نقد داميون سيرلز - الترجمة والعذرية.. ت: أماني لازار

ارفع كأساً، اتلُ صلاة بلغة أخرى سوى العبرية واليونانية، أو ضع أذن حمار في عروتك: إنه اليوم العالمي للترجمة كما يعرف أيضاً باسم عيد القديس جيروم، شفيع المكتبات وأمناء المكتبات، التلامذة، الطلبة، علماء الكتاب المقدس والمترجمين. ترجم جيروم الكتاب المقدس إلى اللاتينية وتوفي في بيت لحم في 30/9 من عام 419 أو 420 ميلادية، ابتكر من غير مساعدة (إذا جاز القول) الفولغاتا وهي نسخة الكتاب المقدس باللغة اللاتينية، ترجمة قرئت كما قرئت النسخة الأصلية المقدسة لآلاف السنين.

قال مقولته الشهيرة ومفادها أنَّ عليك أن تترجم معنى النص الأصلي وليس الكلمات بحرفيتها، لكن لا بد أن المترجمين عرفوا هذا بالبداهة دوماً -حتى جيروم يذكر نصف دستة من الأسلاف. لأنه كان واحداً من الرواد، ومع ذلك حظي بالاعتراف جنباً إلى جنب مع هوراس، الذي قال الأمر نفسه. قام جيروم بتحريف جزئي للإنجيل الذي كان ترتيب كلماته بالذات أحجية مقدسة، معادلته بين الدعوات المتنافسة هي ما جعل ترجمته جيدة جداً.

ولد في عام 331 أو العام 347 في بلدة ستريدون التي تقع الآن ربما في شمال غرب كرواتيا، كانت الإشارة الوحيدة إليها في التاريخ من خلال تعليق جيروم عن أنه ولد ” في بلدة ستريدون، التي دمرها القوطيون.” كان إلى درجة كبيرة أيضاً من أكثر آباء الكنيسة نزقاً، بما يليق برجل كسب القداسة بالمعرفة والتقشف الصارم، لا يعمل مع الناس. كان مترجماً ومناظراً لاهوتياً عنيفاً، أرسل الرسالة تلو الرسالة، والمجلد تلو الآخر، من مكتبته في فلسطين، مكتوبة باللاتينية الكلاسيكية الرشيقة المرصعة بإهانات منتخبة. قال رداً على شخص شكك بترجماته: ” ما يسميه رجال مثلك الأمانة في الاستنساخ، العبارة العلمية دقة مهلكة”، كان الهرطوقي بيلاجيوس
” أبله شديد الحماقة محشواً بعصيدة أسكتلندية.”

ومع ذلك، ما يدعو للاستغراب أن جيروم أيضاً واحد من أكثر القديسين المحترمين والمحبوبين على حد سواء. ربما ليس هذا شديد الغرابة بالنظر إلى التداخل بين العلماء الانطوائيين وصناع الشهرة. كانت ثلاث نسخ مزيفة في بدايات القرن الرابع عشر تزعم أنها من كتابة أتباع جيروم وزملاءه، تصف ساعاته الأخيرة، وموته، وعجائب كثيرة، تنطلق بسرعة في الأصل اللاتيني، وعلى نحو ملائم، مترجمة إلى اللغات التوسكانية، والصقلية، والألمانية، والهولندية، والفرنسية، والاسبانية، والكاتلانية، والدانماركية، والإنجليزية. (عرف أربعمائة مخطوط وست وثلاثين إصدار مطبوع قبل العام 1501.) في وقت مبكر من عصر النهضة كان جيروم مقصد ولاء شعبي واسع الانتشار، يخطب إخوته وأخواته العلماء في الثلاثين من شهر أيلول سنوياً معبرين عن الشكر والتكريم للمعجزات.

في الفن، أصبح القديس جيروم الموضوعة الأكثر شهرة في اللوحات المسيحية في عصر النهضة بعد البشارة. كان عادة يظهر مع كتاب أو اثنين، وقبعة الكاردينال الحمراء، وأسد. فعندما دخل أسد ببطء إلى باحة ديره وهرب الرهبان الآخرون، رحب جيروم بالحيوان ودعا إخوته ليغسلوا ويعالجوا قدمه الجريحة. أخرجوا الأشواك ودجنوا الأسد. (هذه قصة قديمة، واحدة من حكايات إيسوب وربما منسوبة بالخطأ إلى جيروم-في اللاتينية: إيرونيموس-من حياة القديس جيراسيموس الذي يبدو مشابهاً.

ابتكر فنانون إيطاليون فكرة أخرى أكثر شهرة حوالي العام 1400: جيروم نادم في البرية، يضرب صدره الزاهد بحجر. ما سمح للرسامين المسيحيين أن يمجدوا الذكر شبه العاري، كما فعلوا كثيراً مع القديس سباستيان، والبرية في الخلفية إلى جانب مرور جيروم تشير إلى “عدم وجود شيء سوى عقارب وحيوانات برية في صحبته”. في الصحراء، شرع الرسامون ينغمسون في تصاوير طبيعية للحيوانات: ليس فقط الأسد، لكن الغرير، الفهد، ثعلب الماء، السنجاب، الحسون، مالك الحزين (ثلاثة أنواع)، حجل، ثعبان، حلزون… ميز أحد المؤرخين الفنيين والعالم بالحيوانات، خمس وستون نوعاً من الحيوانات في رسومات عصر النهضة عن جيروم، ناهيك عن التنين الخيالي، والهاربي (طائر خرافي برأس امرأة)، ووحيد القرن، وحيوانات “الحبكة ” الرتيبة: الجمل، الحمار، والشاة.

أخيراً، كان جيروم الأب المسيحي الذي فعل ما بوسعه ليجعل العذرية والحبل بلا دنس الجزء المركزي من العقيدة المسيحية. كانت الجنسانية في نظره إمعان في الضلال: في حين قال أوغسطين أن الزواج جيد والعفة أفضل، قال جيروم أن الزواج سيئ والفحشاء أسوأ. كانت مشكلة بيلاجيوس العصيدة الأسكتلندية ذاك إنكار أن الجنس انتهاك وإصرار بدني على المعصية.

قد لا يعني الجمع شيئاً-ربما كان جيروم شخصاً له اهتمامان منفصلان-لكن شيء ما يؤكد لي أن الترجمة والحبل بلا دنس يسيران جنباً إلى جنب. الترجمات هي أفعال إبداعية لا تنبع من الذات، ليس بالمعنى المعروف على الأقل: في إبداعية المترجم، ليست البذرة المنتجة مغروسة بنفس الطريقة تماماً. هناك يد للغير، الله أو جبرائيل، الكاتب صاحب الفكرة هو كلاهما معاً وغائب كلياً من الشكل الحالي للعمل المترجم، أو على الأقل مستتر فيه. المترجم عقيم نوعاً ما، غير منتج، لكن بالتأكيد مريم هي والدة الله بمعنى من المعاني، ليست فقط الإناء أو الحامل، وليس المترجم الأنبوب الفارغ الذي يمر الأصل من خلاله.

أقول” بالتأكيد،” لكن ذلك يتستر على قرون من الخلاف الكاثوليكي. بصرف النظر عن النقاشات المبكرة حول ما إذا كان حبل مريم بلا دنس، وفيما إذا ظلت عذراء بعد ولادة يسوع (إشارة الكتاب إلى “إخوة” يسوع فسرت على أنها ترجمة خاطئة “لأبناء عم أو خال”)، كان هناك أيضاً نقاشات أكثر تطرفاً عما إذا ظلت مريم محتفظة ببكارتها أثناء ولادة المسيح. في واحد من النصوص الأساسية السورية من القرن الثاني، انجيل يعقوب غير المعترف به في آخر الأمر، صديقة متشككة لقابلة مريم تضع يدها على مريم بعدئذ للتأكد فتحمر من وهج النار المقدسة (تتوب ولا تتغضن يدها.)

ولو أن النساك المسيحيين تراجعوا عن ذلك الموقف، لكن جيروم لم يفعل. ومنذ القرن الثاني، ظل هذا والعذرية الأكثر غموضاً كانت كناية عن الكتابة المقدسة: ” الكتب المقدسة تؤدي إلى الحقيقة ومع ذلك تظل عذراء، تختفي فيها أسرار الحقيقة. (ولدت ولم تلد،) يقول الكتاب المقدس.” تلك هي الكتابة وليست ما هي عليه: تعريف جيد للترجمة إلى حد ما.


عن مدونة اماني
 
أعلى