-I-
قضّيت أعواما،
أمشّط شارع الدنيا كحوذيّ عجوزٍ مُغمَض الأحلامِ
لم أر في محطّاتي سوى الغرباء
تكنسهم رياح الوقت،
أحمل عنهم الأوساخَ والأعوام دون مقابل،
لكنّهم يمضون عنّي كلما خفّت حقائبهم.
و الأصدقاء؟
عرفتُ أكثر من صديق في حياتي
اتّفقنا في البداية مثل كل الأصدقاء
نكون شمسا في الشتاء،
و غيمة في الصيف
حتى كان يوم نِمتُ فيه واستفقتُ
على ثلوج فوق أيامي
ذهبت إلى صديقي،
كان مبتهجا يخبّئ شمسه في جيبه:
– من أي ليل أنت يا …؟
– إني صديقك هل نسيت؟
– يداك غارقتان في العتمات
– لكني صديقك، هل نسيت؟
– ………………………
نظرت في عينيه لم أر صورتي
فدفنتُ في جرحي خيانته، و عدت إلى حياتي صامتا
في كل يوم كنت أدفن في دمي ذكرى صديق
و النّساء؟
عشقت منهنَّ القبيحة والجميلة والطويلة والقصيرة والنّحيفة َ…
و احترقت بعطرهنَّ كنحلة عطشانة في الصيف
لكنّي تزوّجت الهواجسَ والهباءْ.
شكرا لهم:
– للأصدقاء
– و للنّساء بغيمهنّ وعطرهنّ
– و للدّراويش الذين بلا وطن
كانوا زحاما من فراغ،
علّموني كيف أنّ فتى يصير قبيلة
و القبح؟
حتّى القبح علّمني أرى الأشياء
في مدن الخريف جميلة!
-II-
قضّيْت أعواما، أبيع الحلم للبؤساء، أمنحهم مخيّلتي
شوارع للتسكّع، كل معنى واقف في صورة شعرية
هو حارس لشجونهم، كل اقتباس من أساطير الزما
نبوءة بقياس ضحكتهم و دمعتهم،
وكلّ عبارة طرق مُزفّتّة لرحلتهم إلى الله،
كنت أكبتُ آهتي حتّى تنام الريح بين فصولهم.
أمشي على طرف الأصابع،
حاملا شمسي على كتفي الهزيل،
أضيء عزلتهم،
أقول لهم:
– مساء الخير إن وقفوا
– صباح الخير إن جلسوا
أحضّر قهوة لصباحهم، و كمنجة لمسائهم
لكنهم يمضون عنّي كلما نبتت بنفسجة بشرفة ليلهم.
و الأهل؟
كان الأهل يقتسمون أيّامي،
و يقترحون لي اسما قديما
من سجلات الجدود الضّائعين
و كنت أسمعهم يُصلّون الجنازة في غيابي
يكتبون وصيّتي بمزاجهم:
كلّ الذي فكّرت فيه أو حلمت به،
يصير إلى متاحفهم
وكلّ قصيدة عانيتها من حقّهم !
شكرا لهم،
كانوا بشكل الموت
أهدوني سريرا من خلودْ.
شكرا كذلك:
– للسّجون
– و للمنافي
– و المحطّات الغريبة
– و الرّياح …
خبرت منهم متعة الطّيران، واليد في القيودْ.
سفيان رجب
القصيدة من ديوان: كالبرتقالة فوق مائدة الفقير - دار إفريقية للنشر تونس
قضّيت أعواما،
أمشّط شارع الدنيا كحوذيّ عجوزٍ مُغمَض الأحلامِ
لم أر في محطّاتي سوى الغرباء
تكنسهم رياح الوقت،
أحمل عنهم الأوساخَ والأعوام دون مقابل،
لكنّهم يمضون عنّي كلما خفّت حقائبهم.
و الأصدقاء؟
عرفتُ أكثر من صديق في حياتي
اتّفقنا في البداية مثل كل الأصدقاء
نكون شمسا في الشتاء،
و غيمة في الصيف
حتى كان يوم نِمتُ فيه واستفقتُ
على ثلوج فوق أيامي
ذهبت إلى صديقي،
كان مبتهجا يخبّئ شمسه في جيبه:
– من أي ليل أنت يا …؟
– إني صديقك هل نسيت؟
– يداك غارقتان في العتمات
– لكني صديقك، هل نسيت؟
– ………………………
نظرت في عينيه لم أر صورتي
فدفنتُ في جرحي خيانته، و عدت إلى حياتي صامتا
في كل يوم كنت أدفن في دمي ذكرى صديق
و النّساء؟
عشقت منهنَّ القبيحة والجميلة والطويلة والقصيرة والنّحيفة َ…
و احترقت بعطرهنَّ كنحلة عطشانة في الصيف
لكنّي تزوّجت الهواجسَ والهباءْ.
شكرا لهم:
– للأصدقاء
– و للنّساء بغيمهنّ وعطرهنّ
– و للدّراويش الذين بلا وطن
كانوا زحاما من فراغ،
علّموني كيف أنّ فتى يصير قبيلة
و القبح؟
حتّى القبح علّمني أرى الأشياء
في مدن الخريف جميلة!
-II-
قضّيْت أعواما، أبيع الحلم للبؤساء، أمنحهم مخيّلتي
شوارع للتسكّع، كل معنى واقف في صورة شعرية
هو حارس لشجونهم، كل اقتباس من أساطير الزما
نبوءة بقياس ضحكتهم و دمعتهم،
وكلّ عبارة طرق مُزفّتّة لرحلتهم إلى الله،
كنت أكبتُ آهتي حتّى تنام الريح بين فصولهم.
أمشي على طرف الأصابع،
حاملا شمسي على كتفي الهزيل،
أضيء عزلتهم،
أقول لهم:
– مساء الخير إن وقفوا
– صباح الخير إن جلسوا
أحضّر قهوة لصباحهم، و كمنجة لمسائهم
لكنهم يمضون عنّي كلما نبتت بنفسجة بشرفة ليلهم.
و الأهل؟
كان الأهل يقتسمون أيّامي،
و يقترحون لي اسما قديما
من سجلات الجدود الضّائعين
و كنت أسمعهم يُصلّون الجنازة في غيابي
يكتبون وصيّتي بمزاجهم:
كلّ الذي فكّرت فيه أو حلمت به،
يصير إلى متاحفهم
وكلّ قصيدة عانيتها من حقّهم !
شكرا لهم،
كانوا بشكل الموت
أهدوني سريرا من خلودْ.
شكرا كذلك:
– للسّجون
– و للمنافي
– و المحطّات الغريبة
– و الرّياح …
خبرت منهم متعة الطّيران، واليد في القيودْ.
سفيان رجب
القصيدة من ديوان: كالبرتقالة فوق مائدة الفقير - دار إفريقية للنشر تونس