منقول - «ديكاميرون» ألف ليلة وليلة الإيطالية

استعار بوكاشيو الاسلوب السردي لألف ليلة وليلة، ليكتب النسخة الايطالية منها، مدفوعاً بذلك السحر الذي ينبعث من حكايات هذا الكتاب الذي سافر الى أنحاء العالم، ليكون صندوق الحكاية العالمية، لكن الاختلاف هنا، أن بوكاشيو (1313 ـ 1375) اكتفى بسرد حكاياته خلال «مئة ليلة» تروى على مدى عشرة أيام، ووجد في الطاعون الذي غزا مدينة فلورنسا في العام 1348 مفتاحاً لرواية حكاياته المئة، فبعد أن انتشر الوباء في المدينة، دب الهلع والفوضى بين السكان، فأخذوا يهربون الى كل الجهات، وبحكم هذا الظرف الاستثنائي، تكونت جماعة من عشرة اشخاص، غادرت المدينة الى الريف واجتمعت في منزل ريفي منعزل. كانت المجموعة مؤلفة من سبع فتيات وثلاثة شبان، وكي يتخلص هؤلاء من الضجر والملل، اقترحوا على بعضهم، أن يروي كل واحد منهم حكاية كل ليلة، على أن ينتخب أحدهم موضوعها. هكذا اختار بوكاشيو في النهاية مئة حكاية، ينبغي توزيعها على هذه المجموعة، ولكل حكاية مناخها وامثولتها، فكانت الحكاية الأولى تدور حول رجل يملك خاتماً، وقد نسخه مرتين كي يرث أولاده الثلاثة الثروة المنشودة. فكانت النسختان غير الأصليتين تتشابهان تماماً مع النسخة الأصلية، وعلى أحدهم أن يكتشف الحقيقة ليفوز بالثروة.

تتميز حكايات بوكاشيو بالرشاقة والتشويق والخفة، من دون أن تتخلى عن امثولة اخلاقية تعزز أهميتها، كما أن عمارتها التوالدية المستمدة من عمارة «ألف ليلة وليلة» جعلت هذه الحكايات بمقام سردي آخر، قائم على الصدمة أو المفاجأة التي تحملها الحكاية في الختام. هكذا في نهاية اليوم العاشر، تعلم الجماعة بأن مرض الطاعون قد أخذ ينحسر شيئاً فشيئاً عن المدينة، فتعود المجموعة الى شؤونها الخاصة، بعد أن كسب كل واحد منهم مئة حكاية، سوف يجول فيها خلال حياته مثل كنز في الحب والصداقة والخيانة والخير والمعرفة والجمال. وقد استمد بوكاشيو هذه الحكايات من مدينته نابولي، وتحديداً من الطبقة البورجوازية التي ينتمي إليها، وهذا ماجعله يستبدل صورة الرجل النبيل بصورة البطل الحقيقي للمدينة وهو التاجر المغامر، وهو بذلك يمزج السيرة الشخصية بالسيرة الخيالية.

حكايات ديكاميرون تميل الى الاختزال والتكثيف، الأمر الذي جعلها قابلة لأن تروى في السهرات ضمن اطار روائي يشبه سردية «ألف ليلة وليلة» بأسلوب شاعري يعزز روح المغامرة والتوق الى حياة جديدة تطوي القيم القديمة المتخلفة، فالجرأة التي يتمتع بها أبطال هذه الحكايات، هي جوهر هذه الحكايات، بما فيها من عناصر الحيلة والدقة والمهارة، إذ لابد من أن ينال أبطالها في نهاية المطاف، المكافأة المجزية.
 
أعلى