يشكل الشاعر محمد عيد إبراهيم واحد من أبرز الوجوه الشعرية لجيل السبعينيات فضلا عن كونه واحدا من المترجمين الكبار الذين ساهموا في إثراء المكتبة العربية بالعديد من الترجمات في الشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرحية والنقد الأدبي والفكر. يقدّم مشروعاً جمالياً لأسس الحداثة وآفاق ما بعد الحداثة في الآداب الأجنبية، شرقية وغربية، ويقدّمها واحداً بعد آخر.
أسس مع رفاقه الشعراء من جيل السبعينيات سلسلة (أصوات) الشعرية 1978، ومجلة (الكتابة السوداء) 1980. وأنشأ سلسلة "آفاق الترجمة" في هيئة قصور الثقافة بالقاهرة وعمل مديراً لتحريرها (1996 ـ 1998)، أصدر فيها (54) عملاً فكرياً وإبداعياً بترجمة نخبة من المصريين والعرب. كما أنشأ سلسلة (نقوش) للفن التشكيلي (مع الفنان عمر جهان)، في هيئة قصور الثقافة بالقاهرة وعمل مديراً لها (1997 ـ 1998)، وكانت تُعنى برسوم الأبيض والأسود فقط للفنانين العرب، وقد أصدر فيها ما يزيد عن (15) عدداً.
إضافة إلى عمله مديراً لتحرير سلسلة (مكتبة الدراسات الشعبية) في هيئة قصور الثقافة بالقاهرة 1998. كما عمل مديراً تنفيذياً في "المشروع القومي للترجمة" بالمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة (1998 ـ 1999). وخلال عمله بوزارة الثقافة في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة، أشرف على سلسلة "Emirati Culture" لترجمة الأعمال الفكرية والإبداعية إلى الإنجليزية (2009 ـ 2012). يعمل حالياً مستشاراً لتحرير مجلة (تيوليب) الشعرية الأمريكية، ومدونة (باتاي) الإلكترونية.
** كيف ترى لفعل الترجمة وتأثيره؟
** إن الترجمة فعل ثقافي لغوي حضاري، والمترجم رسول التنوير المبعوث بين الحضارات. فمن قديم الزمان وحتى العصر الذي نعيش فيه لم تفقد الترجمة ضرورتها أو فاعليتها، لأنها الوعاء الذي يتم من خلاله نقل المعرفة من بلد إلى آخر ومن لغة إلى أخرى.
الترجمة نافذة فكرية ومدخل حضاري على فكر العالم يضمن لهويتنا المزيد من التواصل مع الآخر في كل مجالات إبداعه. ولا نظن أن الترجمة ستفقد أهميتها لسبب آخر هو اتساع مجالات الاتصال بين الشعوب، فقد أصبح الكون قرية صغيرة لا حدود لها لذلك فهناك حتمية لتطور الترجمة عاما بعد عام.
** هل ترى صدق مقولة أن الترجمة فعل خيانة؟
** الترجمة فعل خيانة أصلا وتذكّر ثانيا وتنوير ثالثا. هي فعل خيانة لأن النص المترجم يزيد قليلا أو ينقص قليلا عن النص الأصلي. وهي فعل تذكر لأن المترجم يفعل هذا مع نص جيد على الأقل فيحييه في مكان آخر ولغة أخرى ووسط بيئة اجتماعية أخرى. كما أنه فعل تنوير لأن النص المترجم في لغته وبيئته الجديدة يقوم بدور رائد في وعي من يقرأه.
القول إن الترجمة خيانة لم يعد دقيقا، لأن الترجمة مثل أي نشاط إبداعي آخر تقوم على الفهم والحس والتذوق الجمالي، لكن من المؤسف اقتحام صغار النفوس مجال الترجمة دون أن يكونوا مؤهلين لها، فهم يترجمون دون وعي بما تتطلبه الترجمة من إدراك جمالي ومعرفي موسوعي يجب عليه إتقانه قبل الشروع فيما نطلق عليه "خيانة" الترجمة.
فكر المترجم وإيديولوجيته يؤثران على اختياراته في الترجمة، حيث يسعى لتقريب النص الأصلي وتوضيحه بأسلوب الفنان لغة وبلاغة. فهناك أسئلة تأتي الترجمة استجابة لها تتأثر بالتكوين المعرفي للمترجم الذي يؤثر على خياراته وأدائه ومدى التطابق بين ما يرغب بترجمته وما يرغب بتحقيقه منها.
** وماذا عن علاقة الشرق والغرب والمشكلات التي تكتنف علاقتهما الثقافية خاصة؟
** في علاقات الشرق والغرب هناك مشكلة تتعلق بالهوية والاختلاف، ومشكلتنا مع الغرب حضارية في المقام الأول، فنحن نترجم نصوص "الآخر" لا كما اعتدنا أن نقول نصوصا "أجنبية". لكن هناك ضرورة حتمية لتفكيك الهالة المقدسة لما يأتي من الغرب، فليس كل ما يهبط علينا من هناك منزّل من السماء ومن حقنا انتقاده.
وتعتبر الترجمة كاملة حقا لو تمت إضافة تعليقات وحواش إلى النص الأصلي تغني من قيمته وفائدته. لا يجب أن نخاف من سطوة النص الأصلي مهما كانت قيمته، فالمترجم الحق هو الذي يقوم بإنزال الأصل من عليائه ليسهل التعامل معه ويجعل الآخرين يرونه ببساطة، لكن داخل نطاق قيمته لا يحط منها.
الترجمة تأويل للنص، لذلك فعملية إزاحة النص من لغة إلى أخرى حسب السياق الثقافي والاجتماعي محاولة للتنوير تدفع المجتمعات للأمام بنشر المعرفة، لأن المعرفة عالمية (وإن كانت الكلمة نظرية في أحيان كثيرة). ولأن المعرفة بلا حدود، فينبغي للترجمة أن تكون بلا حدود. ويجب تشجيع المترجمين أكثر من ذي قبل، والوقوف في وجه بعض دور النشر التي تتصرف مع المترجمين كأنها تتفضل عليهم بالنشر بينما تضرب صفحا عن المكاسب التي تنهبها من حصيلة بيع الترجمات وتسويقها.
** ما يجعل الترجمة مختلفة من مترجم إلى آخر؟
** باختصار شديد هو جهد اللغة الذي تتم به عملية الترجمة، فالسمات الأسلوبية هي الأساس الذي تختلف به أي ترجمة عن أخرى، وتظهر أهمية الترجمة وجمالها حين يرتدي المترجم قفازا حريريا فيخفي سماته الأسلوبية الخاصة لصالح سمات مؤلف النص الأصلي.
وتتعامل الترجمة مع الآخر دائما على أنه سياق ثقافي مغاير "لا عدو" مهما كانت عدوانيته، لأن الترجمة توحي أو تفسر أو تحلل أو تؤول أو تشير إلى مدلول يسعى للتغيير ويسعى للتبادل الحضاري والثقافي أكثر مما يدعو إلى الاستلاب والقهر والهيمنة. لكن الترجمة ليست بريئة على الدوام، فيمكن لبعض الأنظمة الديكتاتورية أو المتخلفة أن تعنى بترجمة النصوص التي تشير إلى نفعيتها فقط دون التطرق إلى ما أنتجه الآخر المتطور على الدوام، ويبقى كل همها هو أن تخزن شعبها داخل قنينة محكمة وحين تنفتح صدفة يخرج منها الدخان ويعقبه انفجار كبير. إذن لا ينبغي وضع أي قيود على الترجمة سوى لمزيد من الحرية وديمقراطية القراءة.
** كيف ترى لوضع الترجمة والتحديات التي تواجهها مصريا وعربيا؟
** الترجمة جزء من منظومة حضارية وثقافية ضخمة، وحين لا نرى أي تقدم في المنظومة الحضارية ولا الثقافية فمن غير المعقول أن نرى تقدما أو تغيرا في عالم الترجمة. بينما نجد أن إسرائيل مثلا تقوم بترجمة ما يزيد عن 15.000 كتاب سنويا وهي شبه دولة، لا تترجم الدول العربية بأجمعها أكثر من 330 كتابا، وفقا لآخر إحصاءات صادرة عن الأمم المتحدة في تقرير مفزع عن التنمية. وفيه أن العرب قاموا بترجمة مائة ألف كتاب فقط منذ بداية الترجمة العربية أيام الأمين ابن الخليفة هارون الرشيد، وهو الرقم الذي تحققه بعض دور النشر في الدول الأوربية مثلا في مجال الترجمة سنويا. وهذه الأرقام تدل على الفارق الحضاري الكبير الذي يسعى العرب والغرب لتحقيقه في الوقت نفسه ضمن صراع الوجود وسط العالم. ولو قمنا بإحصاء حتى في مجالات الترجمة لدى كل منهما على حدة، لوجدنا أن الغرب يعمل على توسيع رقعة الترجمة في معظم المجالات، بينما يركز العرب في أحيان كثيرة على الأدب دون الفكر والفلسفة أو العلم بآفاقه الواسعة، ويحق لنا أن نقول إن الفوضى ضاربة في مشروعات الترجمة العربية إلى حد كبير.
هناك مأساة أخرى هي عدم وجود أي نوع من التعاون بين المترجمين في الدول العربية، عدا بعض المراكز الحكومية التي لديها مشاريع للترجمة، في هيئة الكتاب والمركز القومي للترجمة بمصر، مشروع عالم المعرفة في الكويت، مركز الدراسات في الإمارات، ومشروعات الترجمة في بعض دور النشر الجادة، لكنها جميعا لا تزيد عن أصابع اليدين. بالإضافة إلى بعض المشروعات الفردية وهي أقرب إلى العشوائية.
هكذا نرى أن مشروع الترجمة العربي مشروع خاص إلى حد كبير، يخضع لأمزجة وأهواء المترجمين ومدركاتهم الجمالية، مشتملا على قدر من الفوضى. فهناك كتب خاصة في المجال الإبداعي تُترجم أكثر من مرة في أكثر من بلد، حتى ليظن المرء أنه لا يوجد كتب غيرها تستحق الترجمة.
ولدي اقتراح هو إقامة معرض للكتاب المترجم فقط يتم فيه تقديم جوائز للمترجمين تشجعهم على مواصلة مشروع حياتهم الذي يجلب ذهبا في الغرب بينما لا يجلب سوى الحسرة لدى المترجمين العرب. بالإضافة إلى ضرورة تأسيس هيئة عربية عليا للترجمة تتبع مثلا جامعة الدول العربية، تشرف وتهيمن على مشروعات الترجمة حتى لا يحدث تضارب بين المترجمين ولصالح تعددية المعرفة.
أسس مع رفاقه الشعراء من جيل السبعينيات سلسلة (أصوات) الشعرية 1978، ومجلة (الكتابة السوداء) 1980. وأنشأ سلسلة "آفاق الترجمة" في هيئة قصور الثقافة بالقاهرة وعمل مديراً لتحريرها (1996 ـ 1998)، أصدر فيها (54) عملاً فكرياً وإبداعياً بترجمة نخبة من المصريين والعرب. كما أنشأ سلسلة (نقوش) للفن التشكيلي (مع الفنان عمر جهان)، في هيئة قصور الثقافة بالقاهرة وعمل مديراً لها (1997 ـ 1998)، وكانت تُعنى برسوم الأبيض والأسود فقط للفنانين العرب، وقد أصدر فيها ما يزيد عن (15) عدداً.
إضافة إلى عمله مديراً لتحرير سلسلة (مكتبة الدراسات الشعبية) في هيئة قصور الثقافة بالقاهرة 1998. كما عمل مديراً تنفيذياً في "المشروع القومي للترجمة" بالمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة (1998 ـ 1999). وخلال عمله بوزارة الثقافة في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة، أشرف على سلسلة "Emirati Culture" لترجمة الأعمال الفكرية والإبداعية إلى الإنجليزية (2009 ـ 2012). يعمل حالياً مستشاراً لتحرير مجلة (تيوليب) الشعرية الأمريكية، ومدونة (باتاي) الإلكترونية.
** كيف ترى لفعل الترجمة وتأثيره؟
** إن الترجمة فعل ثقافي لغوي حضاري، والمترجم رسول التنوير المبعوث بين الحضارات. فمن قديم الزمان وحتى العصر الذي نعيش فيه لم تفقد الترجمة ضرورتها أو فاعليتها، لأنها الوعاء الذي يتم من خلاله نقل المعرفة من بلد إلى آخر ومن لغة إلى أخرى.
الترجمة نافذة فكرية ومدخل حضاري على فكر العالم يضمن لهويتنا المزيد من التواصل مع الآخر في كل مجالات إبداعه. ولا نظن أن الترجمة ستفقد أهميتها لسبب آخر هو اتساع مجالات الاتصال بين الشعوب، فقد أصبح الكون قرية صغيرة لا حدود لها لذلك فهناك حتمية لتطور الترجمة عاما بعد عام.
** هل ترى صدق مقولة أن الترجمة فعل خيانة؟
** الترجمة فعل خيانة أصلا وتذكّر ثانيا وتنوير ثالثا. هي فعل خيانة لأن النص المترجم يزيد قليلا أو ينقص قليلا عن النص الأصلي. وهي فعل تذكر لأن المترجم يفعل هذا مع نص جيد على الأقل فيحييه في مكان آخر ولغة أخرى ووسط بيئة اجتماعية أخرى. كما أنه فعل تنوير لأن النص المترجم في لغته وبيئته الجديدة يقوم بدور رائد في وعي من يقرأه.
القول إن الترجمة خيانة لم يعد دقيقا، لأن الترجمة مثل أي نشاط إبداعي آخر تقوم على الفهم والحس والتذوق الجمالي، لكن من المؤسف اقتحام صغار النفوس مجال الترجمة دون أن يكونوا مؤهلين لها، فهم يترجمون دون وعي بما تتطلبه الترجمة من إدراك جمالي ومعرفي موسوعي يجب عليه إتقانه قبل الشروع فيما نطلق عليه "خيانة" الترجمة.
فكر المترجم وإيديولوجيته يؤثران على اختياراته في الترجمة، حيث يسعى لتقريب النص الأصلي وتوضيحه بأسلوب الفنان لغة وبلاغة. فهناك أسئلة تأتي الترجمة استجابة لها تتأثر بالتكوين المعرفي للمترجم الذي يؤثر على خياراته وأدائه ومدى التطابق بين ما يرغب بترجمته وما يرغب بتحقيقه منها.
** وماذا عن علاقة الشرق والغرب والمشكلات التي تكتنف علاقتهما الثقافية خاصة؟
** في علاقات الشرق والغرب هناك مشكلة تتعلق بالهوية والاختلاف، ومشكلتنا مع الغرب حضارية في المقام الأول، فنحن نترجم نصوص "الآخر" لا كما اعتدنا أن نقول نصوصا "أجنبية". لكن هناك ضرورة حتمية لتفكيك الهالة المقدسة لما يأتي من الغرب، فليس كل ما يهبط علينا من هناك منزّل من السماء ومن حقنا انتقاده.
وتعتبر الترجمة كاملة حقا لو تمت إضافة تعليقات وحواش إلى النص الأصلي تغني من قيمته وفائدته. لا يجب أن نخاف من سطوة النص الأصلي مهما كانت قيمته، فالمترجم الحق هو الذي يقوم بإنزال الأصل من عليائه ليسهل التعامل معه ويجعل الآخرين يرونه ببساطة، لكن داخل نطاق قيمته لا يحط منها.
الترجمة تأويل للنص، لذلك فعملية إزاحة النص من لغة إلى أخرى حسب السياق الثقافي والاجتماعي محاولة للتنوير تدفع المجتمعات للأمام بنشر المعرفة، لأن المعرفة عالمية (وإن كانت الكلمة نظرية في أحيان كثيرة). ولأن المعرفة بلا حدود، فينبغي للترجمة أن تكون بلا حدود. ويجب تشجيع المترجمين أكثر من ذي قبل، والوقوف في وجه بعض دور النشر التي تتصرف مع المترجمين كأنها تتفضل عليهم بالنشر بينما تضرب صفحا عن المكاسب التي تنهبها من حصيلة بيع الترجمات وتسويقها.
** ما يجعل الترجمة مختلفة من مترجم إلى آخر؟
** باختصار شديد هو جهد اللغة الذي تتم به عملية الترجمة، فالسمات الأسلوبية هي الأساس الذي تختلف به أي ترجمة عن أخرى، وتظهر أهمية الترجمة وجمالها حين يرتدي المترجم قفازا حريريا فيخفي سماته الأسلوبية الخاصة لصالح سمات مؤلف النص الأصلي.
وتتعامل الترجمة مع الآخر دائما على أنه سياق ثقافي مغاير "لا عدو" مهما كانت عدوانيته، لأن الترجمة توحي أو تفسر أو تحلل أو تؤول أو تشير إلى مدلول يسعى للتغيير ويسعى للتبادل الحضاري والثقافي أكثر مما يدعو إلى الاستلاب والقهر والهيمنة. لكن الترجمة ليست بريئة على الدوام، فيمكن لبعض الأنظمة الديكتاتورية أو المتخلفة أن تعنى بترجمة النصوص التي تشير إلى نفعيتها فقط دون التطرق إلى ما أنتجه الآخر المتطور على الدوام، ويبقى كل همها هو أن تخزن شعبها داخل قنينة محكمة وحين تنفتح صدفة يخرج منها الدخان ويعقبه انفجار كبير. إذن لا ينبغي وضع أي قيود على الترجمة سوى لمزيد من الحرية وديمقراطية القراءة.
** كيف ترى لوضع الترجمة والتحديات التي تواجهها مصريا وعربيا؟
** الترجمة جزء من منظومة حضارية وثقافية ضخمة، وحين لا نرى أي تقدم في المنظومة الحضارية ولا الثقافية فمن غير المعقول أن نرى تقدما أو تغيرا في عالم الترجمة. بينما نجد أن إسرائيل مثلا تقوم بترجمة ما يزيد عن 15.000 كتاب سنويا وهي شبه دولة، لا تترجم الدول العربية بأجمعها أكثر من 330 كتابا، وفقا لآخر إحصاءات صادرة عن الأمم المتحدة في تقرير مفزع عن التنمية. وفيه أن العرب قاموا بترجمة مائة ألف كتاب فقط منذ بداية الترجمة العربية أيام الأمين ابن الخليفة هارون الرشيد، وهو الرقم الذي تحققه بعض دور النشر في الدول الأوربية مثلا في مجال الترجمة سنويا. وهذه الأرقام تدل على الفارق الحضاري الكبير الذي يسعى العرب والغرب لتحقيقه في الوقت نفسه ضمن صراع الوجود وسط العالم. ولو قمنا بإحصاء حتى في مجالات الترجمة لدى كل منهما على حدة، لوجدنا أن الغرب يعمل على توسيع رقعة الترجمة في معظم المجالات، بينما يركز العرب في أحيان كثيرة على الأدب دون الفكر والفلسفة أو العلم بآفاقه الواسعة، ويحق لنا أن نقول إن الفوضى ضاربة في مشروعات الترجمة العربية إلى حد كبير.
هناك مأساة أخرى هي عدم وجود أي نوع من التعاون بين المترجمين في الدول العربية، عدا بعض المراكز الحكومية التي لديها مشاريع للترجمة، في هيئة الكتاب والمركز القومي للترجمة بمصر، مشروع عالم المعرفة في الكويت، مركز الدراسات في الإمارات، ومشروعات الترجمة في بعض دور النشر الجادة، لكنها جميعا لا تزيد عن أصابع اليدين. بالإضافة إلى بعض المشروعات الفردية وهي أقرب إلى العشوائية.
هكذا نرى أن مشروع الترجمة العربي مشروع خاص إلى حد كبير، يخضع لأمزجة وأهواء المترجمين ومدركاتهم الجمالية، مشتملا على قدر من الفوضى. فهناك كتب خاصة في المجال الإبداعي تُترجم أكثر من مرة في أكثر من بلد، حتى ليظن المرء أنه لا يوجد كتب غيرها تستحق الترجمة.
ولدي اقتراح هو إقامة معرض للكتاب المترجم فقط يتم فيه تقديم جوائز للمترجمين تشجعهم على مواصلة مشروع حياتهم الذي يجلب ذهبا في الغرب بينما لا يجلب سوى الحسرة لدى المترجمين العرب. بالإضافة إلى ضرورة تأسيس هيئة عربية عليا للترجمة تتبع مثلا جامعة الدول العربية، تشرف وتهيمن على مشروعات الترجمة حتى لا يحدث تضارب بين المترجمين ولصالح تعددية المعرفة.