الأمثال الشعبية تعبر عن الفلكور وتنقل الفكر والاتجاه الشعبي للمجتمع تجاه الظواهر والممارسات الحياتية المختلفة بما تحويه من معتقدات وأساليب شعبية، مما يجعلها جزءا هاما من ثقافة الشعوب وانعكاس للخبايا النفسية لكل شعب، كما أنها تنقل القوانين والأعراف الاجتماعية التي يلتزم بها الجميع، بما تنقله من صور ونماذج عديدة لجوانب من الحياة الإنسانية، فهي تعتبر موجز بليغ عن تجربة مر بها الإنسان عبر حياته وتناقلتها الأجيال .
لأن المرأة تمثل نصف المجتمع وهي محرك رئيسي لثقافته واتجاهاته بما تقوم به من دور فعال في المجتمع المحيط بها فهي الأم والأخت والزوجة والابنة والجارة، والرجل يعلم جيدا دورها ولكنه في أحيان كثيرة لا يعترف بذلك، والبعض يرى أن الموروثات الشعبية ظلمت المرأة ولم تعترف بدورها فكثير من الأمثال الشعبية جعلت المرأة مجالا للسخرية والاستهزاء، بينما نصفتها بعض الأمثال الأخرى.
دراسة واستطلاع
أجرت مؤسسة المرأة الجديدة دراسة حول المرأة المصرية في الأمثال الشعبية، حيث رصدت الدراسة عدداً من الأمثال الشعبية التي تناولت المرأة وعلاقاتها بغيرها, ومنها ضرورة وجود الرجل في حياة حواء وكيف انه هو الذي يكسبها الأهمية أو ينزعها عنها ومن هذه الأمثال "اللي يقول لمراته ياعورة, يلعب بيها الناس الكورة " ، " مرة من غير راجل زي الطربوش من غير زر" وركزت الأمثال أيضاً علي فكرة إغراق المرأة في غياب مراقبة الرجل " الرجالة غابت, والستات سابت " وأظهرت الأمثال لهفة النساء علي الزواج "ضل راجل ولا ضل حيطة"، "آخد الغندور ولو سكني وسط القبور" ، " نار جوزي ولاجنة أبويا "،وغيرها من الأمثال المتداولة بين الناس في المجتمع المصري .
في استطلاع رأي نفذته نفس المؤسسة شمل 48 سيدة ورجلاً من أعمار تتراوح بين20 و55 عاماً و77% من نساء العينة رفضن فكرة انحراف المرأة في غياب الرجل, كما رفضن الأمثال المتعلقة بالعنوسة "من كتر خطابها بارت" إلا أن67% منهن رفضن الأمثال المتعلقة بالحموات لأنها تمس أمهاتهن .
نماذج نسائية
شملت الأمثال الشعبية العربية بوجه عام والمصرية على وجه الخصوص كل الجوانب الحياتية ولم تنس أي ناحية منها، وفيما يخص المرأة فقدمت نماذج نسائية كثيرة فوصفت المرأة الجميلة والقبيحة، والمتزوجة والمطلقة، والمجتهدة والكسولة ، ومن هذه النماذج المرأة النشيطة " فالمرأة الشاطرة تقضى حاجتها والخايبة تنده جارتها". والمرأة خفيفة الروح المرحة فيقول المثل"اللى مرأته مفرفشة يرجع البيت من العشا". والمليحة التي تجمع بين جمال الشكل وجمال الطبع "خد المليح واستريح".
المرأة الجميلة
لم تكن الأمثال الشعبية كلها سلبية وضد المرأة فهناك الكثير من الأمثال التي وصفت المرأة الجميلة، ولكن وصفتها وكأنها دمية جميلة بلا روح، ورغم ذلك حثت الرجال على طلبها "إن عشقت اعشق قمر، وإن سرقت اسرق جمل" ويرادف هذا المعنى "اعشق غزال وإلا …فضها"، ولأن الجمال يسبق الغنى فـ "تغور العورة بفدانه"، كما حثت هذه الأمثال على الزواج من المرأة الجميلة حتى ولو كان الزوج لا يملك قوت يومه، فالجمال يغني عن الأكل والشرب "خد الحلو واقعد قباله.. وإن جعت شاهد جماله"، وفي مقارنة بين الجميلة والدميمة يقول المثل: "الحلوة حلوة ولو قامت من النوم، والوحشة وحشة ولو استحمت كل يوم" ،وفي وصف المرأة الدميمة التي تتمنى أن تكون جميلة وبيضاء ليرضي عنها الرجال باعتبار أن البياض نموذج للجمال عند الرجال يقول لمثل:" ياريتني يا أمه كنت بيضه وبضب، أصل البياض يا أمه عند الرجال يتحب".
كثرت الأمثال في وصف المرأة الجميلة في مواطن مختلفة ، فقد يكون الجمال في المرأة القصيرة لأن كبر السن لا يظهر فيها فيقول"جوز القصيّرة يحسبها صغيّرة"، وتتغير المرأة بمرور السن فيقول مع العمر "البنات بسبع وجوه" ، وليست القصيرة فقط هي الجميلة فيقول المثل في المرأة الطويلة " الطويلة تقضي حاجتها، والقصيرة تنده جارتها!" .
المرأة الدميمة
لم تصف الأمثال المرأة الجميلة فحسب، ولكن المرأة الدميمة ومتواضعة الجمال لم تنج من سياط الأمثال الشعبية، ففي وصف النساء المتواضعات الجمال يقول"إيش تعمل الماشطة في الوش العكر"، ولكن رغم ذلك يدعوها للتجمل " لبس البوصة تبقى عروسه"، وفي وصف للفتاة الدميمة يقول" تبقى عوره وبنت عبد ودخلتها ليلة الحد" أي العورة القبيحة لا تحتاج إلى إعلان وفرح وتهاني بل الأفضل لها الزواج في صمت، وكذلك "العرْس بزوبعة والعروسة ضفدعة”.، وهناك أمثال وصفت المرأة بالعرجة بالعمياء والوحشة والقرعة "سوق الحلاوة جبر وادلعوا الوحشين"، "عميه وعرجه وكيعانها خارجه"،"ادلعي يا عوجه في السنين السوده”. ، ولكنه نصح المرأة أن تتحلى بصفات يمكن من خلالها أن تحول القبح إلى جمال " يا وحشه كوني نِغْشه" في دعوة لجمال الروح للسيدة متواضعة الجمال و"القرعة تتعايق بشعر بنت أختها"، و"عمشه وعامله مكحله" ،و"على ما تتكحل العمشه، يكون السوق خرب”.
تصف الأمثال معالم الحياة الاجتماعية، وترصد أنماط السلوك الإنساني، ولذلك تناولت الأمثال الشعبية المرأة باعتبارها محور الحياة في البيت وخارجه، فقد تناولتها الأمثال المرأة في أدوارها المختلفة انطلاقاً من التهنئة بعيد ميلادها غير المرغوب فيه سعياً إلى التخلص منها "آمنكم الله عارها، وكفاكم مؤنتها، وصاهرتم قبرها” ، وهي تعيش طفولتها كشيء مهمل تابع كلياً للبيت إلى أن يجري التخلص منها عن طريق الزواج كعلاقة اجتماعية تضمن سترها وتريح أهلها من شرها ”البنت إما رجلها وإما قبرها " ، وحذرت من الزواج من الأقارب “الأقارب عقارب” ، ولكن العائلة تسعى للتخلص منها بأي شكل “ بعِّد أختي عني وخذ غلتها مني” ، ورغم ذلك يعترفون بسعة رزقها “أب البنات مرزوق” ، ولكنهم يخافون من رجوعها للمنزل بعد الزواج “زوج بنتك وبعِّد دارها ما يجيك غير خبارها” ، والاصل الطيب مطلوب في الزواج “ يا آخذ القرد على مالو يروح المال ويبقى القرد على حالو” .
الزوجة
بعد الزواج تظهر المرأة في الأمثال الشعبية في صور مختلفة ومتنوعةً، فهي لا تؤتمن على سر "يا ويل من أعطى سره لمراته يا طول عذابه وشتاته"، والمرأة لا يوثق بها، والرجل الذكي الذي لا يعطي لرأي زوجته أي أهمية "الراجل ابن الراجل اللي عمره ما يشاور مراته"، وحذرت الأمثال المرأة من الزواج فيقول"جت العازبه تشكى لقت المتجوزه بتبكي"، "طلبوها اتعززت وفاتوها اتندمت"، و"يا بخت من رضي عنها زوجها"، و"اللي جوزها يقولها: يا عوره يلعبوا بيها الكورة، واللى يقولها: يا هانم يقفولها على السلالم"، "وادي قاعده .. راح النهار يا سعده"، ولكن رغم ذلك فإن الزواج يعطي المرأة مكانتها الاجتماعية "ضل راجل ولا ضل حيط" و"حرمة من غير راجل زى الطربوش من غير زر" و"اسم الزوج ولا طعم الترمل"، بل ان سعادتها مرتبطة بوجود الرجل اذ أن "اللى جوزها يحبها الشمس تطلع لها".
حذرت الأمثال الشعبية الرجال من مكر النساء حتى يتجنب المشاكل الزوجية "إن حبوك يا ويلك وإن كرهوك يا ويلك"، و"كانت قاعده ومرتاحه .. جابت لها ( حاحه )"، و"قبل ما تحبل حضرت الكمون..، وقبل ما تولد سمته مأمون"، و"فتلة العويله ممدوده وطويله”. ، ولم تسلم الحماة أيضاً فيقول " الحما عما، ولو كانت ملاك"، وللبعد عن شرها يقول :"بوس إيد حماتك ولا تبوس إيد مراتك “
هناك بعض الأمثال الشعبية التي سلبت من المرأة حريتها "اكسر للبت ضلع يطلعلها أربعة وعشرين" ، كما شبه المثل البنت بأمها في التصرفات السيئة "اكفي القدرة علي فمها تطلع البنت لأمها" و" تكلم الفاجره تلهيك وتدهيك وتجيب اللي فيها فيك " و" آخد ابن عمي .. وأتغطى بكمي"، كما ركزت الأمثال على السمات السلبية في المرأة ونظرت نظرة إدانة وتقليل من شأنها "البنت تجيب العار والمعيار والعدو لباب الدار"، وقلل المثل الشعبي من شأن البنت عن الذكر "بيت البنات خراب"، ووصفها بالمكر "احذر عناد الرهبان وكيد النسوان وغضب السلطان"، وهي بخيلة وطماعة "ترميه بالحاره ولا تعطيه للجاره"، وعدوانية لا أنا منيًّحة ولا الناس بتعجبني" وغيورة "لولا الغيرة ما حبلت النسوان”.
الأم والأبنة
رغم ذلك نصفت الأمثال الشعبية المصرية الأم فوصفتها بأنها أم حنونة وعطوفة، سعادتها من سعادة أولادها "من طعم صغيري بلحه نزلت حلاوتها فى بطنى" و"أسيادى وأسياد أجدادى اللى يعولوا همى وهم أولادى"، وهي تفضل ابنائها على الاخرين، اذ أن"الخنفسة عند أمها عروسه" و"خنفسة شافت بنتها على الحيط قالت دى لوليه فى خيط"، كما تفرح الام بالولد لانه سندها عند الحاجة "ربنا يبعت للعويله ولد جنبه وتتسند"، وتتحمل مسؤولية البنات حتى الممات "يا مخلفة البنات يا دايخة للممات"، ولكنها لا تنكر دور البنات في مساعدة الأم في تدبير شئون البيت "من يسعدها زمانها تجيب بناتها قبل صبيانها"، كما أن البنات أكثر حبا للآباء من الأولاد "اللي ما عندوش بنات ما يعرفش الناس امتى مات"
أظهرت الأمثال دور المرأة في حياة الرجل فهي مسئولة عن الحياة الاقتصادية في المنزل فـ "الميه في الزير تحب التدبير"، والزوجة تعتبر البيت قصرها فيقول"قعدتى بين اعتابى ولا قعدتى بين أحبابى"، كما أنها المسئولة عن تربية الأولاد فـ "البنت سر أمها" و"المرأة ما لها الا بيتها"، ويعترف الرجل بذلك فيقول "ادينى الحرة النقية اللى تزودنى وقيه".
الأمثال العربية
المرأة عنصر رئيسي في معظم الأمثال الشعبية العربية سواء كانت بالفصحى أو بالعامية ، ففي إحصائية عن الأمثال العربية القديمة التي يكون موضوعها المرأة في أبرز خمسة كتب عن الأمثال من فترات زمنية مختلفة وهي: "أمثال العرب" للمفضل الضبي ، و"الأمثال" لأبي مفرج السدوسي ، و"جمهرة الأمثال" للعسكري، و"مجمع الأمثال" للميداني ، و"المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري، لوحظ أن عدد هذه الأمثال عن المرأة يفوق عدد الأمثال التي تتناول موضوعات متّصلة بشخصيات أخرى ذات هوية محددة، فكانت الأمثال في الكتب السابقة التي يكون موضوعها شخصية المرأة بنسبة 23 % بينما تقسمت النسب الباقية على شخصية الكهل والطفل والشاعر والفارس والأحمق والحيوان والطير والنبات والشخصيات الغيبية كالغول والجن ،الأمر الذي يؤكد أهمية شخصية المرأة وارتباطها الظروف الحياتية على مر العصور.
ثقافة موروثة
يلعب المجتمع دورا مهما في ترسيخ الثقافة الموروثة حيث يتم تناقلها عبر الأجيال ، ويبدو هذا الدور واضحا من خلال الأمثال الشعبية المتداولة فحسب الدكتورة سامية الساعاتي ، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ، فأن الأمثال تعكس الصورة النمطية التي يرى المجتمع أنها الصحيحة للرجل والمرأة على السواء ، ولكن معظم هذه الأمثال لا تعبر عن حقائق ومسلمات، ولكن الأجيال تتوارثها كما هي ولا يمكن تغييرها ورغم ذلك نجد الكثير من أفراد المجتمع لا يعترفون بها.
تنقل الكثير من الأمثال المتوارثة أفكارا غير مرغوب فيها في المجتمع، ومن هذه الأفكار أنها تظهر دور المرأة في المجتمع كربة بيت فقط وتعتبر الرجل رأس الأسرة والمكلف برعايتها وقيادتها والإنفاق عليها، وهناك الكثير من الأمثال التي ظلمت المرأة مثل "البنات همّ للممات" و"المرأة بنصف عقل", "وظل رجل ولا ظل حيطة", "والبنت ياتسترها يا تقبرها" و"البنت باللدح والولد بالمدح"واللدح بمعنى الضرب، و"يا مشاور النسوان يا خسران" و"اللي تموت بنيته من صفا نيته"، وكلها أمثال تستخف بالمرأة وتحط من قدرها رغم انها الام والزوجة والاخت والابنة، ويؤكد أن الموروث الاجتماعي الذي ينشأ عليه الرجل سواء كان أخاً أو أباً أو زوجاً يتبنى أفكاراً يشحن الولد بها منذ الصغر كفكرة ان الرجل لا يعيبه شيء .
في السياق ذاته أظهرت دراسة أجرتها جامعة الملك عبدالعزيز في السعودية أن الأمثال الشعبية المتوارثة ساعدت على ترسيخ ثقافة ذكورية تظلم المرأة ، وتشير إلى أن الرجل عمل على مر العصور على تمييز نفسه عن المرأة واتخذ مكانة لا يسمح للمرأة بالوصول إليها ولم يترك صفة سيئة الا والحقها بها، وأصبح المجتمع ينظر إلى الفتاة باعتبارها وعاء للإنجاب ومصدرا للفتنة والعذاب وموتها خير، وبذلك تقيد هذه الموروثات حرية المرأة وحركتها وتحجر على عقلها لدرجة أنها ترى أن تعليمها لا يتعدى المسالة الكمالية.
التراث العالمي
نقل لنا التراث العالمي الكثير من الأمثال التي وصفت المرأة بالدونية فـ «المرأة : إنسان ناقص التكوين وكائن عرضي» كما قال توما، وأيضاً «المرأة : آخر شيء يمكن أن تصل إليه الحضارة" جورج ميرديت، وهي "حيوان بليد أحمق ولكنّه من بواعث الفرح والسرور» سقراط ، كما ربطت اسم النساء بالشيطان ففي الفرنسية "قلب المرأة يخدع الناس لأنّ الشيطان يموج فيه"، وفي الألمانية : «إذا حكمت المرأة في مكان ، كان الشيطان رئيساً للوزراء فيه» ، وفي الرومية : «عندما يبلع الشيطان المرأة لا يستطيع هضمها» ، وربطت الأمثال بين المرأة والصفات السيئة ففي الفرنسية : «مهما كان البحر خائناً ، فإنّ المرأة أكثر خيانة» ، و «عقيدة المرأة مثل النقش على الماء» ، وفي الألمانية : «صدق المرأة معجزة لا تصدقها» ، وفي الإيطالية : «لا تجد امرأة تقول الصدق تماماً» ، «اعتمد على كلبك أكثر ممّا تعتمد على امرأتك» ، وفي الروسية : «الكلب أكثر فهماً من الزوجة ، فهو لا ينبح على صاحبه» ، وفي البرتغالية : «النساء والنعاج ينبغي أن تعود إلى المأوى : قبل هبوط الليل» ، وفي التركية : «النساء والخيول والكرمة تتطلّب أسياداً أشدّاء» ، وفي الهندية : «تعليم المرأة ، مثل اعطاء السكين بيد القرد» ، وقال عنها شوبنهاور «المرأة كالحرباء ، فهي مجموعة من الألوان والعواطف والمشارب» ، ومن الأقوال : «المرأة عقرب حاذر منها وقت الغضب تمد اللسان والذنب وتريك العجب» ، و «الزوجة الجـيِّدة تكون سـيِّدة أكثر كلّما كانت أكثر عبودية ـ للرجل ـ » .
رغم ذلك نقل لنا التراث العالمي الكثير من الأمثال التي تثني على المرأة وتعظّم دورها الإنساني والاجتماعي في الحياة فيقول المثل العالمي "وراء كل عظيم امرأة" ويصفها نيتشه بأنها " «منبع السعادة والأنس والسرور"، وشكسبير قال عنها " كوكب يستنير به الرجل ، ومن غيرها يبيت الرجل في الظلام" وهيردر اعتبرها " تاج الخليقة" ، بينما قال عنها نابليون " شِعْر الخالق"، و جون جراسي قال " حلقة الوصل بين الملائكة والرجال"وقال جويار "أحلى هدية خصّ الله بها الرجل" وفولتير اعتبرها "مثال الرقة والكمال".
صلاح عبد الصبور
لأن المرأة تمثل نصف المجتمع وهي محرك رئيسي لثقافته واتجاهاته بما تقوم به من دور فعال في المجتمع المحيط بها فهي الأم والأخت والزوجة والابنة والجارة، والرجل يعلم جيدا دورها ولكنه في أحيان كثيرة لا يعترف بذلك، والبعض يرى أن الموروثات الشعبية ظلمت المرأة ولم تعترف بدورها فكثير من الأمثال الشعبية جعلت المرأة مجالا للسخرية والاستهزاء، بينما نصفتها بعض الأمثال الأخرى.
دراسة واستطلاع
أجرت مؤسسة المرأة الجديدة دراسة حول المرأة المصرية في الأمثال الشعبية، حيث رصدت الدراسة عدداً من الأمثال الشعبية التي تناولت المرأة وعلاقاتها بغيرها, ومنها ضرورة وجود الرجل في حياة حواء وكيف انه هو الذي يكسبها الأهمية أو ينزعها عنها ومن هذه الأمثال "اللي يقول لمراته ياعورة, يلعب بيها الناس الكورة " ، " مرة من غير راجل زي الطربوش من غير زر" وركزت الأمثال أيضاً علي فكرة إغراق المرأة في غياب مراقبة الرجل " الرجالة غابت, والستات سابت " وأظهرت الأمثال لهفة النساء علي الزواج "ضل راجل ولا ضل حيطة"، "آخد الغندور ولو سكني وسط القبور" ، " نار جوزي ولاجنة أبويا "،وغيرها من الأمثال المتداولة بين الناس في المجتمع المصري .
في استطلاع رأي نفذته نفس المؤسسة شمل 48 سيدة ورجلاً من أعمار تتراوح بين20 و55 عاماً و77% من نساء العينة رفضن فكرة انحراف المرأة في غياب الرجل, كما رفضن الأمثال المتعلقة بالعنوسة "من كتر خطابها بارت" إلا أن67% منهن رفضن الأمثال المتعلقة بالحموات لأنها تمس أمهاتهن .
نماذج نسائية
شملت الأمثال الشعبية العربية بوجه عام والمصرية على وجه الخصوص كل الجوانب الحياتية ولم تنس أي ناحية منها، وفيما يخص المرأة فقدمت نماذج نسائية كثيرة فوصفت المرأة الجميلة والقبيحة، والمتزوجة والمطلقة، والمجتهدة والكسولة ، ومن هذه النماذج المرأة النشيطة " فالمرأة الشاطرة تقضى حاجتها والخايبة تنده جارتها". والمرأة خفيفة الروح المرحة فيقول المثل"اللى مرأته مفرفشة يرجع البيت من العشا". والمليحة التي تجمع بين جمال الشكل وجمال الطبع "خد المليح واستريح".
المرأة الجميلة
لم تكن الأمثال الشعبية كلها سلبية وضد المرأة فهناك الكثير من الأمثال التي وصفت المرأة الجميلة، ولكن وصفتها وكأنها دمية جميلة بلا روح، ورغم ذلك حثت الرجال على طلبها "إن عشقت اعشق قمر، وإن سرقت اسرق جمل" ويرادف هذا المعنى "اعشق غزال وإلا …فضها"، ولأن الجمال يسبق الغنى فـ "تغور العورة بفدانه"، كما حثت هذه الأمثال على الزواج من المرأة الجميلة حتى ولو كان الزوج لا يملك قوت يومه، فالجمال يغني عن الأكل والشرب "خد الحلو واقعد قباله.. وإن جعت شاهد جماله"، وفي مقارنة بين الجميلة والدميمة يقول المثل: "الحلوة حلوة ولو قامت من النوم، والوحشة وحشة ولو استحمت كل يوم" ،وفي وصف المرأة الدميمة التي تتمنى أن تكون جميلة وبيضاء ليرضي عنها الرجال باعتبار أن البياض نموذج للجمال عند الرجال يقول لمثل:" ياريتني يا أمه كنت بيضه وبضب، أصل البياض يا أمه عند الرجال يتحب".
كثرت الأمثال في وصف المرأة الجميلة في مواطن مختلفة ، فقد يكون الجمال في المرأة القصيرة لأن كبر السن لا يظهر فيها فيقول"جوز القصيّرة يحسبها صغيّرة"، وتتغير المرأة بمرور السن فيقول مع العمر "البنات بسبع وجوه" ، وليست القصيرة فقط هي الجميلة فيقول المثل في المرأة الطويلة " الطويلة تقضي حاجتها، والقصيرة تنده جارتها!" .
المرأة الدميمة
لم تصف الأمثال المرأة الجميلة فحسب، ولكن المرأة الدميمة ومتواضعة الجمال لم تنج من سياط الأمثال الشعبية، ففي وصف النساء المتواضعات الجمال يقول"إيش تعمل الماشطة في الوش العكر"، ولكن رغم ذلك يدعوها للتجمل " لبس البوصة تبقى عروسه"، وفي وصف للفتاة الدميمة يقول" تبقى عوره وبنت عبد ودخلتها ليلة الحد" أي العورة القبيحة لا تحتاج إلى إعلان وفرح وتهاني بل الأفضل لها الزواج في صمت، وكذلك "العرْس بزوبعة والعروسة ضفدعة”.، وهناك أمثال وصفت المرأة بالعرجة بالعمياء والوحشة والقرعة "سوق الحلاوة جبر وادلعوا الوحشين"، "عميه وعرجه وكيعانها خارجه"،"ادلعي يا عوجه في السنين السوده”. ، ولكنه نصح المرأة أن تتحلى بصفات يمكن من خلالها أن تحول القبح إلى جمال " يا وحشه كوني نِغْشه" في دعوة لجمال الروح للسيدة متواضعة الجمال و"القرعة تتعايق بشعر بنت أختها"، و"عمشه وعامله مكحله" ،و"على ما تتكحل العمشه، يكون السوق خرب”.
تصف الأمثال معالم الحياة الاجتماعية، وترصد أنماط السلوك الإنساني، ولذلك تناولت الأمثال الشعبية المرأة باعتبارها محور الحياة في البيت وخارجه، فقد تناولتها الأمثال المرأة في أدوارها المختلفة انطلاقاً من التهنئة بعيد ميلادها غير المرغوب فيه سعياً إلى التخلص منها "آمنكم الله عارها، وكفاكم مؤنتها، وصاهرتم قبرها” ، وهي تعيش طفولتها كشيء مهمل تابع كلياً للبيت إلى أن يجري التخلص منها عن طريق الزواج كعلاقة اجتماعية تضمن سترها وتريح أهلها من شرها ”البنت إما رجلها وإما قبرها " ، وحذرت من الزواج من الأقارب “الأقارب عقارب” ، ولكن العائلة تسعى للتخلص منها بأي شكل “ بعِّد أختي عني وخذ غلتها مني” ، ورغم ذلك يعترفون بسعة رزقها “أب البنات مرزوق” ، ولكنهم يخافون من رجوعها للمنزل بعد الزواج “زوج بنتك وبعِّد دارها ما يجيك غير خبارها” ، والاصل الطيب مطلوب في الزواج “ يا آخذ القرد على مالو يروح المال ويبقى القرد على حالو” .
الزوجة
بعد الزواج تظهر المرأة في الأمثال الشعبية في صور مختلفة ومتنوعةً، فهي لا تؤتمن على سر "يا ويل من أعطى سره لمراته يا طول عذابه وشتاته"، والمرأة لا يوثق بها، والرجل الذكي الذي لا يعطي لرأي زوجته أي أهمية "الراجل ابن الراجل اللي عمره ما يشاور مراته"، وحذرت الأمثال المرأة من الزواج فيقول"جت العازبه تشكى لقت المتجوزه بتبكي"، "طلبوها اتعززت وفاتوها اتندمت"، و"يا بخت من رضي عنها زوجها"، و"اللي جوزها يقولها: يا عوره يلعبوا بيها الكورة، واللى يقولها: يا هانم يقفولها على السلالم"، "وادي قاعده .. راح النهار يا سعده"، ولكن رغم ذلك فإن الزواج يعطي المرأة مكانتها الاجتماعية "ضل راجل ولا ضل حيط" و"حرمة من غير راجل زى الطربوش من غير زر" و"اسم الزوج ولا طعم الترمل"، بل ان سعادتها مرتبطة بوجود الرجل اذ أن "اللى جوزها يحبها الشمس تطلع لها".
حذرت الأمثال الشعبية الرجال من مكر النساء حتى يتجنب المشاكل الزوجية "إن حبوك يا ويلك وإن كرهوك يا ويلك"، و"كانت قاعده ومرتاحه .. جابت لها ( حاحه )"، و"قبل ما تحبل حضرت الكمون..، وقبل ما تولد سمته مأمون"، و"فتلة العويله ممدوده وطويله”. ، ولم تسلم الحماة أيضاً فيقول " الحما عما، ولو كانت ملاك"، وللبعد عن شرها يقول :"بوس إيد حماتك ولا تبوس إيد مراتك “
هناك بعض الأمثال الشعبية التي سلبت من المرأة حريتها "اكسر للبت ضلع يطلعلها أربعة وعشرين" ، كما شبه المثل البنت بأمها في التصرفات السيئة "اكفي القدرة علي فمها تطلع البنت لأمها" و" تكلم الفاجره تلهيك وتدهيك وتجيب اللي فيها فيك " و" آخد ابن عمي .. وأتغطى بكمي"، كما ركزت الأمثال على السمات السلبية في المرأة ونظرت نظرة إدانة وتقليل من شأنها "البنت تجيب العار والمعيار والعدو لباب الدار"، وقلل المثل الشعبي من شأن البنت عن الذكر "بيت البنات خراب"، ووصفها بالمكر "احذر عناد الرهبان وكيد النسوان وغضب السلطان"، وهي بخيلة وطماعة "ترميه بالحاره ولا تعطيه للجاره"، وعدوانية لا أنا منيًّحة ولا الناس بتعجبني" وغيورة "لولا الغيرة ما حبلت النسوان”.
الأم والأبنة
رغم ذلك نصفت الأمثال الشعبية المصرية الأم فوصفتها بأنها أم حنونة وعطوفة، سعادتها من سعادة أولادها "من طعم صغيري بلحه نزلت حلاوتها فى بطنى" و"أسيادى وأسياد أجدادى اللى يعولوا همى وهم أولادى"، وهي تفضل ابنائها على الاخرين، اذ أن"الخنفسة عند أمها عروسه" و"خنفسة شافت بنتها على الحيط قالت دى لوليه فى خيط"، كما تفرح الام بالولد لانه سندها عند الحاجة "ربنا يبعت للعويله ولد جنبه وتتسند"، وتتحمل مسؤولية البنات حتى الممات "يا مخلفة البنات يا دايخة للممات"، ولكنها لا تنكر دور البنات في مساعدة الأم في تدبير شئون البيت "من يسعدها زمانها تجيب بناتها قبل صبيانها"، كما أن البنات أكثر حبا للآباء من الأولاد "اللي ما عندوش بنات ما يعرفش الناس امتى مات"
أظهرت الأمثال دور المرأة في حياة الرجل فهي مسئولة عن الحياة الاقتصادية في المنزل فـ "الميه في الزير تحب التدبير"، والزوجة تعتبر البيت قصرها فيقول"قعدتى بين اعتابى ولا قعدتى بين أحبابى"، كما أنها المسئولة عن تربية الأولاد فـ "البنت سر أمها" و"المرأة ما لها الا بيتها"، ويعترف الرجل بذلك فيقول "ادينى الحرة النقية اللى تزودنى وقيه".
الأمثال العربية
المرأة عنصر رئيسي في معظم الأمثال الشعبية العربية سواء كانت بالفصحى أو بالعامية ، ففي إحصائية عن الأمثال العربية القديمة التي يكون موضوعها المرأة في أبرز خمسة كتب عن الأمثال من فترات زمنية مختلفة وهي: "أمثال العرب" للمفضل الضبي ، و"الأمثال" لأبي مفرج السدوسي ، و"جمهرة الأمثال" للعسكري، و"مجمع الأمثال" للميداني ، و"المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري، لوحظ أن عدد هذه الأمثال عن المرأة يفوق عدد الأمثال التي تتناول موضوعات متّصلة بشخصيات أخرى ذات هوية محددة، فكانت الأمثال في الكتب السابقة التي يكون موضوعها شخصية المرأة بنسبة 23 % بينما تقسمت النسب الباقية على شخصية الكهل والطفل والشاعر والفارس والأحمق والحيوان والطير والنبات والشخصيات الغيبية كالغول والجن ،الأمر الذي يؤكد أهمية شخصية المرأة وارتباطها الظروف الحياتية على مر العصور.
ثقافة موروثة
يلعب المجتمع دورا مهما في ترسيخ الثقافة الموروثة حيث يتم تناقلها عبر الأجيال ، ويبدو هذا الدور واضحا من خلال الأمثال الشعبية المتداولة فحسب الدكتورة سامية الساعاتي ، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ، فأن الأمثال تعكس الصورة النمطية التي يرى المجتمع أنها الصحيحة للرجل والمرأة على السواء ، ولكن معظم هذه الأمثال لا تعبر عن حقائق ومسلمات، ولكن الأجيال تتوارثها كما هي ولا يمكن تغييرها ورغم ذلك نجد الكثير من أفراد المجتمع لا يعترفون بها.
تنقل الكثير من الأمثال المتوارثة أفكارا غير مرغوب فيها في المجتمع، ومن هذه الأفكار أنها تظهر دور المرأة في المجتمع كربة بيت فقط وتعتبر الرجل رأس الأسرة والمكلف برعايتها وقيادتها والإنفاق عليها، وهناك الكثير من الأمثال التي ظلمت المرأة مثل "البنات همّ للممات" و"المرأة بنصف عقل", "وظل رجل ولا ظل حيطة", "والبنت ياتسترها يا تقبرها" و"البنت باللدح والولد بالمدح"واللدح بمعنى الضرب، و"يا مشاور النسوان يا خسران" و"اللي تموت بنيته من صفا نيته"، وكلها أمثال تستخف بالمرأة وتحط من قدرها رغم انها الام والزوجة والاخت والابنة، ويؤكد أن الموروث الاجتماعي الذي ينشأ عليه الرجل سواء كان أخاً أو أباً أو زوجاً يتبنى أفكاراً يشحن الولد بها منذ الصغر كفكرة ان الرجل لا يعيبه شيء .
في السياق ذاته أظهرت دراسة أجرتها جامعة الملك عبدالعزيز في السعودية أن الأمثال الشعبية المتوارثة ساعدت على ترسيخ ثقافة ذكورية تظلم المرأة ، وتشير إلى أن الرجل عمل على مر العصور على تمييز نفسه عن المرأة واتخذ مكانة لا يسمح للمرأة بالوصول إليها ولم يترك صفة سيئة الا والحقها بها، وأصبح المجتمع ينظر إلى الفتاة باعتبارها وعاء للإنجاب ومصدرا للفتنة والعذاب وموتها خير، وبذلك تقيد هذه الموروثات حرية المرأة وحركتها وتحجر على عقلها لدرجة أنها ترى أن تعليمها لا يتعدى المسالة الكمالية.
التراث العالمي
نقل لنا التراث العالمي الكثير من الأمثال التي وصفت المرأة بالدونية فـ «المرأة : إنسان ناقص التكوين وكائن عرضي» كما قال توما، وأيضاً «المرأة : آخر شيء يمكن أن تصل إليه الحضارة" جورج ميرديت، وهي "حيوان بليد أحمق ولكنّه من بواعث الفرح والسرور» سقراط ، كما ربطت اسم النساء بالشيطان ففي الفرنسية "قلب المرأة يخدع الناس لأنّ الشيطان يموج فيه"، وفي الألمانية : «إذا حكمت المرأة في مكان ، كان الشيطان رئيساً للوزراء فيه» ، وفي الرومية : «عندما يبلع الشيطان المرأة لا يستطيع هضمها» ، وربطت الأمثال بين المرأة والصفات السيئة ففي الفرنسية : «مهما كان البحر خائناً ، فإنّ المرأة أكثر خيانة» ، و «عقيدة المرأة مثل النقش على الماء» ، وفي الألمانية : «صدق المرأة معجزة لا تصدقها» ، وفي الإيطالية : «لا تجد امرأة تقول الصدق تماماً» ، «اعتمد على كلبك أكثر ممّا تعتمد على امرأتك» ، وفي الروسية : «الكلب أكثر فهماً من الزوجة ، فهو لا ينبح على صاحبه» ، وفي البرتغالية : «النساء والنعاج ينبغي أن تعود إلى المأوى : قبل هبوط الليل» ، وفي التركية : «النساء والخيول والكرمة تتطلّب أسياداً أشدّاء» ، وفي الهندية : «تعليم المرأة ، مثل اعطاء السكين بيد القرد» ، وقال عنها شوبنهاور «المرأة كالحرباء ، فهي مجموعة من الألوان والعواطف والمشارب» ، ومن الأقوال : «المرأة عقرب حاذر منها وقت الغضب تمد اللسان والذنب وتريك العجب» ، و «الزوجة الجـيِّدة تكون سـيِّدة أكثر كلّما كانت أكثر عبودية ـ للرجل ـ » .
رغم ذلك نقل لنا التراث العالمي الكثير من الأمثال التي تثني على المرأة وتعظّم دورها الإنساني والاجتماعي في الحياة فيقول المثل العالمي "وراء كل عظيم امرأة" ويصفها نيتشه بأنها " «منبع السعادة والأنس والسرور"، وشكسبير قال عنها " كوكب يستنير به الرجل ، ومن غيرها يبيت الرجل في الظلام" وهيردر اعتبرها " تاج الخليقة" ، بينما قال عنها نابليون " شِعْر الخالق"، و جون جراسي قال " حلقة الوصل بين الملائكة والرجال"وقال جويار "أحلى هدية خصّ الله بها الرجل" وفولتير اعتبرها "مثال الرقة والكمال".
صلاح عبد الصبور