فاطمة الفدادي - المرأة في الثقافة الحسانية

- المرأة الحسانية:

المرأة نصف المجتمع نظرا للأدوار الطلائعية التي تلعبها في بناء المجتمع ومشاركتها الفعالة في مختلف مجالات الحياة .فالمرأة صانعة التاريخ عندما أنجبت وعلمت وسهرت على العناية بأبنائها، وجعلهم قادرين على الصمود أمام كل العقبات، فهي تلعب دورا حاسما في البناء الفكري والثقافي فهي: المدرسة، الكاتبة الإعلامية ، الشاعرة، والمغنية.. كما تساهم في المجال الاقتصادي من خلال ولوجها سوق الشغل والتجارة، وقد أثبتت المرأة جدارتها في المجال السياسي حيث تبوأت أعلى المناصب المرموقة في السلك الدبلوماسي فهي : الوزيرة ، الناشطة الحقوقية ، المحامية ، السفيرة.

فالمرأة في الثقافة الحسانية أو بالأحرى داخل المجتمع الصحراوي تحظى بمكانة متميزة داخل الوسط الاجتماعي « وهذا يرجع بالأساس إلى الفهم الصحيح للدين الإسلامي الحنيف وإلى العادات والتقاليد المستنبطة من الثقافة العربية الأصيلة ، فالمرأة المطلقة أو الأرملة مثلا لا تشعر بالدونية ولاتشكو من أي نقص حيث تمارس جميع وظائفها وأدوارها في الحياة اليومية بشكل عادي وطبيعي»[1]

فالمرأة الصحراوية لها دور أساس في المجتمع الصحراوي إذ تقوم ببعض الأعمال من ضمنها ما يلي: تغزل «اللوبر»، خيط يغزل من صوف الإبل أو الغنم، وهو يستعمل في خياطة «الخيمة»، حيث تخيط المرأة الخيمة قبل أن يثبتها الرجل، الذي يكون في رحلة بحث أخرى عن الماء، وغالبا ما يكون الاستقرار قريبا من منبع مائي، حيث ترد الجمال ويسقي الرحالة الماء حسب حاجتهم للشرب والاستعمال.

المرأة تتكلف بالطبخ وجمع الحطب، والإبن يجلب الماء الشروب في «الكربة»، أو «القربة» وهي إناء مصنوع من جلد الماعز أو الإبل، والرجل يرعى البعير ويسقيها، ويصب الماء في «الحيسان» أي «السواريج»، حتى تشرب الإبل كلما أحست بالعطش، كما يحلب الإبل بنفسه، وقد يعوضه الابن البكر إن كان اليوم «يوم تسوق» لأن الأب يذهب لجلب الزاد. «إن المرأة الصحراوية إذن ، هي رمز المجتمع الصحراوي وضمان استمراريته من خلال إصرارها على المشارة الفعالة إلى جانب أخيها الرجل في تدبير و استمرارية الأسرة وهي نصف المجتمع الذي لايمكن الاستغناء عنه »[2]
وتلعب المرأة دورا مهما في حياة الرجل، لذلك تجد الرجل الصحراوي يمجدها، ولا يفوت على نفسه فرصة لسرد مناقبها، وبأنها هي سر «الخيمة» وركيزتها «يقولون في الصحراء الأب دلو، والأم حوض، وإذا كان الحوض مثقوبا فماذا سيحمل هذا الدلو، طبعا لن يحمل شيئا». «فبقيت المرأة الصحراوية دائما متمسكة بثوابت ومقدسات المجتمع الصحراوي ، فهي رمزه الثابت من خلال زيها المعروف ب "الملحفة" وهو زي تقليدي يتمه الشرع والعادة على كل فتاة بالغة»[3] . المرأة الصحراوية، ليست في حاجة إلى أعياد، مستحضرا اليوم العالمي لحقوق المرأة، لأن كل حياتها أعياد في نظر زوجها، فبدون المرأة الصحراوي لا يساوي شيئا.

2- الشعر الحساني:

يعتبر الشعر الحساني جزءا من ا الشعر الشعبي و يتميز بتفرده بعدة بحور تقاس بالمتحركات و تختص بعضها عن بعض باضطراب العوامل أي النصب و الخفض و الرفع و السكون، و من بين هذه البحور من لا يعمل به الآن. و قد عرفه الأستاذ الشاعر الكبير : بادي و لد محمد سالم بأنه " كلام مختار من اللهجة و اللغة المتداولة و له أحكامه كأحكام الشرع الخمسة أي الواجب و المندوب و الجائز والمكروه و الحرام ، وهو من جهة أخرى ذلك الكلام المنثور الذي يختاره الشاعر ليجعل منه مادته فتراه يبرمه و يغزله و يخففه في مكان ما ، كما قد يثقله في مكان آخر و يبحث فيه و يفلق حتى يستخرج منه ذلك الكلام المبعثر جسما متكاملا لا يقبل النقص و لا الزيادة و يحتل مكانه بين سائر القصائد لذا نجد فيه الجميل و القبيح و الطويل و القصير ". و للشعر الحساني أهميه ككل شعر عربي فصيحه و عاميه ، رغم أن أهله يفاخرون بأنهم تجاوزا الشعر الفصيح و شعرائه ،لأنه أي الشعر العامي الحساني يحتوي على الكثير من مفردات اللغة العربية الفصحى بل و حتى على جمل مفيدة بأكملها ، إضافة إلى كلمات و مفردات من اللغات الأجنبية الأخرى ، زد على ذلك كونه اخذ عن الدين الإسلامي ، آيات قرآنية و أحاديث نبوية علاوة على الشعر العربي من كل العصور . وقد برع كثيرون في الشعر الحساني ، وهناك طبقة خاصة بروايته إلى جانب مؤلفيه من الشعراء وعشاقه، وهي طبقة المغنيين المسماة باللهجة الحسانية " ايكاون" ، ويقوم بعض هؤلاء والكثير من الشعراء الكبار بدور النقد الشعري بهدف تمييز الجيد من الرديء من الشعر الحساني ، وقد تجد بعض الشعراء يحفظ من شعر غيره أكثر مما يحفظ من شعره وإبداعه الخاص. ومن الصعوبات التي يعاني منها الشعر الحساني قلة التدوين ونذرته، مما يجعله عرضة للخلط والتشويه والضياع، وهي معاناة لا تزال قائمة إلى اليوم.

أما بحوره و أوزانه فقد مرت بمرحلتين هامتين هما:
أولا - ما قبل الموسيقىو هي المرحلة التي كان فيها الشعر نوع من النثر المميز تقريبا , حيث كانت الأبياتلا تقاس على بعضها و لا توجد فيه " الطلعة " و إن و جدت فهي على غير قافية واحدة قد تنظم على أساس الشكل أي الفتح والضم والكسر والسكون، دون الاهتمام بالحرف وظل هكذا مدة طويلة حتى بدأ بروز معالم مرحلة أخرى في الظهور حيث تطور الموسيقى في تلك المرحلة، واستطاع الشعراء حصر الوزن على المتحركتين المتناغمين مع قياس بعضها على البعض دون زيادة أو نقصان. مما أعطى القافية نوعا من الثبات حينها ظهر ما عرف لاحقا بالحمر والعقرب وسيبقيان بصفة نهائية كأساس للشعر الحساني.

ثانيا - شكل ظهور الموسيقى دفعا جديدا لتقدم الشعر الحساني و الرقي به إلى مرحلةأكثر تقدما من سابقاتها حيث جبر الشعراء على مرافقة النوتة الموسيقية و كل شعر لا تتوفر فيه ميزة القابلية لمرافقة النوتة الموسيقية ... وهدا ما أدى إلى تشكل بحور الشعر الشعبي الحساني على غرار الشعر العربي المعروف.

1- المرأة وشعر التبراع:

إن المرأة تعد أنموذجا للإبداع في الثقافة الحسانية، حيث برعت النساء الصحراويات في مبدأ المساواة مع الرجال في نظم الشعر حيث أبدعن في قول الغزل إذ وجدن ضالتهن في رمزية الشعر وغموضه للبوح بمشاعر الحب والعشق في مجتمع يعاب فيه على الفتاة الحديث عن العواطف تحت طائلة الممنوع.

برز شعر التبراع في البيئة الحسانية بكونه شعرا نسائيا خالصا على مستوى الإبداع موضوعه الغزل، والمخاطب به هو الرجل.

« إن الشعر النسائي " التبراع" يختلف عن الشعر الذي ينظمه الرجال وكذا ما تبدعه المجموعات الاجتماعية المتخصصة، تقليديا، في الغناء والطرب أي "إيكاون " المسمى "لغن" المتميز عن الشعر العربي الفصيح، وهذا "لغن"، لكي نميزه عن " شعر النساء " التبراع ، هو بالأساس ذكوري ويتكون من "كيفان"، أي بيتين ومن طلعة التي تتكون من ثلاثة أبيات على الأقل. كما يمكن الجمع بين "الكاف" والطلعة ليكونا نصا شعريا مطولا»[4].

« أما بالنسبة "للتبراع" عند النساء فهو نظم الفتيات المنحدرات من المجموعات المهنية داخل مجتمع البيظان »[5]

هذا الإبداع النسائي المسمى "التبراع" : مفرد: تبريعة، وبرع معناه نظم تبريعة، وهو يتكون من تافلويتين: أي قصيدة من بيت واحد، وحسب الباحثة تين- الشيخ كاترين فهو قصيدة صغيرة من شطرين ذات روي واحد ويجمع الدارسون على أنه من الصعب اعتباره من "لغن " أي من الشعر الحساني المذكور آنفا الذي هو من إنتاج الرجال على الأخص.[6]

إن المرأة الحسانية هي رمز المجتمع الصحراوي وضمان استمراريته من خلال مشاركتها في عدة مجالات سواء الأعمال الإبداعية والثقافية، وكذلك قيامها إلى جانب الرجل بتدبير واستمرارية الأسرة، وهي نصف الأسرة الذي لا يمكن الاستغناء عنه، بل هي لبنته الأساسية في بنائه في شتى المجالات،« فرغم ظهور بعض التغيرات التي طرأت عليها من خلال ولوجها لمجالات جديدة كانت محظورة عليها، بقيت المرأة الصحراوية دائما متمسكة بثوابت ومقدسات المجتمع الصحراوي، فهي رمزه الثابت من خلال زيها المعروف ب " المحلفة" وهو زي تقليدي يحتمه الشرع والعادة على كل فتاة بالغة حيث لا يظهر منها سوى الوجه»[7].

كذلك يظل "التبراع" من الوجهة اللغوية متصلا بمفاهيم كثيرة تدل على المهارة الكلامية والعطاء المثمر والإنتاج المتتالي بالفطرة، اشتقت منه كلمة " تبريعة " التي تعني حسب الباحث أحمد بابا مسكة، "قصيدة صغيرة تعبر بها الفتيات عن مشاعرهن التي يمنع التعبير عنها بوضوح وبشكل صريح أمام الملأ"[8]

من أبرز نماذج هذا الشعر الحساني نجد أولا ما يصطلح عليه ب "التبريعة الافتتاحية" وهي دائما تكون على شكل مقدمة يذكر فيها اسم الله، وتبرز فيها مكانة رسول الله (ص) عند المتبرعة، فيقال مثلا :

لايلاه إلا الله = ياخوتي لايلاه إلا الله
لايلاه إلا الله = مغل علي رسول الله

ومباشرة بعد هذه المقدمة يتم الدخول في صلب موضوع التبراع الذي هو الغزل، وخير مثال على ذلك، التبريعة التي تجسد معاناة إحدى النساء الحسانيات مع رجل تحبه وهو لا يعلم بذلك، فنجدها تقول مثلا :

مصابي كديحة = يشرب بي تحت اطليحة

(أي يا ليتني كنت قدحا يشرب مني تحت شجرة الطلح.)

وأيضا وعلى نفس المنوال الكلامي تقول إحداهن :

عند تبسيم = باني فيها ابليس خويم

يعبر هذا البيت عن افتتان إحدى النساء بجمال ابتسامة عشيقها، وتعتبرها غاية في الإغراء، وأن إبليس بنى خيمته في هذه الابتسامة واستقر بها، فإبليس في الثقافة الحسانية الشعبية يرمز إلى الغواية والفتنة والقدرة على التأثير الجمالي، لا سيما ما يتصل منه بالإغراء وإيروتيكا الجسد[9].

ولا يقتصر شعر التبراع عند النساء الحسانيات على التغزل بالرجال فحسب، بل يمتد إلى مجالات أخرى كالتغني بالمكان أو الطبيعة لارتباطها بأحداث وذكريات ماضية جميلة ترسخت في الذاكرة وسكنت في الوجدان لدرجة يصعب نسيانها.

تقول المتبرعة متمنية :

يوكي يالواد = يعمل بغيو ماه تفكاد

والمقصود ب "يوكي" هنا تعبير حساني يراد به الإعجاب والاندهاش والترحيب. والمقصود ب "الواد" في هذه التبريعة وادي الساقية الحمراء. و "بغيو" من البغي، وهو الحب والتعلق العاطفي والوجداني. أما "التفكاد" فيقصد به التذكر.[10]

إن شعر التبراع هو إبداع نسائي شفهي بامتياز تعبر به المرأة الحسانية عن شعورها للرجل في المجتمع الذي تنتمي إليه، و هذا الشعر له طقوسه التي تقام كفضاء مؤثث لقول الشعر، بحيث يجب أن تتواجد مجموعة من الفتيات اللواتي تجتمعن من أجل السمر فتبدأ الواحدة منهن بالإنشاد في موضوع أو مغزى معين. قد يعنيها وقد يكون عاما، المهم أن يكون داخل إطار الغزل...فتطفق الواحدة تلو الأخرى في التبراع ويستمر الأمر على شكل مساجلة أو محاورة تبراعية.

في الختام عن شعر التبراع شكل من أشكال التعبير الحساني يخص النساء دون الرجال[11]. انتشاره وتداوله راجع بالأساس لسلطة المجتمع الصحراوي الذي تؤطر مجاله جملة من الممنوعات خاصة ما يتعلق بالنساء، وبذلك وجدت الحسانيات في التبراع وسيلة هامة للتعبير عما يخالجهن من أحاسيس وعواطف.

[1]-صورة المرأة الصحراوية في الأدب الحساني، د، بار الله محمد وليو ، ضمن كتاب تمثلات المرأة في المتخيل والتراث الشفاهي المغربي ، تنسيق،المصطفى الشادلي ، منشورات كلية الاداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ص،55

[2]- -صورة المرأة الصحراوية في الأدب الحساني، د، بار الله محمد وليو ، ضمن كتاب تمثلات المرأة في المتخيل والتراث الشفاهي المغربي ، تنسيق،المصطفى الشادلي ، منشورات كلية الاداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ص،55.

[3]--صورة المرأة الصحراوية في الأدب الحساني، د، بار الله محمد وليو ، ضمن كتاب تمثلات المرأة في المتخيل والتراث الشفاهي المغربي ، تنسيق،المصطفى الشادلي ، منشورات كلية الاداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ص،56.

7جماعة من الباحثبن: المكونات الثقافية للصحراء المغربية، منشورات رابطة أدباء المغاربة، الجديدة،ط1، 2001، ص 59.

نفسه ، ص 60.[5]
نفسه، ص 60.[6]
10بارك الله محمد وليو: " صورة المرأة الصحراوية في الأدب الحساني، الشعر والمثل نموذجين"، مقال منشور ضمن كتاب تمثلات المرأة في[7]المتخيل الشعبي والتراث الشفاهي المغربي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 2008، ص55.

[8]إبراهيم الحيسن، مقال حول المرأة في التراث الشفاهي الحساني، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 154.

نفسه، ص 49.[9]

نفسه، ص 59.[10]

14 باب أحمد ولد البكاي، "جامع التراث الشعبي لغن وأوزان والأمثلة الحسانية مع مضاربها في كفان"، المطبعة الجديدة، موريتانيا 2002، ص24.
 
أعلى