دعوة الحق - الفكر المغربي في عصر بني مرين

كان أمل المرينيين يهدف إلى إحياء مذهب مالك، لذلك أسسوا لتحقيق هذه الدعوة مدارس داخلية، واشرفوا على سير التعليم بها حسب توجيهيهم الفقهي، وشجعوا الطلبة على الإقامة بعاصمة فاس ليرثوا من معين المذهبية الموجهة، وزادوا في تمكينهم للقرويين فسارعوا للاحتفاظ بما تبقى من تراث الأندلس المذهبي وإيواء خزائنها، فنقلوا الكتب من الأندلس إلى المغرب، ويروى أن ثلاثة عشر حملا من نفائس المخطوطات نقلت إلى فاس، وكما آوت الكتب آوت العلماء الواردين على المغرب، ومنهم: ابن الخطيب، وابن خلدون، وغيرهما من فطاحل الفكر في المغرب العربي الذين سعوا إلى تحصين الثقافة في الجناح الغربي للعالم الإسلامي.
وعندما تساقطت عدة مدن في يد العدو ومنها سبتة التي استولى عليها البرتغال سنة 118ه 1415م لاذ علماؤها بالقرويين وأصبحت مركز الإشعاع الثقافي في العالم الإسلامي وتعددت بها كراسي العلوم خصوصا المعتنية بالنصوص الدينية حفظا وفهما مع الإيثار للحفظ، وتعددت المدارس حيث زاد المرينيين على ما بقي منها في عهد المرابطين والموحدين،وكان لكل مدرسة أستاذان يراجعان مع التلاميذ، كما تعددت الخزائن الكتبية بها ولذلك ازدهرت كبيرا ويقول ليفي برو فنصال أنه يفضل ملوك بني مرين لم تكن عاصمة فاس في القرن الرابع عشر الميلادي لتجسيد العواصم الإسلامية الأخرى، بل أن (باديا ليلبيش) المعروف بابي العباس اعتبر فاسا بمثابة اثينا افريقيا، وذكر مثل قوله الدكتور رينو في كتابه الطب القديم بالمغرب، وأصبحت القرويين ملتقى الأجانب من مختلف الجنسيات كما قال ذلك دوكامبو.. وذكر كابريال شارمس في كتاب (سفارة إلى المغرب) : أن مدارس فاس كانت طوال مدة مديدة أولى مدارس العالم ومنها انبثق ما يسمى بالحضارة الغربية التي شاع نورها في اسبانيا فأضاء جوانب أوربا وشجعت الحركة التعليمية تشجيعا منقطع النظير، وكان الأساتذة يتقاضون علاوات من اللحم والحبوب والزيوت وكل ما يحتاجون إليه طوال السنة، ويتمتعون بحق السكن مجانا كما ورد ذلك عن الحرشاوي أحد علماء الجزائر الذين درسوا في فاس في القرن التاسع عشر، فقد روى عنه: وكان الأساتذة ملزمين بالبقاء في فاس وقد بني أبو يوسف المدارس والمعاهد ورتب الأوقاف وأجرى المرتبات على العلماء والطلبة في كل شهر كما بنى الزوايا في الفلوات النائية وأوقف عليها الاوقاف وسار المرينيون على منواله فالشا أبو الحسن في كل بلد من بلاد المغرب الأقصى والأوسط (مدرسة) في فاس وتازا ومكناس وطنجة وسبتة وآنفا وآزمور وآسفي وأغمات ومراكش والقصر الكبير وتلمسان كما جاء في المسند الصحيح لابن مرزوق(ص 35 من مجلة هسبربس عام 952)، وقد وقف محمد الأبلي العبدري أستاذ ابن خلدون ضد بناء المدارس، ولاحظ أن العلم أذهبه بناء المدارس وأيده أحمد بابا السوداني الذي ذكر أنه أصبح يتعاطى الإقراء على الكرسي من لا يحسن العلم، حيث صار ذلك بالتوارث ( انظر نيل الابتهاج ص 246)، وقد حسبت الأوقاف على تشجيع دراسة بعض العلوم فكان من أجباس جامع الأندلس قراءة التفسير بالفخر الرازي وكانت كراسي العلم في الأندلس قراءة التفسير بالفخر الرازي وكانت كراسي العلم في التفسير وقراءة صحيح مسلم وابن الحاجب وصفري السنوسي والرسالة ونظم ابن زكري لها أحباس خاصة.
وكان الطلبة يقيمون في إحدى المدارس الأربع عشرة ويتقاضون خبزة في اليوم وجرت العادة أن يشتري الطالب غرفته في المدرسة له أن يبيع المفتاح عند انتهاء مدة الدروس، ولاحظ ابن مرزوق أن إنشاء المدارس كان في المغرب غير معروف حتى أنشئت مدرسة الحلفائيين بفاس هي الصفارين المؤسسة عام 670ه ثم أنشأ أبو سعيد مدرسة العطارين، والبيضاء والصهريج والوادي والمصباحية ويظهر أن المقصود عند ابن مرزوق هو انتشار المدارس، وإلا فقد ذكر عبد السلام القادري في (الاخوان في شرفاء وزان) أن يوسف بن تاشفين أسس مدرسة الصابرين بفاس.
التعليم في العهد المريني:
لقد جمد أسلوب التعليم في أول العصر المريني وأصبح كما عبر عنه ابن خلدون بقوله?(وقد انقطع لهذا العهد تخريج شيء من الأحاديث واستدراكها على المتقدمين، وإنما تصرف العناية لهذا العهد ‘لى تصحيح الأمهات المكتوبة وضبها بالرواية عن مصنيفها.
وخمدت الحركة الفكرية الحرة التي بثها الموحدين ولم تبقى منها إلا بقايا ضئيلة محفوظة عند بعض العلماء المبثوثين في عدة مدن هم الذين تسلل فيهم النبوغ المغربي، كالحضرمي، وابن خلدون، وابن الخطيب وغيرهم، على أنهم بلغوا القمة في الشروح والحواشي الفقهية، وكان من نبغاء علماء الإسلام في العصر العبدوسي، وابن الصباغ الذي أملي في الحديث أربعمائة فائدة، وصرف العلماء همتهم في هذا العصر إلى التلخيصات والاختصار، وقد وفقوا في بعضها ولم يوفقوا في بعضها الآخر، ولعل من أهم المحاولات ما كتبه ابن آجروم ذلك المختصر الصغير لدراسة النحو العربي الذي كان يعتبر تجربة للتبسيط والاختصار والأخذ بمختلف المذاهب النحوية، فلم يتقيد بمدرسة البصرة أو الكوفة، فهو يرى الأعراب معنويا على عادة الكوفيين، وقسمه إلى أربعة أقسام، منها الجزم على طريقة البصريين ولم يذكر في التوابع عطف البدل.. الخ ملاحظته.
على أن أهم عام نبغ فيه المغاربة هو علم القرآت فقد اشتغلوا به أتقنوه ويقول عنه الدكتور عبد العزيز الاهواني في مجلة( معهد المخطوطات العربية، المجلة الأولى الجزء الأول) بأن هذا هو الميدان الوحيد الذي يسيطر عليه المغاربة سيطرة تامة. ولعل عنايتهم بالفقه فاقت العناية بأي علم آخر، وأصبح مختصر الخليل هو المدونة الجديدة التي يعذب الكلام في حل رموزه، وقد أدخل مختصر خليل فاس ابن اسحاق الملكي المتوفى سنة 767ه. والفقيه محمد ابن المفتوح التلمساني المتوفى سنة 818 بمكناس، حيث كتب عليه عشرات الشروح والحواشي والتعليقات واستنبطت منه الفتاوي والأحكام كما يبدو في تأليف هذا العصر، رغم أن الثقافة المغربية الإسلامية اجتازت عدة قرون فلا نجد محاولات في تغيير الأساليب والمناهج إلا ما يلاحظ من شدة الإقبال على العلم ونشاط بعض فروع المعرفة، ولدينا وثيقة مهمة جدا عن سير الدراسة وبرامج التعليم ومناهجه في القرويين على عهد الوطاسيين، وهي (الرسالة المجازة في معرفة الإجازة) التي ألفها الصوفي المغربي الكبير أبو الحسن علي بن ميمون المولود (سنة 854. درس بفاس سنة 887 )، ويظهر من هذه الرسالة أن العلوم الشائعة في هذا العهد هي الفقه المالكي والحديث والتفسير والنحو والفرائض والحساب والتوقيت والتعديل والتوحيد والمنطق والبيان والطب وباقي العلوم العقلية، وأن الدراسة كانت تعتمد على حفظ النصوص ولا يقدرون من الطلبة والأساتذة من لا يحفظ النصوص، وكان شعارهم(من لا يحفظ نص فهو لص)، ويروي مؤلف السلوة عن الرسالة التي اقتطف شذرات منها في السلوة بأن مؤلفها ابن ميمون جال في تلمسان وبجاية والشام وتونس والحجاز ومصر، فلم يرى في علماء هذه المدن وأشياخها من يصل إلى درجة علماء (مدينة فاس) ويستفاد من هذه الرسالة بأن التلميذ قبل الدخول إلى القرويين كان لا بد أن يكون حافظا للقرآن والرسم والتجويد وحفظ المصنفات والمنظمات، وفي ذلك منظومة في الفرائض والحساب ورسالة ابن زيد القيرواني.
وكان الشروع في الدراسة يبتدئ في الفجر إلى ما بعد العشاء، ويذكر أن ابن ميمون أنه كان يشرع في وقت مبكر ولا يستطيع العودة إلى المدرسة لتناول الغذاء بل لا يتناول إلا وجبة العشاء فقط، وكان الأسلوب المتبع في درس الحديث هو النقل الغزير و دراسة الرواة وأنسابهم مع ضبط المتن لغويا ونحويا وفقهيا، واشتهر كتاب الجز ولي على الرسالة في الفقه، أما المدونة فكانت تدرس بالنقل الكثير من كلام مشايخ المدونة من أولهم إلى آخرهم، وكان النحو يدرس بالمدخل للإمام الجز ولي المصمودي، والفية ابن مالك، وقبل وقت العصر كان الطلاب ينصرفون عادة إلى خزانة الكتب حيث يطالعون الكتب التي عليهم الوكيل، ويذكر المؤلف أن الخزائن بفاس لدى عهده كانت ثلاثة، تشتمل على كتب كثير لا تكاد تحصى.
أما الحساب والفرائض فكانا يعلمان يوم الخميس والجمعة، وهكذا يقضي الطلبة أيامهم الدراسية إلى أن يحصلوا على العلم الوافر ويصبحوا في عداد الأساتذة...
ويتكلم الوزاني الفاسي المعروف بليون الإفريقي في كتابه وقف إفريقيا عن كيفية التعليم بفاس ذاكرا أنه توجد بفاس (في عصره) مائتا مدرسة لتعليم الأطفال، وهي عبارة عن قاعات واسعة داخلها محاط بالدكاكين لجلوس التلاميذ، والمعلم يعلم القراءة والكتابة على ألواح واسعة يكتب التلاميذ فيه جزءا من القرآن الكريم في كل يوم ويسيرون على ذلك فيختمون القرآن في سنتين أوثلاثة، ويعيدون ختمه مرات عديدة حتى يحفظونه عن ظهر قلب، وأقصى ما يقضون في ذلك سبع سنين، ويتعلمون مع ذلك مبادئ الرسم، وهذا الفن يدرس بسائر المدارس العلمية ويدرس كذلك النحو، وأجرة المعلم طفيفة، وإذا ختم الابن أقام الأب حفلة لابنه حي يأتي راكبا على جواد رفيع يعيره عامل المدينة بسلاحه المتين، ( إلى آخر ما وصفه من حفلات الكتاب كحفاة عيد المولد مثلا)، والتعليم الثانوي يكون في المسجد، ويمكث الطلبة الآفاقيون في المدارس، ولم تبقى لهم في عصره جرايات وإنما يتعيشون مما يتصدق عليهم به أهل البلد أو أهل نواحيها.
وكانوا من قبل يقيمون سبعة أعوام سكنى, أكلا وكسوة ولكن حروب أبي سعيد عثمان بن أبي العباس آخر ملوك بني مرين قبل ولده عبد الحق أتت على مداخيل المدارس بينما كان الطلبة في عهد أبي عثمان من أعز الناس وأكثرهم عددا ورزقا كما ذكر صاحب نيل الابتهاج.
وينتقد المقري في أزهار الرياض التأليف المكتوبة بعاصمة المغرب(فاس) بهذا العصر لأنها ضئيلة سواء في التلخيصات أو الارتجال، وإنما تآليف فاس في النسج بالتأليف على ما هو عليه كما في مدونة ابن الحسن الزرويلي الصغير المتوفى سنة 719 كما في الديباج، ثم جاء طلبة الجزولي الذي نسيت إليه تقاييد في الفقه وأن كانت في الواقع من تقاييد تلامذته، على أن المقري يتأثر بآراء ابن خلدون في كون صناعة التعليم أوما يسمى اليوم بالبيداجوجية لم تبلغ إلى فاس وإنما رسخت أقدامها في تونس، ويذكر السلسلة العلمية الفقهية المبتدئة من الإمام المازري، أما العلوم النظرية فلاحظ للتونسيين ولا للمغاربة على السواء إلى أواخر القرن السابع حيث رحل ابن زيتون وحملها إلى تلمسان.
ويروي لسان الدين أن الصبيان كانت تدرب على حمل السلاح وتعلم القرآن، كما شاعت المحاضرات في عهد بني مرين فقد سافر عبد القادر بن سوار المحاربي إلى غرناطة سنة 757 وألقى بها عدة محاضرات.

وأشهر المدارس بفلس لهذا العهد هي:
مدرسة الحلفاويين التي بنيت سنة 670 على يد أبي يوسف يعقوب المريني وقد حبس عليها الكتب المهمة الواردة من الأندلس.
ومدرسة العطارين بناها أبو سعيد المريني سنة 723 وأوقف عليها عدة أملاك وضياع.
ومدرسة الصهريج بناها أبو سعيد وبها البيلة المجلوبة من المرية بالأندلس.
ومدرسة الرخام بناها أبو الحسن المريني ونقل إليها بيلة من المرية سنة 725 وتسمى مصباحية لأن مصباح الباصلوني المتوفى سنة 750 أول من علم بها.
والمدرسة العنانية بناها أبو عنان المريني وتقابلها ساعة عجيبة مائية من صنع علي بن أحمد التلمساني758.
ومدرسة جامع الأندلس بناها أبو الحسن المريني سنة 721.
ومدرسة الوادي أنشأها أبو سعيد المريني عام 723.
ونشأت مدرسة المهندسين بدار المخزن بفاس الجديد شيدها أبو سعيد في المدينة البيضاء، ونقل مؤلف كتاب تاريخ الطب أن هذه المدرسة سميت سنة 1844 مدرسة المهندسين لأن السلطان أدرج في برامجها إذ ذاك دراسة العلوم.
وازدهرت الخزائن في العهد المر يني ازدهارا منقطع النظير، وكانت خزائن عامة يقصدها الطلاب والعلماء على السواء للاستفادة منها، وربما كانت خزانة أبي يوسف المر يني بالمدرسة اليعقوبية هي أول خزانة أسست للعموم، وأشهر الخزائن المرينية هي خزانة يعقوب المريني وخزانة أبي عنان.
ومن المعلوم في تاريخ المغرب أن أبا يوسف المريني اشترط على ملك اشبيلية منحه المخطوطات، وحمل منها إلى جامعة القرويين ثلاثة عشر حملا كما في القرطاس.
بل إن غالب مخطوطات الاسكوريال من المغرب، فقد كلف زيدان السعدي قنصلا فرنسيا عام 1617 بنقل أربعة آلاف مخطوط عربي إلى أكادير فحول شراع مركبه إلى فرنسا ولكن القرصان أسروه وحملوا الكتب إلى الاسكوريال.
ولعل أهم خزانة بالمغرب هي التي أسسها أبو عنان المريني سنة 750 التي وصف كنوزها ابن القاضي في الجذوة، وقد ضمت خزانة يوسف الموحدي وأصبحت من أهم خزائن العالم الإسلامي وضمت إليها كتب السلطان أبي يوسف المريني المجلوبة من الأندلس على يد سانجة وكانت ثلاثة عشر حملا.

الحركة العلمية:
ورغم ما يشاهد من تهلهل في وسائل التعليم والتدريس فقد تفتقت العبقرية المغربية في هذا العصر عن أنبغ مفكري العرب الذين نذكر منهم أشهرهم على الإطلاق المؤرخ ابن خلدون صاحب المقدمة، والأديب ابن الخطيب الشاعر المثقف، والعلامة الحضرمي، وإذا كان الكلام عن هؤلاء باعثا على دراسات وأبحاث يطول موضوعها ولا تناسب هذا المختصر، فإن المانة تقتضي أن نتعرض لترجمة أسلوب تعليم عالمين مشهورين وهما المشدالي والعبدوسي.
أما المشدالي الذي عاش في القرن الثامن كما في عنوان الدراسة فهو من أعلام الثقافة العامة والبيداغوجية في المغرب، فقد ذكر الشوكاني في ترجمته لما رحل إلى المشرق أنه ماهر في النحو والصرف والعروض والمنطق والأصول والميقات والحساب والمعاني والبيان والتفسير والحديث والفقه والجبر والمقابلة والهيئة والأوقاف والطب والموسيقى والاسطرلاب، أما طريقة تعليمه فقد ذكر الشوكاني أن له أسلوبا غريبا بعبارة جزلة فصيحة، وقد تبرم طلبته من غموض أفكاره وطالبوه ان يتنزل في عبارته ليفهموه فقال لهم لا تنزلوني إليكم ودعوني أرقيكم إلي بعد مدة معينة حددها لهم، فكان الأمر كما قال، كما كانت العبدوسية طريقة خاصة في التعليم فقد ذكر أن العبدوسي أورد المدونة بطريقة خاصة، حيث كان يبتدئ بذكر الطبقة الأولى من كبار مالك، ثم ينزل طبقة طبقة حتى يصل إلى علماء الأقطار من المصريين والأفارقة والمغاربة والأندلسيين وأئمة الإسلام وأهل الوثائق والأحكام، أما في التفسير فعندما يقرأ الآية يفتح بما يناسبها من الأحاديث النبوية وأخبار السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ثم بعد ذلك يرجع إلى الآية، وربما يأخذ في نقل الأحاديث فيقول الحديث الأول كذا والثاني كذا إلى المائة، ثم يبتدئ المائة الثانية حتى يختمها، وكذلك يسلك في النحو مسلك المدونة يبدأ بأصحاب سبويه ثم الصيرافي وشراح الكتاب وطبقات النحاة.

الحركة الصوفية:
وازدهر علم التصوف الذي تزعمه كثير من العلماء واستنبط أسسه ابن خلدون في مقدمته، ولقد تأثر ابن خلدون بالنظريات الصوفية في المغرب وكتب يقول بعد عودته من المغرب إلى الأندلس أنه وصل وله ورد ووظيف وسبحة وحظ من الخير، وألف ابن الخطيب، روضة التعريف في الحب الشريف، التي حوكم من أجل شطحاتها، وفيها تحليل صوفي لأسرار الحب والنفس، كما طفح كتابه نفاضة الجراب بأخبار صلحاء المغرب، كما ألف الغيرة على أهل الحيرة، وسد الذريعة في تفضيل الشريعة، والرد على أهل الإباحة وتقريب الشبه.
وجاء في الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية أن عبد الحق المريني كانت له بركة ودعاء مستجاب (ص 29)، وإذا سمع بصالح قصده لزيارته (ص 30). وكان أبو سعيد موقرا للصالحين يتوضع أمامهم.
وجاء في اللمحة البدرية لابن الخطيب (ص 24) أن أبا يوسف المريني كان أشبه بالشيوخ منه بالملوك، ويوجد في (أنيس الفقير وعز الحقير) لابن قنفد ذكر للمتصوفين المغاربة وبالأخص دراسة لسيدي أحمد بن عاشر السلاوي.
وفي كتاب شفاء السائل الماع إلى تاريخ التصوف في المغرب والعالم الإسلامي.
ومن أشهر رجال التصوف في هذا العصر الإمام زروق الملقب بمحتسب الصوفية، وقد ترك لنا كتاب القواعد الذي يعتبر وثيقة مهمة عن الحركة الصوفية في عصره، تلك الحركة التي استفحلت وظهر فيها كثير من المشعوذين فتصدى الإمام زروق للكشف عنهم، وقد شرح مذهبه الصوفي في القاعدة(59)، فقد قال: لكل فريق طريق، فللعامي تصوف حوته كتب المحاسبي، وللعابد تصوف دعى إليه الغزالي في منهاجه، وللمتريض تصوف ذكره القشيري في رسالته، وللناسك تصوف القوت والأحياء، وللحكيم تصوف نحا إليه ابن سعيد، وللطبائعي تصوف جاء به اليوني في أسراره، وللأصولي تصوف قام الشاذلي بتحقيقه. ويقول في القاعدة -26) أيضا: كن فقيها صوفيا، ولا تكن صوفيا فقيها.
ومنهم ابن القاسم الذي استقصاه أبو عنان على فاس وله قصيدة سماها (لمحة العارض لتكملة ألفية ابن الفارض)، ومنهم محمد بن علي الجزولي الأصولي الكبير كان قاضيا بفاس في عهد أبي سعيد المريني ولبس الخرقة.
ومنهم ابن الدباغ المراكشي صاحب مواسم الطريقة في علم الحقيقة.
ومنهم المحدث الطيب بن محمد المريغشي
ومنهم عبد الله بن يعقوب السملالي الجزولي وعبد الله بن أبي بكر الجزولي نزيل الإسكندرية.
ومنهم محمد الحقاوي الذي أعان أبا عنان المريني بالضرب على أيدي المعتدين وكان الأمير أبو محمد عبد الحق معظما للصلحاء يتواضع بين أيديهم (كما في الذخيرة السنية 37).
وإذا كانت تقاليد الدول المغربية من لدى المرابطين إلى الموحدين توجب امتحانات لأدعياء التصوف، فقد خف ذلك في عهد المرينيين لقوتهم، ومع ذلك فقد امتحن أبو عبد الله محمد الشيخ المريني الملقب بالبرتقالي المتصوف عبد الله الغزواني بفاس وسجنه.
وهناك كتب كثيرة ألفت في هذا العصر في هذا الفن، منها: المترع اللطيف في ذكر صلحاء الريف. لعبد الحق الباديني (القرن الثامن).
والسلسل العذب الأصلي في صلحاء فاس ومكناسة وسلا، لمحمد الحضرمي الذي صنفه في القرن الثامن.
والكوكب الوقاد فيمن حل بينه من العلماء والصلحاء والعباد.
وأعقب المغرب في أواخر عصر المرينيين تدهور شامل في حياته الاجتماعية والفكرية والاقتصادية وذلك نظرا لعدة أمور: 1) الانهيار الشامل للحضارة العربية. 2) الأوبئة والأمراض التي اجتازت المغرب كمرض الطاعون والكوليرا. (بوكليب). 3) المجاعات المتتالية. 4) الغزو الاستعماري الذي استفحل على شواطئ الأطلنطيك.. وكان من نتائج هذا أن تدهورت الثقافة الإسلامية في المغرب، وحسب أقوال المؤرخين فإن دكالة وحاحة والسوس والريف وغيرها كانت بها نهضة ثقافية تلاشت ودرست معالمها، ولكن بقيت الثقافة الإسلامية معتصمة بالقرويين التي يرجع إليها الفضل في المحافظة على كيان المغرب الثقافي والروحي.
وذكر (رينو) أن فاسا أقل نجمها إبان السعديين وذلك نظرا للاضطرابات والأوبئة والاعتداءات الاستعمارية على الحدود المغربية، وعاد المغرب إلى نشاطه في عصر العلويين، وقد تحدث لفي بروفنصال في كتابه مؤرخ الشرفاء عن نهضة المغرب من الوجهة الأدبية كما تحدث عبد العزيز بنعبد الله عن نهضة الدراسة الطبية في كتاب الطب والأطباء بالمغرب، غير أن هذه الظاهرة ساعدت على (المركزية العلمية) حين آوت جامعة القرويين علماء المغرب من سائر النواحي والمراكز الثقافية، من الزاوية الدلائية والناصرية وغيرهما، وعادت القرويين إلى دراسة الطب، ويشير (دلفان) في كتابه عن فاس وجامعتها إلى اعتناء الطلبة بدراسة كتب الطب كالكامل للرازي، والقانون لابن سينا، وزبدة الطب للجرجاني، والتذكرة للسويدي، وغير ذلك من الكتب الطبية المشهورة. وبدون شك فإن هذه الدراسة لم تزدهر إلا بعد ازدهار الثقافة الإسلامية.
وخلف هذا العصر برامج وإثباتا نحوي العلوم المعروفة ورجالها فمنها:
برنامج ابن أبي الربيع المتوفى سنة 688.
برنامج الودياشي المتوفى بسوس 749.
برنامج ابن الشاط السبتي المتوفى سنة 723.
عنوان الدراسة للغبرتي المتوفى سنة 714.
برنامج ابن القاسم بن يوسف التجيين البلنسي من أهل سبتة (أول القرن الثامن).
ثبت أحمد بن علي البلوي الوادي آمي (أول القرن العاشر).
فهرست ابن غازي المكناسي.
روضة الإعلام بمنزلة العربية وعلوم الإسلام لمحمد بن الأزرق الغرناطي (في أول القرن التاسع) يتكلم عن العلوم الشائعة في عصره وعلوم العربية بصفة خاصة وكيفية التدريس.
ولهذا المؤلف كتاب في السياسة يرد فيه على ابن خلدون في بعض المسائل، يوجد بالخزانة العامة ج 64 وهو بدائع السلك في طبائع الملك ج 93.
وفهرست يحيى السراج المتوفى سنة 805 وهناك عين الأصغر.
وفهرست ابراهيم ابن السراج السجلماسي المتوفى سنة 903.
وفهرست الونشريين المتوفى سنة 914.
وفهرست ابن غازي المتوفى سنة 919.



* دعوة الحق العددان 60 و61




55.jpg

 
أعلى