كثير من الكتاب والشعراء المصريين الجدد لا يعرفون الراحل إبراهيم منصور، ربما مجرد الاسم، ربما صورته الشهيرة بالذقن الأشهر، والتي جعلته أقرب إلى هيمنغواي مصر، كان منصور ركناً أساسياً في الحياة الثقافية، وفي مقدمة صفوف الحركة الوطنية في الاحتجاجات الكبرى.
كان منصور يؤمن بالتعددية، وسمح لكثير من المثقفين في كثير من المرات التي اجتمعوا فيها من أجل موقف معين، كما حدث في أزمة الروايات الثلاث، أن يعبروا عن أرائهم، لكن الكلمة الأولى والأخيرة كانت له دائماً. هل كان ديكتاتوراً؟ الاحترام الذي كنه له الجميع جعله يفرض إرادته عليهم. اختلف المثقفون مرة أين يقيمون اعتصامهم للمطالبة بطرد السفير الصهيوني من القاهرة؟ كثيرون اقترحوا "نقابة الصحافيين"، لكنه حسمها: "نقابة المحامين"، هناك كان يجلس في الباحة الرئيسية، وحوله يتحلق الجميع، يشير بإصبعه إلى أحدهم ليبدأ الحديث، ثم يعقب على كلامه بالسخرية في الأغلب، قلائل كانوا ينجون من سخريته، وأنت لا يمكنك أن تعترض أبداً، وإلا ستجد نفسك في معضلة حقيقية.
في أثناء ذلك الاعتصام منذ سنوات، حاول الناشر محمد هاشم أن يتحدث، وقال له إبراهيم: "أنا أحاول الحديث منذ ساعة وأنت تقاطعنى، أريد أن أتحدث دقيقة يا أخى. حرام عليك"، قالها متطلعاً في وجوه الجميع شخصاً شخصاً راسماً ابتسامة ساخرة كبيرة على شفتيه، ثم كرر جملته كثيراً، لدرجة أن هاشم قفز باتجاهه مقبلاً رأسه. في الحقيقة لم يقاطعه هاشم إطلاقاً، بل إنه لم يتحدث أبداً، ولكن كانت هذه طريقته في فرض إرادته. أيضاً في دار "ميريت" كان واحداً من مؤسسي السلاسل التي صدرت بها تباعاً، وكان الناقد محمد بدوي متحمساً لنشر مجموعة قصصية جديدة للكاتب الراحل محمد البساطي، وقال هذا بصوت عال في الدار، فنظر إليه منصور قائلاً بحزم ممتزج بالسخرية: "لا.. ترجمة كتاب نعوم تشومسكي هي ما سيصدر أولاً، أنا قررت ذلك"، كانت المعارضة في مواجهته تبدو شكلانية تماماً.
اختلفوا أيضاً مرة حول اسم الكاتب الشاب الذي سيلقي كلمة شباب الكتاب في احتفالية نقابة الصحافيين بصنع الله إبراهيم بعد رفضه جائزة مؤتمر القاهرة، واتفق الحاضرون على اسم شخص معين، ولكنه فاجأهم باختيار اسم شخص آخر. قال ببساطة: "فلان ولا مناقشة"، فضحك الحاضرون. أبناء جيل الستينيات الذين نشرلهم في مجلة "غاليري 68" كانوا يعملون له ألف حساب، جمال الغيطاني كان يتصل به كثيراً ليستشيره فيما سيكتبه بأحد مقالاته. كانوا يكنون له حباً عميقاً، ليس له علاقة بمناصب هو الذي عاش حياته دائماً بعيداً عن الرسميات، وهو في مقابل ذلك كان حارساً حقيقياً لهم. في إحدى المرات بدأ أحد الكتاب في كيل السباب للكاتب الكبير الراحل إبراهيم أصلان، في غيابه طبعاً، سباب في مجمله يتمحور حول تعليم أصلان المتوسط، ولكن منصور قاطعه، وأعطاه درساً في الأخلاق، واحترام الكبار، كان يتحدث بانفعال شديد وبصوت عال جداً، وأمام ذلك طأطأ الكاتب رأسه قبل أن ينهض مغادراً المكان للأبد، وكان منصور أيضاً ساخراً كبيراً لم يسلم منه الستينيون أنفسهم، أحدهم كان يتحدث عن أصوله التركية، وصورة جده التركي التي يعلقها في صدر بيته، ولكن منصور قال لكل من قابلهم بعد ذلك إنه ذلك الكاتب اشترى تلك الصورة من سور الأزبكية، واكتشف فيما بعد أن الصورة لأحمد عرابي!
إبراهيم منصور هو أحد أبرز كتاب جيل الستينات في مصر، أحد مؤسسى مجلة "غاليري 68" قاد احتجاجات المثقفين المصريين ضد زيارة الرئيس السادات إلى القدس في العام 1977، وقاد تظاهرة الاحتجاج على اغتيال غسان كنفاني ولعب الدور الرئيس في صياغة بيان 1972 المعروف باسم بيان توفيق الحكيم المؤيد للحركة الطلابية المصرية وترك الراحل مجموعة من القصص القصيرة نشرها في الستينيات، وأبرزها قصته الشهيرة"اليوم 24 ساعة"، إضافة الى كتاب صدر في بيروت بعنوان "الازدواج الثقافي والمعارضة المصرية" وكتاب آخر مترجم عنوانه: "ماذا حدث في كامب ديفيد؟".
كان منصور يؤمن بالتعددية، وسمح لكثير من المثقفين في كثير من المرات التي اجتمعوا فيها من أجل موقف معين، كما حدث في أزمة الروايات الثلاث، أن يعبروا عن أرائهم، لكن الكلمة الأولى والأخيرة كانت له دائماً. هل كان ديكتاتوراً؟ الاحترام الذي كنه له الجميع جعله يفرض إرادته عليهم. اختلف المثقفون مرة أين يقيمون اعتصامهم للمطالبة بطرد السفير الصهيوني من القاهرة؟ كثيرون اقترحوا "نقابة الصحافيين"، لكنه حسمها: "نقابة المحامين"، هناك كان يجلس في الباحة الرئيسية، وحوله يتحلق الجميع، يشير بإصبعه إلى أحدهم ليبدأ الحديث، ثم يعقب على كلامه بالسخرية في الأغلب، قلائل كانوا ينجون من سخريته، وأنت لا يمكنك أن تعترض أبداً، وإلا ستجد نفسك في معضلة حقيقية.
في أثناء ذلك الاعتصام منذ سنوات، حاول الناشر محمد هاشم أن يتحدث، وقال له إبراهيم: "أنا أحاول الحديث منذ ساعة وأنت تقاطعنى، أريد أن أتحدث دقيقة يا أخى. حرام عليك"، قالها متطلعاً في وجوه الجميع شخصاً شخصاً راسماً ابتسامة ساخرة كبيرة على شفتيه، ثم كرر جملته كثيراً، لدرجة أن هاشم قفز باتجاهه مقبلاً رأسه. في الحقيقة لم يقاطعه هاشم إطلاقاً، بل إنه لم يتحدث أبداً، ولكن كانت هذه طريقته في فرض إرادته. أيضاً في دار "ميريت" كان واحداً من مؤسسي السلاسل التي صدرت بها تباعاً، وكان الناقد محمد بدوي متحمساً لنشر مجموعة قصصية جديدة للكاتب الراحل محمد البساطي، وقال هذا بصوت عال في الدار، فنظر إليه منصور قائلاً بحزم ممتزج بالسخرية: "لا.. ترجمة كتاب نعوم تشومسكي هي ما سيصدر أولاً، أنا قررت ذلك"، كانت المعارضة في مواجهته تبدو شكلانية تماماً.
اختلفوا أيضاً مرة حول اسم الكاتب الشاب الذي سيلقي كلمة شباب الكتاب في احتفالية نقابة الصحافيين بصنع الله إبراهيم بعد رفضه جائزة مؤتمر القاهرة، واتفق الحاضرون على اسم شخص معين، ولكنه فاجأهم باختيار اسم شخص آخر. قال ببساطة: "فلان ولا مناقشة"، فضحك الحاضرون. أبناء جيل الستينيات الذين نشرلهم في مجلة "غاليري 68" كانوا يعملون له ألف حساب، جمال الغيطاني كان يتصل به كثيراً ليستشيره فيما سيكتبه بأحد مقالاته. كانوا يكنون له حباً عميقاً، ليس له علاقة بمناصب هو الذي عاش حياته دائماً بعيداً عن الرسميات، وهو في مقابل ذلك كان حارساً حقيقياً لهم. في إحدى المرات بدأ أحد الكتاب في كيل السباب للكاتب الكبير الراحل إبراهيم أصلان، في غيابه طبعاً، سباب في مجمله يتمحور حول تعليم أصلان المتوسط، ولكن منصور قاطعه، وأعطاه درساً في الأخلاق، واحترام الكبار، كان يتحدث بانفعال شديد وبصوت عال جداً، وأمام ذلك طأطأ الكاتب رأسه قبل أن ينهض مغادراً المكان للأبد، وكان منصور أيضاً ساخراً كبيراً لم يسلم منه الستينيون أنفسهم، أحدهم كان يتحدث عن أصوله التركية، وصورة جده التركي التي يعلقها في صدر بيته، ولكن منصور قال لكل من قابلهم بعد ذلك إنه ذلك الكاتب اشترى تلك الصورة من سور الأزبكية، واكتشف فيما بعد أن الصورة لأحمد عرابي!
إبراهيم منصور هو أحد أبرز كتاب جيل الستينات في مصر، أحد مؤسسى مجلة "غاليري 68" قاد احتجاجات المثقفين المصريين ضد زيارة الرئيس السادات إلى القدس في العام 1977، وقاد تظاهرة الاحتجاج على اغتيال غسان كنفاني ولعب الدور الرئيس في صياغة بيان 1972 المعروف باسم بيان توفيق الحكيم المؤيد للحركة الطلابية المصرية وترك الراحل مجموعة من القصص القصيرة نشرها في الستينيات، وأبرزها قصته الشهيرة"اليوم 24 ساعة"، إضافة الى كتاب صدر في بيروت بعنوان "الازدواج الثقافي والمعارضة المصرية" وكتاب آخر مترجم عنوانه: "ماذا حدث في كامب ديفيد؟".