نقد محمد لطفي اليوسفي - شعرة من شارب هتلر

لهتلر مع العالم الحديث حكاية مدوّخة متعارفة حدّثت بها الأرض قاطبة. وله مع الكتاب وعشق القراءة حكاية سرّية حدّث بها صحفي واحد هو الصحفي الأميركي تيموتي. و. رايباك في كتابه ''داخل أروقة مكتبة هتلر الخاصة''. صدر الكتاب في الولايات المتحدة الأميركية ونقله إلى الفرنسية جيل موريس ديمولان هذه الأيام. لم يأت الكتاب في شكل بحث حول موقف هتلر من الكتب والقراءة بل ورد ليؤرّخ لحكايتين. حكاية الصحفي تيموتي. و. رايباك ورحلة بحثه عما بقي من مكتبة هتلر التي تخاطفها جنرالات الحلفاء والسوفييت لحظة اجتياحهم ألمانيا وسقوط برلين. وحكاية شغف هتلر بالكتب وولعه بالقراءة. تتداخل الحكايتان بطريقة عضوية فتتخذ الكتابة طابع تحقيق بوليسي يقوم به صحفي عنيد آلى على نفسه أن يجوب العالم بحثا عما تبقّى من مكتبة الرجل الذي دوّخ الدنيا ووضع أوروبا كلها على حافة الهاوية. لكنها سرعان ما تنفتح على سيرة حياة هتلر لِلَمْلَمَةِ ما تبقّى من معلومات عن ولعه بالكتب.

كان هتلر يحبّذ القراءة ليلا. هكذا يحدثنا الصحفي الأميركي. لم يكن الكتاب يفارقه أبدا. عثر رايباك على أول كتاب اشتراه هتلر سنة 1915 عندما كان مجرّد عريف في الجيش الألماني الذي غزا شمال فرنسا وقتها. كانت ورقات الكتاب ملطخة قليلا بالوحل. لأن هتلر كان يقرأه داخل الخندق. ويذكر رايباك أنه عثر بين طيات الكتاب على شعرة من شارب الزعيم الألماني. لقد كان هتلر منذ نعومة أظفاره مولعا بالقراءة. هكذا يجزم الصحفي الأميركي، ويذكر أن الزعيم ظل حتى سنة 1925 أقرب إلى الفاقة، وبذلك يشهد تصريح الضرائب الذي كتبه بخطّ يده لإدارة جمع الضرائب. وفيه يذكر أنه يملك ''مكتبا وكرسيّا ومكتبتين صغيرتين تعجّان بالكتب''. وعند سقوط برلين سنة 1945 ستحتوي مكتبة هتلر على أكثر من 16000 كتاب منها مؤلفات شكسبير ورائعة سرفانتيس ''دون كيشوت'' و12 سيرة تؤرخ لحياة فريدريك الأعظم وكتاب يؤرّخ لسيرة نابليون، ومئات الكتب التي تتناول نظرية تفوق الأجناس والملل. ويذكر رايباك أن المكتبة كانت تحتوي أيضا على آلاف الروايات البوليسية والروايات الإباحية. وقد عمد هتلر إلى تغليفها بأغلفة متينة تحجب عناوينها وأسماء مؤلفيها ليحفظها من عيون المتطفلين الذين قد يزورون المكتبة سواء كانوا من ضيوفه أو من خدمه. عديدون هم الكتاب الذين أهدوا هتلر أعمالهم والكتب مازالت تحمل إهداءاتهم وتواقيعهم. هكذا يذكر رايباك فيما هو يلحّ على أن هتلر كان مفتونا برواية كارل ماي ''مغامرات الهندي الماكر وِينُّوتُو'' التي فتنت تلاميذ ألمانيا كلهم. وقد نصح جميع جنرالاته في الجيش الألماني بقراءتها لأنه كان يعتبر البطل الصغير وِينُّوتُو خبيرا في الخطط التكتيكية. لم يبق من المكتبة التي نهبها الجيش الأحمر وعساكر الحلفاء غير 1200 كتاب ترقد الآن في مكتبة الكونجرس بالولايات المتحدة الأميركية


د· محمد لطفي اليوسفي


خير جليس
 
أعلى