قصة ايروتيكية عزاء وسلوى

  • بادئ الموضوع د.محمد عبدالحليم غنيم
  • تاريخ البدء
د

د.محمد عبدالحليم غنيم

ـ 1 ـ
استدعى تشارلى فولي لزيارة زوجته دولي في مستشفى الأم الرحيمة ، جلس بجانب السرير، ثم اقترب أكثر ، وسألها :
ـ كيف حالك الآن ؟
رنت إليه مبتسمة ، بينما كان شعرها يتدلى على الوسادة البيضاء ، ثم قالت في هدوء :
ـ بخير
بدت مثل عجوز ، ومرهقة ، مقارنة بزوجها تشارلي ، كما بدت شاحبة شحوب الموت ، ثمة انتفاخات سوداء أسفل عينيها ، وعندما دست يدها في يد تشارلي ، لاحظ وجود بقعتين بنيتين فوق يديها الصغيرتين ، وعند ذلك قال :
ـ تبدين مرهقة . ألم تنامي ؟
ـ كنت مورقة إلى حد ما ليلة أمس .
قالت ذلك دون أن تشير إلى ألمها الحقيقي ، فهي لا تريد أن تزعجه ، وتساءلت :
ـ أليس هناك أخبار عن ليندا ؟
ـ اتصلت مرة ثانية أمس ، وقلت لها أنك على ما يرام ، وأن ليس هناك ما يجعلها تقلق عليك .
وليندا هي ابنتهما الكبرى ، تدرس في جامعة " جالواي" وستعود لقضاء إجازتها في أغسطس القادم ، أما ابنهما ( كالم) فيعيش مع طفليه في استراليا ، وهو لا يكاد يعرف شيئا عن سوء حال أمه ، ولأنه قلق بطبعه ، يفضل عدم إزعاجه .
حملق تشارلي بشرود عبر عنبر المستشفى الضاج بالثرثرة ، تضيئه أشعة شاحبة لشمس ما بعد الظهيرة ، وحيث يقوم الزوار بواجبهم المعتاد ، يجتمعون حول المريض ، وقد أحضروا معهم الزهور والفواكه ، ليرددوا كلمات الأمل والمواساة ، تساءل :
ـ هل زارك الدكتور مرة أخرى ؟
ـ ربما غدا !
ـ ألديك فكرة عن موعد خروجك من هنا ؟
استدارت دولى مبتعدة وسعلت في منديل ورقي ، ثم اعتدلت وأمسكت بيد تشارلي من جديد ، وقالت :
ـ سأعرف منهم يوم الاثنين ، ما زال هناك الكثير من الفحوصات ولن يسمحوا لي بالعودة إلى المنزل قبل معرفة النتائج ، أنا آسفة لمضايقتك يا تشارلي .
اهتز صدرها الصغير تحت ملابسها الليلية الثقيلة ، عند ذلك فكر تشارلي في طائر الخوف ، دولاريس دولاراسا الحلوة ، اعتاد أن يناديها هكذا لوقت طويل خاصة وقت الملاطفة ضاحكا من عينيها الحزينتين وأخذها الأمور بجدية ، ولم يستطع أن يمنع نفسه من السؤال ما الذى جعلها مريضة بالقلق هكذا. يا لدولي المسكينة !
انتبه تشارلي وقال :
ـ لا تجعلينهم يسمحون لك بالخروج من هنا قبل أن تبرأي تماما .
ـ هل تسير حياتك على ما يرام ، يا حبيبي ؟
ـ عظيم .
والواقع أن تشارلي ناجح في إدارة شئونه الخاصة ، فهو يأكل خارج المنزل ، ويبقى بعيدا بقدر ما يستطيع .
تمر الدقائق في ضجر حاد ، وتشارلي يراقب الزائرين ، محملقا في المنبه الصغير بجوار سرير زوجته ، يسمع دقاته المتباعدة ، يذكره هذا بالدقات المزعجة التي كانت توقظ زوجته في الفراش عند الفجر ، لتبدأ بعد دقائق طقوس تحضير الإفطار في المطبخ ، عند ذلك يستيقظ ، فثمة يوم عمل سيبدأ وأطفال يجب أن يفطروا ويذهبوا إلى المدرسة .

ـ 2 ـ
تك . تك . تك . تك
الآن كبر الأطفال جميعا، والحفيد الثاني على وشك المجيء ، الزمن يمضي والوجه الرمادي في المرايا الخلفية يذكر تشارلي بأنه في منتصف العمر حيث قدوم الأمراض ، ما قيمة المال الذي نمتلكه إذا لم نستطع التمتع به ؟ لم لا تأخذ الأمور مجراها ؟ لم العجلة ؟
آه .. الرحمة يا ربي بـ دولي . كم ستكون الحياة مختلفة بدونها ؟
أرخت دولي جفونها وفتحت فمها قليلا ، فبدت كأنها ميتة تقريبا ، مرت اللحظات بطيئة ، عند ذلك قالت دون أن تفتح عينيها :
ـ لا بد أن هذا مزعج جدا لك .
ـ لا مطلقا ، يسعدني دائما أن أراك .
ـ ليس لطيفا أن تزور أحدا في مستشفى . إن هذا كئيب للغاية .
ـ هراء .
اسندت دولي رأسها إلى المخدة البيضاء ، وقطبت وجهها للحظة ، ثم استجمعت شجاعتها ، وابتسمت قائلة :
ـ يجب أن تمشي الآن يا تشارلي ، أعتقد أنني في حاجة للنوم لبعض الوقت .
ـ أأنت متأكدة ؟
ـ حقا !
انتفض تشارلي واقفا ، وقال :
ـ سآتي قريبا .
ـ أرجوك لا تفعل ، في يوم السبت تكون العنابر مزدحمة بالناس انتظر حتى الصباح ، وتعال بعد الزحمة .
ـ هل هذا ما تريدينه حقا ؟
ـ نعم يا حبيبي
فتحت دولي عينيها وابتسمت مثل طفل ، ما أبعد الزمن بين الآن وبين طفولة دولي !
قالت دولي :
ـ تبدو متعبا يا حبيبي ، ألم تنم ؟
ـ كنت متوترا قليلا ليلة أمس .
ـ حاول أن تأخذ الأمور ببساطة .
شدت دولي على يد زوجها ، فاحتكت دبلة زواجها بخاتم زواجهما كانت أصابعها خفيفة مثل ريشة ، قالت :
ـ حان وقت الذهاب يا حبيبي ، حاول ألا تقلق .
انحنى تشارلي وقبًل جبينها الساخن ، ثم قال :
ـ سأراك غدا .
أغلقت دولي عينيها وسحبت أصابعها من أصابعه في رفق
تك . تك . تك . تك
مضى تشارلي في طريقه عبر الممر المصقول حتى وجد المخرج ، وفي الخارج استطاع أن يجد سيارته في الجراج المضيء ، اهتدى الى مكان سيارته وجلس في داخلها وأخذّ يحدق حوله في الزوار القادمين والمغادرين ، تمشي الممرضات في سرعة فتذكرنه بالفراشات .
امسك تشارلي بتليفونه المحمول وضرب رقما ، ردت النمرة على الفور فقال :
ـ كاثرين ؟
ـ أين أنت ؟ لقد انتظرتك طويلا لكي تتصل ؟
ـ أنا خارج المستشفى لقد انتهيت حالا من زيارتها .
ـ كيف حالها ؟
ـ بخير ، أظن أنها أفضل مما كنت أتوقع ! من يعرف ؟
أنزل تشارلي الشماسة ليحمي عينيه من الإضاءة المعمية ، ثم فرغ إلى صديقته الجديدة كاثرين ، وقال :
ـ ربما تظل هنا لفترة طويلة .
فتساءلت كاثرين على الفور :
ـ هل سأراك قريبا ؟
ـ أرجو ذلك .
ـ سأنتظرك الليلة ، إذا أحببت ؟
فكر تشارلي في منزله الخاوي والهادىء بدون دولي ، كذلك فى الصمت المخيف الذي تركته دولى وراءها ، ثم قال لكاثرين :
ـ أحب ذلك يا حبيبتي !
ـ إذن تعالى الآن .
ثم أضافت في صوت لعوب :
- سأقيم لك وليمة .
أنهى تشارلي المكالمة قائلا مع السلامة ثم أبعد التليفون و ابتسم تقريبا لأول مرة في يومه ، وبدأ يدير المحرك وفى عودته كان يرى عبر المرآة الخلفية للسيارة مبنى المستشفى الرمادي وهو يتقهقر بعيدا مثل سجن .
ساعدني يا رب ، ثم فكر وأضاف ساعدنا جميعا يا رب .

المؤلف : A. J. MCKENNA

أ.ج مكينا هو اسم مستعارل داود دونوفان ، كاتب قصة وروائى وسيناريست بريطانى نشرت قصصه في المملكة المتحدة والمجلات الايرلندية.


.

صورة مفقودة
 
أعلى