باسم عبد الحميد حمودي - كتاب مفتوح إسمه ألف ليلة وليلة

ا اصول كتاب (الف ليلة وليلة) الاولى؟
بعضهم يقول انها شامية وبعضهم يقول انها مصرية وبعضهم يقول انها عراقية؟ ولان المجتمع العربي الاسلامي في القرون التي خلت لم يكن يحتاج المرء فيه الى جواز سفر للرحلة في طلب العلم او غيره فلم يعر احد اهمية ان (يصدر) او (يكتب) او (يروي) هذا الكتاب في بغداد او الشام او القاهرة مادام الجميع قد افادوا من ثمار العمل واخذوه الى مكتباتهم وحلقات درسهم. ان مشكلة الف ليلة وليلة انه ليس كتاباً للدرس فقط بل للمتعة ايضا وانه كتاب مفتوح استطاع كثيرون ان يضيفوا اليه وان يشوهوه او (يحسنوا) من مستواه، وان اول من فعل ذلك هم النساخ الذي كان اولهم الشيخ احمد بن محمد شيرواني الذين طبع اول نسخة عربية للكتاب عام 1814 (الجزء الاول) و1818 (الجزء الثاني) في المطبعة الهندوستانية بكلكتا. ويكشف الدكتور محسن مهدي في كتابه (الف ليلة من اصوله العربية الاول) عن زيف هذه الطبعة
وعن توالي التحريف والاضافة والحذف فيها، كما يكشف د. محسن جاسم الموسوي في كتابه (الف ليلة وليلة في النقد الانكليزي) عن تعديلات المترجم الانكليزي الاول المجهول لـ(ليالي السمر العربية) التي ترجمها في مطلع القرن الثامن عشر وعن اضافات نسخة (لين) فيما بعد ونسخة (جالاند) الموثوقة.
اقدم النسخ
تقدم الباحثة نبيهة عبود بحثاً نشرته عام 1949 في مجلة دراسات الشرق الادنى الصادرة في شيكاغو، وقد اثبتت الباحثة ما تبقى من ورقة هي اقدم ما حصل الينا مما كتب على الورق باللغة العربية تحمل عنوان احدى الامهات القديمة، وفيها شهادة بتاريخ 266 هـ/789م وبينت ان عنوان الكتاب كتاب في حديث الف ليلة وان اصل الورقة مما له علاقة بهذا الكتاب تعود الى اوائل القرن الثالث من الهجرة ولتشير بعد ذلك الى النسخ المزورة او الملفقة واجتهادات محسن مهدي في الكشف والترميم.
كيف وصل الكتاب الى الغرب؟
يميل البحث الى الحديث القائل ان الصليبيين قد حملوا معهم مكتبة الامير اسامة بن منقذ 584هـ/1188م عند رحيلهم في احدى السفن، وان نسخاً متعددة من الكتاب كانت داخل المكتبة. واذا كان هذا الامر يعد شيئاً (طريفاً) نذكره هنا للتدليل على سحر هذا الكتاب فيما بعد في اوروبا حيث يثبت الدكتور محسن الموسوي في الطبعة العربية من كتابه (الف ليلة وليلة في نظرية الادب الانكليزي) وفي ص19 من الطبعة الثانية رأى المستشرق مكدونالد ان اول ترجمة انكليزية عرفت باسم شارع كرب وانها (كانت متداولة في عام 1706) وذلك في الفصل الاول من الكتاب. واذا كانت نسخة كرب الصادرة بالانكليزية قد سبقت الطبعة العربية الاولى باكثر من مئة عام فان قائمة د.محسن الموسوي الموجودة في نهاية كتابه تثبت اسماء اكثر من عشرين طبعة حتى عام 1795 (ص225) وكلها نسخ غير مشذبة وقد اضيف اليها الكثير على (النص) الاصلي لليالي واذا كان العديد من الباحثين الاوربيين يبين في الغرب قد حاول ان يقع على المصدر الاساس (النسخة الام ) لألف ليلة فان الباحثين العرب لم يقصروا في ذلك فالشاعر شفيق المعلوف يشير في كتابه (حبات زمرد) ان (مؤلف الف ليلة وليلة هو والد حزين وبحار من اهل البصرة عاش في السنة الالف للميلاد وانه السندباد نفسه) وواضح ان احداً غيره لم يقل بذلك فيما يشير احمد حسن الزيات الى ان حكايات الف ليلة قد جمعت ما بين عامي 1517 -1526 وقد ذكرها المسعودي في كتابه (مروج الذهب) عام 907م وذكرها (الفهرست) لابن النديم المتوفي عام 995م وذكرها مؤلف (نفح الطيب) وهو المقري على لسان مؤرخ مصري مجهول هو القرطي الذي كان اول من اسماها (الف ليلة وليلة) استناداً الى استنتاج الفه ادلبي في كتابها (نظرة في ادبنا الشعبي) وتاتي دراسة الاستاذ جبرا ابراهيم جبرا (الف ليلة وليلة .. الف صيغة وصيغة) لتبحث من جديد في اصل الليالي لتؤكد شيئاً اخر وهو ان الليالي دونت أول مرة بشكل لنا ان ندعوه بـ النسخة الاصلية في النصف الثاني من القرن الثالث عشر في عهد المماليك اما في سوريا او مصر وقد ضاعت هذه النسخة الاصلية ولكنها نسخت بعد ذلك بثلاثين او اربعين سنة وعن هذا الاصل تفرعت النسخ الى فرعين منفصلين السوري والمصري.
والملاحظ ان جبرا يعتمد في تفصيلاته على دراسة الباحث العراقي حسن داوي وهو يكتب مقدمة الطبعة الانكليزية لنسخة د.محسن مهدي التي اصدرها بعنوان (كتاب الف ليلة وليلة في اصوله العربية الاول) وطبعها في ليدن 1984.
والملاحظ ان التحقيق الممتاز لمحسن مهدي قد وصلنا وقد كتبت عنه بحثاً نشرته في العدد (6) من مجلة التراث الشعبي عام 1987 وان المقال قد اعيد نشره بأذن من المجلة في عدد مجلة التراث الشعبي الخاص بألف ليلة وهو العدد الاول من عام 1989 وان هذا الباحث قد وضع زمن تأليف النسخة الام القديمة في القرن الثالث الهجري وان هذه النسخة قد ضاعت لتظهر من جديد بين الرواة في القرن السابع الهجري تتلوها نسخة سماها نسخة الدستور في القرن الثامن الهجري والتي تفرع منها الفرعان الشامي والمصري وان النسخة الام يمكن تركيبها من جديد من النسخ الخطية المتوفرة.
ثم قام د.محسن مهدي بالتأكيد على عراقية النسخة الام القديمة مع ايراد ملاحظاته المتمكنة الفاحصة لتفكيك النسخ المطبوعة الاولى بالعربية وهي نسخ كلكتا وبولاق والمغربية وبرسلاو وكشف الاضافات غير الحقيقية على الليالي ومنها حكايات علاء الدين والمصباح السحري وعلي بابا والاربعين حرامي وغيرها.
واذا كان عبد الصاحب العقابي قد اكد عراقية نسخة مرسلاو المطبوعة عام 1714 فقد فعل ميخائيل صباغ (احد معاوني المستشرق دي ساسي) حيث زعم انه عثر على نسخة الحكايات عن مخطوطة بغدادية كتبت عام 1703 وكانت هذه النسخة المزورة هي (التي اعتمدها كل من برين وبيرتون) على مايذكر جبرا نقلاً عن هداوي.
والملاحظ هنا اصرار الوراقين والناسخين وحفاوتهم بالنسخ التي يصطنعوها عفلى انها نسخ بغدادية، وهو امر لايناقض جهد د.محسن مهدي الرائد في اثبات عراقية النسخة الام القديمة حيث يؤكد في ص48 من مقدمة كتابة الى ان (الامهات القديمة للكتاب قد الفت في العراق رواسب اوائل العصر العباسي ثم انتقل الكتاب بعد ذلك الى بلاد الشام مصر) يشير بعد ذلك الى ضغط رواسب لغة الكلام البغدادية العامية) دون ان يتوسع الى ابعد بعد ذلك. اننا اذ نثبت ذلك نقول بضياع النسخة العراقية الام بين الرواة والوراقين وبانتقالها بصيغ مختلفة الى بلاد الشام ومصر والمغرب ثم الى اوربا بعد ذلك وان محسن وغيره من المحققين الجادين يرفضون الاعتماد على هذه النسخ (المزورة) بعد مناقشتها مناقشة علمية شاملة في الاصل الذي يشمل الابطال والاماكن والروايات الزائدة الملفقة ليعتمد النسخة (1) المحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس كأساس للعمل التحقيقي الذي قام به متكئاً على نسخ اخرى هي نسخة حلب او مكتبة مانشستر ونسخة الفاتيكان ليضع الليالي الاصلية في حدود 350 ليلة.
الليالي واصول الرواية
واذا كان د. محسن مهدي قد اثبت عراقية التأليف وانتقالاته بالرواية الى العواصم العربية الاخرى- بعد ضياع الامل- فان الباحث الدكتور احمد علي مرسي يقول (ان النص الشعبي هو مجرد جسم ذي علاقة بالتراث الخاص بالمجتمع الذي آل والراوي هنا هو الذي يكسوه ويزينه ويجعله حياً ومن هنا نزعم ان السيرة والحكاية والاغنية القصصية على نحو ما انما تؤلف ويعاد تأليفها في اثناء الاداء ذاته على ان نضع في اعتبارنا ان مصطلح التأليف هنا هو ليس المصطلح الذي نستخدمه في دراساتنا للفنون خاصة) واذا كان باحثو ندوة بغداد الثانية للتراث الشعبي قد ناقشوا د.مرسي في رأيه هذا فان موضوع التأليف والرواية للرواية الشعبية والحكايات يظل موضوعاً مطروحاً للنقاش كما تظل علاقة التدوين بالرواية المستمرة المعدلة للنص الشعبي موضوعاً قابلاً للنقاش.
__________________
 
أعلى