نقد ليلي حافظ - الرياضة في الأدب

لم تكن الرياضة من الموضوعات التي تثير اهتمام الأدباء, بل كانت تعتبر أقل شأنا من إي موضوع آخر. وان كانت قد بدأت تدخل عالم الأدب في العشرينيات من القرن الماضي وبالأخص بعد الحرب العالمية الاولي. حينما بدأ العالم يتابع سباقات السيارات ومباريات التنس والملاكمة, وظهرت اعمال أدبية بأقلام إدباء كبار في فرنسا مثل جان جيرودو وبول فيالار وهنري مونترلان وجان كوكتو, الذي كتب عن الملاكم آل براون; الا ان مشاركة الإدباء في عالم الرياضة اعتبرها البعض مسألة نابعة من احساس بالتعاطف, والسهولة في تناول الموضوع.
ولقد ظل موضوع الرياضة غير مطروح تماما في الادب الفرنسي, والأدباء الذين يتناولونه بالكتابة لا يستحقون التقدير, الي حد انه يقال ان البير كامو كان يمارس رياضة كرة القدم وتحدث عنها علي استحياء في روايته االرجل الاول, بينما كان جان بول سارتر يتابع مباريات الكرة في الخفاء. فقد كان النقاد يعتبرون الكتاب الذين يهتمون بالرياضة أدباء من الدرجة الثانية.
ولكن الوضع تغير اليوم. فقد خرجت الرياضة من مجالها المغلق منذ نحو عشرين عاما, ولم تعد هذا المجال النقي البعيد عن صراعات الساسة والاقتصاديين; بل بدأ يكشف عن فساد داخلي وشراسة في المنافسة مما جعله موضوعا مطروحا مثل اي موضوع آخر, وبدا يثير اهتمام الكتاب الذين وجدوا فيه فكرة يمكن التعامل معها من مختلف الأوجه.
فتوالت الكتب الادبية عن الرياضة, صدر اخرها هذا العام للاديب كارل دي سوزا, الذي عاش في جزيرة موريشيوس, بعنوان االسقوط الحرب عن دار نشر اوليفييه, حيث تتبع الكاتب تاريخ الجزيرة عبر رياضة تنس الريشة. فتحكي الرواية قصة جيريمي كومارسامي, بطل رياضة تنس الريشة, الذي اصبح معاقا بعد اصابة لم يعالج منها كما يجب, فيعود الي مسقط رأسه وفي منزل عائلته يبدأ جيريمي تتبع خيط حياته منذ طفولته, بكل ما فيها من لحظات فشل ولحظات انتصار, وتدريجيا بدأ جيريمي يري كيف تحدد قدره, قدر الشاب الطموح في ظل الفوضي السياسية التي ألمت بجزيرته, وفي ظل التحديات الرياضية التي كان عليه ان يتجاوزها ولم يستطع.
كما صدرت رواية جان هاتزفيلد ااين ذهب الليلب عن دار جاليمار, لتحكي قصة الحرب في اريتريا من خلال مسيرة شاب شارك في ماراثون. ورواية تريستان جارسيا افي غياب الترتيب النهائيب عن دار جاليمار, والتي تحكي عن الرياضيين واقدارهم التي تتشابك وتعترض بعضها بعضا, وتتحدث عن قدراتهم علي التحمل وايضا عن فقدانهم البوصلة احيانا. ومن خلال الرياضة وقصة سباق الدراجات وأحد رياضيها الذي لم ينجح بسبب مدربه, ولاعبة كرة سلة كوبية ضحية مركز المخابرات الامريكية وعشرات الرياضيين الذين يركزون علي اللياقة البدنية واللعبة الجيدة, ومن خلال كل هؤلاء وقصصهم, يقوم جارسيا باقامة مقارنة مع المنافسة الاقتصادية والعولمة. وبالرغم من قصص الفساد التي بدأت تظهر مع تشدد التنافس وتوحشها, تظل الرياضة, ليس فقط موضوعا مثيرا لدي الأدباء, ولكن ممارسة مهمة لدي البعض الآخر, فالكتابة تحتاج كما يقول البعض الي العضلات القوية والقدرة علي التحمل; مثل الأديبة سيسيل كولون التي تمارس رياضة الركض يوميا لان الرياضة كما تقول اتمنحني الاوكسجين, ولكن ايضا قوة للعضلات وثقة في النفس, حيث ان الجسد والنفس يعملان معا في نفس الاتجاهب.


الكرة.jpg
 
أعلى