تاج السر حعفر الخليفة - المشنقة

قل إنّ المساء مساحة البوح الوحيدة
و قل إنّ الظّلام يقودنا نحو الصّباح متى يشاء
و قل إنا تواعدنا- ليالي الظّلم أن نبقى هجائيين-حتى يستفيق الحرف من حمى التآكل
و قل إن الذين يعرقلون مسيرة الأشياء نحو ختامها-يتسابقون على رقاب الصابرين- ليقتلوا طفل الطبيعة
و قل إن الطبيعة مسرح الأحياء لا مسرح الموتى و لا مشروع مقبرة النكاية
قل إنا بدائيون إذا ..
و إنا هالكون و إن قطعنا بالسيوف بحار تسويف القضية
أصمت إذا و دعني أستبيح الآن مهزلة التواتر و التوقع

(أ)...
لأن الظلم يحدث ارتباكا في التوازن,ما بين أطفال الرغيف – و أنبوب التكثف- عقل
كان الكادحون يعمدون الأرض كي تبقى دليلا دامغا ضد التحرك نحو ما ليس احتمالا
للتنازع
و كانوا يزرعون الأرض حتى تحتملنا واقفين على رموش الموت و التعذيب
و كانوا يحصدون الزرع كي نمشي إلي الفوضى بحفنات الرغيف على يدينا, و ننسى أننا كنا نحاول أن نعيد توازن الأشياء , ما بين أطفال الرغيف – و أنبوب التكثف – عقل

(ب)
لأن الصبح يبدأ دائما في الزحف و ذاكرة الشعوب تغط في نوم عميق
كان الضوء يبدو اقتحاما لقانون الغياب العمد
و كنا نحسب الصبح احتفالا مبدئيا بالنهار-لنرقص رقصة الموت الأخيرة
و نفتح محضرا لليل-في كل الخلايا-و ننبش ذاكرات الدم
دم لا يرعوي لسياسة التحريف أو حتى صلات الدم
دم يرتاح في كل الشوارع,كي يؤسس غرفة الوطن- الحقيقة

(ج)
لأن العدل لا يعني اختفاء جريمة الوطن الكبيرة
كان السارقون يخاطبون الوعي من قلب الشريعة
وكنا نحسب الدين امتدادا للطهارة في سراديب الحكومة
لذلك نمحى في رحلة البحث, العنيد ونمحي في جولة التفتيش عن جدوى لانفصام ذواتنا, و ذوات من جاءوا بهذا الخبث في هودج الدين الحنيف
لكنه العدل ابتعاد صارم عن شهوة النفس الشغوفة
و تحديد لقانون التحرك في حدود الآخرين

) د)
لأن الحب شباك يؤدي للحياة
كان العاشقون يؤسسون شقاءهم في جوقة الحانات و النجوى
و إذ يتجاوزون الوعي عند حوارهم حتما فقد ألقوا بأنفسهم على بحر الضحالة
و كان الشعر يعني أن تكون مغبرا و مخمورا بأرخص ما تواجد من عرق
عرق لميلاد القصيدة
عرق لأخفاء الهزائم في عميق النفس كي تبدو حكيما
و عرق لكي تبقى على قيد الكلام

(ه)
لأن البحر فكرة أن تمزق امتداد اليابسة
كان الموج أول انعكاس للغضب
في رحلة الحرب الكئود – مع الشواطئ- كان البحر يلفظ كل أمجاد الملوحة
كان الملح يعني أن تموت برغبة قصوى – توازي انفصالك عن مياه البحر أو أن يكون القاع مثواك الجبان
فالبحر لم ينسى سؤاله في القديم
هل كانت الأرض اختلالا في انسياب قانون المياه؟
أم أنها جاءت لكي يبقى عليها الجند حراسا و مفتاحا لماخور الدماء

في أي صحراء نقاتل خوفنا
و ندق رايات العدالة ثم ندفن في البعيد هزائم الوعي الكثيرة
كل القوافل ساومتنا- فانشغلنا بالمياه- ولم نجد غير الهزائم في حقائبنا
فبعناها جميعا و انصرفنا مثل أطفال الملاجئ
لم نرتكب خطأ سوى التصفيق للتجار و الشرطة
و لكنا تواعدنا- ليالي الظلم- أن نبقى هجائيين- حتى يستفيق الحرف من حمى التآكل
لذلك إنبهمنا, نراقب موكب الحكام ينفذ من مسام الجلد يفلت من أصابعنا و يمضي
هكذا تمضي المواكب دائما- في حبل دهشتنا
و نحن الشاربون عصارة الخصي المعتق نبدأ بالغناء
ليصفق التأريخ , هذا الشاهد الرسمي في كل المحافل
هل كان في التأريخ ما يكفي من الثورات و النزف الصدوق كي نسير إلى البطولة ؟
هل كان في معنى البطولة ما يشد الناس نحو مجازر البارود و الموت البطيء على صدور الأغنيات ؟
هل كان في روح الغناء دلالة للوعي ؟ أم أن الغناء وسيلة مهزومة للبوح عن رفض تردد في الخروج مع الدماء ؟
دمنا!!
تخثر؟
أم تلاعب؟
أم تواطأ في القديم مع رموز البر جواز؟
يا كيف تحكمنا قوانين التراجع نحو أبواب القبيلة
و نحن الرافعون هتاف أن نبقى شواهد للحياة- على سجيتها- و نبقى احتمالا بالتواجد كيفما شئنا
و كيفما شئنا ...
تهب بنادق الكهنوت بين الطفل و اللعبة
ليبكي الطفل ملء مشيئة العسكر
و كيفما شئنا ...
يدق الفقر أبواب المنازل, يبحث عن فتات الرفض- في أعين الجوعى- يفتش في زوايانا عن النسيان و الكفر المؤسس بانعدام الخبز

مجانية أحلام هذا الشعب حين حملق في سقوف النخل
مجانية أحلامنا..
لو علقت بالنخل ما صمدت أمام الريح
و لو دست بإحكام تهاوت تحت أقدام الطغاة
و نحن الساكتون عن القضية كي نحوز على جواز الانتماء..
عاديون في أعيادنا...
متسامحون مع اللصوص...
نصلي صوب أحزان المساء
و نشرب في ليالي العرس نحلم بالبنات و ندعي مجدا من الأسمنت, أو طقسا من البارود, و الكرم المؤزر بامتلاك الأرض و الثروة
فلو كنا من الغابات حقا ..
لما تركت جموع الناس هذا العسكر المأجور- يرفل في الخضار بإسمنا
و لو كنا من الصحراء حقا ..
لقاتلنا الرعاة على جذوع النخل,ذدنا عن مياه النيل- آخر ما ادخرنا- للبقاء على مسارحنا
و لكنا كما نبدو هجينا نيئا لتلاحم الغابات و الصحراء, إذ يرتاح فوق رؤوسنا
التجار
و السمار
و الفوضى
و تحكمنا القبائل و الجنوووووووووود
تبا لهذا الإنطهاق المستفز
فهذا الخصي يشنق كل أحلام الطفولة
و هذا الوضع يتهمنا بالنضال و ينتهكنا واعيا بأزيزنا في الشارع المفقود, أين الشوارع كي نعلق معطيات المرحلة
بل أين المراحل كي نفتش عن طريق لا يضل طريقه نحو السياسة
إن المراحل تغتصبنا في الحروب لتشتري دخانها اليومي من سوق العساكر
إن العساكر باعة يتجولون على أزقتنا ,يبيعون الدعارة للذين يراهقون بشعبنا
كانوا كهولا ملتحين و راهقوا
ربحت تجارتهم
و مات البائعون دماءهم من اجل أن نمشي على أقدامنا, و نحسها تمشي – فنمشي نحو أفق لا يصله الباعة المتجولون
دعارة أن تشتري من عسكر شيئا لتحكم دولة الجوعى
و دعارة أن تستبيح الوعي كي تسري إلى ثرواتنا ليلا
فلا مسجدا أقصى وصلت
و لا وحيا أتاك من البعيد
ولا ارتفعت بمستواك إلى القضية
إن القضية أن توازي ما علمت بما تمارس من سلوك
و أن تمشي إلى الأشياء و أنت تدرك أنها الأشياء
و أن تبقى مع صوت الحقيقة- أينما اتجهت-لكي تبقى دليلا للحياة


تاج السر حعفر الخليفة
الخرطوم 1994
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى