احمد عبد السادة - صـليـب الأنـوثــة

احمد عبد السادة
صـليـب الأنـوثــة


دائما اقول أنّ الانوثة قيمة عليا، مفهوم كونيّ يقف تحت مظلته ويتلفع بمعطفه كلّ من وما ينتمي للخير والحق والجمال، الأنوثة هي عقيدة حياة تتجاوز كينونة المرأة وتمتد وتتشعب لتكون هوية الوجود المثلى، وبهذا فاننا يمكن أن نكتشف نبض الانوثة الدافىء والمشع في قلب أيّ كائن أو شيء أو حتى لفظ قد يحمل في جيبه صفة ذكرية شائعة، أي بمعنى أنّ امتياز الانوثة لا يقتصر على المرأة فقط رغم انها - أي المرأة - تستحق أن تكون - بجدارة - السفير الاول والمجسد الاكمل والممثل الامثل للانوثة.

بقوامها الآسر وتضاريس دفئها المعبودة وبصوتها ورقتها وهسيس نارها الليلية المقدسة تعتبر المرأة أعلى وأشهى وأغلى ما نثرته الطبيعة من نبض انثويّ على ساحل هذه الحياة، كما تعتبر أول لغة اكتشفها الرجل وعلقها كتعويذة حنان على ستائر هواجسه واحلامه وذاكرته لكي تحميه من خرس الوجود وقسوته وقحطه وبواباته المفتوحة على المجهول الموحش.

إنّ المرأة في آفاق الحياة تشبه الى حد كبير الشعر في آفاق اللغة فكلاهما - أي المرأة والشعر - يملكان تلك المفاتيح الحبيبة القادرة على صياغة ملامح متجددة ومدهشة في الحياة واللغة.

بعد هذا الكلام لا بدّ أن ندخل الى واقع المرأة في مجتمعنا الآن، ذلك الواقع المكبل والمذبوح بمفاهيم ذكورية مستبدة ومسعورة انطلقت كوباء عاصف من صحارى وأغوار التاريخ المظلمة والقاحلة ومن احشاء الكتب البالية المختنقة بالجهل والاحكام البربرية والخرافات والميثولوجيات المستقبلية، مفاهـيم بدائية مقيتـة تدعو الـى تحـويل حاضرنا الى ماض كهفيّ عقيم ووجودنا الى مفردة من مفردات العدم و تدعو الى ضرب وجلد ورجم المرأة وتحويلها الى نصف رجل في الشهادة امام المحكمة، والى ربع رجل على سرير الزوجيـة، والى مجـرد رقم فـي طابـور لا ينتهي من النسـاء في خدمة وطاعة (ملك يمين) الرجل.

إنّ المرأة في ثقافتنا ومجتمعنا هي مسيح جديد بامتياز، فهي تحمل منذ عشرات القرون المظلمة صليبها بصبر وصمت اسطوريين، صليبها المصنوع من فولاذ وحشيتنا وانانيتنا ولامبالاتنا الصقيعية.

ماذا تبقى من ( امرأتنا ) الآن؟ سؤال لا بدّ أن يفتح جرحاً بعمر الوجود الانسانيّ ولا بـدّ أن يكون جوابه مغمساً بدماء ودموع وآهات واستنجادات نسوية غارقة في ضباب التاريخ الأسود.

يجب أن نكون شرفاء بما فيه الكفاية لنعترف بتقصيرنا التاريخي تجاه المرأة، بفشلنا - رغم كلّ ما ندعيه من حداثة - في أن نحميها من أنياب وأضراس الوحشين القديمين العاتيين : العرف القبلي والتطرف الديني.

يجب أن نكون شرفاء بما يكفي لنؤمن بأنّ أيـة إهانة توجه الى المرأة هي في الحقيقة إهانة كبرى لنا، هي إهانة كبرى لقدسية الحياة.


احمد عبد السادة



صورة مفقودة

معبد الاله ايروس في مدينة وليلي الرومانية الاثرية بالمغرب
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى