حاتم صادق - من التراث المعادي للمرأة

كم هي موجزة وبليغة وموحية تلك الكلمات التي جاءت على لسان سيدنا عمر بن الخطاب: " والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم".

فقد استطاع فيها أن يقدم لنا تصورا موجزا وجامعا لما قدمه الدين الإسلامي في ميدان تكريم وتحرير المرأة، التي رفع من شأنها وأنصفها ورد إليها اعتبارها، وجعل إحدى سور كتابه الكريم تحمل اسم ( سورة النساء) إمعانا في الإكبار وزيادة في التشريف .

لم تعد المرأة في الإسلام هي تلك الجرثومة الخبيثة كما كان ينظر إليها من قبل ظهور هذا الدين الخاتم.. بل أصبحت شريكة الرجل ونصف المجتمع وجناحه الآخر، قسيمة الرجل وبدونها لا تحتمل الحياة ولا تكتمل.

وقد جاء في السنة الصحيحة ومن إشراقات النبوة ما يؤكد على ذلك ويقويه : " إنما النساء شقائق الرجال" ، لها ما له من الحقوق، وعليها أيضا ما عليه من الواجبات.

لكن لابد هنا لنا من وقفة ومن نقطة نظام.. فكلامنا السابق ينطبق فقط على إسلام القرآن وإسلام السنة النبوية الصحيحة التي تعمل في إطار هذا القرآن دون مخالفة أو تعارض أو تحايل بقصد الإلتفاف حول معنى الآيات أولي عنقها للإبتعاد عن مراد الله الذي يستحيل أن يفرق بين خلقه من بني الإنسان ، ولا يعرف التمييز على أساس اللون أو الجنس أو أي شئ آخر ، لأن المسالة محسومة ببساطة ومنذ الأزل ، من لدن حكيم خبير " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ، وكذلك " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض " صدق الله العظيم" .

أما إسلام التراث ، فشئ آخر تماما .. فيه من الغث كما فيه من السمين ، وفيه ما يوافق القرآن ، وفيه ما يخالفه تماما وربما يخاصمه بالكليه ويتجاهله تماما كأنه مجرد آيات قد أحيلت إلى سن المعاش .. ففي إسلام التراث، يمكن أن تجد وجها آخر سلبيا وقاتما ، وهو وجه صاغه ورسمه بعض المفسرين والفقهاء وناقلي الحكايات والأخبار ومشايخ التمييز ودعاة الذكورة.. تجدهم وقد انطلقت آراؤهم بدافع من تأثرهم ببيئاتهم ومجتمعاتهم البدائية المنغلقة والجامدة والقائمة بالأصل والأساس على التمييز العنصري بين الرجل والمرأة على أساس الجنس والنوع.. وهم في هذا لا يختلفون في رؤاهم وأرائهم وأحكامهم عن أحكام الجاهلية الأولى ، التي جاء الإسلام لينقضها نقضا تاما ويمحو أثرها من الوجود محوا بائنا لا رجعة فيه .

وحتى لا نسترسل في الكلام أكثر من هذا، نتوقف مع بعض ما جاء في هذا التراث في هذا السياق الذي نرفضه ولا نقبله بأي حال من الأحوال.. بل نرى أنه من الفروض الواجبة علينا أمام الله أن نفكك مثل هذه الخرافات والأباطيل، وأن نزيل وهم القداسة عن كثير مما أنتجه العقل الذكوري في الماضي وفي الحاضر على السواء ، وكذلك نقد ونقض ذلك النتاج الذي اكتسب حصانة وقداسة لمجرد صدوره عن الماضي وعن الأسلاف.

1- في كتابه (التبر المسبوك في نصيحة الملوك) يقول الإمام أبو حامد الغزالي :" قال عمر بن الخطاب التجئوا إلى الله عز وجل من شرار النساء واحذروا خيارهن "

وفي موضع آخر يقول الغزالي :

" قيل شاوروهن وخالفوهن، ويجب علي الرجل الفاضل المتيقظ أن يحتاط في خطبة النساء و طلبهن، وليزوج البنت لا سيما إذا بلغت ، لئلا يقع في الغدر و العيب و مرض الروح و تعب القلب، وعلى الحقيقة كل ما ينال الرجل من البلاء و الهلاك و المحن فبسبب النساء ".

كلام في الحقيقة لا يليق ان يصدر عن إمام مثل أبي حامد الغزالي الملقب بحجة الإسلام ! ولا أدري كيف اختصر الرجل نظرته للمرأة في أنها مجلبة للغدر والعيب والتعب ومرض الروح وكيف أنها سبب كل المحن والبلاء ؟!!

2- تزويج الطفلة:

قال ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري:

" أجمع العلماء على أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم وإن كن في المهد إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهن إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال وأحوالهن تختلف في ذلك على قدر خلقهن وطاقتهن. "

3- هل يجب على الزوج معالجة زوجته ودفع ثمن الدواء لها ؟

قال ابن قدامة في ( المغني ): " ولا يجب عليه – الزوج - شراء الأدوية ولا أُجرة الطبيب ؛ لأنه يُراد لإصلاح الجسم فلا يَلزمه ، كما لا يَلزم المستأجر بناء ما يَقع مِن الدار وحِفظ أصولها، وكذلك أُجْرة الحجّام والفاصد ".

ما رأيكم في هذا الكلام ؟

4- كفن الزوجة بعد وفاتها .. على من ؟

قال الكاساني في "بدائع الصنائع" : " ولا يجب على الزوجة كفن زوجها بالإجماع , كما لا يجب عليها كسوته في حال الحياة " . !! لا تعليق.

5 - كيف تذهب المرأة للمسجد ؟

في حديث مشهور للنبي (ص) وصية بأن تذهب النساء إلى المساجد "تفِلات" أي غير متعطرات ولا متبرجات.

وهذا كلام مقبول .. ولكن "القسطلاني" في شرحه للبخاري يزايد على كلام النبي ، فيرى أن تذهب النساء إلى المساجد بثياب المطبخ. وفيها روائح البقول والأطعمة. وغيره يرى ألا تذهب أبداً !! وكأنهم يعرفون مالا يعرفه النبي أو أنهم أكثر غيرة منه على نساء أمته ؟!

6- رهينة البيت:

روي عن السيدة عائشة " لو علم النبي ما أحدث النساء بعده لما أذن لهن في الخروج ".

وهذا الكلام لا يردده ويحاول فرضه إلا من يريدون أن تكون المرأة رهينة البيت لا تخرج منه فلا ترى أحدا ولا يراها احد.

وقد نسف الشيخ محمد الغزالي وهم هؤلاء في أول مؤلفاته (من هنا نعلم) ، بكلمات في غاية الجرأة والوضوح :

"هذا كلام لا يلتفت إليه، والسيدة عائشة على جلالة قدرها ليست مصدر التشريع في الإسلام ".

7- قال عمر بن الخطاب "لا يسأل الرجل فى أمرين :لم ضرب امرأته ولم عدد؟"

وإن صحت نسبة هذا الكلام إلى سيدنا عمر ، فهذا معناه أنه يؤكد أن ليس من حق احد ان يعاتب الزوج لم ضرب زوجته فهو من حقه ان يضربها حين يشاء دون أي لوم أو منع ولا يمنعه احد ان يتزوج على زوجته لان هذين الحقين كفلهما له القران دون قيود أو شروط .

8- خرافة أن صوت المرأة عورة:

كذبة من اكبر الأكاذيب التي شاعت بين المسلمين..وهي عبارة سيئة السمعة يتم تداولها على ألسنة المتشددين والمتنطعين دون تدبر أو نظر ..

فليس في القرآن الكريم آية ولا في سنة النبي الكريم حديث صحيح يمكن أن يتوصل به عاقل إلى هذا الحكم الشاذ..

وحتى لا يظن احد أننا نختلق القضايا ، أعود مرة أخرى إلى الكتاب المهم للشيخ الغزالي ( تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل ) لأتوقف مع ما قاله : " وعندما كنت أدرس في جامعة الجزائر الإسلامية ، كان الطلاب عن يميني في المدرجات والطالبات عن يساري ، ولاحظت أن الوجوم يخيم على البنات ،بعد أيام قلائل كن يسألنني فيها على استحياء!!

وعلمت أن الطلاب الذكور هددوهن إذا سألن ،فان صوت المرأة عورة! "

ولا شك أن ما أورده الشيخ الغزالي لم يكن نابعا فقط من عقول هؤلاء الطلاب ، بل هو ما تعلموه عن مشايخ الفكر العفن الذي ينشره بعض العلماء ، على حد تعبير الغزالي رحمه الله .

وللشيخ أيضا مقال رائع في كتابه الممتع (قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة) جاء فيه تحت عنوان:حرمة صوت المرأة.. إشاعة كاذبة، نقرأ فيه :

"وذكرنا من قبل أن أمرا إلهياً صدر بامتحان المؤمنات المهاجرات، وكان عمر يتولى ذلك الامتحان فهل قال أحد: إن صوت المرأة ـ حين تسأل فتجيب ـ عورة؟

اللهم إلا أن يزعم متقعّر أن الامتحان كان تحريريا لا شفويا!! كان النساء على عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يروين الأحاديث ويأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر، فما زعم أحد أن صوت المرأة عورة.

العورة في أصوات النساء ـ وأصوات الرجال أيضا ـ أن يكون الكلام مريبا مثيرا له رنين رديء!

ولا يوجد بين رجال الفقه من قال: صوت المرأة عورة، إنها إشاعة كاذبة."

9- حافظ إبراهيم والنقاب :

ومن تراثنا الأدبي الحديث ، أنقل لكم هذه الأبيات الطريفة والظريفة والصادمة في ذات الوقت للشاعر الكبير حافظ ابراهيم ، يتحدث فيها عن النقاب ..

فلو خطرت في مصر حواء أمنا

يلـــوح مـحيـاها لـــــنا و نـــراقبــــــه

وفي يدها العذراء يسفر وجهها

تصافح من تـــرى منا و تخاطبـــه

و خلفها موسى و عيسى و أحمد

و جيش من الأملاك ماجت مواكبه

و قالــوا لنــــــا نزع النقــاب محــــلل

لقـلـــنا لــــهم حق، و لكـــن نجانبــــه

وشاعر النيل يقول لنا هنا باختصار، لو أن جميع الأنبياء قالوا لنا أن نزع النقاب حلال حلال .. لما تركناه !!

هذه كانت مجرد نماذج من تراثنا المعادي للمرأة ، وهي بالقطع مما يستحق التوقف والنقد ، ولا يقلل من أهمية وضرورة ذلك تلك الحقيقة السوداء التي تجعل من النقد في المجتمعات التي يسودها هوس التدين - وليس التدين الحقيقي - عملا أشبه بالجريمة واقرب للخطيئة والتمرد على الأوامر السماوية .
 
أعلى