ياسين بودهان - الممنوع الديني والاجتماعي يكبح المبدع العربي

ظلّ الأديب العربي عقودا أسيرا للثالوث المحرم (الدين الجنس والسياسة)، ومع هبوب رياح التغيير، وبروز الثورة الرقمية التي أتاحت حيزا أوسع لفعل الكتابة وحرية الإبداع، أخذت مسألة اختراق الممنوع في الأدب أنماطا ومستويات جديدة.

فبعد أن تجرأ كتاب كثيرون على مدار عقود على ملامسة هذه المحظورات، التي قد تؤدي بصاحبها إلى غياهب السجن، أو إلى استباحة دمه، تساءل كتاب وأدباء خلال ندوة "اختراق الممنوع في الأدب" المنظمة ضمن فعاليات المهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب بالعاصمة الجزائر: هل هذه المحظورات ما تزال سيفا مصلتا على رقابهم؟

كما طرحوا أسئلة بشأن هذه الممنوعات، وهل هي أمور متجاوزة بفعل الحراك السياسي والثورة الرقمية التي أسهمت في تجاوز سطوة سلطة الدولة والدين والمنظومة الأخلاقية المجتمعية، بإعطائها فسحة أكبر للكاتب العربي ليحكي هموم مجتمعه، وهواجسه الذاتية.

غمار المحرم
يقول صاحب رواية "شبابيك منتصف الليل" -الرواية التي منعت من الصدور عشر سنوات، لكونها عرّت حسب صاحبها التونسي براهيم درغوثي "وهم الفحولة العربية- إن "الأديب العربي ليس سهلا عليه الخوض في غمار المحرم، ومن يتجرأ على ذلك فعليه أن يجهز نفسه كما يجب، وأن يلبس ألف وجه ووجه، باستحضار التراث تارة، وباستعمال الرموز والاتكاء على الأسطورة والخرافة والحكايات الشعبية تارة أخرى".

ورغم أن درغوثي لامس في أعماله الثالوث المحرم، ففي رواية "دراويش يعودون إلى المنفى" تجرأ على المحظور السياسي، وفي "آية القيامة" لامس الممنوع الديني، بينما لامست رواية "شبابيك منتصف الليل" المحظور الجنسي، إلا أنه يقرّ بأن "مواضيع كثيرة متصلة بالدين يتهيب ويخاف الخوض فيها، مثل تقديم قراءة جذرية للدين مخالفة لوجهة نظر الفقهاء".

"ربما جبنا منه" يقول درغوثي، لأن المجتمع العربي الإسلامي -في رأيه- غير قادر على قبول ما تجرأ عليه الكتاب في الغرب، ولأن مشاهد القتل والذبح التي تقوم بها جماعات مسلحة مثل تنظيم الدولة الإسلامية ضد كل ذي رأي مخالف لنظرتهم للدين أمر يجعله يفكر مليا قبل أن يكتب.

اختراق الممنوع
من جهته، يقول صاحب رواية "هموم الزمن الفلاقي" الأديب والباحث في التاريخ والتراث الشعبي الجزائري محمد مفلاح أن اختراق الممنوع له تأويلات كثيرة.

ولفت إلى أن الممنوع في الأدب كانت له مفاهيم تختلف عن المفاهيم المنتشرة حاليا، وسابقا بفعل الأنظمة الشمولية، كان الكاتب يشتغل على نصه أيديولوجيا، ويواجه من خلال نصه ولو بشكل خفي سلطة الدولة.

لكن مع التطور الحاصل في المجتمعات العربية فقد باتت -في رأيه- الموضوعات المتصلة بالجنس والدين والسياسة موضوعات متجاوزة وبائدة.

ويشدد في حديثه للجزيرة نت على أن المواجهة الآن ليست مع السلطة، لأنها حررت الكثير من الأشياء التي كانت تحتكرها، بل أصبحت مع المجتمع الذي يرفض تناول الأديب أو المثقف مواضيع مرتبطة بجوهر الدين، والتاريخ، والأقليات، والأمن، والصراعات الإثنية، وبروز ظاهرة الإرهاب، وأفكار انفصالية.

وهذه الممنوعات -حسب رأيه- "أصبحت تشكل بالنسبة للكاتب سلطة رهيبة، ولا يمكن أبدا في هذه المرحلة أن يتحرر الأديب من سطوتها".

مواجهة النص
في المقابل، قدم الروائي المغربي عبد العزيز الراشدي مستوى آخر لمفهوم الممنوع، ومن خلال التجربة المغربية قال للجزيرة نت إن هذه التجربة تجاوزت مجموعة من مستويات مختلفة من الممنوع.

منها ما كان في مرحلة التأسيس في فترة الأربعينيات والخمسينيات كان الممنوع متعلقا بالاستعمار والاستقلال، وبعد الاستقلال بات الممنوع هو مواجهة الدولة للمجتمع من خلال الأحزاب السياسية والنقابات والمثقفين.

والآن بات الممنوع متعلقا بالكتابة وبالنص في حد ذاته، أي تكسير الأشكال والأنماط التقليدية السائدة، والنظم التي تأتلف بها الأجناس القصصية والروائية، ومدى قبول المتلقي التقليدي لهذا النوع من التكسير، وأصبح الأديب -يقول الراشدي- في مواجهة نصه.

وعبّر الكاتب ذاته عن مخاوفه من عدم قدرة الأديب على تجاوز سلطة المجتمع، لأن الأديب اكتشف أن المجتمع قد تجاوز سلطة الأدب بفعل الفورة التكنولوجيا، فالقضايا التي يطرحها المدون أو المواطن العادي أثناء تكسيره السلطات السياسية أو الدينية تتجاوز بكثير سقف النص الأدبي.

ويعتقد أن الأديب المغاربي والعربي بشكل عام لم تعد أمامه مشكلة في تكسير السلطات المتعددة، بقدر ما يواجه الآن خطورة تكسير المسلمات المجتمعية، مثل المسلمات العرقية والطائفية واللغوية، وحتى المسلمات اليومية التي تدخل في سياق العادات والتقاليد، لذلك الرهان على الأديب برأيه هو "محاولة تفكيك هذه السلطات من أجل بناء نص مختلف".
 
أعلى