رياض بن محمد المسيميري - القول الأحمد في حكم النظر إلى الأمرد

الحمد لله وبعد .
فهذه رسالة مختصرة في حكم النظر إلى الأمرد ، حيث كثر السؤال عن هذه القضية سيما ممّن تتطلب طبيعة عملهم الوظيفي أو نشاطهم الدعوي والاحتسابي مخالطة المردان !

وما هذا الرسالة سوى تأصيل للمسألة وتفصيل القول فيها بإيجاز للعلم والإحاطة وإلا فإنّ شباب أمتنا محل ثقتنا ، ومعقد آمالنا ،وقد أسميتها

القول الأحمد في حكم النظر الى الأمرد

والله المسدد والموفق ، وهو أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه .

تعريف الأمرد :

قال ابن منظور في اللسان (مرد) : ( والأمرد : الشاب الذي بلغ خروج لحيته ، وطر شاربه ، ولم تبد لحيته ، ومرد مرداً ومرودة وتمرد بقي زماناً ثم التحى بعد ذلك ) .

قال الفرّاء : ( وتمرد الرجلُ إذا أبطأ خروجُ لحيته بعد إدراكه ) ينظر القرطبي 13/ 209 .

قال ابنُ حجر في الفتح : (ومنه الأمرد : لتجرده من الشعر)

وقال المناوي في التعاريف (1/ 647) : ( المردة : جمع مارد وهو العاتي من الجن ، ومنه الأمرد ، لأنّه في عنفوان الشباب وأنشطه ، ومنه شجرة مرداء : لا شوك فيها.

وقال آخر : المرد : الأرض الخالية من النبات ، ومنه اشتقاق الأمرد لخلو وجهه عن الشعر).

أحكام النظر إلى الأمرد :

أولاً : النظر بشهوة :

بوّب البيهقي في الكبرى ( 7/ 99) : باب ما جاء في النظر إلى الغلام الأمرد بالشهوة .

قال الله جلّ ثناؤه : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) : ثم قال : وفتنته ظاهرة ، لا تحتاج إلى خبر يُبيِّنها وبالله التوفيق .. )

قلت : قوله : ( ولا تحتاج إلى خبر يُبيِّنها ) أي : أنّ الافتنان بالأمرد ، أمر معروف ، لا يخفى فلا حاجة إلى خبر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك ، لأنّه ساق ما لا يثبت من الأخبار ، وبيّن ضعفها !

ونقل الحافظ في الفتح (9/337) عن الغزالي قوله : ( لسنا نقول : أنّ وجه الرجل في حقها – أي المرأة – عورة كوجه المرأة في حقه ، بل هو كوجه الأمرد في حقّ الرجل فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط ) .

وقال المرداوي في الإنصاف ( 8/28) : [1] ( ولا يجوز النظر إلى أحد ممّا ذكرنا – منهم الأمرد – لشهوة ، وهذا بلا نزاع قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : ( ومن استحله كفر إجماعاً) .

قلت : وقول الأئمة : النظر بشهوة ، أي التلذذ بالنظر .

قال المرداوي في الإنصاف ( 8/30) : ( معنى الشهوة : التلذذ بالنظر ) .

وقال ابن مفلح في الفروع ( 5/ 113) : ( وقال ابن الجوزي : كان السلف يقولون في الأمرد : هو أشد فتنة من العذارى ، فإطلاق البصر من أعظم الفتن ) .

وقال زين الدين المليباري في الفتح ( 3/263) : ( ويحرمُ مصافحة الأمرد الجميل كنظره بشهوة) .

وقال أحمد بن غُنيم النفراوي المالكي في الفواكه الدواني : ( قال : فلا يحلُّ له النظر لأجنبية ، ولا لأمرد على وجه الالتذاذ للإجماع على حرمة النظر بقصد الشهوة لغير الزوجة والأمة قال ابن شعبان : النظر إلى الأمرد الحسن الصورة على وجه الالتذاذ كالنظر إلى الشابة .

وأما النظر إليه لا بقصد الالتذاذ أو الخلوة به فلا حرمة لمن علم السلامة على مقتضى مذهبنا لكنّ السلامة في ترك ذلك) .

النظر بغير شهوة :

قال ابن عابدين في الحاشية ( 1/ 407 ) : ( ويحرمُ النظر إلى وجهها – أي المرأة – ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة أما بدونها فيباح ولو جميلاً ، كما اعتمده الكمال قال : فمحلُّ النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع عدم الصورة

ثانياً : النظر بلا شهوة

وقال المرداوي في الإنصاف ( 8/ 28 ) : [2] ( النظر إلى الأمرد لغير شهوة على قسمين :

أحدهما : أن يأمن ثوران الشهوة .
فهذا يجوز له النظر من غير كراهة على الصحيح من المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب ، وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب ، وغيرهم ، وقاله أبو حكيم وغيره ولكن تركه أولى صرّح به ابن عقيل .

قال : وأما تكرار النظر فمكروه .
وقال أيضاً في كتاب القضاء : تكرار النظر إلى الأمرد مُحرّم ؛ لأنّه لا يمكن بغير شهوة .
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : ومن كرر النظر إلى الأمرد وقال : إنّي لا أنظر بشهوة ؛ فقد كذب في ذلك !
وقال القاضي : نظر الرجل إلى وجه الأمرد مكروه .
وقال ابن البنا : النظر إلى الغلام الأمرد الجميل مكروه نصّ عليه وكذا قال أبو الحسين .

القسم الثاني : أن يخاف من النظر ثوران الشهوة .

فقال الحلواني : يكره ، وهل يحرم ؟ على وجهين .

وحكى صاحب الترغيب ثلاثة أوجه : التحريم وهو مفهوم كلام صاحب المحرر ، فإنّه قال يجوز لغير شهوة إذا أمن ثورانها .

واختاره الشيخ تقي الدين[3] فقال: أصحُّ الوجهين لا يجوز .

وقال المصنف في المغني : إذا كان الأمرد جميلاً يخافُ الفتنة بالنظر إليه ، لم يجز تعمد النظر إليه .

قال في الفروع : ونصُّه : يحرمُ النظر خوف الشهوة .
والوجه الثاني : الكراهة ، وهو الذي ذكره القاضي في الجامع وجزم به الناظم .
والوجه الثالث : الإباحة ، وهو ظاهر كلام المصنف هنا وكثير من الأصحاب.

والمنقول عن الإمام أحمد رحمه الله كراهة مجالسة الغلام الحسن الوجه .

وقال في الرعاية الكبرى : ويحرمُ النظرُ إلى الأمرد لشهوة ويجوز بدونها مع أمنها ، وقيل : وخوفها .

وقال في الهداية والمذهب والمستوعب ، والرعاية الصغرى والحاوي الصغير : وإن خاف ثورانها فوجهان).

مفاسدُ النظَّر إلى المردان :

1- عموم فتنته للجنسين :

قال ابنُ عقيل : الأمرد ينفق على الرجال والنساء فهو شبكة الشيطان في حقّ النوعين .

قلت : ينفقُ على الرجال والنساء : أي يفتن الرجال والنساء ويحب كلّ منهم وصاله في الحرام عياذاً بالله .

2- تهييج شهوة الناظر :

إنّ الناظر إلى الأمرد الجميل ، مهما كان تقياً فهو عرضة مع إمعان النظر ، وحدّ البصر إلى الافتتان به عياذاً بالله .

قال ابن كثير: كان السلف يكرهون أن يحد الرجل النظر الى الأمرد.

3- افتتان الأمرد نفسه :

لا ريب أن شعور الأمرد بإهتمام الناظرين اليه ، وإدامتهم تأمل محاسنه لن يخلو من مفسدة بل مفاسد منها:

1- شعوره بأنّه محط الأنظار ، ومهوى الأفئدة فإن كان ضعيف الإيمان ، هزيل التربية دفعه ذلك إلى صنع علاقات مريبة مع الذكور عياذاً بالله . أو شجعه جماله وحسنه على تصيد النساء بعد أن امتلأ ثقة بجاذبيته .

2- وأما إن كان تقياً ورعاً لا تعجبه تلك النظرات المريبة والتأملات المشبوهة فإنه قد يصاب بإحباط وآلام نفسية حين يشعر بأنّه مثير للغريزة ، وموجج لشهوات الرجال كالنساء .

ولربما وسوس له الشيطان هو الآخر فوقع في غرام النساء بعد أن أوحت إليه كثرة النظرات أهليته لإشباع الغريزة بالحرام عياذاً بالله .

وفي قصة يوسف عليه السلام أعظم عبرة في خطورة كيد النساء وتربصهن بالمُرد الحسان إلا ما رحم الله .

وإلى هنا تم المقصود بحمد الله, والله أسأل أن ينفع به كاتبه وناسخه وقارئه وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

*شبكة "صيد الفوائد"
 
أعلى