تتناول هذه الورقة البحثية “آليات الحفاظ على العذرية في المجتمع الريفي” عبر ما تحمله من دلالات وقيم في وقت تتوسّع فيه أطر التثاقف من جرّاء ما نعيشه من سيرورات الحداثة والعولمة التقنية.
إذا كانت العذرية تعتبر تمظهراً لهاجس ذكوريّ محض يموضع الشرف في تملّكه لِما بين أفخاذ النساء، فما هي الآليات التي إستثمرها المجتمع البطركي مباشرة أو مداورة للحفاظ على عذرية المرأة المتمثّلة بغشاء البكارة؟!!
تعريف العذرية:
في المعنى البيولوجي، تعني العذرية الحفاظ على غشاء البكارة الذي يعتبر واقعةً فريدة تميّز النساء عن كل الثدييات. إنّ غشاء البكارة غشاء مخاطي رقيق يقع في فتحة المهبل، قد يكون حلقياً وفتحته في الوسط، أو هلالياً أو غربالياً ويمكن أن يكون مطاطياً أو جامداً يصعب قطعه، وفي حالات نادرة يكون مسدوداً إنسداداً كاملاً، ويتمزّق غشاء البكارة أثناء الجماع الأول، وتوجد بقاياه حول فتحة المهبل كزوائد غشائية مخاطية .
إجتماعياً، تمثّل العذرية قيمة إجتماعية مرتبطة بقيمٍ أخرى مدعّمة لها مثل الشرف والفضيلة والعفّة والإلتزام والحياء والخجل….الخ. بمعنى أدق، هناك تنائية بين البكارة والشرف، وإستدماجها لدى الفتيات يجعل من هذه البكارة في تمثّل أغلبهنّ “رأسمالاً” غالياً لا يمكن أن يعوّض .
ليست العذرية الأنثوية في واقع الأمر إلّا تقديساً لجسد ممأسس بغية الحفاظ على القيمة الذاتية لخصوبة المرأة (الزوجة)، كما يشكّل إثباتها ليلة الزفاف دليلاً ملموساً على حسن أخلاق ودين الوافدة الجديدة من خلال قدرتها على صيانة نفسها، أضف إلى أنّه سيكون دليلاً حسّياً على القوة الذكورية وقدرتها على الإضطلاع بجنسانية عضوية موجّهة في أهافها نحو الإنجاب .
يمثّل إثبات البكارة ليلة الزفاف طقس مرورٍ تعبر فيه الفتاة من دور “البنت” إلى دور “المرأة”. ويعتبر الدم السائل نتيجة إفتضاض البكارة علامةً الشرف التي يفترض إظهارها للقبيلة بأجمعها أو للعائلة أو للحماة أو للزوج حسب إختلاف الأزمنة وما يطرأ عليها من تحوّلات إجتماعية وإقتصادية وثقافية.
من جهتها عملت الإيديولوجيات الدينية على دعم وترسيخ قيمة البكارة. ففي الإيديولوجية الإسلامية يحمل كل مسلم داخله سعادة الحياة المقبلة في الجنّة التي سيستمتع خلالها بِحورِ عين “لم يطمثهنّ إنسٌ قبلهم ولا جان” ، ” إنّا أنشأنهنّ إنشاء فجعلناهنّ أبكارا عُرُبا أترابا” . أما في المسيحية فتمّ ترسيخ صورة السيدة مريم العذراء كصورة نموذجية، وبالتالي فكل إمرأة مخالفة لهذه الصورة (العذراء/ الأم) سوف تدخل دينياً في باب العهر والزنى.
لمّا كان للعذرية البيولوجية المتمثّلة بغشاء البكارة كل هذه الأهمية في المجتمعات البطركية (الريفية منها خاصة)، فقد كان لا بد من إستثمار آليات مجتمعية للحفاظ على ذلك الغشاء الذي سيكون، بل ستكون صاحبته، ملكاً للرجل الذي يملك حق التصرّف به وتحديد مواصفاته.
آليات الحفاظ على العذرية:
اذا كانت التنشئة الإجتماعية تعتمد عامة مبدأ النصح والتوجيه خلال فترتي الطفولة والمراهقة، فإنّ دخول الفتاة في مرحلة البلوغ وبروز ما يعبّر عن الهوية الأنثوية كالحيض وبروز النهدين والأرداف، يفرض على الأهل إعتماد آليات لحفظ العذرية الأنثوية. إنّ هذه الآليات لا تولّد المعاني والدلالات فحسب بل تفرز سلطة تساعد على دعم كل السلطات ذات التوجه الذكوري.
إنّ المجتمع الذي يمجّد الذكورة كفاعل والأنوثة كمفعول به يعود بنفسه ليتعامل مع المرأة على أنّها كائن ناشط جنسياً يفترض ضبطه وإستخدام كل الآليات المتاحة للحفاظ على عذريته.
تجدر الإشارة أنّ آليات حفظ العذرية متغيّرة تبعاً لتغيّر الثقافة ونمط الإنتاج والدين وطبيعة عمل المرأة ومستواها العلمي، كما أنها متغيّرة تبعاً للتطور التقني وما أحدثه في المجتمع من تحوّلات في طبيعة العلاقة بين الأهل والأبناء كما في طبيعة العلاقة بين الجنسين.
إذا كانت بعض المجتمعات قد إستخدمت طقوس مباشرة مثل الختان (الخفاض) والتقاف لحماية العذرية الأنثوية، فإنّ البعض الآخر من هذه المجتمعات وخصوصاً في عصرنا الحالي يعتمد آليات غير مباشرة لحماية العذرية تبعاً لِما ترسّخ في المخيال الإجتماعي، فكان منها: رقابة المرأة، الزواج المبكر، عدم التربية الجنسية، والإلتزام الديني بما فيه من تفاصيل ثانوية كالإلتزام بمفاهيم الحلال والحرام، الحجاب، عدم التزين والفصل بين الجنسين.
تهدف كل هذه الآليات حسب المخيال الإجتماعي لحماية الفتاة من ضعفها “الفطري” ومن مطامع الرجل التي “لا بدّ منها” بحكم التفاوت البيولوجي.
1. الختان:
إنّ “الختان” هو الإسم المعروف عالمياً لعملية استئصال البظر الأنثوي، ولكن لهذه العملية أسماء أخرى أقل إنتشاراً كالخفاض أو “الإستئصال الجنسي” أو “التشويه الجنسي” أو ما يسمى في الثقافة الغربية “بتر الأعضاء التناسلية للإناث” .
يقوم طقس الختان على إستئصال البظر الأنثوي الذي هو موضع اللذة، وذلك تبعاً للذهنية الذكورية، بهدف تعديل شهوة المرأة وتملّك جنسانيتها.
سادت عادة الختان في أغلب المناطق الأفريقية وعُرفت بإنتشارها في مصر كما في بعض بوادي سوريا والعراق والأردن. إنّها عادة متوارثة عبر الأجيال من التأثير الثقافي المتواصل. وكما أكدت الدراسات والبحوث، هي تعبير وممارسة مبكرة للتحكّم والسيطرة على النساء بإعتبارهنّ كائنات جنسية وأصل الشرور ويشكلن خطراً على السلام الداخلي وقيم المجتمع. وبالتالي فإنّ ما يحصل بُعيد الختان هو إكتفاء المرأة من الجماع بالرضا المهبلي لا الفرجي .
لقد عمل الختان إذاً على إعادة بناء المرأة إجتماعياً وثقافياً وإعدادها لا للإستمتاع بجنسانيتها وإنّما لإمتاع الرجل وحماية نسبه وأداء وظيفة الإنجاب، ليكون بذلك طقساً من طقوس الخصوبة .
وإذ يعتقد الكثيرون أنّ الختان هو نوع من العنف يمارس ضدّ المرأة، بل الأكثر من ذلك إنّه عنف تمارسه النساء على النساء ، فإنّ نتيجته النهائية هي إحكام السيطرة على جنسانية المرأة لصالح الرجل والمجتمع البطركي، وهذا ما يثبّت بدوره تقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة على أساس جندري، كما يثبّت السلطة بيد الرجل الذي يمتلك حق التصرّف والتمتع الآحادي بجسد المرأة.
2. التقاف:
على المستوى اللغوي يعني “التقاف” توقيف الشيء ومنعه من الحصول. إنّه مفهومٌ أو لنقل طقس سحريّ سائد في المغرب العربي عامة يهدف إلى الإقفال الرمزي للجسد. “التقاف” نوعين: الأول هو “التقاف” الوقائي، وهو عبارة عن طقس سحريّ يقوم به ساحر أو “شيخ” بطلب من الأهل لمنع أي محاولة ذكورية للإيلاج في فرج إبنتهم، سواء رغبت بذلك أو لم ترغب. بمعنى آخر ف”التقاف” الوقائي آلية لحفظ العذرية الأنثوية المتمثّلة في غشاء البكارة من الضياع وضمان وجودها حتى ليلة الزفاف، حيث يتم تسليمها الى المالك الأصلي ألا وهو الزوج.
اذا كان البعض يرى أنّ “للتقاف” وظيفة وقائية فيما يمثّله من طقس سحري موكل بالرقابة الإجتماعية على جسد الفتاة، فإنّ البعض الآخر ينظر إليه نظرة أعمق تحليلاً بكونه آلية سيكولوجية تدفع بالفتاة إلى أن تقيم من نفسها رقيباً على نفسها. وفي كلا الحالتين فالهدف المرجو، حسب المخيال الشعبي، هو حماية غشاء البكارة التي لا يمكن للفتاة أن تؤتمن عليه لضعفها من جهة ولفاعليتها الجنسية التي لا تشبع من جهة أخرى .
إنّ النوع الثاني من التقاف هو “التقاف” الإنتقامي. وإن كنّا نذكره مع أنّه لا يدخل في باب آليات حفظ العذرية المباشرة والمقصودة، إلّا أنّه يمنع الرجل من ولوج المرأة. يطلق على هذا “التقاف” في بعض المناطق أسماء أخرى مثل “عَمَل” “ربط” “عقد” أو “كتيبة” يقوم بكتابتها أحد “المشايخ” بطلب من شخص ما بهدف الإنتقام، وذلك بأن تُترك الفتاة دون زواج/ عانساً طيلة حياتها. هو إذاً طقس تمارسه إمرأة في محاولة للإنتقام من امرأة أخرى، في خضمّ منافسة للإستحواذ على الرجل الذي قد يؤمّن لها “الستر” والمكانة في المجتمع.
أحياناً يكون المستهدف من هذا الطقس السحريّ هو الرجل نفسه، بأن تُبطَل قوته الذكورية ليعدم قدرته على ولوج أي امرأة أو ربما إمرأة بعينها؛ ممّا يعني إصابته بالعجز الجنسي (أو الضعف الجنسي) الذي يشكّل السبب الأساسي للهلع والذعر الذي ينتاب الرجال .
هكذا نرى أنّ الدافع الأساسي خلف ممارسة “التقاف” الوقائي هو حفظ العذرية الأنثوية كرمز على الشرف المصان، في حين أنّ “التقاف” الإنتقامي هو بمثابة سحر لمواجهة السلطة الذكورية، وهو بذلك يقترن في “الصفات المذمومة بالمرأة” نحو: الكيد والخداع والكذب والمكر؛ وكلّها “إستراتيجيات” من أجل التصدّي للسلطة الذكورية .
د. سوسان الياس جرجس
إذا كانت العذرية تعتبر تمظهراً لهاجس ذكوريّ محض يموضع الشرف في تملّكه لِما بين أفخاذ النساء، فما هي الآليات التي إستثمرها المجتمع البطركي مباشرة أو مداورة للحفاظ على عذرية المرأة المتمثّلة بغشاء البكارة؟!!
تعريف العذرية:
في المعنى البيولوجي، تعني العذرية الحفاظ على غشاء البكارة الذي يعتبر واقعةً فريدة تميّز النساء عن كل الثدييات. إنّ غشاء البكارة غشاء مخاطي رقيق يقع في فتحة المهبل، قد يكون حلقياً وفتحته في الوسط، أو هلالياً أو غربالياً ويمكن أن يكون مطاطياً أو جامداً يصعب قطعه، وفي حالات نادرة يكون مسدوداً إنسداداً كاملاً، ويتمزّق غشاء البكارة أثناء الجماع الأول، وتوجد بقاياه حول فتحة المهبل كزوائد غشائية مخاطية .
إجتماعياً، تمثّل العذرية قيمة إجتماعية مرتبطة بقيمٍ أخرى مدعّمة لها مثل الشرف والفضيلة والعفّة والإلتزام والحياء والخجل….الخ. بمعنى أدق، هناك تنائية بين البكارة والشرف، وإستدماجها لدى الفتيات يجعل من هذه البكارة في تمثّل أغلبهنّ “رأسمالاً” غالياً لا يمكن أن يعوّض .
ليست العذرية الأنثوية في واقع الأمر إلّا تقديساً لجسد ممأسس بغية الحفاظ على القيمة الذاتية لخصوبة المرأة (الزوجة)، كما يشكّل إثباتها ليلة الزفاف دليلاً ملموساً على حسن أخلاق ودين الوافدة الجديدة من خلال قدرتها على صيانة نفسها، أضف إلى أنّه سيكون دليلاً حسّياً على القوة الذكورية وقدرتها على الإضطلاع بجنسانية عضوية موجّهة في أهافها نحو الإنجاب .
يمثّل إثبات البكارة ليلة الزفاف طقس مرورٍ تعبر فيه الفتاة من دور “البنت” إلى دور “المرأة”. ويعتبر الدم السائل نتيجة إفتضاض البكارة علامةً الشرف التي يفترض إظهارها للقبيلة بأجمعها أو للعائلة أو للحماة أو للزوج حسب إختلاف الأزمنة وما يطرأ عليها من تحوّلات إجتماعية وإقتصادية وثقافية.
من جهتها عملت الإيديولوجيات الدينية على دعم وترسيخ قيمة البكارة. ففي الإيديولوجية الإسلامية يحمل كل مسلم داخله سعادة الحياة المقبلة في الجنّة التي سيستمتع خلالها بِحورِ عين “لم يطمثهنّ إنسٌ قبلهم ولا جان” ، ” إنّا أنشأنهنّ إنشاء فجعلناهنّ أبكارا عُرُبا أترابا” . أما في المسيحية فتمّ ترسيخ صورة السيدة مريم العذراء كصورة نموذجية، وبالتالي فكل إمرأة مخالفة لهذه الصورة (العذراء/ الأم) سوف تدخل دينياً في باب العهر والزنى.
لمّا كان للعذرية البيولوجية المتمثّلة بغشاء البكارة كل هذه الأهمية في المجتمعات البطركية (الريفية منها خاصة)، فقد كان لا بد من إستثمار آليات مجتمعية للحفاظ على ذلك الغشاء الذي سيكون، بل ستكون صاحبته، ملكاً للرجل الذي يملك حق التصرّف به وتحديد مواصفاته.
آليات الحفاظ على العذرية:
اذا كانت التنشئة الإجتماعية تعتمد عامة مبدأ النصح والتوجيه خلال فترتي الطفولة والمراهقة، فإنّ دخول الفتاة في مرحلة البلوغ وبروز ما يعبّر عن الهوية الأنثوية كالحيض وبروز النهدين والأرداف، يفرض على الأهل إعتماد آليات لحفظ العذرية الأنثوية. إنّ هذه الآليات لا تولّد المعاني والدلالات فحسب بل تفرز سلطة تساعد على دعم كل السلطات ذات التوجه الذكوري.
إنّ المجتمع الذي يمجّد الذكورة كفاعل والأنوثة كمفعول به يعود بنفسه ليتعامل مع المرأة على أنّها كائن ناشط جنسياً يفترض ضبطه وإستخدام كل الآليات المتاحة للحفاظ على عذريته.
تجدر الإشارة أنّ آليات حفظ العذرية متغيّرة تبعاً لتغيّر الثقافة ونمط الإنتاج والدين وطبيعة عمل المرأة ومستواها العلمي، كما أنها متغيّرة تبعاً للتطور التقني وما أحدثه في المجتمع من تحوّلات في طبيعة العلاقة بين الأهل والأبناء كما في طبيعة العلاقة بين الجنسين.
إذا كانت بعض المجتمعات قد إستخدمت طقوس مباشرة مثل الختان (الخفاض) والتقاف لحماية العذرية الأنثوية، فإنّ البعض الآخر من هذه المجتمعات وخصوصاً في عصرنا الحالي يعتمد آليات غير مباشرة لحماية العذرية تبعاً لِما ترسّخ في المخيال الإجتماعي، فكان منها: رقابة المرأة، الزواج المبكر، عدم التربية الجنسية، والإلتزام الديني بما فيه من تفاصيل ثانوية كالإلتزام بمفاهيم الحلال والحرام، الحجاب، عدم التزين والفصل بين الجنسين.
تهدف كل هذه الآليات حسب المخيال الإجتماعي لحماية الفتاة من ضعفها “الفطري” ومن مطامع الرجل التي “لا بدّ منها” بحكم التفاوت البيولوجي.
1. الختان:
إنّ “الختان” هو الإسم المعروف عالمياً لعملية استئصال البظر الأنثوي، ولكن لهذه العملية أسماء أخرى أقل إنتشاراً كالخفاض أو “الإستئصال الجنسي” أو “التشويه الجنسي” أو ما يسمى في الثقافة الغربية “بتر الأعضاء التناسلية للإناث” .
يقوم طقس الختان على إستئصال البظر الأنثوي الذي هو موضع اللذة، وذلك تبعاً للذهنية الذكورية، بهدف تعديل شهوة المرأة وتملّك جنسانيتها.
سادت عادة الختان في أغلب المناطق الأفريقية وعُرفت بإنتشارها في مصر كما في بعض بوادي سوريا والعراق والأردن. إنّها عادة متوارثة عبر الأجيال من التأثير الثقافي المتواصل. وكما أكدت الدراسات والبحوث، هي تعبير وممارسة مبكرة للتحكّم والسيطرة على النساء بإعتبارهنّ كائنات جنسية وأصل الشرور ويشكلن خطراً على السلام الداخلي وقيم المجتمع. وبالتالي فإنّ ما يحصل بُعيد الختان هو إكتفاء المرأة من الجماع بالرضا المهبلي لا الفرجي .
لقد عمل الختان إذاً على إعادة بناء المرأة إجتماعياً وثقافياً وإعدادها لا للإستمتاع بجنسانيتها وإنّما لإمتاع الرجل وحماية نسبه وأداء وظيفة الإنجاب، ليكون بذلك طقساً من طقوس الخصوبة .
وإذ يعتقد الكثيرون أنّ الختان هو نوع من العنف يمارس ضدّ المرأة، بل الأكثر من ذلك إنّه عنف تمارسه النساء على النساء ، فإنّ نتيجته النهائية هي إحكام السيطرة على جنسانية المرأة لصالح الرجل والمجتمع البطركي، وهذا ما يثبّت بدوره تقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة على أساس جندري، كما يثبّت السلطة بيد الرجل الذي يمتلك حق التصرّف والتمتع الآحادي بجسد المرأة.
2. التقاف:
على المستوى اللغوي يعني “التقاف” توقيف الشيء ومنعه من الحصول. إنّه مفهومٌ أو لنقل طقس سحريّ سائد في المغرب العربي عامة يهدف إلى الإقفال الرمزي للجسد. “التقاف” نوعين: الأول هو “التقاف” الوقائي، وهو عبارة عن طقس سحريّ يقوم به ساحر أو “شيخ” بطلب من الأهل لمنع أي محاولة ذكورية للإيلاج في فرج إبنتهم، سواء رغبت بذلك أو لم ترغب. بمعنى آخر ف”التقاف” الوقائي آلية لحفظ العذرية الأنثوية المتمثّلة في غشاء البكارة من الضياع وضمان وجودها حتى ليلة الزفاف، حيث يتم تسليمها الى المالك الأصلي ألا وهو الزوج.
اذا كان البعض يرى أنّ “للتقاف” وظيفة وقائية فيما يمثّله من طقس سحري موكل بالرقابة الإجتماعية على جسد الفتاة، فإنّ البعض الآخر ينظر إليه نظرة أعمق تحليلاً بكونه آلية سيكولوجية تدفع بالفتاة إلى أن تقيم من نفسها رقيباً على نفسها. وفي كلا الحالتين فالهدف المرجو، حسب المخيال الشعبي، هو حماية غشاء البكارة التي لا يمكن للفتاة أن تؤتمن عليه لضعفها من جهة ولفاعليتها الجنسية التي لا تشبع من جهة أخرى .
إنّ النوع الثاني من التقاف هو “التقاف” الإنتقامي. وإن كنّا نذكره مع أنّه لا يدخل في باب آليات حفظ العذرية المباشرة والمقصودة، إلّا أنّه يمنع الرجل من ولوج المرأة. يطلق على هذا “التقاف” في بعض المناطق أسماء أخرى مثل “عَمَل” “ربط” “عقد” أو “كتيبة” يقوم بكتابتها أحد “المشايخ” بطلب من شخص ما بهدف الإنتقام، وذلك بأن تُترك الفتاة دون زواج/ عانساً طيلة حياتها. هو إذاً طقس تمارسه إمرأة في محاولة للإنتقام من امرأة أخرى، في خضمّ منافسة للإستحواذ على الرجل الذي قد يؤمّن لها “الستر” والمكانة في المجتمع.
أحياناً يكون المستهدف من هذا الطقس السحريّ هو الرجل نفسه، بأن تُبطَل قوته الذكورية ليعدم قدرته على ولوج أي امرأة أو ربما إمرأة بعينها؛ ممّا يعني إصابته بالعجز الجنسي (أو الضعف الجنسي) الذي يشكّل السبب الأساسي للهلع والذعر الذي ينتاب الرجال .
هكذا نرى أنّ الدافع الأساسي خلف ممارسة “التقاف” الوقائي هو حفظ العذرية الأنثوية كرمز على الشرف المصان، في حين أنّ “التقاف” الإنتقامي هو بمثابة سحر لمواجهة السلطة الذكورية، وهو بذلك يقترن في “الصفات المذمومة بالمرأة” نحو: الكيد والخداع والكذب والمكر؛ وكلّها “إستراتيجيات” من أجل التصدّي للسلطة الذكورية .
د. سوسان الياس جرجس