إبراهيم عيسي - ليالي ألف ليلة.. الأكثر شعبية

«ألف ليلة وليلة» أشهر كتاب في الدنيا، سيبذل البعض مجهوداً كبيراً وشاقاً لو حاول نفي هذه الحقيقة.

«ألف ليلة وليلة» بلا مؤلف ولا أحد يعرف من كتبه أو ألفه أو جمعه، فهو مجموعة من الحكايات ألفها مئات وربما ألوف من الناس في العراق ومصر حيث تجري معظم حكايات وليالي ألف ليلة، كل واحد حكي الحدوتة ورواها عنه غيره وقد أضاف لها وحذف فنقلها واحد ثالث عنهما وقد قام بتغيير أحداث وفقرات ثم تناقلها آخر فبدل وعدل وهكذا، فليس هناك صاحب حقوق للتأليف، فالبشرية كلها ألفت هذه الحواديت معاً ولهذا فهي غنية وثرية وعجيبة ومسلية وأيضا قليلة الأدب !

لاشك أن «ألف ليلة وليلة» فيها مشاهد وقصص مليئة بالخيال الجنسي الجامح والعري المتحرر بل الألفاظ الواضحة الفجة للعملية الجنسية، ربما لأن الكاتب مجهول فكان جريئاً، وربما لأنها كانت شفوية فتحرر البعض من قواعد كثيرة، ولعل أحد أغراض رواياتها في حينها كانت الإثارة والتثقيف الجنسي في مجتمع كان يتراوح بين التحفظ والتزمت حيناً والتحرر والانفتاح حيناً آخر.

ما تردد هذه الأيام عن مطالب بمصادرة «ألف ليلة وليلة» ليس المرة الأولي إطلاقاً بل مع ظهور موجة التطرف والتعصب الديني في مصر خرجت دعاوي مثل هذه منذ حوالي خمسة وعشرين عاماً وصدرت أحكام قضائية تدافع عن بقاء «ألف ليلة» ويكاد بعد هذا العمر تتكرر مأساة الفراغ والتفاهة والتعصب بالدعوي ضد «ألف ليلة»!

الحقيقة أن «ألف ليلة» كتاب لا يمكن أن يقرأه أحد بالكامل وأشك إلا ما ندر جداً أن شخصاً قرأ أكثر من ألفي صفحة هي حجم مجلدات «ألف ليلة»، وأغلب الظن أن بعضنا قرأ حكايات وليالي ثم توقف عن استكمال القراءة ولعله عاد لها مرة أو أخري لكن لا ينكب غالباً شخص طبيعي علي قراءة متتالية ومكتملة لهذه الحواديت، وأظن أن هناك ملايين سمعوا عنها وسمعوها في الإذاعة وشاهدوها حلقات تليفزيونية ولم يقرأوها للأسف في حروف وصفحات أبداً!

لكن الغريب أن أجدادنا الرائعين حلوا هذه المشكلة من زمان جدا.. نعم هناك صفحات في منتهي الجرأة والوقاحة ربما، ولكن لا يمكن أن تمتد يد لتحرم أو تقطع أو تصادر أو تحرق، طيب عملوا إيه ؟

أبداً هناك نسخ كاملة لمن يريد أن يقرأها علي مسئوليته وبناء علي رغبته أو رغبة في دراستها وتحليلها. وهناك نسخ منقحة تم حذف هذه الصفحات الإباحية منها لتكون صالحة لقراءة بلا غضب أو تعصب ويقرأها الشباب والصبية بلا استثارة أو تركيز علي الجنس والحس !

ستسأل عن القيمة الأدبية والفنية؟!

الحقيقة أن هذه الصفحات ليست روائع في الكتابة والإبداع ويمكن أن تتجاوزها القراءة الرشيدة والراشدة، لكن الذي يريد أن يقرأها هو حر تماماً ولا يجب أن نصادر حقه والنسخ موجودة وتبقي في يده من أي مكتبة !

ترك أجدادنا المسئولية في يد الناس هي التي تختار ماذا تقرأه في «ألف ليلة وليلة» ولم يصادروا حق أحد ولا أفسدوا علي الناس متعة قراءة أقدم حكايات الدنيا، أما الآن فهناك رغبة عارمة لدي المصريين في التفاهة والتصدر في الفارغة والتعصب الأحمق والتدين القشري والتمحك بالأخلاق بشكل لا أخلاقي تماماً!

عموماً لقد كتب سيد الكتابة العربية نجيب محفوظ رواية بعنوان «ليالي ألف ليلة» يحاكي فيها «ألف ليل» الأصلية، وفي رأيي أنها أجمل وأبدع وأروع وأحكم من «ألف ليلة وليلة» حتي تظن أن نجيب محفوظ هو الوحيد الذي كان جالساً في القصر تحت سرير شهرزاد وهي تحكي لشهريار بينما كان الآخرون يتلصصون ويتسمعون من تحت البلكونة !
 
أعلى