قطيعِ الماعز الجبليّ، يتناثرون في الأزقّة ويحشرون بعضَهم في عتماتِ البيوت الضيِّقة،

الفرح المؤلمُ الوحيد أنت، عنوان المسافة بين الحرية ووصايا الأسلاف اللئيمة.

الوحيدة في الحي أنت،

بالفاكهة والّلحم والعظم والبارد والساخن والمعجّنات، وبالنارجيلة على كرسيّ القش الذي يفيضُ بما تحملين إليه من دفء ضجِر، ومن هواء عبق يطير كسرب أزهار وراء كلامك،
كلامك عاديّ،
يذبح بسكاكينَ مثلّمة طغاة وعساكر.
وتبقين الوحيدة في الحي.

أصعدُ الباص بجديّة عالية، ولا أبتسم لأحد. قد تصعدين فجأة، علي أن أكون مستعداً من اللحظة الأولى لرؤيتك.
كان من الممكن أن تسقط منك حقيبةُ الكتف، فجأة، في تلك المرة.
ويساعدك الناس على لمِّ الحاجيات،
لا بد أن يكون في الحقيبة ساتان من باب الاحتياط ، وملاقطُ للشّعر الخفيف ومقصّاتٌ للشعر الكثيف الأسود، وبنّيّ شفاه، وربما بيانٌ بخطِّ صغيرٍ جدّاً من الحزب،
قد يكون كتاب، روايةٌ باسمٍ يشير إلى أنّ الحياة مريرة ولها معان أخرى مثل: الحبّ في زمن الكوليرا!
دفتر هواتف مثلاً، وأرقام لمعارف في عواصم بعيدة.
بنطلونك كمان بنّي.
كلّ شيء عندك قريبٌ من البنّي أو من أخوته،
وعلى فكرة، أنت تشبهينَ الخريف
وأنا أحبُّ ذلك .
رأيتك مرّة قبل سنتين ونصفٍ في الباص

ولا مرّة رأيتك بعدها.

هل كلّ مرةٍ عليّ أن أسامحك
هكذا
ببساطةٍ كأنّك لم تفعلي شيئاً

أمّي أيضاً اشتكت منك بالأمس
قالت عنك أشياء مثل التي في أحاديثِ الحموات عن اللواتي ينجبنَ مزيداً من البنات في كلّ مرة.
جارتي التي تجرُّ وراءَها خمسةَ أولاد لمّحت لي حين رأيتها مصادفة في تاكسي الأجرة (ودفعتُ عنها) أن الله قد يمنُّ عليّ أخيراً بولدٍ يحمل اسم العائلة
( أنا أعرف أن العائلة متواضعة حدّ الشفقة )
ومع ذلك لا بدّ من ولدٍ يحمل اسمَها، فالبناتُ كما تعرفين يتركن أسماءَهن على عتباتِ بيوت الآباء في الطريق إلى ليلة الدخلة .

وكلّ مرةٍ تبكين فأسكت
ماذا سأفعل اليوم أمام ذكور العائلة.

ورغم ذلك تتألّمين في كلّ مخاض
كأنّ الطلق الشديد يبشّر بالغلام.

غرفتُها سريران منفصلان
تركضُ الشّهوة بينهما مثل أولاد الصفّ الأول

كتفُ المليحة أيضاً
سهلٌ للخبز
واللذة
والترانيم

أصابعها عيدانُ ناي
خاصرتها تلالٌ متروكةٌ لرائحة الفانيلا

الشاورما حجّة كي أقفَ قبالة بيتك
لا أنا أستطيع شراءَها
ولا أنتِ تذهبين عن الشّرفة

لم أذهبْ في الصّباحِ إلى الدّكان
ولم أذهبْ إلى العمل
لم أكنْ نائماً
ولم أجلسْ لأستمع إلى نشرةِ الأخبار

ولم أدرِ للآن ما الذي فعلته ذلك الصباح.

لا أحد يخافُ مني
لا الموظفون الجالسون قبالتي يهشّون الساعات
ولا صاحبُ الدكان
الذي لا يبيعُ شيئاً
يكتفي بستّ علبِ سردين
وصابونٍ نابلسيّ
ومحارمَ قديمة لا تصلحُ لأنوف بنات المدينة

حتّى في التاكسي
يرفعُ السائقُ صوتَ الراديو
يتحفّز ليردّ عليّ صارخاً إن طلبتُ أن يخفّفَ السرعة

وأنا لا أريدُ منه أن يخفّف السرعة
ولا أن يخفّفَ صوتَ الرّاديو

في المقهى
استجابَ النادل للجميع
الذين دخلوا قبلي
والذين دخلوا بعدي

مثل عذراء في ماخور
حملتُ يدي
وخرجت

كأنّك رأيتهم على الشبّاك
يشيرون لك بأيديهم
كأنك تأخرت عن المائدة

إنّهم أهلك
الأب
والإخوة
ونصفُ الخالات الباقيات في عمّان
يمارسنَ دوْر الأم بلا إتقان

أعمامك
وأولادهم
والقبلات الطائشة على وجوهِ بنات العائلة

كلّهم هناك
على الشّباك
يرسلون تحياتِهم بحماسةٍ بالغة
.............
............
لديك رغبة في إنهاء كلّ هذا

كأن تمرّ سيارةُ الجسر بسرعة
وتتركهم يعلكون يومهم على الشباك.

الألمُ نفسه
موتٌ حاضرٌ لا يصل
وخيانةٌ مبتورة

صياحُ نساءٍ وحيدات
خلفَ رائحةِ الذّكورة

ولدَ المذكورُ على عجل
لكنّه تمطّى ثلاثةَ أيامٍ في نعاسٍ كأنّهُ الموت
لم يشأ أن يطأََ الأرضَ
الممرّضات أغدقنَه بالرعايةِ والحنان على غير العادة ،
كان يشمُّ المريولاتِ البيضاءَ ويتفكر
حتى أن ممرّضة قبّلته أكثر مما يجب
وأحاطت خصيتيهِ بفمِها مداعبة
ولم يضحكْ
ولم ينبسْ ببنتِ شفة
ولم يبكِ
ولم يشأ أن يطأ الأرض.

سيكون أكثرَ حكمةً لو ابتعد عن الجموعِ الغاضبة
لو دخلَ بيتَ أبي سفيان لانتهى الأمر
وأحكم طوقٌ من البلادة الأبديّة حول عينيه.

كان أكثر فتنةً على الجبل:
ذراعاه الخاسرتان دائماً ممدودتان على آخرِهما
أشياؤه التي تحسّستها الممرّضات
قبل عشرينَ سنةً
كبرتْ على يديه
تلثعمتْ
وبكتْ.

كان يترك غزالاتِه الذهنيّةَ خلفَ قطيعِ الخراف
ويشمُّ ذراعَ البنت التي قربَهُ
وملابسَها
والهواءَ المجنونَ الذي يخرجُ من فمِها،
كان يودُّ لو فجأةً يغفو على حجرِها الصغير
ويتلذّذ
ويجنُّ من اللذّة.

لم يكن يحلمُ بأكثرَ من بيتِ لحم.


.

arton7747-ad851.jpg
 
أعلى