ابن الفارض - عذِّبْ بما شئتَ

ما بينَ مُعْتَرَكِ الأحداقِ والمُهَجِ، = أنا القَتيلُ بلا إثْمٍ ولا حَرَجِ
ودَّعْتُ، قبلَ الهَوى ، رُوحي، لما نَظَرَتْ = عيناي منْ حسنِ ذاكَ المنظرِ البهجِ
لِلّهِ أجفانُ عينٍ، فيكَ، ساهِرَة ٍ، = شَوْقاً إليكَ، وقَلْبٌ، بالغَرامِ، شَجِ
وأضْلُعٌ نَحِلَتْ كادتْ تُقَوِّمُها، = مِنَ الجَوى ، كبِدي الحرّى ، مِنَ العَوَجِ
وأدمعٌ هملتْ لولا التَّنفسُ منْ = نارِ الهَوى ، لمْ أكَدِ أنجو منَ اللُّجَجِ
وحبَّذا فيكَ أسقامُ خَفيتُ بها = عنّي تَقومُ بها، عِنْدَ الهَوى حُجَجي
أصبحتُ فيكَ كما أمسيتُ مكتئباً = ولَمْ أقُلْ جَزَعاً:يا أزْمَة ُ انْفَرِجي
أهفو إلى كلِّ قلبٍ بالغرامِ لهُ = شغلٌ وكلِّ لسانٍ بالهوى لهجِ
وكُلِّ سَمْعٍ عنِ اللاحي، بهِ صَمَمٌ؛ = وكلِّ جفنٍ إلى الإغفاءِ لمْ يعجِ
لا كانَ وجدٌ بهِ الآماقُ جامدة ٌ = ولا غَرامٌ بهِ الأشْواقُ لمْ تَهِجِ
عذِّبْ بما شئتَ غيرَ البعدِ عنكَ تجدْ = أوفى مُحِبٍ، بما يُرْضيكَ مُبْتَهِجِ
وخذْ بقيَّة َ ما أبقيتَ منْ رمقٍ = لا خيرَ في الحبِّ إنْ أبقى على المهجِ
منْ لي باتلافِ روحي في هوى رشأ = حلوِ الشَّمائلِ بالأرواحِ ممتزجِ
منْ ماتَ فيهِ غراماً عاشَ مرتقياً = ما بينَ أهلِ الهوى في أرفعِ الدَّرجِ
محجَّبٌ لوْ سرى في مثلِ طرَّتهِ = أغنتهُ غرَّتهُ الغرَّا عنِ السُّرجِ
وإنْ ضَلِلْتُ بليلٍ، من ذوائِبِهِ، = أهدى ، لِعيني الهدى ، صُبْحٌ منَ البَلَجِ
وإنْ تنفَّسَ قالَ المسكُ معترفاً = لعار في طيبهِ منْ نشرهِ أرجى
أعوامُ إقبالهِ كاليومِ في قصرٍ = ويومُ إعراضهِ في الطّولِ كالحججِ
فإنْ نأى سائراً يا مهجتي ارتحلي = وإنْ دنا زائراً يا مقلتي ابتهجي
قُلْ للذي لامني فيهِ، وعنّفَني: = دعني وشأني وعدْ عنْ نصحكَ السَّمجِ
فاللّوْمُ لُؤمٌ، ولم يُمدَحْ بهِ أحدٌ؛ = وهل رأيتَ مُحِبّاً بالغرَامِ هُجي
يا ساكِنَ القَلبِ لاتَنظُرْ إلى سكَني = وارْبَحْ فؤادَكَ ؛واحذَرْ فتنة َ الدّعجِ
يا صاحبي، وأنا البَرّ الرّؤوفُ، وقد = بذلتُ نصحي بذاكَ الحيِّ لا تعجِ
فيهِ خلعتُ عذاري واطَّرحتُ بهِ = قَبولَ نُسكيَ، والمَقبولَ من حِججي
وابيضّ وَجهُ غَرامي في مَحَبّتِهِ، = واسودَّ وجهُ ملامي فيهِ بالحججِ
تَبارَكَ اللّهُ!ما أحلَى شَمَائِلَهُ، = فكمْ أماتتْ وأحيتْ فيهِ منْ مهجِ
يهوى لذكرِ اسمهِ منْ لجَّ في عذلي = سمعي وإنْ كانَ عذلي فيهِ لمْ يلجِ
وأرْحَمُ البرقَ في مَسراهُ، مُنتَسِباً = لِثَغْرِهِ، وهَوَ مُستحْيٍ من الفَلَجِ
تراهُ إنْ غابَ عنِّي كلُّ جارحة ٍ = في كلّ مَعنى ً لطيفٍ، رائقٍ، بهِجِ
في نغمة ِ العودِ والنَّايِ الرَّخيمِ إذا = تألَّقا بينَ ألحانٍ منَ الهزجِ
وفي مَسارِحِ غِزلانِ الخَمائِلِ، في = بردِ الأصائلِ والإصباحِ في البلجِ
وفي مَساقِطِ أنداءِ الغَمامِ، على = بِساطِ نَوْرٍ، من الأزهارِ مُنْتَسِجِ
وفي مَساحِبِ أذيالِ النّسيمِ، إذا = أهْدى إليّ، سُحيراً، أطيبَ الأرَجِ
وفي الْتِثاميَ ثَغْرَ الكاسِ، مُرْتَشِفاً = رِيقَ المُدامَة ِ، في مُستَنْزَهٍ فَرِجِ
لم أدرِ ما غُربَة ُ الأوطانِ، وهو معي، = وخاطِري، أينَ كَنّا، غَيرُ مُنْزَعِجِ
فالدَّارُ داري وحبِّيَ حاضرٌ ومتى = بدا فمنعرجُ الجرعاءِ منعرجي
ليهنَ ركبٌ سروا ليلاً وأنتَ بهمْ = بسيرهمْ في صباحٍ منكَ منبلجِ
فليَصنعِ الرّكبُ ما شاؤوا بأنْفُسِهم؛ = هُمْ أهلُ بدرٍ، فلا يَخشونَ من حَرجِ
يَحقّ عِصياني اللاحي عليكَ، وما = بأضْلُعي، طاعة ً للوَجْدِ، مِن وَهَجِ
أنظرْ إلى كبدٍ ذابتْ عليكَ جوى ً = ومقلة ٍ منْ نجيع الدَّمعِ في لججِ
وارحمْ تعثرَ آمالي ومرتجعي = إلى خِداعِ تَمنّي الوَعْدِ بالفَرَجِ
=واعطِفْ على ذُلّ أطماعي بهَلْ وعسَى ، وامننْ عليَّ بشرحِ الصَّدرِ منْ حرجِ
أهلاً بما لمْ أكنْ أهلاً لموقعهِ = قولِ المبشِّرِ بعدَ اليأًسِ بالفرجِ
لكَ البشارة ُ فاخلعْ ما عليكَ فقدْ = ذكرتَ ثمَّ على ما فيكَ منْ عوجِ
 
أعلى