1-
من روحها تتدفّقُ سيولٌ من الأمومة والحنان كلما حدّقت في وجهه الصافي وعينيه المكتنزتين إقبالاً على الحياة.. وجسدِه المستلقي بحريةٍ واطمئنانٍ وبراءةٍ فوق ركبتيها..
تنثر على وجنتيه عبير نظراتٍ تفيض رضىً .. تهدهده وتنغنغه.. يبزغ من عينيه نورٌ يشعّ في الغرفة الصغيرة فتكاد تتّسع .. تناغيه فيبتسم.. تداعبه وتلاعبه ، يضحك لها فتنتشي ....
تحضنُه بدفءٍ كافٍ ليبدّد صقيعَ الأرض.. تشدّه إلى صدرِها بحنوّ : "ها بك بسمة الكون عادت ترتسم يانعةً بعدما عاشر اليأس أيامي الماضية ..
" يا ناشر الحياة فيّ من جديد . .. تدفّق وانهمر بي فرحاً وأملا..
حسبي أنك وهبتني بعد هذا العمر ما أُخرس به ألسنتهم التي ياما نعقت بأني عاقر...."
تغمره بحضنها فتنزلق منها ضحكاتٌ تكفي لتمحو نصف دموع المعذبين في الكون .
2
يبكي جائعاً.. تُلقمه صدرها فيتمنّع.. تقرّبه أكثر فيشيح بوجهه عنها.. تُدني ثديها من شفتيه الصغيرتين وتتوسّله أن يرضع : "لا تخذل صدري يا ولدي.. كفاه ما ذاق من خذلان"..
لكأنّ الله يومَ خلقها جمّع غضبه من الشياطين ولعناتِه على الناشزين والمشركين ، وحبسها جميعاً في ذاك الصّدر فبات مبعث همّها وغمّها.. تذكر جيّداً كيف عوّدَت نفسَها دسّ قبضتها بين جسدها وقميصِها الواسع أصلاً لئلا يبانَ حجمُ نهديها جليّاً علّها تتخلص قليلاً من نظراتٍ تُعرّيها بانتباههم أنّها كبرَت ونهدت وأنّ جسدها فار أنوثةً صاخبة.. كانت نظراتُهم كافيةً قيوداً لسجنٍ هدّ روحها خوفاً من جمال صدرٍ غازله الغرباء فأثار قلق الأقرباء.. حبست أنوثتها في قمقمٍ وأحكمت سدّ الأبواب ورمَتها في غاباتٍ افترستها .. فحالت دون بوحها بعشقها حتى لمن عاث في روحها سنواتٍ لم يكن لحياتها فيها نكهةٌ لولا أنها تحلم بيومٍ تبوح له بحبّها.. ..
"لا تخذل صدري يا ولدي"..
يوم خافت من انفلات العمر هباءً ، ركعت لرغبةٍ في البوح..تلفّعت بجرأتها التي سَعت لتناصرها على حيائها ..
عيناها نثرَت فيهما رقّّة النظرات الفاتنة التي تذوب غنجاً ودلعاً ودلالاً .. وصوتُها درّبته على الهمس بنبراتٍ مبحوحةٍ مثيرة .. واستبدلت ثوبَها الواسع قميصاً ضيقاً التصق ببريقِ بشرتها ، ورسم خارطة نهديها بتكويرٍ تعمّدت إتقانه.. ولم تنس أن تنفخ فيهما ما يرفعهما متجليين..
برغبةٍ فادحةٍ وشوقٍ متأجج ، وجسدٍ يتلهف لفكّ أسره من قيود أعوامٍ.. انتظرته..
.. ...
انفلتت منها ملامحها في ابتسامةٍ بعثرتها لما رأته واقفاً عند عتبة المكان بغروره الذي عهدته وثقته التي ازدادت أضعافاً.. بقي دقائقَ يحدّق في وجوه كلّ الحاضرات يبثّ تساؤلاته عمّن تكون صاحبةَ الرسائل والمكالمات التي هطلَت عليه منذ أيامٍ تعترف بحبّ بعيدٍ بعيد.. حبٍّ عتيق .. حبٍّ سكنها سنواتٍ وقد ضاق القلبُ بسرّه..
جال بعينيه بين الجالسات حتى أخجل ابنة الستة عشر ربيعاً لمّا انتبهت إلى نظراته فألجمَت ضحكتَها مع رفيقاتها ثم أشاحت بوجهها.. دنا من جميع الوجوه كأنّما يستجدي اعترافاً من تلك التي واعدته اليوم لتزيح وشاحاً غطّى حبّاً سنوات.. لم تفلت أنثى من نظراته المتسائلة حتى إذا ما دنا منها و خيبةٌ قد تسرّبت إلى نفسه ، : -"معذرةً سيدتي: هل كانت في المكان ثمّة فتاةٌ سئمت من الانتظار فغادرت؟؟"
تبًّا لحبّ خزنته سنواتٍ وطوت أسراره في روحها..
ابتلعت خذلانَ جسدها وروحها.. لملمت جرحَها وغادرت ترتضي أيَّ زواج ..
هاربةً من ملاحقة صور ذكرياتها..مدّت ثديها بحنوّ تستجدي طفلها أن يمتصّ ما انساب من حليبها.. ذابت تتوسّله ألا يخيّب صدرها من جديد...
3
ضاقت بها صرخاتُ صدرٍ فاض حليباً يستجدي امتصاصاً يتلقى انهماره ، وصيحاتُ طفل يتمنّع رغمًا عن جوعٍ ثائر.. أزاحت أنامله الصغيرة تستبدلها ثديًا كاد يتشنّج....مسحت دموعَه .. تستحلفه ألا يُضيع لحظةً تكبّدت عمراً لأجلها ، واحتملت اغتصاباً شوّهها ومزّق صدرها كلما حاضت :"الصدر الذي لا يدرّ حليبا لا حاجة بالتلذذ به متعا.." ..
هزمتها محاولاتٌ خائبة ليمتصّ حليبها.. .
كفى!!. ثارت غاضبةً وهي تدسُّ حلمتها في ثغره المنفلت ساعيةً لتُخمد ما ضجّ به المكان من صرخات تمنّعه.. " أليس حسبي ما ذقت لأنجبك؟؟!!"
انفجرت نواحًا ونحيبا لما تجهّمت ملامحُه . تتوسّله أن يعود لسكونه لتختفي ملامح أبيه الكلب التي بدأت تتراءى في وجهه .. ولتضيع من نبراته تلك الأصوات التي تزاحمت تطرطق في أذنيها: قسوةُ حماتها إذ تعيّرها أنّها عاقر، وعباراتُ زوجها بأنها ليست أكثر من بطنٍ مرّ لا ينجب.. امتزجت بصرخاتٍ صامتة بثّتها نظرات الجميع....
بكاؤه يفرّخ صيحاتٍ تتجمع في أعماقها انكساراً وذلاّ .. روحُها تحترق..ووخزاتُ صدرها الذي تحجّر تحيلها أتوناً .. بحليبٍ قاربَ أن يتجلط...بعد محاولاتٍ أضنتها مدّت ثديها كأملٍ أخير .. ولمّا انتفض رافضاً... نفضت عنها أمومتها وهبّت من مكانها زاعقةً :
لستُ بحاجة للعنة أخرى من هذا الصدر اللعين.. لست بحاجة لنزفٍ آخر من أنوثتي.. سحقاً لك ولأهلك وذويك الذين هيمنت عليك ملامح شرّهم ومكرهم ولؤمهم.. لن تكون أفضل منهم.. ها أن أصلك يردّك يا ابن الحرام.. ها أنك تشبههم حتى في قهري وإذلالي.. والتنكّر لصدري...... إخرس.. كفااااااااااااااااك!!
.. لم تعِ كيف في لحظة ثورانٍ وهيجانٍ وصلت النافذة .. بجنونٍ ألقت به من الزجاج رفقة صرخةٍ مرقت ممزّقةً الفراغ.. ثم انهارت منكفئةً على دموعها .. وحليبِها الذي تكدّر كتلاً من حزن .. ركعت بانهزامٍ تصمّ أذنيها بأصابع كفيها علّها تخرس بعضًا مما نشج في أعماقها..
4
أسرع يطفئ سيجارته ، حطّ من يده فنجان القهوة.. وجرى يستجيب للنداء..
"لا بأس يا دكتور ..كلُّ شيء على ما يرام " .. سبقته الممرّضة الشّابة في أوّل الرواق بثوبها الناصع ،
.." قد حقنتُها بإبرة من المهدّئ لتنام ".... نعم نعم هي ذاتها, السيّدة العاقر نزيلة الغرفة 147
من جديدٍ عادت إليها نوبتها فألقت بالوسادة... ثم عاودتها الحالة, وعادت تصيح بأنّها قتلت رضيعَها ورمته بيدها من الشبّاك.
"كعادتها يا دكتور..."
أضافت وهي تمخط أنفها في منديلٍ ورقيّ معطّر ومعقّم, كما يليق بممرّضةٍ محترمة تعمل في مصحّةٍ حكوميّةٍ عريقةٍ للأعصاب والأمراض النفسيّة...
أنوار الأنوار
من روحها تتدفّقُ سيولٌ من الأمومة والحنان كلما حدّقت في وجهه الصافي وعينيه المكتنزتين إقبالاً على الحياة.. وجسدِه المستلقي بحريةٍ واطمئنانٍ وبراءةٍ فوق ركبتيها..
تنثر على وجنتيه عبير نظراتٍ تفيض رضىً .. تهدهده وتنغنغه.. يبزغ من عينيه نورٌ يشعّ في الغرفة الصغيرة فتكاد تتّسع .. تناغيه فيبتسم.. تداعبه وتلاعبه ، يضحك لها فتنتشي ....
تحضنُه بدفءٍ كافٍ ليبدّد صقيعَ الأرض.. تشدّه إلى صدرِها بحنوّ : "ها بك بسمة الكون عادت ترتسم يانعةً بعدما عاشر اليأس أيامي الماضية ..
" يا ناشر الحياة فيّ من جديد . .. تدفّق وانهمر بي فرحاً وأملا..
حسبي أنك وهبتني بعد هذا العمر ما أُخرس به ألسنتهم التي ياما نعقت بأني عاقر...."
تغمره بحضنها فتنزلق منها ضحكاتٌ تكفي لتمحو نصف دموع المعذبين في الكون .
2
يبكي جائعاً.. تُلقمه صدرها فيتمنّع.. تقرّبه أكثر فيشيح بوجهه عنها.. تُدني ثديها من شفتيه الصغيرتين وتتوسّله أن يرضع : "لا تخذل صدري يا ولدي.. كفاه ما ذاق من خذلان"..
لكأنّ الله يومَ خلقها جمّع غضبه من الشياطين ولعناتِه على الناشزين والمشركين ، وحبسها جميعاً في ذاك الصّدر فبات مبعث همّها وغمّها.. تذكر جيّداً كيف عوّدَت نفسَها دسّ قبضتها بين جسدها وقميصِها الواسع أصلاً لئلا يبانَ حجمُ نهديها جليّاً علّها تتخلص قليلاً من نظراتٍ تُعرّيها بانتباههم أنّها كبرَت ونهدت وأنّ جسدها فار أنوثةً صاخبة.. كانت نظراتُهم كافيةً قيوداً لسجنٍ هدّ روحها خوفاً من جمال صدرٍ غازله الغرباء فأثار قلق الأقرباء.. حبست أنوثتها في قمقمٍ وأحكمت سدّ الأبواب ورمَتها في غاباتٍ افترستها .. فحالت دون بوحها بعشقها حتى لمن عاث في روحها سنواتٍ لم يكن لحياتها فيها نكهةٌ لولا أنها تحلم بيومٍ تبوح له بحبّها.. ..
"لا تخذل صدري يا ولدي"..
يوم خافت من انفلات العمر هباءً ، ركعت لرغبةٍ في البوح..تلفّعت بجرأتها التي سَعت لتناصرها على حيائها ..
عيناها نثرَت فيهما رقّّة النظرات الفاتنة التي تذوب غنجاً ودلعاً ودلالاً .. وصوتُها درّبته على الهمس بنبراتٍ مبحوحةٍ مثيرة .. واستبدلت ثوبَها الواسع قميصاً ضيقاً التصق ببريقِ بشرتها ، ورسم خارطة نهديها بتكويرٍ تعمّدت إتقانه.. ولم تنس أن تنفخ فيهما ما يرفعهما متجليين..
برغبةٍ فادحةٍ وشوقٍ متأجج ، وجسدٍ يتلهف لفكّ أسره من قيود أعوامٍ.. انتظرته..
.. ...
انفلتت منها ملامحها في ابتسامةٍ بعثرتها لما رأته واقفاً عند عتبة المكان بغروره الذي عهدته وثقته التي ازدادت أضعافاً.. بقي دقائقَ يحدّق في وجوه كلّ الحاضرات يبثّ تساؤلاته عمّن تكون صاحبةَ الرسائل والمكالمات التي هطلَت عليه منذ أيامٍ تعترف بحبّ بعيدٍ بعيد.. حبٍّ عتيق .. حبٍّ سكنها سنواتٍ وقد ضاق القلبُ بسرّه..
جال بعينيه بين الجالسات حتى أخجل ابنة الستة عشر ربيعاً لمّا انتبهت إلى نظراته فألجمَت ضحكتَها مع رفيقاتها ثم أشاحت بوجهها.. دنا من جميع الوجوه كأنّما يستجدي اعترافاً من تلك التي واعدته اليوم لتزيح وشاحاً غطّى حبّاً سنوات.. لم تفلت أنثى من نظراته المتسائلة حتى إذا ما دنا منها و خيبةٌ قد تسرّبت إلى نفسه ، : -"معذرةً سيدتي: هل كانت في المكان ثمّة فتاةٌ سئمت من الانتظار فغادرت؟؟"
تبًّا لحبّ خزنته سنواتٍ وطوت أسراره في روحها..
ابتلعت خذلانَ جسدها وروحها.. لملمت جرحَها وغادرت ترتضي أيَّ زواج ..
هاربةً من ملاحقة صور ذكرياتها..مدّت ثديها بحنوّ تستجدي طفلها أن يمتصّ ما انساب من حليبها.. ذابت تتوسّله ألا يخيّب صدرها من جديد...
3
ضاقت بها صرخاتُ صدرٍ فاض حليباً يستجدي امتصاصاً يتلقى انهماره ، وصيحاتُ طفل يتمنّع رغمًا عن جوعٍ ثائر.. أزاحت أنامله الصغيرة تستبدلها ثديًا كاد يتشنّج....مسحت دموعَه .. تستحلفه ألا يُضيع لحظةً تكبّدت عمراً لأجلها ، واحتملت اغتصاباً شوّهها ومزّق صدرها كلما حاضت :"الصدر الذي لا يدرّ حليبا لا حاجة بالتلذذ به متعا.." ..
هزمتها محاولاتٌ خائبة ليمتصّ حليبها.. .
كفى!!. ثارت غاضبةً وهي تدسُّ حلمتها في ثغره المنفلت ساعيةً لتُخمد ما ضجّ به المكان من صرخات تمنّعه.. " أليس حسبي ما ذقت لأنجبك؟؟!!"
انفجرت نواحًا ونحيبا لما تجهّمت ملامحُه . تتوسّله أن يعود لسكونه لتختفي ملامح أبيه الكلب التي بدأت تتراءى في وجهه .. ولتضيع من نبراته تلك الأصوات التي تزاحمت تطرطق في أذنيها: قسوةُ حماتها إذ تعيّرها أنّها عاقر، وعباراتُ زوجها بأنها ليست أكثر من بطنٍ مرّ لا ينجب.. امتزجت بصرخاتٍ صامتة بثّتها نظرات الجميع....
بكاؤه يفرّخ صيحاتٍ تتجمع في أعماقها انكساراً وذلاّ .. روحُها تحترق..ووخزاتُ صدرها الذي تحجّر تحيلها أتوناً .. بحليبٍ قاربَ أن يتجلط...بعد محاولاتٍ أضنتها مدّت ثديها كأملٍ أخير .. ولمّا انتفض رافضاً... نفضت عنها أمومتها وهبّت من مكانها زاعقةً :
لستُ بحاجة للعنة أخرى من هذا الصدر اللعين.. لست بحاجة لنزفٍ آخر من أنوثتي.. سحقاً لك ولأهلك وذويك الذين هيمنت عليك ملامح شرّهم ومكرهم ولؤمهم.. لن تكون أفضل منهم.. ها أن أصلك يردّك يا ابن الحرام.. ها أنك تشبههم حتى في قهري وإذلالي.. والتنكّر لصدري...... إخرس.. كفااااااااااااااااك!!
.. لم تعِ كيف في لحظة ثورانٍ وهيجانٍ وصلت النافذة .. بجنونٍ ألقت به من الزجاج رفقة صرخةٍ مرقت ممزّقةً الفراغ.. ثم انهارت منكفئةً على دموعها .. وحليبِها الذي تكدّر كتلاً من حزن .. ركعت بانهزامٍ تصمّ أذنيها بأصابع كفيها علّها تخرس بعضًا مما نشج في أعماقها..
4
أسرع يطفئ سيجارته ، حطّ من يده فنجان القهوة.. وجرى يستجيب للنداء..
"لا بأس يا دكتور ..كلُّ شيء على ما يرام " .. سبقته الممرّضة الشّابة في أوّل الرواق بثوبها الناصع ،
.." قد حقنتُها بإبرة من المهدّئ لتنام ".... نعم نعم هي ذاتها, السيّدة العاقر نزيلة الغرفة 147
من جديدٍ عادت إليها نوبتها فألقت بالوسادة... ثم عاودتها الحالة, وعادت تصيح بأنّها قتلت رضيعَها ورمته بيدها من الشبّاك.
"كعادتها يا دكتور..."
أضافت وهي تمخط أنفها في منديلٍ ورقيّ معطّر ومعقّم, كما يليق بممرّضةٍ محترمة تعمل في مصحّةٍ حكوميّةٍ عريقةٍ للأعصاب والأمراض النفسيّة...
أنوار الأنوار