يسري الغول - ألف ليلة وليلة

“هل قرأ أحدٌ منا كتاب ألف ليلة وليلة؟ أو كتاب كليلة ودمنة؟ أو شيئاً من كتب التراث العربي أو الشعبي؟” أسئلة تبادرت إلى ذهني بينما كنت أتصفح كتاب “كتاب الرمل” لخورخي بورخيس. فبعد الانتهاء من تلك المجموعة القصصية لذلك الكاتب المعروف والموسوم بأنه أفضل وأشهر كتاب أمريكا اللاتينية، اكتشفت بأن الرجل متأثر بشكل كبير بالأدب العربي والكتابات القديمة، تماماً كما هو الحال مع ماركيز وكويهلو وغيرهم. لذلك تساءلت: أليس من الأجدر لكتابنا وأدبائنا أن يعودوا إلى المصادر الملهمة للآداب الغربية بدلاً من تتبعهم للأعمال الأجنبية فقط؟ بمعنى أن يعود هؤلاء لكتب التاريخ والأدب العربي بكافة ألوانه وأشكاله، ثم الانطلاق بعد ذلك إلى الآداب العالمية. ولقد يلحظ المتتبع للمشهد الثقافي في بلادنا العربية مدى تأثر الشباب بالثقافات الأجنبية، وهو أمر ليس بالسلبي على أي حال، وإنما هناك حالة من تجاوز المحلي لعدم ثقتها فيه، والانطلاق نحو العالمي لأن عقدة الغرب ما تزال تعشش في عقولنا، فالغرب متفوق علينا حتى بصناعة الإبداع الأدبي الذي صنعه العرب منذ بدايات التاريخ. الأمر الذي يدفع بالتساؤل عن دور المؤسسة الرسمية من دعم مثل تلك الكتب وطباعتها والترويج لها، بدلاً من التفكير في الفعاليات والبرامج الآنية.

إن بورخيس وكويهلو وغيرهم اعترفوا بتأثرهم بالآداب العربية، وقراءتهم ومتابعتهم لها، في حين أن العرب تنصلوا عنها وهجروها، حتى أننا لم نعد نفكر بقراءة وتصفح أعمال مفكرينا وكتابنا ومبدعينا أو أن نقوم بعمل دراسات نقدية عنها إلا نادراً في حالات المجاملة والمنفعة المتبادلة، ولذلك فقد طغت الأعمال المترجمة على الأسواق ومن ثم على عقول الشباب وصارت تمثل رؤية ربما تختلف في عمقها عن واقع المجتمع الحقيقي وإنما التخيلي فقط، مما يدفع بالقراء نحو الاغتراب، ولعل هذا موضوع آخر، من الواجب على صناع القرار والمسؤولين عن الشأن الثقافي في البلاد عقد مؤتمرات وأبحاث للحد من حالة الصدمة الثقافية (Culture shock)، كما على دعاة الثقافة وأربابها أن يتعاونوا لطرح مبادرات تدفع بنشر كتب التراث والتاريخ والآداب العربية القديمة، حتى تصل لكل بيت ومكتبة، وكي تكون رافداً أساسياً للمتابعين والقراء والمهتمين.

إن الثقافة الغربية دفعت كل ما تملك من أجل التطور والإبداع والرقي حتى في مجال الأدب، فهو ليس بالكلام الفارغ كما يراه البعض. لذلك كانت أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي تقوم بطباعة عشرات آلاف العناوين، وربما تصل طباعة كل عنوان أكثر من 10 آلاف نسخة، في حين أن وزارة الثقافة غير قادرة على طباعة عنوان واحد خلال العام ولو 1000 نسخة. ولا يعفي وزارة الثقافة والاتحادات والمؤسسات طباعة مجلات ثقافية أو فكرية فقط، فهذا جزء بسيط من مشروع النهضة الثقافية، كما أن الأنشطة والمسابقات الأخرى لا تعفي الحكومات والمؤسسات الرسمية الثقافية التابعة لها عن دورها في تعزيز الفكر والثقافة والتاريخ العربي القديم.
 
أعلى