قصة ايروتيكية إبراهيم فرغلي - عايشة

إبراهيم فرغلي
عايشــــة


حدقت في عينيها وقلت لها: "من الآن وصاعدا أسميك عايشة"..بينما لم تفعل هي شيئا سوى الابقاء على تلك النظرة الباردة التي كانت تطل بها علي وعلى كل من يمكن أن تقع عيناه على صورتها هذه. كانت، في الصورة، تضطجع على فراش واسع، ترتدي فستانا أزرق بلون سماء صباحية، أو لعله قميص بيتي لا يصلح سوى لعاشقة تنام به مع عشيقها. قميص عشق زهري بسيط، كأنه صديرية من مخمل أزرق، يتعلق على الكتفين بحمالتين نحيلتين رقيقتين، كاشفة عن نحرها وكتفيها الدقيقين، وبشرتها الخمرية ونهديها الكاعبين البضين . تحدق في مصورها بنظرة رهيبة تجمع البراءة والتلقائية مع ألق عيني أنثى تعرف مدى جمالها، وتراه معكوسا في عيون من يراها. تتكيء على احدى ذراعيها العاريين، بينما ترتاح الذراع الأخرى على أحد فخذيها الرشيقين العاريين.منذ وقعت عيني على صورة عايشة قررت مفارقة عاداتي القديمة في تصفح صفحات شبكة الإنترنت شرقا وغربا بحثا عن الصور العارية، تخلصت من إدمان رافقني لسنوات، لا عمل لي خلالها سوى البحث عن جمال الجسد العاري. عمل دؤوب صرت معه لا أبتغي تأمل جمال العري المبذول على الفضاء الافتراضي من كل لون وشكل فقط، وإنما أصبح الأمر بالنسبة لي، وبمرور الوقت، لونا من الرهان على أن اجد الفتاة "السوبر" لو صح التعبير، المرأة التي تكتفي عيناي بجمالها بوصفه الجمال الأعلى لمقاييسي البصرية.كنت امتلك لها صورا خمس، وقعت عليها بصدفة غريبة، وأظنها بُثّت بالخطأ على الشبكة من صديقة لها أو صديق، فهي لم تكن صورا تجارية مبتذلة، بل لقطات حميمة وخاصة، منزلية، صورت في منزل يكشف عن طبقة وسطى في بيئة عربية، توزعت مواقعها في الحمام وغرفة النوم. انشغلت بالصور، وببلاغتها البصرية، يوما بعد آخر، وانتابني التوق لتكبيرها جميعا بحجمها الطبيعي لكي أعلقها على جدران غرفتي، بحيث أستحضر هذا الكيان الافتراضي الشبحي إلى واقع حياتي اليومي في الصحو والمنام. كانت عايشة في غرفة النوم قد منحت لمصورها ثلاث صور لم تغير فيها جميعا نظرة وجهها الصارمة المحايدة، بلا ابتسام، إذ تنطبق شفتيها الورديتين الصغيرتين الرقيقتين. تضطجع على فراش مغطى بشراشف ذهبية وصفراء تحتل مساحته بجسدها النضر. وبينما لا يظهر في صورتين من الثلاث سوى جزءا صغيرا من نهديها، فإن الصورة الثالثة كانت فيها قد أسقطت قميصها الزهري عن صدرها، أو بالأحرى حلّت وثاق الرباط الدقيق الذي يربط صدر القميص المكشوف، لكي تتيح لنهديها أن يتحررا قليلا، بينما وضعت على نحرها سلسلة ذهبية رقيقة تتدلى منها قلادة صغيرة لا يمكن تبين تفاصيلها في الصورة.الصورتان الأخريتان التقطتا لها في الحمام. في واحدة منهما تقف عارية تماما وخلفها يظهر باب الحمام البني الداكن الأنيق، ومع ذلك لا يظهر سوى صدرها وحتى منتصف بطنها الهضيم. أما الثانية فهي تبدو فيها وهي تقف في البانيو وقد أدارت جسدها قليلا بحيث تظهر في هذه الصورة تقريبا ملامح الجسد الجميل كلها الذي يتسم بتوازن مثالي بين الأرداف البيضاء الطرية غير المترهلة، والخصر النحيف الذي يتكيء بغنج على انحناءة الورك والفخذ وصولا للقدمين الصغيريتن ذاتي الأظافر المنمقة غير المطلية بأي طلاء. فيما يبدو مهبلها ناعما محلوقا لا يختلف لونه عن لون بشرتها.كنت أتخيلني محتضنا عريها بينما أرى في احتضاني الإفتراضي لها اكتمال ما اريده من النوم في حضن امرأة. أنصت لهمسها، أرقب لمس يديها لجسدي. كل لمسة من يديها قصيدة تهمس شعرا لخلايا جسدي.
في الليل كنت أستيقظ على صوت همساتها.. أفتح عيني في الظلام وأتوقف عن التنفس منصتا علني أفهم ما يأتيني من طيفها، وسرعان ما تختفي فأعود إلى نومي ممرورا بهذا الفقدان.كيف اشرح مشاعري حيال هذه الفتاة التي لا تربطني بها سوى هذه الصور الخمس؟ كيف أشرح هذا الخواء الروحي العميق الذي أشعر به منذ رأيت صورها دون أن أمتلك اية فرصة لإيجادها في حياتي الواقعية؟ خصوصا وأن تفسيراتي الوجودية الصوفية قد لا تروق لأي احد، وهو ما يجعلني أصر على الصمت عن تفسير ما أشعر به حيال عايشة لأي أحد.لم يكن لدي من عزاء عن هذا الخواء الرهيب، هذه الفجوة العميقة كفوهة كهف، سوى العودة إلى جهاز الكمبيوتر وفتح الملفات الخاصة بالصور والائتناس بملامح وجهها ونظرتها الحيادية المتكبرة الرقيقة، لكني اليوم..اليوم فقط، وقبل أن أجلس لكتابة هذه السطور، أو الاعترافات ربما، فجعت، نعم فجعت، لا يوجد وصف ادق لما شعرت به حين اكتشفت اختفاء هذه الصور الخمس وإلى الأبد!! كنت أبحث عن الصور في الملفات حيث اعتدت مشاهدتها لكني في هذه المرة لم أجد لها أثرا. بحثت في الملفات الأخرى بلا جدوى. اخرجت الفلاشات وجهاز تخزين الملفات الإلكتروني. كانت تتضمن كل ممتلكاتي الإلكترونية: أفلاما أحبها، منها فيلم لسلمى حايك عن الفنانة المكسيسكة فريدا كالو، وفيلما لوودي آلان، ونسخة كاملة من المريض الإنجليزي، ونسخة من فيلم ابنة العم انجليكا لكارلوس ساورا، وعدد آخر من أفلام لم أعد أذكرها، وبينها مجموعة من الأفلام البورنو الجنسية الإيطالية والفرنسية. أحب الأفلام الجنسية الفرنسية عن سواها لأنها معدة بدقة وصورتها ناعمة، وبها كلها أناقة أفضل اقترانها في العمل الجنسي، بعيدة عن ىلية الأفلام الجنسية الأمريكية الحيوانية. وتصفحت بسرعة أيضا باقي الموجودات: كتبا مسروقة من الإنترنت، صورا عديدة من مناسبات مختلفة، موضوعات صحفية وتقارير منشورة على الإنترنت أعجبتني فخزنتها للقراءة لاحقا. بحثت فيها جميعا وهي عادة ما تحتوي نفس المحتويات وكانت نتيجة البحث واحدة في كل المرات..الصور لا وجود لها.كانت الصور الأخرى كلها تقريبا، ووفقا لما اسعفتني به الذاكرة،لا تزال موجودة.. خصوصا المجموعة المحببة التي احتفظ بها في ملف خاص مع تلك الصور الخمس، الصور العشر للفتاة المكسيكية ذات الملامح الخليط بين الآسيوية واللاتينية ببشرتها الخمرية الناعمة، وبملامح وجهها الرقيقة الجميلة، ورشاقة قدها، وبالصور الملونة بالأحمر والأزرق التي حفرتها على عانتها. وكذلك الصور التسع للفتاة البضة ذات الشعر الأسود الفاحم المنسدل كما ليلة حب مظلمة، الجسد البض ذو الفخذين الممتلئين قليلا والطيز مثالية التكوين، والتي تم تصويرها فيما يشبه مخزن ضخم أنيق أرضيته مغطاة بالخشب اللامع حيث صورها المصور وهي تبدو كمصورة سينما تمتطي رافعات الكاميرا لتلتقط صورا وهمية بينما هي وجسدها الجميل موضوعا لعدسته. الصور السبع للفتاة السمراء ذات الشعر الأسود الجميل المنسدل حتى كتفيها ليتجعد عليهما في رفق، ذات الغمازتين الجميلتين والابتسامة الآسرة والجسد الخلاسي المتناسق، حيث تظهرها تلك الصور في أوضاع عدة، بدت فيها جميعا عارية، باستثناء صورة وحيدة كانت ترتدي فيها تي شيرت اسود ضيقا محبوكا عليها بينما لا يغطي نصفها السفلي شيئا على الإطلاق. بل إنني وجدت حتى الصور الأربع الملتقطة بالأبيض والأسود كل منها تضم لقطة لفتاتين سحاقيتان، وبينها صورة الفتاتين الشابتين اللتين كانتا تقفان خلف عازل "الدُش" الزجاجي تلتصق إحداهما بالزجاج بينما تقف الأخرى في مواجهتها تقبلان بعضهما بشهوانية رقيقة فيما المياه تنسدل عليهما وتتناثر قطراتها على الزجاج المغطى بطبقة واهنة من البخار.نعم كانت تلك الصور جميعا، وغيرها من مجموعتي المفضلة موجودة، لم تختف منها واحدة..اما صور عايشة الخمس فقد اصبحت أثرا بعد عين.. أصبحت وهما..غيابا في العدم..فجوة سوداء..اقشعر بدني..لا صحيح..بصدق..ارتجفت مذهولا.. وغص حلقي. وربما قفز قلبي قفزة غير اعتيادية لكنها بالتأكيد احدثت اختلالا هينا وقتيا لانتظام دقاته. وأظنني بدأت أعيش حالا من الاكتئاب مع بداية اكتشافي المرير هذا. فلم تكن صور عايشة مجرد مجموعة من الصور الإيروتيكية الملتقطة لفتاة محترفة، لموديل تتعيش من هذه العلاقة الحميمة بين العدسة وبين جسدها. لا، عايشة بالتأكيد عاشقة بريئة وجميلة منحت جسدها بحب وسخاء لعدسة عشيقها أو ربما عشيقتها. ولعل أقصى ما كانت تتمناه أن تتأمل جمال جسدها العاري في تلك الصور على شاشة الكاميرا نفسها التي التقطت لها الصور، لتطمسها لاحقا. ولا أعتقد أن عايشة كانت ترغب في أن تمنح جسدها للمتلصصين ومدمني الصور العارية وسواهم من المترددين على الشبكة.نعم عايشة كانت ضحية من ضحايا عصر الصورة السرية التي تحررت من سريتها وتسللت إلى عالم نشر الصورة الفضائحي والعشوائي على الشبكة. اصبح جسدها أيقونة افتراضية لعالم الحياة الجنسية السرية والعلنية على الإنترنت.لكن ذلك كله في الحقيقة لم يكن يعنيني على اي نحو. فما كان يعنيني هو المعنى الجوهري من تعلقي هذا بها. من يقيني بأن روحا تبحث عنها روحي موجودة في مكان ما من هذا العالم، وان ما يبدو صدفة قدرية بحتة ارسلت إلي صورة الجسد الذي يضم هذه الروح هو تدبير قدري منظم، أو على الأقل تدبير موجه من قبل قوى ما من عالم الأرواح التي تتآلف او تتنافر وتتباغض رغما عنا، يوميا، وتلقي إلينا بهمس أطياف تلك الروح من بشر نلتقيهم عبورا أو نعرفهم فنأتنس إليهم أو ننفر منهم في اللحظة ذاتها، أو تلتقي اكتاف بعضنا بعض فنجد كتفا يضرب بعنف نافرا كارها، بينما نشعر بكتف آخر رفيق يحتضن الكتف المصطدم كانه ماص للصدمات فنلتفت في لمحة عابرة لوجه اليف يعلق في الذاكرة إلى الأبد.عايشة كانت تمتلك روحا أليفة وقد أرسلت لي طيف روحها عبر صورتها، نعم لا شك لدي في هذا كله، لكن لماذا قررت الروح أن تسرق الصور من مخبأها الحميم على هذا النحو؟ هل تأخرت في فهم الرسالة؟ هل كان علي أن اشرع في بحثي عن عايشة بدلا من هذه النوازع الرومانسية المائعة التافهة التي أوحت لي بالاكتفاء بتعليق صورها على الحائط، والتي حتى لم أتمكن من تعليقها من الأساس؟لم أجد إجابة شافية، وظلت روحي مثل أوراق احترقت وظلت رائحة الحريق أثرا خالدا في موقع الحريق لا يزول بمرور الزمن. لن ابالغ واقول أن روحي تفحمت، وأن حواسي تعطلت .بالعكس، فقد أصبحت أتوقع رؤيتها في كل مكان أمر به، ليس هنا فقط، في قلب القاهرة، بل وفي ارجاء شتى، بل وفي مدن قادتني إليها ظروف شتى في الشام وقلب اوربا، بل وحتى وصولا إلى مدن صحرواية عدة.وبالرغم من أنني يئست في نهاية الأمر وقررت أن أنسى ما اسميته لاحقا وهم الصورة فقد ظلت ذكرى عايشة في ذاكرتي مختلطة بالمرارة وحرائق الروح..حتى رأيتها يوما. نعم رأيتها ولم ألمحها عابرا. وجدت عايشة بلحمها ودمها وجمالها الخاص أمامي.هنا يجب أن أذكر أنني خرجت أخيرا من غرفتي الصغيرة التي يحلو لي فيها العيش وحيدا لسنوات، معتزلا العالم. متفرغا لبحثي في صور الفتيات وكتابة تفاصيل لا تنتهي عن الصورة الإيروتيكية مكتفيا بذاتي، لا اكلم إنسيا، لا اليوم ولا غدا ولا بعد غد. هذا قرار مرت عليه الآن أكثر من عشر سنوات أعيشها وحدي مكتفيا، مستغنيا عن عالم من الكذابين والأفاقين ومحدودي البصر والبصيرة ومن الداعرات الكاذبات. أنصت للموسيقى التي أحب، أقرأ في كتب الرحلة، وأفكر متأملا في العالم البعيد الذي كنت أتوق للسفر إليه.



.
 
أعلى