مها السراج - شهرزاد برؤية عصرية

شهرزاد ساحرة الحكاية استطاعت بمخيلتها الفذة أن تملك حواس الملك وتسيطر على عقله وتأسره كل ليلة بحكاية من عالم مسحور وغير مسحور ..إمرأة لم يسلط الضوء على شخصيتها في عدد من الجوانب. لقد بقيت أسيرة الحكاية ببساطتها وسذاجتها. لم تكن شخصية شهرزاد كما صورتها حكايات ألف ليلة وليلة امرأة خائفة ومرتعدة من السيف المسلط على عنقها ولكنها كانت شخصية ذات أبعاد أعمق وأكبر ... فتلك المرأة استخدمت بدهاء شديد مقدرتها على الابحار في الخيال لتكسب قلب الملك ولتغير ما كان متأصلا فيه من صفات العداء والكره للمرأة من جانب والقسوة وعدم الحكمة من جانب آخر .

شهرزاد لم تكن حاصلة على شهادات جامعية ولا مؤهلات عالية في علم النفس والابحار في النفس البشرية ولم تكن شهرزاد أديبة ولا شاعرة بل كانت ببساطة شديدة امرأة عرفت كيف تخاطب الرجل الذي أصبح زوجها .. فقد خاطبته بالروح وبالعقل وبالقلب. حدثته عن العسكر والجيوش وخاضت معه في الخيال معارك وأسرت ملوكا وضباطا واخترعت خططا حربية محكمة كما حدثته عن القلب وشجونه وعلمته كيف يكون الحب وكيف تكون الأشواق. خاطبت كبرياءه ومكانته في قصص عن حكمة الملوك وانسانيتهم وضعفهم وقوتهم . وشهريار لم يكن سوى رجل ولكنه في ليلتها الأولى معه عرفت أنه رجلها وعرفت أنها لا بد وأن تحافظ عليه . ومن هنا كانت رحلة الألف ليلة وليلة .

وحكايات ألف ليلة وليلة التي شغلت العالم على مر العصور وترجمت الى لغات متعددة لم يتأثر القراء في أنحاء العالم بعمل من أدب الشرق مثلما تأثروا بها . فهناك عدد لا يحصى من كتاب العالم يعتبر "ألف ليلة وليلة" من أهم الكتب التي قرأوها وتأثروا بها؛ ومن هؤلاء الشاعر الألماني غوته الذي استلهم حكايات شهرزاد في عمله الروائي "فيلهلم مايستر"وكذلك الكاتب الفرنسي فولتير والأرجنتيني خورخي لويس بورخيس . وهذه الحكايات يتداخل فيها الزمان والمكان تماما كما يحدث في القصص الأسطورية كما وأن القصص كانت تأخذ صبغة الحكايات الشعبية وشملت كل شيء في الحياة ولربما أغرب ما ورد من قصص فيها هو الذي كانت فيه الحيوانات تنطق . ولعل شهرزاد أنطقت الحيوانات في حكاياتها لتنوع في أبطال قصصها ولتستفيد أكثر من عدد الأيام التي تبقيها على قيد الحياة . من المؤكد ان ابعاد شخصية شهرزاد لم يتم الالتفات اليها كثيرا من قبل المؤرخين والخبراء كما حدث من تركيز على القصص نفسها. فشهرزاد في رؤية مبسطة لا تعتبر مجرد امرأة قديمة. وشخصية اسطورية عادية . بل أنني أراها امرأة لكل العصور . كانت شخصية مرسومة بعناية . تحمل في رأسها فكرا واسعا وتتحدث في كل شيء يخص الانسان ولم تسكت أبدا عن الكلام المباح .فمن يقرأ الحكايات يدرك أن شهرزاد استخدمت كل أسلحتها الفكرية واللغوية لتبقي شهريار كل ليلة بجوارها . حتى الصباح ونتيجة لذلك . كانت النهاية السعيدة بأن رزقت شهرزاد بابن من شهريار بعد ان أوقعته في حبها وأصبحت ملكة تشاركه حكم البلاد . فما أحوج شهرزاد العصر الحالي لتأمل أسطورة شهرزاد التاريخية.


* شاعرة وإعلامية سعودية
 
أعلى