موسى حوامدة - عن الليالي ثانية والحكي بديلا عن الموت

قبل عدة اعداد من شرفات الدستور الثقافي، كتبت “حكايتي مع ألف ليلة وليلة”، وكيف أني تعرفت على الكتاب حين كنت طالبا في المرحلة الإعدادية، ويبدو أن تلك المقالة، حفزت، أو حركت رغبة دفينة لدى الصديق الكاتب معاذ بني عامر، لإقامة ندوة عن الليالي، تقرر أن تعقد في رابطة الكتاب الأردنيين يوم السبت 14 تموز الجاري، وأن تتبنى الدستور نشر الأوراق كاملة، ورغم أن خطأ من سكرتارية الرابطة، حال دون مشاركتي، فإننا نقدم أوراق الندوة هنا، في هذا الملف الذي يحتفل بألف ليلة وليلة، ولكن بحسب رؤى جديدة، يطرحها عدد من المهتمين العرب والأردنيين.

إن أي قراءة لليالي تظل قابلة للتأويل، فالكتاب إشكالي، لا أحد يمكنه البت بتاريخ كتابته، وبمن كتبه، كما أن فيه من البساطة ما يؤكد أنه كان كتاب العامة والخاصة، وأنه كتاب عربي بامتياز، ولم يكتب في زمن هارون الرشيد، ولا في العصر العباسي، مع أن بعض الدراسات تلمح إلى أن تاريخ كتابته قريب من كليلة ودمنة، وإن كنا نشك في ذلك، فورود كلمة بندقية لا تعطي مجالا للشك أنه كتب في عصور قريبة، وأن البساطة الشعبية التي تبدو في الكتاب، تدل على أنه كتب في زمن الانحطاط العربي، وأن كل الإشارات عن كونه كتابا هنديا او فارسيا غير محققة، فلا يعني ورود قصة عن ملك في الهند أو السند أو بلاد فارس أن الكتاب كتب هناك. كما أن تضمن بعض الحكايات قصصا عن خاتم سليمان، أو وجود كتابة (كلمات عبرية) لا تعني أن اليهود ألفوا الكتاب كما زعم أحد المؤلفين العرب. بل إن ورود أسماء فارسية مثل شهرزاد وشهريار ودنيا زاد يدل على ان المؤلفين أرادوا إبعاد الشبهة عن بعض الملوك العرب في ذلك الزمان.

كما أن الشعر العربي الموجود في ثنايا الحكايات يدل على أن الليالي صناعة عربية، وربما دخلت إليه لاحقا بعض الإضافات الفارسية والهندية وغيرها.

ومهما كانت النتجية فالكتاب عرف عربيا وترجم من العربية وهو مشهور عالميا باسم الليالي العربية.

يقوم الكتاب في أغلبه على فكرة استبدال الحكم بالموت بفن الحكي، وهنا لا يمكن ان يقبل من يطلق حكم الموت على شخص ما ان يكون الحكي ثرثرة لا معنى لها، فهو ينتظر قصا مشوقا، كما أن الحاكي يدرك أن عليه ان يختصر ويكثف ويخطف سمع السامع قبل أن يمد يده إلى سلاحه/ كذا فعلت شهرزاد، منذ الليلة الأولى، وكذا فعل الشيوخ الثلاثة الذين افتدوا التاجر من الجني، وكذا فعل العور الصعاليك وبقية أبطال الحكايات.

فالسرد يعتمد الاختصار والتكثيف والدخول سريعاً في القصة، بلغني أيها الملك السعيد، وهي فاتحة لشد انتباه الملك، ومن ثم شد انتباه السامعين.

لا يجوز ان نأخذ الكتاب على محمل الجد، فقصصه مبنية على التخيل، وأغلبها في عالم الجن والعفاريت والسحرة، وكثير من القصص تنقلك إلى عالم غير واقعي وغير موجود، لكنها تشدك حتى تتابع وأنت تعلم أنه حكي بعيد عن الواقع، يتحلى بقدر كبير من البساطة والسذاجة، ولكن على من يدخل اللعبة، أن يصدق وأن يملك قدرا من القبول بالقصص حتى لو كانت في عوالم فانتازية غريبة.

كل شيء يمكن ان يتحقق في الليالي، فكم من فقير صعلوك ضائع صار ملكا، وكم من سلطان صار مشردا، وكم من حيوانات مسحورة عادت شخوصا يتكلمون، وكم من مشردين وصلوا بيوتهم البعيدة برمشة عين واحدة عن طريق الجن. وكم فتحت ابواب الرزق للكادحين والمعدمين، وهنا يبدو أن هناك من أراد ان تكون هذه القصص مثل المخدر الذي يصرع ألباب الناس، ويعلمهم الصبر على البلاء، ويبدو أن هذا هدف رئيس من أهداف الليالي، والتي قيل أن المماليك كانوا وراءها.

كل قراءة لهذا الكتاب ممكنة ومتاحة ويبدو أن هذا سرها، وسبب شيوعها وشهرتها، وإن كانت الليالي من أمهات الكتب التي أثرت على السرد العالمي، فلا أدري لماذا قبلنا القول أن الرواية جاءتنا من الغرب، وأننا كنا بلا ذاكرة سردية، علما بأن الكتاب أكثر تأثيرا من سيرفانتس.

وختاما فهي فرصة لإعادة قراءة أمهات الكتب العربية والعالمية بطريقة جديدة، وبشك كامل، وبشكل حر وواع، ففي كل قراءة كما فعل المغربي عبدالفتاح كليطيلو متسع لرؤيا جديدة.
 
أعلى