أحمد ندا - خدش الحياء القديم

أحُكم على الصديق أحمد ناجي بالسجن لسنتين، لأن أوهام الأخلاق وقفت عند بعض الألفاظ التي لم تستخدم الالتفاف اللغوي، حكم على ناجي لأنه استخدم ما ثبت معناه في اللغة، لكن لم تتقبله الذائقة المهترئة للنيابة والمحكمة، الذائقة المحبوسة في أوهام الأخلاق.

وكيل النيابة المشغول بتتبع الألفاظ “الخادشة” عند ناجي، لم يتقبل كتب التراث التي تكاد أن تتفجر منها الشهوة الزائلة واللذة الفانية، وأوّلها كيفما أراد، واضعا سياقا تاريخيا متوهما عن موقعها في “محاربة الكفار” والذي إن دل على شيء، فإنما يدل على خطورة “العلم الناقص”.

قال أهل الفقه قديما “جهل كامل خير من علم ناقص”، ذلك أن صاحب العلم المجتزأ الناقص يغتر بما لديه فلا يسمع ولا يفهم، أهدي السيد وكيل النيابة محب اللغة القديمة جاهل تاريخها بعض ما قيل في كتب التراث الذي يحتمي بتصوره عنه.

“وبعض من يُظهر النسك والتقشُّف إذا ذُكر الحر والأير والنَّيك تقزَّز وانقبض. وأكثر من تجده كذلك فإنما هو رجلٌ ليس معه من المعرفة والكرم، والنُّبل والوقار، إلاَّ بقدر هذا التصنُّع.”

الجاحظ في كتاب مفاخرة الجواري والغلمان

……….

لا يعقب التقبيل إلا زبي = ولا يداوي من صميم الحب
إلا احتضان الركب الأزب = ينزع منه الأير نزع الضب

ابن عبد ربه في كتاب العقد الفريد

……….

روى زياد عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان أن جدته عاتبت جده في قلة إتيانه إياها، فقال لها: أنا وأنت على قضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قالت: وما قضاء عمر؟ قال: قضى أن الرجل إذا أتى امرأته عند كل طهر فقد أدى حقها. قالت: أفترك الناس كلهم قضاء عمر، وأقمت أنا وأنت عليه. فقال:

أنا شيخ ولي امرأة عجوز = تراودني على ما لا يجوز
تريدني أنيكها في كل يوم = وذلك عند أمثالي عزيز
وقالت رق أيرك مذ كبرنا = فقلت لها: بل اتسع القفيز

وقال أعرابي حين كبر وعجز:

عجبت من أيري وكيف يصنع = أدفعه بإصبعي ويرجع

يقوم بعد النشر ثم يصرع

العقد الفريد

……….

.. وقالوا: من ناك لنفسه لم يضعف أبداً ولم ينقطع، ومن فعل ذلك لغيره فذاك الذي يصفي وينقطع. يعنون من فعل ذلك ليبلغ أقصى شهوة المرأة ويطلب الذكر عندها. وقال الشاعر:

من ناك للذكر أصفى قبل مدته = لا يقطع النيك إلا كل منهوم

أبو فرج الأصفهاني في كتاب الأغاني

……….

فإذا لم يُعجب سيادة القاضي ووكيل نيابته ما ورد في كتب السرد العربي، فعليه بمصنفات الفقهاء، وما يخصهم من كتب الطرائف والحكايات، مثل الإمام الفقيه الحنبلي أبو فرج الجوزي، وله في كتاب “أخبار الظراف والمتماجنين” وصف للقبلة، بل ما يسمى “فرينش كيس” أو القبلة الفرنسية، يقول الجوزي:

“إذا وقعت القبل بين المتحابين ووصلت بلَّة من ريق كل واحد منهما إلى معدة الآخر، واختلط ذلك بجميع البدن ووصل إلى جرم، وهكذا إذا تنفس كل واحد منهما في وجه صاحبه، فإنه يخرج مع ذلك النفس شيءٌ من نسيم كل واحد منهما فيختلط بأجزاء الهواء، فإذا استنشق من ذلك الهواء دخل في الخياشيم، فوصل بعضه إلى الدماغ فسرى فيه كسريان النور في جرم البدن فينعقد في بدن هذا ما تحلل من بدن هذا فيصير مزاجاً، فيتولد به العشق وينمى.”

……….

لم يحدث في تاريخ الدولة الإسلامية حتى في أعتى عصورها وأكثرها استبدادا أن حُكم على كاتب أو أديب مهما كانت درجة “مجون” ما يكتبه، بل على العكس، فإن بعض كتاب هذه المصنفات كان يتنافس الأمراء في تكريمهم، وللسيد وكيل النيابة أقول: إذا كان لديك خلل في فهم التراث الذي تحاول “الدفاع عنه”، فتعلم بدلا من أن تكرس وقتك لحبس من لا تفهم ما يكتب.


* للتضامن مع الروائي أحمد ناجي.


* منقول عن موقع زائـــ18ـــد
 
أعلى