قيس بن الحدادية - أَجِدَّكَ إن نُعمٌ نَأَت أَنتَ جازِعُ

أجدك إن نعم نأت أنت جازع *** قد اقتربت لو أن ذلك نافع
قد اقتربت لو أن في قرب دارها *** نوالا ولكن كل من ضن مانع
وقد جاورتنا في شهور كثيرة *** فما نولت والله راء وسامع
فإن تلقين نعمى هديت فحيها *** وسل كيف ترعى بالمغيب الودائع
وظني بها حفظ لغيبي ورعية *** لما استرعيت والظن بالغيب واسع
وقلت لها في السر بيني وبينها *** على عجل أيان من سار راجع
فقالت لقاء بعد حول وحجة *** وشحط النوى إلا لذي العهد قاطع
وقد يلتقي بعد الشتات أولو النوى *** ويسترجع الحي السحاب اللوامع
وما إن خذول نازعت حبل حابل *** لتنجو إلا استسلمت وهي ظالع
بأحسن منها ذات يوم لقيتها *** لها نظر نحوي كذي البث خاشع
رأيت لها نارا تشب ودونها *** طويل القرا من رأس ذروة فارع
فقلت لأصحابي اصطلوا النار إنها *** قريب فقالوا بل مكانك نافع
فيا لك من حاد حبوت مقيدا *** وأنحى على عرنين أنفك جادع
أغيظا أرادت أن تخب جمالها *** لتفجع بالأضعان من أنت فاجع
فما نطفة بالطود أو بضرية *** بقية سيل أحرزتها الوقائع
يطيف بها حران صاد ولا يرى *** إليها سبيلا غير أن سيطالع
بأطيب من فيها إذا جئت طارقا *** من الليل واخضلت عليك المضاجع
وحسبك من نأي ثلاثة أشهر *** ومن حزن أن زاد شوقك رابع
سعى بينهم واش بأفلاق برمة *** ليفجع بالأظغان من هو جازع
بكت من حديث بثه وأشاعه *** ورصفه واش من القوم راصع
بكت عين من أبكاك لا يعرف البكا *** ولا تتخالجك الأمور النوازع
فلا يسمعن سري وسرك ثالث *** ألا كل سر جاوز اثنين شائع
وكيف يشيع السر مني ودونه *** حجاب ومن دون الحجاب الأضالع
وحب لهذا الربع يمضي أمامه *** قليل القلى منه جليل ورادع
لهوت به حتى إذا خفت أهله *** وبين منه للحبيب المخادع
نزعت فما سري لأول سائل *** وذو السر ما لم يحفظ السر ماذع
وقد يحمد الله العزاء من الفتى *** وقد يجمع الأمر الشتيت الجوامع
ألا قد يسلى ذو الهوى عن حبيبه *** فيسلى وقد تردي المطي المطامع
كما قد يسلى بالعقال وبالعصا *** وبالقيد ضغن الفحل إذ هو نازع
وما راعني إلا المنادي ألا اظعنوا *** وإلا الرواغي غدوة والقعاقع
فجئت كأني مستضيف وسائل *** لأخبرها كل الذي أنا صانع
فقالت تزحزح ما بنا كبر حاجة *** إليك ولا منا لفقرك راقع
فمازلت تحت الستر حتى كأنني *** من الحر ذو طمرين في البحر كارع
فهزت إلي الرأس مني تعجبا *** وعضض مما قد فعلت الأصابع
فأيهما ما أتبعن فإنني *** حزين على إثر الذي أنا وادع
بكى من فراق الحي قيس بن منقذ *** وإذراء عيني مثله الدمع شائع
بأربعة تنهل لما تقدمت *** بهم طرق شتى وهن جوامع
وما خلت بين الحي حتى رأيتهم *** ببينونة السفلى وهبت سوافع
وإني لأنهى النفس عنها تجملا *** وقلبي إليها الدهر عطشان جائع
كأن فؤادي بين شقين من عصا *** حذار وقوع البين والبين واقع
يحث بهم حاد سريع نجاؤه *** ومعرى عن الساقين والثوب واسع
فقلت لها يا نعم حلي محلنا *** فإن الهوى يا نعم والعيش جامع
فقالت وعيناها تفيضان عبرة *** بأهلي بين لي متى أنت راجع
فقلت لها تالله يدري مسافر *** إذا أضمرته الأرض ما الله صانع
فشدت على فيها اللثام وأعرضت *** وأمعن بالكحل السحيق المدامع
وإني لعهد الود راع وإنني *** بوصلك ما لم يطوني الموت طامع
 
أعلى