ربما كانت أولى حركات الشباب في هذا القرن حركة الفتيان الكشافة التي ذاعت بين جميع الأمم. وقد تناولت الصبيان إلى سن الشباب وملأت حياتهم صحة أجسامهم وخدمة لبلادهم وثقافة فيما يتصل بحياة الخلاء والتجوال. ثم ظهرت حركة أخرى بين الشباب هي الحركة الفاشية وقد اتخذت منذ بدايتها لونا سياسيا وطنيا. واستطاعت هذه الحركة، على الرغم من عيوب فيها، أن تقوم بالمعجزات في إيطاليا لرفعة الوطن. وظهرت منذ نحو ست سنوات حركة الفتيان الجوالة، وكان منشأها في ألمانيا حيث يخرج الفتى ومعه القليل من الملابس فيجول في أنحاء ألمانيا ويقضي الليل في مأوى ريفي صغير لا يكلفه نوما وفطور اكثر من خمسة قروش. وما يزال في هذا التجوال يزور المدن والقرى والجبال والسهول بضعة اشهر يرى فيها أنحاء ألمانيا فيعرف بلاده معرفة الخبير الذي عاين احسن ما فيها ويحبها لذلك اكثر ويزداد أمانة في خدمتها. وقد فشت عندنا نحن في السنوات الثلاث الماضية حركة أخرى بين الشباب انطبعت بطابع الحاجات الاقتصادية. فقد رأينا أننا مغبونون أمام الأجانب، في التجارة والصناعة، وأننا من الفاقة بحيث أصبح مزارعونا مثقلين بالديون، وان البلاد كلها تعيش بالزراعة وتكاد تجهل الصناعة. وكان شعورنا بالوطنية الاقتصادية ضعيفا، حتى أننا في إحدى السنوات القريبة الماضية اشترينا من الأطعمة ما بلغ ثمنه سبعة ملايين من الجنيهات، وهذا في بلاد زراعية كان عليها على الأقل أن تكفي نفسها طعاما إن لم تصدر ما يفيض منه إلى الخارج. لذلك ما كادت الصيحة إلى إيثار المصري على الأجنبي تعلن إلى الشباب حتى أخذها هؤلاء وجعلوا منها شعلة لن تنطفئ. فرأينا جمعية المصري للمصري ثم مشروع القرش ثم جمعية الاستقلال الاقتصادي ثم مشروع القرش ثم يوم عيد الوطن الاقتصادي. وهذا التنبيه العام إلى الصناعة والتجارة المصريتين يعزى الفضل فيه إلى شبابنا. هؤلاء الشباب الذين يجب على كل منهم أن يكون رقيبا على ثروة البلاد، يراقب نفسه أولا لا يأكل هو نفسه سوى الأطعمة المصرية، ولا يلبس سوى الأقمشة المصرية، ولا يؤثث بيته إلا بالأثاث المصري. وقد نحتاج إلى بعض البضائع الأجنبية ولكن يجب علينا عندئذ ألا نشتريها إلا من التاجر المصري، ثم بعد ذلك يراق غيره حتى يكون داعية للصناعة المصرية فينصح لأصدقائه ويطلب من زعمائه أن يتخذوا الملابس المصرية.
وعيد الوطن الاقتصادي هو يوم نخصه للدعاية. ولسنا نعتقد أن في البلاد خصما واحدا لهذه الدعاية التي يقوم بها شبابنا لكن يكسبونا كرامة اقتصادية ما أعظم حاجتنا إليها في هذه الأيام السود التي تباع ممتلكات الفلاح فيها بيع السماح بل بيع الجبر في سوق الدلالة.
سلامة موسى
مجلة الرسالة - العدد 21
بتاريخ: 15 - 11 - 1933
وعيد الوطن الاقتصادي هو يوم نخصه للدعاية. ولسنا نعتقد أن في البلاد خصما واحدا لهذه الدعاية التي يقوم بها شبابنا لكن يكسبونا كرامة اقتصادية ما أعظم حاجتنا إليها في هذه الأيام السود التي تباع ممتلكات الفلاح فيها بيع السماح بل بيع الجبر في سوق الدلالة.
سلامة موسى
مجلة الرسالة - العدد 21
بتاريخ: 15 - 11 - 1933