عواد علي - سامي مهدي يثبت أن 'ألف ليلة وليلة' كتاب عراقي أصيل

شاع في الأوساط الثقافية، العربية منها والأجنبية، أن كتاب “ألف ليلة وليلة”، أحد أهم كنوزنا الثقافية، مترجم عن أصل فارسي يدعى “هزار أفسانة” أو “هزار أفسان” ومعناها “ألف خرافة”، ولقيت هذه الأطروحة الكثير من المؤيدين رغم غياب الحجج المثبتة لذلك، إضافة إلى أن المؤلف مجهول الاسم، ولا حجة واضحة أيضا على أن الكتاب عربي. لكن الشاعر العراقي سامي المهدي يحاول أن يثبت الأصول العربية لألف ليلة وليلة في كتابه “ألف ليلة وليلة كتاب عراقي أصيل: قراءة جديدة”.

***

يعارض الشاعر العراقي سامي مهدي في كتابه “ألف ليلة وليلة كتاب عراقي أصيل: قراءة جديدة” الصادر حديثا عن دار ميزوبوتاميا، مقولة إن كتاب “ألف ليلة وليلة” مترجم عن الفارسية من كتاب “هزار أفسانة” أو “هزار أفسان”، ففي رأيه أن الكتاب ليس مترجما عن أصل أجنبي، بل هو في الأصل كتاب عراقي، مؤلف باللغة العربية، وبحثه هذا محاولة للكشف عن هذه الحقيقة، وتفنيد تلك الإشاعة.

القص والإمتاع

استند مهدي، في إنجاز كتابه، صغير الحجم، كبير الأهمية، على النسخة التي حققها الدكتور محسن مهدي من “ألف ليلة وليلة”، ونشرها في عام 1984، وهي النسخة الأصل “الأم القديمة” قبل أن تُستنسخ وتُهجّن لغتها وتُقحم عليها الزيادات، واستبعد كل الطبعات الأخرى التي سبقتها، بما فيها طبعة بولاق في مصر، نظرا إلى ما في هذه الطبعات من زيادات ابتعدت بها عن الأصل قليلا أو كثيرا.
كما أعاد استنطاق النصوص العربية القديمة التي تحدثت عن الخرافات والأسمار، وهي ثلاثة، أولها للمسعودي صاحب كتاب “مروج الذهب”، وثانيها لابن النديم صاحب كتاب “الفهرست”، وثالثها لأبي حيان التوحيدي صاحب كتاب “الإمتاع والمؤانسة”، وجميعهم من رجال القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي).

يبدو للمؤلف سامي مهدي أن ثمة سببين أساسيين للتعدد في الآراء والاجتهادات، الذي حملته إجابات المستشرقين والباحثين العرب المعاصرين حول أصل “الليالي”، الأول هو: أن هؤلاء المستشرقين والباحثين، على جلال قدرهم جميعا، لم ينعموا النظر في نصوص المسعودي وابن النديم والتوحيدي إنعاما كافيا يمكّنهم من قراءتها قراءة صحيحة، والثاني هو: اكتفاؤهم، عدا محسن مهدي، بالنظر في صور النسخ التي وصلت إليهم من كتاب “ألف ليلة وليلة” دون التفكير في وجود أصل واحد قديم لها كانت قد انحدرت منه.

وبناء على ذلك يفترض مهدي أن معلومات المسعودي وابن النديم والتوحيدي عن كتاب “ألف ليلة وليلة” صحيحة وموثوقة، لأنهم أقرب إلى عصر الكتاب وزمن تأليفه من غيرهم، وهو العصر الذي ازدهر فيه القص ازدهارا واسعا، وظهرت فيه كتب قصصية كثيرة، بعضها مؤلف وبعضها مترجم.

وكانت الحفاوة بالقص والسمر مستمرة عند العرب، لكن غاية القص القديمة، وهي الإمتاع والمؤانسة ومعرفة أخبار الماضين، قد عادت إلى ما كانت عليه في عصر ما قبل الإسلام، وصار هذا هو هدفها الأساس منذ العصر الأموي، على الرغم من جميع النواهي والتحذيرات الدينية والرسمية. وهذا يعني، كما يشير سامي مهدي، أن كتاب “ألف ليلة وليلة” ظهر في حقبة كان القص فيها يستأثر باهتمام عامة الناس وسائر طبقاتهم الاجتماعية، وأن ثمة احتمالا طالما أغفله الباحثون ولم يتعاملوا معه بإمعام ومثابرة، رغم ما له من مغزى كبير، وهو وجود أكثر من كتاب يحمل عنوان “ألف ليلة وليلة”، أو أي عنوان آخر مشابه له أو يؤدي معناه. ذلك أن الحديث في نصوص المسعودي وابن النديم والتوحيدي عن “ألف خرافة” و”ألف ليلة” و”ألف سمر” قد كتب بأساليب لابدّ أن تقود الباحث المدقق إلى هذا الاحتمال، والحديث عن الليالي والأسمار لا يحلو لها إلا برقم “ألف”.

المؤلف المجهول

يرى سامي مهدي أن إشارة المسعودي إلى كتاب “هزار أفسانة” جاءت في معرض تشبيه أسطورة الأعرابي، الذي دخل مدينة “إرم”، بالخرافات التي جاءت في ذلك الكتاب، ولا علاقة لهذه الإشارة بكتاب “ألف ليلة وليلة”، أي أن المسعودي لم يقل إن كتاب “هزار أفسانة” هو نفسه كتاب “ألف ليلة وليلة”، بل قال إن الناس تسميه بهذا الاسم، والفرق دقيق بين هذا وذاك، فالناس قد تغلط، ويشيع غلطها ويجري تداوله كما لو كان هو الحقيقة. والدليل القريب والملموس على ذلك أن اسم كتاب “هزار أفسانة” ينبغي أن يكون باللغة العربية “ألف خرافة”، لكن الناس لم تكن تسميه بهذا الاسم، بل تسميه “ألف ليلة وليلة”.

وعلى هذا الأساس يعتقد سامي مهدي بأن كتاب “ألف ليلة وليلة” كتاب آخر غير كتاب “هزار أفسانة”، إذ لو كان هو نفسه لقال المسعودي وغيره بوضوح: إنه هو، ولاحتوي الكتاب نفسه على قصص يعود زمنها إلى عهود قديمة سبقت ظهور الإسلام بكثير، ولكان أبطال هذه القصص الأساسيويين من غير المسلمين، ولكانت المدن الإيرانية، وليس بغداد والبصرة والموصل والقاهرة ودمشق وحلب، هي مسرحه، ولغدت بيئته غير البيئة العباسية، ولوردت فيه أسماء الملوك الفرس، ولم يرد اسم الخليفة هارون الرشيد وزوجته زبيدة ووزيره جعفر وخادمه مسرور. إلاّ أن شيئا من هذا لم يحدث، الأمر الذي يزيد المؤلف سامي مهدي قناعة بأن كتاب “هزار أفسانة” يختلف عن كتاب “ألف ليلة وليلة”.

أما استشهاد سامي المهدي الأبرز فهو ابن النديم في كتابه “الفهرست”، يخلص سامي مهدي من قراءته لنص ابن النديم إلى أنه لم يتحدث عن قليل أو كثير من كتاب “ألف ليلة وليلة”، بل اقتصر حديثه عن فن تصنيف الخرافات، وكتاب “هزار أفسان”، الذي استخف به قائلا “إنه كتاب غث بارد الحديث”، وهذا يدعو سامي مهدي إلى الاستنتاج أن “ألف ليلة وليلة” كتاب آخر مستقل، وأن الذين ظنوا أن هذا الكتاب ترجمة لكتاب “هزار أفسان” واهمون، وسبب هذا الوهم، في ما يبدو، وجود الإشارة إلى حكاية شهرزاد وأختها دنيازاد (الحكاية الإطارية) في كلا الكتابين، والتي ربما تكون ذات أصل أجنبي، رغم أن هذا لا يسوّغ الوقوع في مثل هذا الوهم.

أما أبو حيان التوحيدي فلم يتحدث عن كتاب “ألف ليلة وليلة”، بل ذكر كتاب “هزار أفسان” فقط، وجاء ذكره إياه على سبيل التشبيه، وفي معرض الاستخفاف به “إنه لا يؤول إلى تحصيل وتحقيق”.

يجتهد سامي مهدي قائلا إن قصص “ألف ليلة وليلة” مؤلَّفة، وليست مرويات شفهية مدونة، رغم هيمنة نظام الرواية على بنيتها، ووجود ثنائية الراوي والمروي له في مكونات هذه البنية، كونهما أثرين متبقيين من آثار المشافهة في الثقافة العربية القديمة، وذلك استناداً إلى ما جاء على لسان مؤلفها في مفتتح الكتاب.

لكن من هو مؤلف هذا الكتاب، ولماذا لم يصرح باسمه؟ يعترف سامي مهدي بأنه لا يستطيع معرفة سبب محدد له، إلاّ أنه لا بد أن يكون سببا سياسيا، أو سببا اجتماعيا، أو كليهما، ذلك أن هذا النوع من التأليف لم يكن يُعترف له بالأهمية، فقد كان الأدباء يستخفون به، والفقهاء يحاربونه، حتى عُدّ مؤلفه مضحكا، وكان كثير من ممارسيه وراقين، وهم فئة يُندر أن يوجد فيها من يرقى إلى مستوى الأدباء والكتاب المعترف لهم بالفضل وسمو المكانة في نظر خاصة الأدب وخاصة المجتمع على ذلك.
 
أعلى