محمد جبريل - عن التراث الشعبي

في تعريف للتراث الشعبي. انه "عملية طبيعية تنتمي كل الانتماء الي العملية الحضارية. فهو لم يوضع وضعا. وانما نشأ من خلال عملية معقدة. تتراكم فيها المعارف الحياتية والكونية. وهذه المعارف تظل تنقي وتغربل حتي تستقر في تشكيلات فنية ذات قيم إشارية عالية. إن حكايات الأبطال والسير الشعبية والمواويل القصصية والأمثال والحكم والرقصات. وما يصحبها من غناء وموسيقا ورسوم ساذجة وصناعات بسيطة. تصور كلها حياة المجتمع من نواح كثيرة. ولايمكن لباحث في تاريخ المجتمع أن يتجاهل هذا التراث الذي يمكن ان ينير له الطريق لكي يستطيع فهم عقلية المجتمع وعادات أفراده وحياتهم عامة. مما يتيح له أن يدرس تاريخهم بشكل أسهل وأكثر يسرا.
الموروث الشعبي هو المفتاح الاساس لفهم حضارة أي شعب. معتقداته وعاداته وتقاليده والثابت تاريخيا ان التراث الشعبي حظي باهتمام حقيقي في كتابات ابن خلدون. أول عالم اجتماع بالمعني العلمي في الوطن العربي. والموروث الشعبي المصري جزء من موروثنا الثقافي بعامة. جزء من النسيج الثقافي المصري. تتداخل الخطوط والالوان والتكوينات. فتصنع التكوين الثقافي المصري. علي المستويين الفردي والجمعي. إنه يدخل في وعي ولاوعي الإنسان المصري. ويفيد منه. بلا تعمد ولا إرادة. يتداخل. بصورة أكيدة في أفكاره وتأملاته. وطريقة تعامله. ومفرداته الكلامية. واللغة هي البعد الأهم في هذا الموروث. لانها الوعاء الذي يضم مايعرب به الشعب عن حضارته: أسماء الافراد والأسر. ومفردات حياتهم اليومية. من تعبيرات وأمثال.
والحق أننا اذا لم نبادر بجمع موروثنا الشعبي. فسنقف حتما عند لحظة نبكي فيها علي اللبن المسكوب. الموروث الشعبي يواجه عملية إبادة من وسائل الاعلام المسموعة والمرئية.. واختفت السيرة الشعبية. والحكاية الشعبية. واللغز. والمثل. والخرافة. أهملنا التأمل. واستخدام الخيال وصياغة التعبيرات التي تعبر بالرمز أو باللغز عن واقع الحال .. تركنا الأمر جميعا للتليفزيون. هو الراوي والحكاء. وهو العائل والمدرس والموجه. هل نتذكر: كان ياما كان. ومايحلا الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام.. وهل نتذكر: كان ياما كان. وما يحلا الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام.. وهل نتذكر: وعاشوا في تبات ونبات. وخلفوا صبيان وبنات؟.. وهل نتذكر: توتة توتة.. حلوة والا ملتوتة؟.. كانت هذه بداية الحكاية. ونهايتها. كما ترويها الجدات؟.. وهل نتذكر مصير راوي السيرة الشعبية في "زقاق المدق"؟
من الخطأ إهمال الموروث الشعبي في دراستنا لثقافة هذا الشعب. بل ومن السذاجة وضعه في إطار القيمة المحدودة. لأنه يتصل بصميم الشخصية المصرية. فهو يصدر عنها. يعبر عن خلاصة تجارب البداية. والتواصل علي هذه الأرض. ويصدر الي أجيال اخري حالية. وقادمة. تفيد من تجارب السلف. ويظل التواصل قائما.
يذهلني ذلك التصور الغريب للأدب الشعبي والموروث الشعبي بعامة إنه لا يروج بين العامة وبسطاء العقول ومحدودي الأفهام. أما أصحاب العلم والمعرفة فليس لهم في مثله غاية. وليس فيه عندهم عناء" . إن إهمال المحافظة علي هذا الموروث يعني إهمال المحافظة علي الهوية. وتعريض الشخصية المصرية بالمعني العام لتشوه الملامح وليس خافيا ذلك الدأب الصهيوني علي محاولة سرقة التراث المصري. والعربي. ونسبته الي مايزعم إنه تراث عبري. يهودي.
إن الإنسان المصري يحيا حياته. يعانيها. يستخلص من معاناة الحياة خبرة ورؤية وحكمة. يلخصها جميعا في مفرداته اللغوية. والمثقف مواطن مصري. ولد ونشأ في مصر وتكون ثقافيا في مراحل عمره في البيت والمدرسة والجامعة والشارع والمسجد إلخ.. من ذلك كله يتألف موروثه الثقافي والموروث الشعبي بعد اهم فيه فهو لايستطيع الزعم إنه لم يتأثر به. إنه يتحدث باللهجة العامية بما تتضمنه من مفردات متميزة. مغايرة للفصحي. وللهجات الأخري. يلجأ إلي الخبرات السابقة. ويضمن أحاديثه العادية تراث هذا الشعب من أمثال وألغاز وعبر ومواعظ وحكايات وسير..


*المساء الأسبوعية ـ صفحة قضايا أدبية ـ في 14/4/2007م.

محمد جبريـل
 
أعلى