سفيان رجب - حاملا شمسي على كتفي

-I-

قضّيت أعواما،
أمشّط شارع الدنيا كحوذيّ عجوزٍ مُغمَض الأحلامِ
لم أر في محطّاتي سوى الغرباء
تكنسهم رياح الوقت،
أحمل عنهم الأوساخَ والأعوام دون مقابل،
لكنّهم يمضون عنّي كلما خفّت حقائبهم.

و الأصدقاء؟
عرفتُ أكثر من صديق في حياتي
اتّفقنا في البداية مثل كل الأصدقاء
نكون شمسا في الشتاء،
و غيمة في الصيف
حتى كان يوم نِمتُ فيه واستفقتُ
على ثلوج فوق أيامي

ذهبت إلى صديقي،
كان مبتهجا يخبّئ شمسه في جيبه:
– من أي ليل أنت يا …؟
– إني صديقك هل نسيت؟
– يداك غارقتان في العتمات
– لكني صديقك، هل نسيت؟
– ………………………
نظرت في عينيه لم أر صورتي
فدفنتُ في جرحي خيانته، و عدت إلى حياتي صامتا
في كل يوم كنت أدفن في دمي ذكرى صديق

و النّساء؟
عشقت منهنَّ القبيحة والجميلة والطويلة والقصيرة والنّحيفة َ…
و احترقت بعطرهنَّ كنحلة عطشانة في الصيف
لكنّي تزوّجت الهواجسَ والهباءْ.

شكرا لهم:
– للأصدقاء
– و للنّساء بغيمهنّ وعطرهنّ
– و للدّراويش الذين بلا وطن

كانوا زحاما من فراغ،
علّموني كيف أنّ فتى يصير قبيلة

و القبح؟
حتّى القبح علّمني أرى الأشياء
في مدن الخريف جميلة!

-II-

قضّيْت أعواما، أبيع الحلم للبؤساء، أمنحهم مخيّلتي
شوارع للتسكّع، كل معنى واقف في صورة شعرية
هو حارس لشجونهم، كل اقتباس من أساطير الزما
نبوءة بقياس ضحكتهم و دمعتهم،
وكلّ عبارة طرق مُزفّتّة لرحلتهم إلى الله،
كنت أكبتُ آهتي حتّى تنام الريح بين فصولهم.
أمشي على طرف الأصابع،
حاملا شمسي على كتفي الهزيل،
أضيء عزلتهم،
أقول لهم:
– مساء الخير إن وقفوا
– صباح الخير إن جلسوا
أحضّر قهوة لصباحهم، و كمنجة لمسائهم
لكنهم يمضون عنّي كلما نبتت بنفسجة بشرفة ليلهم.

و الأهل؟
كان الأهل يقتسمون أيّامي،
و يقترحون لي اسما قديما
من سجلات الجدود الضّائعين
و كنت أسمعهم يُصلّون الجنازة في غيابي
يكتبون وصيّتي بمزاجهم:
كلّ الذي فكّرت فيه أو حلمت به،
يصير إلى متاحفهم
وكلّ قصيدة عانيتها من حقّهم !
شكرا لهم،
كانوا بشكل الموت
أهدوني سريرا من خلودْ.

شكرا كذلك:
– للسّجون
– و للمنافي
– و المحطّات الغريبة
– و الرّياح …
خبرت منهم متعة الطّيران، واليد في القيودْ.



سفيان رجب
القصيدة من ديوان: كالبرتقالة فوق مائدة الفقير - دار إفريقية للنشر تونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى