ستيفن ليكوك - حسابى فى البنك.. ت: محمد العزب موسى

عندما أدخل بنكا أشعر بالخوف ، فالموظفون يخيفوننى و الكاتبة تخيفنى ، و مرأى النقود يخيفنى ، كل شيىء يخيفنى ..
و فى اللحظة التى أدخل فيها أحد البنوك و أحاول أن أقوم بعمل هناك أتحول إلى أحمق نزق.
كنت أعلم ذلك من قبل ، و لكن مرتبى ارتفع إلى خمسين دولار فى الشهرو شعرت أن البنك هو المكان الوحيد المناسب له.
لذا دخلت بخطوات مضطربة و تطلعت حولى فى الموظفين بخوف ، كانت لدى فكرة عن أن الشخص الذى يريد أن يفتح حسابا يجب عليه أن يستشير المدير.
صعدت إلى مكان مكتوب عليه "إدارة الحسابات" و قابلت المحاسب و هو رجل طويل بارد يشبه الشيطان ، مجرد مرآه أخافنى و تحشرج صوتى كما لو كان خارجا من قبر ، و سألته :
- هل يمكننى رؤية المدير ؟
قلت ذلك و أضفت بوقار " على انفراد".
و لست أعلم لماذا قلت على انفراد.
قال المحاسب و هو يذهب لإحضار المدير : بكل تأكيد.
كان المدير رجلا طويلا تبدو عليه ملامح الجدية ، و كنت أحمل دولاراتى الستة و الخمسين مكورة فى جيبى.
- هل أنت المدير ؟ قلت ذلك و الله أعلم بأنى لم أكن أشك فى كونه المدير.
قال : نعم.
سألته : هل يمكننى أن أراك ... على انفراد ؟
لم أكن أريد أن أنطق عبارة على انفراد و لكن بدون هذه العبارة يصبح السؤال لا محل له.
فنظر المدير نحوى بشيىء من القلق ، لقد شعر أن لدى سرا رهيبا أريد أن أفضى به إليه.
- تعال معى
قالها المدير و هو يقودنى إلى غرفة خاصة ، ثم أغلق الباب علينا بالمفتاح و قال:
- لن يزعجنا أحد هنا ، تفضل بالجلوس.
جلسنا و أخذ كل منا ينظر إلى الآخر ، و ضاع منى الصوت فلم أستطع أن أبدأ الحديث.
قال المدير : - اعتقد أنك أحد المخبرين من بنكرتون !
لقد جعلته حالتى الغريبة يشعر أننى مخبر ، كنت أعلم ماذا يفكر فيه ، و هذا جعلنى أكثر اضطرابا.
قلت : "كلا ... لست من بنكرتون " و كأننى أعنى أننى من وكالة منافسة ، ثم تداركت الموقف قائلا :
- الحقيقة .. إننى لست مخبرا على الإطلاق ، لقد جئت لأفتح حسابا .. أريد أن أحفظ نقودى فى هذا البنك !
ظهرت معالم الراحة على المدير و لكنه ظل جادا ، لقد شعر بالتأكيد الآن أننى رجل ثرى جدا ، كابن البارون روتشيلد مثلا.
قال : - حساب كبير على ما أعتقد ؟!
فهمست قائلا :
- كبير إلى حد ما ، أريد أن أضع فى هذا البنك ستة و خمسين دولارا الآن و أضيف إليها خمسين دولارا كل شهر بانتظام.
هب المدير واقفا و فتح الباب ، و نادى المحاسب و قال بصوت مرتفع خال من الرقة :
- مستر مونتجمرى .. هذا السيد يريد أن يفتح حسابا إنه يريد أن يودع ستة و خمسين دولارا فيه .. عم صباحا !
قمت بدورى ، و انفتح باب حديدى كبير فى جانب الغرفة فرددت و أنا أسير نحوه:
- صباح الخير يا سيدى.
قال المدير ببرود و هو يدلنى على الطريق " - اخرج.
ذهبت إلى حيث يجلس المحاسب و ألقيت أمامه كومة النقود بحركة سريعة مفاجئة كما لو كنت أقوم بخدعة ما .. و أصبح وجهى شديد الشحوب و قلت :
- هذا المال ... ضعه فى حسابى !
و كان لسان حالى يقول : " دعنا ننتهى من هذا الأمر ما دمنا نريد أن يتم ".
فأخذ النقود و أعطاها إلى موظف آخر ، و جعلنى أكتب المبلغ فى قصاصة ورق و أوقع بأسمى فى دفتر .. لم أعد أعرف ماذا أفعل و بدا البنك كأنه يترنح أمام عينى.
و تسائلت فى صوت أجوف :
- هل أصبح فى حسابى الآن ؟
قال المحاسب :
- أصبح فى حسابك.
- إذن أريد أن أسحب شيكا.
كانت فكرتى أن أسحب ستة دولارات من المبلغ للاستخدام الحالى ، و قدم لى شخص ما دفتر شيكات بينما بدأ آخر يعلمنى كيف أستخدمه ، شعر الناس فى البنك أننى أملك ملايين الدولارات ، و لكنى أشعر بأننى لست على ما يرام ، فكتبت شيئا فى الشيك و دفعته إلى الموظف الذى نظر إليه و سأل فى دهشة:
- ماذا ؟ أتريد أن تسحب كل المبلغ مرة أخرى ؟
و عندئذ تحققت أننى كتبت فى خانة السحب ستة و خمسين دولارا بدل من ستة دولارات ، و شعرت باضطراب شديد ، و أحسست أن من المستحيل على أن أفسر الأمر ، و توقف جميع الموظفين عن العمل و تطلعوا نحوى !
شعرت بالجرأة و عدم الاهتمام فى بؤسى ، و اتخذت قرارا :
- نعم ... كل المبلغ !!
- هل تريد أن تسحب نقودك من البنك ؟!
- إلى آخر سنت منها !!!
قال الموظف مندهشا : ألا تنوى أن تبقى هذا الحساب مفتوحا ؟
- إطلاقا !
جاءنى أمل أحمق بأنهم يتصورون أن شيئا ما قد أهاننى و أنا أكتب الشيك فغيرت رأيى ، و قمت بمحاولة يائسة لأبدو فى مظهر رجل سريع الغضب.
استعد الموظف ليعيد النقود ، و سألنى :
- كيف تريد أن تأخذها ؟
- ماذا ؟
ثم فهمت ما المقصود بسؤاله ، و قلت بدون تفكير :
- ورقة بخمسين دولارا.
فأعطانى ورقة بخمسين دولارا و سأل ببرود :
- و الدولارات الست ؟
قلت :
- ستة أوراق فئة الدولار.
فأعطانى الدولارات السيتة و أندفعت خارجا.
و عندما كان الباب الكبير يغلق خلفى سمعت عاصفة من الضحك تتصاعد إلى سقف البنك ، و منذ ذلك الحين لم أفكر فى اللجوء إلى بنك مرة أخرى ، و تعودت أن أحتفظ بنقودى فى جيبى ، أما مدخراتى فأحولها إلى دولارات فضية و أضعها فى حصالة !.


.
 
أعلى