أبو القاسم الشابي - يا عذارى الجمال، والحبِّ، والأحلامِ،

يا عذارى الجمال، والحبِّ، والأحلامِ، = بَلْ يَا بَهَاءَ هذا الوُجُودِ
قد رأَيْنا الشُّعُورَ مُنْسَدِلاتٍ = كلّلَتْ حُسْنَها صباحُ الورودِ
ورَأينا الجفونَ تَبْسِمُ..، أو تَحْلُمُ = بالنُّورِ، بالهوى ، بِالنّشيدِ
وَرَأينا الخُدودَ، ضرّجَها السِّحْرُ، = فآهاً مِنْ سِحْرِ تلكَ الخُدود
ورأينا الشِّفاه تبسمُ عن دنيا = من الورد غضّة ٍ أملُود
ورأينا النُّهودَ تَهْتَزُّ، كالأزهارِ = في نشوة الشباب السعيدِ
فتنة ٌ، توقظ الغرام، وتذكيه = وَلكنْ مَاذا وراءَ النُّهُودِ
ما الذي خلف سحرها الحالي، السكران، = في ذلك القرارِ البعيدِ..؟
أنفوسٌ جميلة ٌ، كطيور الغابِ = تشدوُ بساحر التغريدِ
طاهراتٌ، كأَنَّها أَرَجُ الأَزَهارِ = في مَوْلِدِ الرّبيعِ الجَديد؟
وقلوبٌ مُضيئة ٌ، كنجوم الليل = ضَوَاعة ٌ، كغضِّ الورودِ؟
أم ظلامٌ، كأنهُ قِطَعُ الليل، = وهولٌ يُشيبُ قلبَ الوليدِ
وخِضَمُّ، يَمُوج بالإثْمِ والنُّكْ = رِ، والشَّرِّ، والظِّلالِ المَديدِ؟
لستُ أدري، فرُبّ زهرٍ شذيِّ = قاتل رغمَ حسنه المشهودِ
صانَكنَّ الإلهُ من ظُلمة ِ الرّوحِ = وَمِنْ ضَلّة الضّميرِ المُرِيدِ
إن ليلَ النّفوسِ ليلٌ مُريِعٌ = سرمديُّ الأسى ، شنيع الخلودِ
يرزَحُ القَلْبُ فيه بالأَلَم المرّ، = ويشقي بعِيشة المنكودِ
وَربيعُ الشَّبابِ يُذبِلُهُ الدُّهْرُ، = ويمضي بِحُسْنِهِ المَعْبُودِ
غيرَ باقٍ في الكونِ إلا جمالُ = الرُّوح غضًّا على الزَّمانِ الأَبيدِ
 
أعلى