تابع الفصل الخامس - الحياة المنزلية
أما القهوة فهي تصنع قوية لا تحلى بالسكر ولا تحفف باللبن. وفنجان القهوة صغير لا يسع الكثير منها. وهو من الخزف ولا أذن له. فيوضع في ظرف من الفضة أو النحاس تبعاً لحالة الشراب. وهو يشبه تقريباً في شكله وحجمه ظرف البيض عندنا ولتحضير القهوة يغلي الماء أولاً، ثم يضاف إليه البن بعد أن يحمص ويطحن حديثاً، ويقلب، ثم يعاد وعاؤه على النار مرات حتى تنضج القهوة رويداً رويداً، ثم تصب في الفناجين قبل أن يزول ما تكوّن على سطحها من القشدة ويحب المصريون القهوة الخالصة حباً شديداً، وقلما يضيفون أليها السكر؛ وبعضهم يحليها عندما يشعر بتعب. ولا يضيفون اللبن أو القشدة أبداً ولكن كثيراً ما يضعون فيها الحبهان. وتبخير الفناجين بالمصطكا شائعة. وقد يعطر الأغنياء القهوة بعطر العنبر اللذيذ. والطريقة الشائعة أن يوضع حوالي قيراط من العنبر في وعاء القهوة ويذاب على النار ثم تنضج القهوة في وعاء آخر بالطريقة السابق ذكرها، وبعد قليل تصب في الوعاء الأول (شكل 34) ومن الناس من يستعمل العنبر للسبب نفسه بطريقة مختلفة. فهم يأخذون قيراطين من العنبر بعود صغير يضعونهما في قاع الفنجان ويصبون القهوة بعد ذلك. ومثل هذه الكمية تكفي أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. وهذه الطريقة كثيراً ما يتخذها م يحب لنفسه شرب القهوة معطرة بالعنبر دون ضيوفه. وقد يقدم (بكرج) القهوة موضوعاً على جمر في وعاء من الفضة أو النحاس يسمى (عازقي) شكل 35 ويعلق هذه الوعاء في ثلاث سلاسل. ويقدم الخادم القهوة ممسكاً أسفل الظرف بين الإبهام والسبابة، وعندما يتناول الفنجان والظرف يستعمل كلتا يديه واضعاً شماله تحت يمينه.
وتستعمل مجمرة تسمى (منقلاً) ويسميها العامة (منقداً) من النحاس المبيض بالقصدير ويحرق فيه البخور أحياناً. ويتلذذ المصريون بالعطور تلذذاً عظيما. وكثيراً ما يبخرون غرفهم، وأكثر المواد استعمالاً لهذا الغرض بخور من نوع رديء يسمى (بخور البز) ويستعمل كذلك الجاوي والعود.
وقلما يرى المصري ماشياً أبعد من عتبة داره إذا استطاع أن يقتني ركوبه أو يستأجر حماراً. ولكن القليل من أهل القاهرة والمدن الأخرى من يخاطر باقتناء جياد، معرضاً نفسه إلى الاشتباه في أنه يمتلك أموالاً زائدة تفرض عليها ضرائب ورسوم أشد مما كان سيتحملها بوجه آخر. وتحشى عدة الجواد الحديثة بالقطن وتغطي بالجوخ أو المخمل وتطرز أو تزخرف؛ ويزين اللجام عند الرأس والصدر بشراريب حريرية وقطع نقدية وغيرها من الزخارف الفضية. والعادة أن يركب البغال أغنياء التجار وكبار العلماء، وعدة البغال كعدة الحمير تقريباً وعندما يكون الراكب عالماً تغطي العدة بسجادة، وكذلك قد تكون العدة التي يستعملها النساء بالرغم من شدة الاختلاف بينهما. وتستعمل الحمير في شوارع القاهرة الضيقة المزدحمة. وهناك عدد كبير للكراء. واشتهرت القاهرة من زمن بجودة حميرها، فهي أكبر من حمير بلادنا وأفضل منها في كل ناحية. ويقدر ثمن الحمار الأصيل المدرب بحوالي ثلاثة جنيهات أو أربعة، وقد يزيد بعض الحمير على ثمن الجواد العادي. ويجهز الحمار بعدة محشوة يغطي مقدمها بالجلد الأحمر، ومقعدها بشرائط صوفية ناعمة، ويكون الركاب عالياً دائماً. ويتقدم الراكب خادم أو خادمان ليفسحا الطريق، ويحمل كل منهما (نبوتاً) قابضاً عليه من أسفل رافعاً إياه إلى أعلى. وقد يرافق الراكب للغاية نفسها خادم يجري بجانب الحمار أو أمامه صائحاً في المارة ليخلو الطريق يميناً أو شمالاً. ومع ذلك يجب أن يكون الراكب حذراً فلا يعتمد على خادمه كل الاعتماد لئلا تصرعه أحمال الجمل الكبيرة. وهذه الحوادث قد لا يكون مفر منها في شوارع القاهرة الأكثر ضيقاً والأشد ازدحاماً، وعندما ينزل السيد إلى منزل ما أو دكان ما يملأ الخادم له الشبك ويشعله ويقضي المصري أغلب وقته، إذا لم يكن له عمل منتظم يشغله في الركوب والزيارة، أو شراء حوائجه، أو في التدخين أو شرب القهوة كثيراً وعلى مهل، أو في التحدث مع الأصدقاء في المنزل، أو التنعم بترف الحمام ساعة أو أكثر صباحاً. وفي الظهر عليه أن يؤدي الصلاة إذا كان يقوم بفروضه الدينية، إلا أنني لاحظت أن القليل من المصريين نسبياً قد لا يهمل هذه الفروض، وأن هناك كثيرين يندر أن يقيموا الصلاة أبداً. وبعد الظهر مباشرة (إذا لم يكن فطوره متأخراً) يتناول غداء خفيفاً ثم يأخذ الشبك والقهوة. وعندما تشتد حرارة الجو لا يمنع نفسه من القيلولة. وكثيراً ما ينسحب ليستريح في الحريم حيث تراعي زوجته أو جاريته راحته أو تدلك له قدميه؛ وحينئذ، أو عندما يرغب في الخلوة يقول الخادم للزائرين إن السيد في الحريم، فلا يستدعيه أحد إلا إذا كان لعمل ضروري. وهو يتمتع مرة أخرى بين صلاة العصر إلى الغروب بالتدخين والقهوة بمصاحبة أصدقائه في المنزل أو في الخارج. وبعيد غروب الشمس يتناول عشاءه.
ويجب على الآن أن أصف وجبتي (الغدا) و (العشا) وكيفية تناولهما ونظامهما. ولم ألاحظ فرقاً بينهماً، غير أن وجبة العشاء هي الأهم. والعادة أن يجهز الطعام في العصر، وما يفضل بعد وجبة العشاء يقدم أثناء وجبة الغداء في اليوم التالي إذا لم يكن بالمنزل ضيوف. وعلى العموم يتناول رب الدار طعامه مع زوجته أو زوجاته وأطفاله. إلا أن كثيراً من الرجال وعلى الأخص رجال الطبقة العليا، يمنعهم كبرياؤهم أو يشغلهم ارتباطهم بمجتمعاتهم عن تناول الطعام مع العائلة، إلا في بعض المناسبات القليلة، وحتى بعض رجال الطبقة السفلي يندر أن يأكلوا مع زوجاتهم وأولادهم. ويجب على رب الدار عندما يكون في منزله صديق له أن يأمر بإحضار الطعام في وقته وهذا لابد منه إذا كان الضيف أجنبياً.
ويغسل كل شخص يديه، وفمه أحياناً، بالصابون والماء قبل أن يتناول الطعام، أو على الأقل يصب على يده اليمنى بعض الماء (أنظر شكل 36) وبحضور الخادم لذلك طستاً وإبريقاً من النحاس الأبيض أو النحاس الأصفر. وللطست غطاء به عدة ثقوب، وفي وسطه نتوء لوضع الصابون، فيمر الماء عند الغسيل خلال هذه الثقوب إلى داخل الطست بحيث إذا قدم هذا إلى شخص آخر لا يرى الماء القذر، ويعطي لكل فوطة.
والمائدة صينية مستديرة من النحاس المبيض، أو من النحاس الأصفر أحياناً، قطرها بين قدمين أو ثلاث أقدام. وتوضع على كرسي ارتفاعه حوالي خمس عشرة بوصة. ويصنع الكرسي من الخشب وقد طعم بالصدف أو الباغة أو العظم الخ.
فالصينية والكرسي يكونان السفرة (أنظر شكل 37) وتوضع على الصينية أرغفة الخبز المستديرة التي سبق وصفها، كاملة أو مقطعة أنصافاً. ويصف معها حول الصينية أنصاف من الليمون لتعصر على المأكولات التي قد تحتاج إلى الحامض، وملعقة من خشب البقس أو الأبنوس أو الباغة لكل آكل. وكثيراً ما يستعمل الخبز بدل الصحون. وبعد ذلك توضع أطباق اللحوم والخضر على اختلاف أنواعها، جميعها مرة واحدة مرة واحدة تبعاً للعادة المصرية أو طبقاً طبقاً حسب الطريقة التركية. وهذه الأطباق تكون من النحاس المبيض أو الخزف.
ويجلس الآكلون على الأرض حول الصينية وعلى ركبتي كل منهم فوطته. أما إذا وضعت الصينية بجانب ديوان منخفض فيجلس البعض على الديوان والآخرون على الأرض. ولكن عندما يكثر العدد توضع الصينية في وسط الغرفة ويجلس الجميع حولها واضعين إحدى ركبتيهم على الأرض والأخرى (اليمنى) قائمة. وهذا هو الوضع المستحسن أثناء تناول الطعام (أنظر شكل 38) وبهذه الطريقة يستطيع اثنا عشر شخصاً أن يجلسوا حول صينية سعتها ثلاث أقدام. ويشمر كل شخص عن ذراعه اليمنى حتى الكوع أو ما تدلى من كمه. وقبل أن يشرع أحد في الأكل يسمى باسم الله بصوت منخفض ظاهر ويبدأ رب الدار بالبسملة. ويعتبر هذا ملاطفة منه ودعوة إلى المدعوين لتناول الطعام. وعلى من يقال له بسم الله أو تفضل أن يقول إذا رفض الدعوة (هنيئاً) أو ما شابه ذلك. وقد يكون ذلك أيضاً خشية شر العين إذا وقعت على الأكل. ويقولون في هذا: (لا بركة في الطعام إذا اشتهى). إلا أن الإلحاح الذي يدعو به المصرّي الأجنبيّ إلى مشاركته الطعام يبين أن الذوق السليم وواجب الضيافة يحتمان عليه قول البسملة. ويبدأ بالأكل رب الدار ثم يتلوه الضيوف مباشرة.
والمصريون لا يستعلمون السكين ولا الشوكة، وإنما يستعملون بدلاً منهما الإبهام وإصبعين من اليمنى. وتستعمل الملاعق لتناول الحساء أو الأرز أو غيرهما من الأصناف التي لا يسهل تناولها بدونها. وقد تستخدم اليدان معاً في أحوال سأذكرها الآن. وفي حالة ما توضع الأطباق جميعها مرة واحدة يغترف كل واحد من أي صنف يشتهيه أو من جميع الأصناف على التعاقب. وعندما يقدم الطعام طبقاً طبقاً يتناول الواحد من الطبق بعضه ثم سرعان ما يرفع ليقدم غيره. ومن الأدب أن تناول صديقك قطعة مختارة. وأرى أن طريقة تناول المصريين والشرقيين طعامهم بالأصابع أرق مما يتصور الأوربيون الذين لم يشاهدوهم أو لم يسمعوا الوصف على حقيقته. فالواحد منهم يأخذ من الخبز قطعة يغمسها في الطبق ثم يرفعها إلى فمه مصحوبة بقطعة صغيرة من اللحم أو غير ذلك من محتويات الطبق، وتكون قطعة الخبز مزدوجة بحيث تحيط بقطعة اللحم الخ ولا يستخدم عادة غير الإبهام والإصبعين الأولين. وإذا تناول شخص قطعة لحم على اللقمة وضعها عادة على رغيفه.
تأليف المستشرق الإنجليزي إدوارد وليم لين
(يتبع)
عدلي طاهر نور
مجلة الرسالة - العدد 440
بتاريخ: 08 - 12 - 1941
أما القهوة فهي تصنع قوية لا تحلى بالسكر ولا تحفف باللبن. وفنجان القهوة صغير لا يسع الكثير منها. وهو من الخزف ولا أذن له. فيوضع في ظرف من الفضة أو النحاس تبعاً لحالة الشراب. وهو يشبه تقريباً في شكله وحجمه ظرف البيض عندنا ولتحضير القهوة يغلي الماء أولاً، ثم يضاف إليه البن بعد أن يحمص ويطحن حديثاً، ويقلب، ثم يعاد وعاؤه على النار مرات حتى تنضج القهوة رويداً رويداً، ثم تصب في الفناجين قبل أن يزول ما تكوّن على سطحها من القشدة ويحب المصريون القهوة الخالصة حباً شديداً، وقلما يضيفون أليها السكر؛ وبعضهم يحليها عندما يشعر بتعب. ولا يضيفون اللبن أو القشدة أبداً ولكن كثيراً ما يضعون فيها الحبهان. وتبخير الفناجين بالمصطكا شائعة. وقد يعطر الأغنياء القهوة بعطر العنبر اللذيذ. والطريقة الشائعة أن يوضع حوالي قيراط من العنبر في وعاء القهوة ويذاب على النار ثم تنضج القهوة في وعاء آخر بالطريقة السابق ذكرها، وبعد قليل تصب في الوعاء الأول (شكل 34) ومن الناس من يستعمل العنبر للسبب نفسه بطريقة مختلفة. فهم يأخذون قيراطين من العنبر بعود صغير يضعونهما في قاع الفنجان ويصبون القهوة بعد ذلك. ومثل هذه الكمية تكفي أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. وهذه الطريقة كثيراً ما يتخذها م يحب لنفسه شرب القهوة معطرة بالعنبر دون ضيوفه. وقد يقدم (بكرج) القهوة موضوعاً على جمر في وعاء من الفضة أو النحاس يسمى (عازقي) شكل 35 ويعلق هذه الوعاء في ثلاث سلاسل. ويقدم الخادم القهوة ممسكاً أسفل الظرف بين الإبهام والسبابة، وعندما يتناول الفنجان والظرف يستعمل كلتا يديه واضعاً شماله تحت يمينه.
وتستعمل مجمرة تسمى (منقلاً) ويسميها العامة (منقداً) من النحاس المبيض بالقصدير ويحرق فيه البخور أحياناً. ويتلذذ المصريون بالعطور تلذذاً عظيما. وكثيراً ما يبخرون غرفهم، وأكثر المواد استعمالاً لهذا الغرض بخور من نوع رديء يسمى (بخور البز) ويستعمل كذلك الجاوي والعود.
وقلما يرى المصري ماشياً أبعد من عتبة داره إذا استطاع أن يقتني ركوبه أو يستأجر حماراً. ولكن القليل من أهل القاهرة والمدن الأخرى من يخاطر باقتناء جياد، معرضاً نفسه إلى الاشتباه في أنه يمتلك أموالاً زائدة تفرض عليها ضرائب ورسوم أشد مما كان سيتحملها بوجه آخر. وتحشى عدة الجواد الحديثة بالقطن وتغطي بالجوخ أو المخمل وتطرز أو تزخرف؛ ويزين اللجام عند الرأس والصدر بشراريب حريرية وقطع نقدية وغيرها من الزخارف الفضية. والعادة أن يركب البغال أغنياء التجار وكبار العلماء، وعدة البغال كعدة الحمير تقريباً وعندما يكون الراكب عالماً تغطي العدة بسجادة، وكذلك قد تكون العدة التي يستعملها النساء بالرغم من شدة الاختلاف بينهما. وتستعمل الحمير في شوارع القاهرة الضيقة المزدحمة. وهناك عدد كبير للكراء. واشتهرت القاهرة من زمن بجودة حميرها، فهي أكبر من حمير بلادنا وأفضل منها في كل ناحية. ويقدر ثمن الحمار الأصيل المدرب بحوالي ثلاثة جنيهات أو أربعة، وقد يزيد بعض الحمير على ثمن الجواد العادي. ويجهز الحمار بعدة محشوة يغطي مقدمها بالجلد الأحمر، ومقعدها بشرائط صوفية ناعمة، ويكون الركاب عالياً دائماً. ويتقدم الراكب خادم أو خادمان ليفسحا الطريق، ويحمل كل منهما (نبوتاً) قابضاً عليه من أسفل رافعاً إياه إلى أعلى. وقد يرافق الراكب للغاية نفسها خادم يجري بجانب الحمار أو أمامه صائحاً في المارة ليخلو الطريق يميناً أو شمالاً. ومع ذلك يجب أن يكون الراكب حذراً فلا يعتمد على خادمه كل الاعتماد لئلا تصرعه أحمال الجمل الكبيرة. وهذه الحوادث قد لا يكون مفر منها في شوارع القاهرة الأكثر ضيقاً والأشد ازدحاماً، وعندما ينزل السيد إلى منزل ما أو دكان ما يملأ الخادم له الشبك ويشعله ويقضي المصري أغلب وقته، إذا لم يكن له عمل منتظم يشغله في الركوب والزيارة، أو شراء حوائجه، أو في التدخين أو شرب القهوة كثيراً وعلى مهل، أو في التحدث مع الأصدقاء في المنزل، أو التنعم بترف الحمام ساعة أو أكثر صباحاً. وفي الظهر عليه أن يؤدي الصلاة إذا كان يقوم بفروضه الدينية، إلا أنني لاحظت أن القليل من المصريين نسبياً قد لا يهمل هذه الفروض، وأن هناك كثيرين يندر أن يقيموا الصلاة أبداً. وبعد الظهر مباشرة (إذا لم يكن فطوره متأخراً) يتناول غداء خفيفاً ثم يأخذ الشبك والقهوة. وعندما تشتد حرارة الجو لا يمنع نفسه من القيلولة. وكثيراً ما ينسحب ليستريح في الحريم حيث تراعي زوجته أو جاريته راحته أو تدلك له قدميه؛ وحينئذ، أو عندما يرغب في الخلوة يقول الخادم للزائرين إن السيد في الحريم، فلا يستدعيه أحد إلا إذا كان لعمل ضروري. وهو يتمتع مرة أخرى بين صلاة العصر إلى الغروب بالتدخين والقهوة بمصاحبة أصدقائه في المنزل أو في الخارج. وبعيد غروب الشمس يتناول عشاءه.
ويجب على الآن أن أصف وجبتي (الغدا) و (العشا) وكيفية تناولهما ونظامهما. ولم ألاحظ فرقاً بينهماً، غير أن وجبة العشاء هي الأهم. والعادة أن يجهز الطعام في العصر، وما يفضل بعد وجبة العشاء يقدم أثناء وجبة الغداء في اليوم التالي إذا لم يكن بالمنزل ضيوف. وعلى العموم يتناول رب الدار طعامه مع زوجته أو زوجاته وأطفاله. إلا أن كثيراً من الرجال وعلى الأخص رجال الطبقة العليا، يمنعهم كبرياؤهم أو يشغلهم ارتباطهم بمجتمعاتهم عن تناول الطعام مع العائلة، إلا في بعض المناسبات القليلة، وحتى بعض رجال الطبقة السفلي يندر أن يأكلوا مع زوجاتهم وأولادهم. ويجب على رب الدار عندما يكون في منزله صديق له أن يأمر بإحضار الطعام في وقته وهذا لابد منه إذا كان الضيف أجنبياً.
ويغسل كل شخص يديه، وفمه أحياناً، بالصابون والماء قبل أن يتناول الطعام، أو على الأقل يصب على يده اليمنى بعض الماء (أنظر شكل 36) وبحضور الخادم لذلك طستاً وإبريقاً من النحاس الأبيض أو النحاس الأصفر. وللطست غطاء به عدة ثقوب، وفي وسطه نتوء لوضع الصابون، فيمر الماء عند الغسيل خلال هذه الثقوب إلى داخل الطست بحيث إذا قدم هذا إلى شخص آخر لا يرى الماء القذر، ويعطي لكل فوطة.
والمائدة صينية مستديرة من النحاس المبيض، أو من النحاس الأصفر أحياناً، قطرها بين قدمين أو ثلاث أقدام. وتوضع على كرسي ارتفاعه حوالي خمس عشرة بوصة. ويصنع الكرسي من الخشب وقد طعم بالصدف أو الباغة أو العظم الخ.
فالصينية والكرسي يكونان السفرة (أنظر شكل 37) وتوضع على الصينية أرغفة الخبز المستديرة التي سبق وصفها، كاملة أو مقطعة أنصافاً. ويصف معها حول الصينية أنصاف من الليمون لتعصر على المأكولات التي قد تحتاج إلى الحامض، وملعقة من خشب البقس أو الأبنوس أو الباغة لكل آكل. وكثيراً ما يستعمل الخبز بدل الصحون. وبعد ذلك توضع أطباق اللحوم والخضر على اختلاف أنواعها، جميعها مرة واحدة مرة واحدة تبعاً للعادة المصرية أو طبقاً طبقاً حسب الطريقة التركية. وهذه الأطباق تكون من النحاس المبيض أو الخزف.
ويجلس الآكلون على الأرض حول الصينية وعلى ركبتي كل منهم فوطته. أما إذا وضعت الصينية بجانب ديوان منخفض فيجلس البعض على الديوان والآخرون على الأرض. ولكن عندما يكثر العدد توضع الصينية في وسط الغرفة ويجلس الجميع حولها واضعين إحدى ركبتيهم على الأرض والأخرى (اليمنى) قائمة. وهذا هو الوضع المستحسن أثناء تناول الطعام (أنظر شكل 38) وبهذه الطريقة يستطيع اثنا عشر شخصاً أن يجلسوا حول صينية سعتها ثلاث أقدام. ويشمر كل شخص عن ذراعه اليمنى حتى الكوع أو ما تدلى من كمه. وقبل أن يشرع أحد في الأكل يسمى باسم الله بصوت منخفض ظاهر ويبدأ رب الدار بالبسملة. ويعتبر هذا ملاطفة منه ودعوة إلى المدعوين لتناول الطعام. وعلى من يقال له بسم الله أو تفضل أن يقول إذا رفض الدعوة (هنيئاً) أو ما شابه ذلك. وقد يكون ذلك أيضاً خشية شر العين إذا وقعت على الأكل. ويقولون في هذا: (لا بركة في الطعام إذا اشتهى). إلا أن الإلحاح الذي يدعو به المصرّي الأجنبيّ إلى مشاركته الطعام يبين أن الذوق السليم وواجب الضيافة يحتمان عليه قول البسملة. ويبدأ بالأكل رب الدار ثم يتلوه الضيوف مباشرة.
والمصريون لا يستعلمون السكين ولا الشوكة، وإنما يستعملون بدلاً منهما الإبهام وإصبعين من اليمنى. وتستعمل الملاعق لتناول الحساء أو الأرز أو غيرهما من الأصناف التي لا يسهل تناولها بدونها. وقد تستخدم اليدان معاً في أحوال سأذكرها الآن. وفي حالة ما توضع الأطباق جميعها مرة واحدة يغترف كل واحد من أي صنف يشتهيه أو من جميع الأصناف على التعاقب. وعندما يقدم الطعام طبقاً طبقاً يتناول الواحد من الطبق بعضه ثم سرعان ما يرفع ليقدم غيره. ومن الأدب أن تناول صديقك قطعة مختارة. وأرى أن طريقة تناول المصريين والشرقيين طعامهم بالأصابع أرق مما يتصور الأوربيون الذين لم يشاهدوهم أو لم يسمعوا الوصف على حقيقته. فالواحد منهم يأخذ من الخبز قطعة يغمسها في الطبق ثم يرفعها إلى فمه مصحوبة بقطعة صغيرة من اللحم أو غير ذلك من محتويات الطبق، وتكون قطعة الخبز مزدوجة بحيث تحيط بقطعة اللحم الخ ولا يستخدم عادة غير الإبهام والإصبعين الأولين. وإذا تناول شخص قطعة لحم على اللقمة وضعها عادة على رغيفه.
تأليف المستشرق الإنجليزي إدوارد وليم لين
(يتبع)
عدلي طاهر نور
مجلة الرسالة - العدد 440
بتاريخ: 08 - 12 - 1941