روبرت إروين - الليالي في الإعداد السينمائي

تاريخ الليالي العربية في السينما هو تقريباً نفس تاريخ السينما. لقد عرض أنطوان لوميير أول فيلم علي الإطلاق في الصالون الهندي في الجراند كافيه في شارع كابوسين بباريس. أظهر فيلمهُ العمال وهم يغادرون مصنع لوميير، ولكن سرعان ما حلت الفانتازيا محل الواقعية في السينما. وفي عام 1902 أنتج توماس إديسون طبعة سينمائية من حكاية علي بابا والأربعين حرامي أخرجها الممثل الكوميدي فرديناند زيكا. لقد تأسس هذا الفيلم علي إنتاج مسرحي شعبي ضم راقصين من أوبرا باريس، وأعقب ذلك مباشرة فيلم جورج مِلياس "قصر ألف ليلة وليلة" ، الذي يسمح فيه الإطار المكاني الشرقي باستعراض بعض المؤثرات الخاصة، إضافة إلي استعراض السيقان الريانة لراقصات الفرقة الاستعراضية التي تقدم رقصة الكانكان Cancan الفرنسية. ثم قام زيكا بعد ذلك بعمل نسخة من علاء الدين عام 1906، ثم فُتح الباب علي مصراعيه بعد ذلك؛ فهناك نسخة بوباي Popeye لعلاء الدين، ونسخة فيربانكس عن السندباد البحري، الذي قام بدور عبد الله الممسوس. وهناك أفلام عن الليالي قام بالتمثيل فيها دوروثي لامور، أبوت وكوستيلو، إدي كانتور، المضحكون الثلاثة Three Stooges، ميكي ماوس، جين كيلي، ستيف ريفز، ميكي روني، كريستوفر لي، جيبسي روز لي، هيوارد كيل، توم بيكر، باتريك تروتن ، فرنانديل، مورين أوهارا، كريزي كات، تيرنس شامب، وودي وودبيكر، بيتر أوستينوف، توني كيرتس، لوسيل بول، بجزبني، رودي ماكدول وإلفيس برسلي.
لقد أنتجت مئات الأفلام حول الليالي العربية، صار معظمها في طي النسيان، وهي تستحق ذلك ، كونها أفلام رديئة بالفعل. لقد كتب وليام زينسر عن معظم هذه الأفلام : "الشرق الأوسط حريم كبير، حيث لا تنتهي الليالي العربية أبداً. إنه المكان الذي ترقد فيه الجواري علي أرائك لينة، وهن يمددن سيقانهن الهيفاء ويعقدن الصفقات مع أي غريب يضل طريقه إلي حجراتهن. وفي خضم هذا كله يجلس الخليفة العجوز الثمل يراقب كل ما يجري حوله ببرود عجيب، ينفث دخان نرجيلته في الهواء، بينما يعلن وزيره أن قوات تيمورلنك الغازية تزحف في نفس اللحظة نحو المدينة. هذا هو التاريخ في أفضل أحواله. هنا صبايا، صبايا، صبايا، ملفوفات الأفخاذ، يرتدين ملابس تكشف عن مفاتنهن في مقاصير الحريم وخارجها، يرقصن

رقصات إيروتيكية تحفز التواصل الجنسي.
ووسط هذا الكم الزاخر من النفايات الغريبة والزائفة، كان يوجد أيضاً بعض الروائع التي كانت تشمل بعض الأفلام الصامتة الكلاسيكية مثل فيلم Sumurum (1920) لأرنست لوبيتش والذي أعاد إنتاج فانتازيا ماكس رينهارد الصامتة والتي تأسست بدورها بشكل فضفاض علي حكاية الأحدب في الليالي. لقد لعبت بولانجري دور مغوية الرجال بينما قام لوبيتش نفسه بدور الأحدب المحبط جنسياً علي نحو مثير. ويأتي بعد ذلك بعام فيلم "الموت المتعب" (أو القدر) Der müde Tod. ولا تضم هذه الثلاثية السينمائية فقط أحداثاً تجري وقائعها في قصر هارون الرشيد، وإنما تصور القصة الثالثة والأخيرة التي تدور حول ساحر صيني، بساطاً طائراً، وهو النموذج الأولي لكل البُسط السينمائية الطائرة في المستقبل. وعندما بدأ دوجلاس فيربانكس في التخطيط لرائعته لص بغداد، ذهب إلي ألمانيا ليدرس أعمال صناع السينما من أمثال لوبيتش ولانج. ويُظهر فيلم فيربانكس الذي أخرج عام 1924 تأثره الواضح بتصميم المكان والمؤثرات الخاصة في الأفلام الألمانية الأسبق. ورغم ذلك أضاف فيرباتكس في معالجته لحكاية الأمير أحمد والجنية باري بانو طابعاً أمريكياً خاصاً من خلال تركيزه علي المبدأ الأخلاقي للعمل : "يتعين الحصول علي السعادة" (لقد كان رواة القصص الأصليين في العصور الوسطي سعداء بفكرة السعادة غير المتحصل عليها). وعلي الرغم من قيام فيربانكس بالدور المميز للأمير أحمد، فقد كان علي الأمير أن يتنازل عن مكانته كأمير ليصبح أحد متشردي الشوارع إرضاءً للوجدان الديمقراطي الأمريكي. لقد كان من الواضح أن أصحاب المحلات العرب، والحرفيين، والمزارعين في العصور الوسطي يشعرون بالسعادة عندما

يتماهون مع الأمراء، علي العكس من الجماهير الغربية التي لم يكن لديها القدرة عادة علي القيام بوثبة شعورية من هذا النوع. لقد دشن فيلم فيربانكس تقليداً في استخدام أفلام الليالي بوصفها واجهات لعرض بعض المؤثرات الخاصة. لقد مالت الأفلام السابقة نحو الاكتفاء بإعادة إنتاج النسخ المسرحية لعروض الباليه، وفن التمثيل الإيمائي وغيرها في السينما. وبغض النظر عما تدين به مجموعة المناظر الخاصة بفيلم لص بغداد التي قام بتصميمها المصمم الألماني كاميرون منزيس، للمدرسة التعبيرية الألمانية، فإنها تحمل قدراً من الدين لكِتاب الرسوم التوضيحية وفن أسلوب المنمنمات الفارسية الذي أعده إدموند دولاك حول الليالي العربية.
وعموماً، يدين ظهور أفلام الليالي بكثير من الفضل للتقليد السابق لرسوم الكتب، بل وكان فنانو الرسوم المتحركة حتي ظهور فيلم ديزني علاء الدين، يسترشدون بالنسخ الفيكتورية لليالي العربية بوصفها مصدراً للإلهام. وشملت مصادر أخري لجأ إليها مصممو المناظر والملابس رسوم دوريه Doré للكتاب المقدس، ولوحات جون مارتن حول كارثة سفر الرؤيا، ولوحات الاستشراق، وشرائح الفانوس السحري وتابلوهات تماثيل الشمع، وفنون الديوراما، وما شابه من مواد. لقد كان ذلك الفيلم المقطَّع تقطيعاً بارعاً، والمعالجة أشكاله السلويث بمهارة، أول فيلم عالمي طويل للرسوم المتحركة. لقد مارس هذا الفيلم، شأنه شأن كل أفلام الليالي العربية تقريباً حرية ملحوظة في التعامل مع الحكايات. لقد كان فيلم رينجرز آخر الأفلام العظيمة في حقبة السينما الصامتة، و علي الرغم من قيمته الفنية غير المشكوك فيها، لم يحقق الفيلم أي نجاح تجاري يذكر. ومن ثم، اعتبر ظهور فيلم سنو وايت Snow White، والأقزام السبعة لوالت ديزني عام 1937 نقطة تحول في تاريخ السينما. لقد مهد نجاح هذا الفيلم ذ بالإضافة إلي فيلم عجائب الساحر أوز The Wizard of Oz (1939) ذ الطريق لأفلام الفانتازيا الملونة ذات الميزانيات الضخمة (كان من المعتقد في السابق أن مجيء الصوت قد وضع نهاية لأفلام الفانتازيا).
لقد كان لإنتاج ألكسندر كوردا لفيلم لص بغداد (1940)، علي الرغم من استعارته لعنوان فيلم فيربانكس، حبكة مختلفة واهتمامات مغايرة تماماً. لقد عمدت القصة إلي استعمال المؤثرات الخاصة بشكل مكثف والفوتوغرافيا الاستعراضية الملونة لخلق أرض السحر الشرقي التي يمكن أن يتخيلها طفل. لقد كتب أدوار سعيد في "العالم، النص، والناقد" The World, the Text and the Critic (1983)، ما يلي حول الليالي وكيف انعكست علي سبيل المثال في أشعار تنيسون وورذ وورث : "إن الليالي العربية ترتبط علي سبيل المثال بشكل منتظم بفانتازيات الطفولة، فانتازيات مفيدة، نعم، ولكنها فانتازيات تحدث علي نحو يتعين أن نطرحه خلف ظهورنا". لقد كان صناع السينما حريصين أيضاً علي الترويج لفكرة أن الليالي شيء مخصص للأطفال. لقد اتضح هذا جلياً في فيلم كوردا لص بغداد، الذي لا يقوم بدور البطولة فيه الأمير الشاب أحمد وإنما الطفل الحقيقي سابو، الذي هتف بحياته في لحظة من اللحظات مجلس غامض من قدامي الحكماء

بوصفه سلطان المستقبل لبلدهم الوهمي. إن سلطان بغداد العجوز (وصورته الكربونية في علاء الدين عند ديزني) باستهتاره وولعه بالدمي الميكانيكية، مجرد طفل كبير محبوب.
لقد عمل المخرج البارز ميكائيل باول في الفيلم، ولعب كونراد فيديت دور الوزير الشرير بطريقة رائعة. لقد أثر تأويل فيديت علي أداءات كل الوزراء الشريرين بعد ذلك تقريباً (كانوا يسمون جعفر عادة)، بما في ذلك الوزراء المغاوير في أفلام السندباد لهاري هاوش ونسخة ديزني للرسوم المتحركة علاء الدين. لقد اعتمدت المؤثرات الخاصة لفيلم لص بغداد، من بين أشياء أخري، علي الإسقاط الخلفي والإسقاط الأمامي، نماذج من الشاشة الزرقاء، رسوم متحركة مكبوحة الحركة - واللقطات الخادعة باستخدام الزجاج الملون.
إن أفلام راي هاري هاوش الثلاثة رحلة السندباد السابعة (1958) الرحلة الذهبية للسندباد (1974) والسندباد وعين النمر (1977) ذ مثلها مثل المعالجات السينمائية الكثيرة الأسبق والأقل التي تدور حول مغامرات السندباد البحري- تحول تاجر الحكايات العربية الأصلي إلي بحار مغامر متباهٍ؛ إن مغامراته تعمل في الغالب بوصفها ذريعة لمؤثرات خاصة، وعلي الأخص القتال مع وحوش كرتونية. لقد اختيرت الوحوش، والأزياء، والمناظر باصطفائية تثير البهجة. إن الإكسسوارات الشرقية تؤشر لعالم من الخيال. إن راي هاري هوش يلاحظ : "عندما تصنع فيلماً عن الليالي العربية، هناك أشياء معينة عليك أن تضعها في اعتبارك، أشياء متكررة مثل السيف والعمامة". إن خطوط الحكاية في أفلام السندباد تتداخل علاقاتها مع الحكمة الشرقية ذ مثلاً : "إعقلها وتوكل" و"أليس من المقدر للإنسان الحكيم أن يحاول تحقيق أحلامه ؟". إن هذه النوعية من الأفلام تقدم في عمومها متعة غير

مصطنعة علي مستوي النشء.
إن إحدي المسلمات العامة هي أن أفلام الليالي ينبغي أن توجه إلي الأطفال، وعلي الرغم من ذلك، فإن واحداً من أفضل الأفلام وأكثرها ذكاءً في تناول الليالي هو فيلم Il fiore della Mille e una notte (ألف ليلة وليلة) الذي أنتج عام 1947 وأخرجه المفكر الماركسي بيير باولو بازوليني والذي كان يستهدف جمهوراً من البالغين. لقد صور بازوليني ممثلين مجهولين في لقطات مكانية استعراضية في اليمن، وأرتيريا ونيبال. لقد كان من أصدق الأفلام التي تعاملت مع الليالي. لقد استعان بعدة حكايات حقيقة وأعاد ترتيب عناصر بنيتها بذكاء. أضف إلي ذلك أنه لم يضح بأي من العناصر الشهوانية للحكايات الأصلية. لقد صرح : "لقد صنعت فيلماً واقعياً مليئاً بالغبار ووجوه الفقراء" ولحسن الحظ، لم يكن الفيلم جاداً وواقعياً بشكل ممل مبالغ فيه، وتُعد حكايته في حد ذاتها تعليقاً علي طبيعة الثقافة الشعبية، ورواية القصص ودور الأحلام في تلك الثقافة. وعلي العكس من صناع الأفلام السابقين، احتفظ بازوليني ببنية الحكاية داخل الحكاية داخل الحكاية المربكة لليالي الأصلية، لأن "الحقيقة لا يمكن أن توجد في حلم واحد، وإنما في أحلام كثيرة". كما لاحظ في إحدي عبارات الاقتباس الاستهلالي للفيلم.
لقد كانت لنسخة الرسوم المتحركة علاء الدين التي أنتجها ستوديو ديزني عام 1992 هدفان : ففي الوقت الذي كان يمكن فيه لعلاء الدين المبهج والمرح والأميرة، و مجموعة الحيوانات الفاتنة المساعدة، والبساط السحري العاطفي أن تشبع رغبة الأطفال، كانت لأشكال المحاكاة الساخرة والتلميحات العصرية لروبين ويليامز (صوت العفريت الذي يقدم أداءً مميزاً بسرعة كوميديا الحمقي screwball) تلقي التقدير من جمهور الراشدين. لقد تحول علاء الدين إلي وغد محبوب ، طفل محنك يتمتع بالذكاء (بينما لم يكن علاء الدين الأصلي يتمتع بهذه الحنكة وهذا الذكاء). وبالمثل، يظهر العفريت كشخص فكاهي ومحبوب، جُرِّد بشكل يبعث علي الاطمئنان من الإلغاز والتهديد. ومع ذلك، تتمتع نسخة

علاء الدين لديزني بالمزيد من الطاقة والظرف، فضلاً عن حبكة أكثر منطقية من الحكاية الأصلية عند جالان . غير أن الفيلم تلقي الكثير من النقد في بعض الدوائر لدي ظهوره. لقد اتهم بالعنصرية والنمطية. لقد كان من المتعين إعادة تسجيل أشعار الأغنية الافتتاحية لأنها كانت تضم في الأصل السطور : "أتيت من مكان قصي حيث تتجول قوافل الجمال / حيث يقطعون أذنك إذا لم يرق لهم وجهك / إنه لأمر وحشي، ولكن مهلاً، إنه الوطن" وفضلاً عن ذلك، ربط بعض النقاد (بشكل غير مقبول) بين دوافع الفيلم وحرب الخليج عام 1991، بل ذهب البعض إلي أن بوسعنا أن نقرأ الفيلم بوصفه قصة رمزية (أليجوريا) حول مطامع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
لكن، لن يتحمل أي من الأفلام التي تمت مناقشتها آنفاً، باستثناء فيلم بازوليني عبئاً نقدياً باهظاً. لقد كانت هذه الأفلام ناتج الثقافة الشعبية، ومن ثم، تكشف عن اتجاه هزلي ومهين تجاه النص الفعلي لليالي العربية، بل وتجاه الثقافة الشرق أوسطية علي وجه العموم. ولا ينبغي أن نعول علي ذلك كثيراً. لقد تعامل صناع الأفلام مع تاريخ بريطانيا في العصور الوسطي بطريقة متعجرفة مشابهة في أفلام تتناول مغامرات روبين هود، بينما تم استحضار تاريخ خيالي (فانتازي) للغرب القديم عبر آلاف من أفلام الكاوبوي المصنوعة في هوليوود. ومثلما حدث مع الكتابات الاستشراقية الأكثر قدماً لجون دي ماندفيل وجيوم بوستل، صُورِّ الشرق في أفلام القرن العشرين وفي مجالات أخري من الثقافة الشعبية بوصفه مكاناً للخصوبة، والأعاجيب، والمتعة، مكاناً للنساء الجميلات، والحكماء والكنوز الضخمة التي يمكن أن يفوز بها المغامرون .وحيث كانت أفلام الليالي موجهة إلي الأطفال، فإن الشرق الذي قدمته هذه الأفلام يتسم بالبراءة بشكل كبير من السطح علي الأقل. إن الشرق الذي يمكن أن يتبدي في سياقات أخري مهدِّداً، وأجنبياً وآخر، كان يتم تقديمه بواسطة صناع الأفلام بوصفه مصدراً للمتعة والتسلية؛ مكاناً مألوفاً وآمناً في نهاية المطاف برغم أرديته الهفهافة وعجائبه ووحوشه. إن الشرق، كما في معظم اللوحات الزيتية التي رسمها المستشرقون، قد تحسن نوعاً ما وتبدلت صورته. ومهما يكن من حقيقة أو زيف الصورة التي تنقلها لنا أفلام الليالي، فإنها صورة مؤثرة لأن أعداداً من البشر قد شاهدت طبعة أو أكثر من أفلام الليالي هذه الأيام، أكبر بكثير من الأعداد التي قرأت الكتاب بالفعل.

08/11/2014



جريدة أخبار الأدب
 
أعلى