أبو نواس - شَجاني ، وَأبْلاني تَذكُّرُ مَنْ أهوَى

شَجاني ، وَأبْلاني تَذكُّرُ مَنْ أهوَى ، ** وألْبَسَني ثَوْباً مِنَ الضُّرِّ وَالبَلوَى
يدُلّ عَلى ما في الضّميرِ ، مِنَ الفتى ، ** تقلّبُ عينَيهِ إلى شخصِ من يهوَى
وَما كلّ مَنْ يهوَى هَوىً هوَ صَادِقٌ ، ** أخو الحبّ نضوٌ لا يموتُ ، ولاَ يحيَا
خَطَبْنا إلى الدّهْقانِ بَعْضَ بناتِهِ ، ** فزَوّجَنا مِنهُنّ ، في خِدرِهِ ، الكُبرَى
ومَا زالَ يُغْلَي مهرَها ، ويزيدُهُ ** إلى أنْ بَلَغْنا مِنْهُ غايَتَهُ القُصْوَى
رَحيقاً أبوها الماءُ ، وَالكَرْمُ أمّها ، ** وحاضِنُها حَرّ الهجيرِ ، إذا يحمَى
لِساكِنِها دَنٌّ بهِ القارُ مُشْعَرٌ ، ** إذا برَزَتْ منهُ ، فليَسَ لها مثوَى
مجوسيّة ، قد فارقتْ أهلَ دينهِا ** لبِغْضَتِها النّارَ التي عندَهمْ تُذْكَى
رَأتْ عِندَنا ضَوْءَ السّراجِ ، فراعَها ، ** فَما سكَنَتْ حتى أمَرْنا به يُطْفَى
وَبَيْنَا نَرَاها في النّدامَى أسِيرَةً ** إذِ اندفعتْ فيهمْ ، فصَارُوا لها أسرَى
إذا أصبحت أهدَتْ إلى الشمسِ سجدة ، ** وتَسجدُ أخرَى حينَ تسجدُ للمسرَى
أُميتَتْ بلَذّاتِ الكُؤوسِ نفوسُهُم ، ** فأنْفُسُهمْ أحيا ، وأجسادُهمْ موْتَى
وساقٍ ، غرِيرِ الطرْفِ والدَلّ ، فاتنٍ ، ** رَبيبِ مُلوكٍ ، كانَ والدهمْ كِسرَى
حَثَثْنَا مُغنّينا على شُرْبِ كأسِهِ ، ** فتدركُهُ كأسٌ ، وفي كفّهِ أخرَى
فأمْسَكَ ما في كَفهِ بشِمالِهِ ، ** وَأوْما إلى السّاقي ، ليَسقيَ باليُمْنَى
فشبّهْتُ كأسيهِ بكفيهِ إذْ بَدا ، ** سراجينِ في محرابِ قسٍّ إذا صلّى . .
أديرَا عليَّ الكأسَ تنكشفِ البَلوَى ، ** وتلتذّ عيني طيبَ رائحةِ الدّنيَا
عقاراً كأنّ البرقَ في لمعانِها ، ** تَجَلّى لأبْصارٍ ، فكادَتْ بهِ تَعمَى
إذا ما عَلاها الماءُ خِلْتُ حَبابَها ** تَفاريقَ دُرٍّ ، في جَوانبها ، شَتّى
فتزْدادُ عِندَ الْمَزْجِ طيباً ، كأنّها ** إشارةُ منْ تهوَى ، إلى كلّ ما تهوَى
 
أعلى