داخل هذا التصور، يمكن تفسير شبكة العلائق الاجتماعية التي تكوّن العالم الروائي، وموقفها من السياسة والدين والمجتمع. أما الجنس في أعمال محمد زفزاف الروائية، فيستحق وقفة خاصة لأنه يشكل نقطة التقاء محورية بين معظم الروايات، كما يشكل علامة لها دلالتها الخاصة في الموقف من العالم، بكل المستويات الغريزية والعاطفية، وارتباط هذه المستويات بشبكة العلائق الأخرى.
يبدو أن التجربة الروائية عند الكاتب قد انطلقت مع "أرصفة وجدران" برغم أن "المرأة والوردة" كانت أسبق إلى النشر.
تأتي أهمية الأعمال الروائية لمحمد زفزاف، من كونها قد حققت نوعاً من التراكم في التجربة الروائية المغربية، فلقد أصدر هذا الكاتب بين سنة 1972 و1984 ست روايات هي على التوالي: المرأة والورد – أرصفة وجدران – قبور في الماء – الأفعى والبحر – محاولة عيش – بيضة الديك*.
تتجلى دلالة هذا التراكم، في حرص الكاتب على أن يرتاد مجال الكتابة الروائية، محاولاً تحقيق نوع من التطور في مفهومه للكتابة ورؤيته للعالم، فهو من جهة، قد استطاع أن يرسخ أسلوبه المتميز، وأن يجعل رواياته تعكس تكرارية بعض المضامين والنماذج الاجتماعية، كما استطاع في بعض رواياته أن يكسر هذه التكرارية باقتحام فضاءات جديدة، رغم أن مسار تجربته الروائية قد عرف بعض الانكسارات من خلال روايات ضعيفة فنياً.
إلا أن ما يهم الدار هو استمرارية الحضور الروائي لهذا الكاتب، ورصد مؤشرات وعلامات هذه الاستمرار، سيما وأن لروايات محمد زفزاف سماتها الخاصة في مجال الرواية المغربية، فهو لم يتجه نحو استعادة بعض تجليات الحركة الوطنية من خلال رواية الحقبة كما فعل روائيون مغاربة آخرون (7)، ولكنه كروائي ينتمي إلى جيل الاستقلال، قد ارتبط ببعض مظاهر التحول الاجتماعي والسياسي للبلاد، ومن خلال نماذج اجتماعية تعبر عن أزمة المثقف داخل مجتمع متخلف، أو أخرى شعبية مقهورة ومحكومة بسلطة السياسة وسلطة التقاليد الاجتماعية، مع أن الكاتب يرصد هذه النماذج من زاويته الخاصة، ومن مفهومه الخاص لمظاهر الصراع الاجتماعي، وبذلك فالكتابة تمتلك رؤيتها الخاصة للعالم، وهي رؤية وإن تمظهرت بالطابع الانتقادي فهي تستحق الكثير من النقاش، ذلك أن الرؤية السياسية الانتقادية في بعض الروايات، تتحقق من خلال خطاب فوقي يلقيه السارد، ولا تمارسه الشخوص الروائية كسلوك يومي من خلال فعل التغيير، ولعل هذه الشخوص وهي تنتقد الأوضاع، إنما تقع في تكريسها بتوجهها السلبي العدمي أو إغراقها في الجنس والحشيش كل مظاهر التفسخ التي تبرر نفسها بالتحرر من عقدة الأخلاق والتقاليد. من هنا فإن نقد البورجوازية هو نقد قائم على أساس المفارقة الاجتماعية من منظور يعكس أزمة المثقف، ولا يرقى إلى مستوى الصراع الطبقي.
داخل هذا التصور، يمكن تفسير شبكة العلائق الاجتماعية التي تكوّن العالم الروائي، وموقفها من السياسة والدين والمجتمع. أما الجنس في أعمال محمد زفزاف الروائية، فيستحق وقفة خاصة لأنه يشكل نقطة التقاء محورية بين معظم الروايات، كما يشكل علامة لها دلالتها الخاصة في الموقف من العالم، بكل المستويات الغريزية والعاطفية، وارتباط هذه المستويات بشبكة العلائق الأخرى.
يبدو أن التجربة الروائية عند الكاتب قد انطلقت مع "أرصفة وجدران" برغم أن "المرأة والوردة" كانت أسبق إلى النشر.
جاءت "أرصفة وجدران" لتحمل معها الموقف الوجودي العدمي من العالم، من خلال "بومهدي" الطالب الجامعي الذي يدرس الفلسفة. تعلن الرواية عن الموقف من المرأة، ومن الكتب واضرابات الطلاب ومن الحياة نفسها، حيث تعبر الشخصية الروائية عن كونها تعيش الغربة والاغتراب في الواقع (8).
إلا أن الجنس والحشيش والرغبة في اكتشاف الغرب، واختراق محرمات مجتمع "الطابو" المغربي، هي الموضوعة الكبرى في رواية "المرأة والوردة"، ونلاحظ أن هذه الموضوعة سوف تستمر وتتنامى بتفاصيل حكائية مختلفة في "الأفعى والبحر" على أن "قبور في الماء"، و"محاولة عيش" تشكلان منعطفاً في تجربة الكاتب التي ارتبطت بنموذج المثقف البورجوازي ومنظوره "الانتقادي" للعالم، ويتجلى هذا المنعطف في اختيار الكاتب لشخصيات تنتمي إلى الطبقة الشعبية؟ ففي "قبور في الماء" يواجه سكان قرية المهدية وبصورة جمعية غرق أحد مراكب الصيد والمطالبة بالدية، وهم بذلك، يواجهون "العياشي" صاحب المركب، والسلطة المتمثلة في القائد. لكن هذه المواجهة لا تعنف إلى مستوى تصعيد الصراع، عندما يقنع السكان بالزردة التي يقيمها العياشي ترحماً على الغائبين. وأيضاً فإن "حميد" في "محاولة عيش"، يواجه وبصورة فردية مجتمع السماسرة والمهربين ورجال الجمارك والسكارى الليليين، وعاهرات الحانات والجنود الأمريكيين وطقوس العائلة، وباكتشاف هذا العالم، والصراع من أجل العيش، تكون الرواية قد تدرجت في تقديم الملامح العامة للبيئة والنموذج الاجتماعي، وبذلك تتميز، داخل منحى الكتابة الواقعية عند محمد زفزاف، بكونها قد رصدت سيرورة حياة بكاملها ومن النشأة والحصول على العمل (بيع الجرائد) إلى الزواج والفشل. بينما نلاحظ، أن روايات الكاتب السابقة، تكتفي برصد فترة زمنية قصيرة من حياة الشخصيات الأساسية.
إلا أن "بيضة الديك" تبدو أكثر نضجاً في تلمسها للخلفيات الاجتماعية والسياسية التي تؤطر حياة نماذجها الروائية، حيث تصبح هذه الحياة مسرودة بضمير المتكلم، ومن منظور التجربة الشخصية التي عاشتها نماذج الرواية الأساسية.
تتنامى تجربة الكاتب الروائية، كما لاحظنا، انطلاقاً من الموقف السلبي العدمي من العالم، نحو تصعيد هذا الموقف إلى القضايا السياسية والاجتماعية التي "تهم البلاد".
ومن وجهة نظر سبق أن وصفناها بالخطاب الفوقي، إلى جانب التقاء هذا الموقف بالنزوع نحو التعبير عن القضايا الجنسية والغريزية التي يحاول النص الروائي، أن يوهمنا من خلال طرحها وبوسائط إباحية، بأنه يقف ضد الأخلاق الاجتماعية السائدة، كما أنه يسعى إلى تفجير طاقات الفرد وتحريره من الكبت والإحباط. إن هذه المواقف الثلاثة، هي ما يشكل نقط الارتكاز الأساسية في أعمال محمد زفزاف الروائية.
ولقد رأينا كيف أن عالم الرواية، ينبني على رصد المواقف الاجتماعية والسياسية والثقافية، من خلال شخصية واحدة مركزية أو من خلال تعدد الشخصيات الجمعية التي تسهم في بلورة الموقف من العالم.
كما أن تجربة الكاتب، قد تراوحت بين التعبير عن المأزق الفردي البورجوازي الصغير، كمثقف، وبين الانفلات نحو ملامسة الهموم الاجتماعية عند نماذج شعبية ترتبط بفضاء مغاير (القرية) (الحي القصير).
ونلاحظ أن هذا التباين، قد ساعد الكتابة الروائية على الخروج من تكرار بنياتها الدلالية الأساسية، برغم تنوع الحكاية، وبين رواية وأخرى، إلا أن العالم الروائي عند الكاتب، قد ظل مرتبطاً ببعض "التيمات" الأساسية التي تشكل محور الكتابة، كالجنس ونقد السلطة والبورجوازية، ومن المنظور الكتابة نفسها.
وأيضاً، فإن معظم الروايات، حتى وإن كانت تتمحور حول بعض المضامين الشعبية، تحيلنا على الثقافي، سواء من خلال التعابير التي يستخدمها السارد، أو تستخدمها الشخصيات، أو بواسطة الإشارات الثقافية إلى الكتب والروايات وأسماء الأدباء.
كما نلاحظ حرص الأعمال الروائية التي كتبها محمد زفزاف على تشغيل شخصيات أجنبية داخل سيرورة الأحداث وتوجه تفاصيلها ورؤيتها للعالم. أما ما يفسر هذه الظاهرة، هو رغبة الشخصيات الروائية في وجود توافق اجتماعي خارج البنية المتمعية التقليدية، والتطلع إلى تحرر كامل لا يحقق نموذجه إلا في الغرب.
مع ذلك، فـ "رجولية" المنظور الاجتماعي للمرأة، تظل مهيمنة على مواقف الشخصيات "الذكورية" في إطار تحقيق أناتها الخاصة، حيث ترغب في تحرير ذاتها من القيم الأخلاقية، ولكن نظرتها للمرأة، تظل نظرة أخلاقية (9).
ومن ثم فالرجل، يمارس على المرأة نقداً أخلاقياً عندما تمارس الخيانة على الزوج والصديق، أما هو كرجل، فيريد أن يتحرر من عقد وأخلاقيات المجتمع.
هكذا يتحقق حضور المرأة في العالم الروائي، وهي محاصرة برغبات الرجل الجنسية، ومتهمة بالخيانة ولذلك نلاحظ تعدد النماذج النسائية المتهمة بالخيانة في المستوى الكمي للروايات، بدءاً من "أرصفة وجدران" إلى "بيضة الديك". أن الخيانة تكتسي طابعاً خاصاً، عندما ترتبط في تصور الشخصية الروائية بنقد التفسخ البورجوازي، كما هو الحال في "الأفعى والبحر".
وكظلال لشخصية الكاتب في الأعمال الروائية، نلاحظ حضور "الكاتب" في بعض الروايات. ففي "المرأة والوردة" نرى أن محمداً يطرح في نهاية الرواية مشروعه ليكون كاتباً، بعد إخفاق محاولة تهريب الحشيش، التي اشترك فيها. كما نلاحظ هاجس الكتابة عند سليمان في "الأفعى والبحر". أما في بيضة الديك، فنرى حضور الكاتب كشخصية روائية، تسهم في الفعل الروائي، وهناك إشارات أخرى تجعل "الكاتب" يحضر بشكل أو بآخر، وهو عموماً، حضور لا يوازي عملية الكتابة نفسها، ولا يعطي للنص الروائي إمكانية مساءلة ذاته وطرح أسئلة الكتابة من الداخل.
روايات قصيرة تشغل البياض بما يقارب المائة صفحة في المتوسط.. وهي بهذا الحجم، لا تسمح للأحداث بأن تنمو وتتسع، ومن المفترض، أن يفرض عليها هذا الحجم نوعاً من الاقتصاد والتركيز. إلا أن ما يلاحظ هو اعتماد الروايات على الطابع الحواري، وتعلقها ببعض التفاصيل التي لا تخدم البنية الحكاية. على أن هذه الملاحظة تتعلق بحدة، بروايات من دون أخرى، وسوف تتضح بصورة أكثر، مع دراسة السرد، وتحليل مكوناته الحكائية.
على أن السارد وهو يسرد الأحداث، سواء عندما يتقدم بها في خط تصاعدي، أم حين يوجهها نحو الماضي، فإنه لا يهتم بتشكيل الفضاء الروائي، الأحداث مسرودة بكلياتها وتفاصيلها الجزئية، وهذا ما يتكون منه العمل الروائي. أما الوصف، فغالباً ما يكون متداخلاً مع السرد. وإذا كان البحر يشكل نقطة التقاء مكانية بين روايات عدة، فإنه يظل بعيداً عن أي حضور في تلك الروايات، حتى وإن تعلق الأمر بوظيفة التزيينية، لأنه يكون خلفية خارجية لا يمسها الوصف. تقع بعض الأحداث في الشاطئ، كما هو الحال في "المرأة والوردة" و"الأفعى والبحر"، وتتمحور "قبول في الماء" حول غياب مجموعة من الصيادين بعد غرق المركب، إلا أن البحر، سواء بعالمه ورموزه، أم بمكوناته الخارجية، يظل غائباً في هذه الروايات، لأنها تهتم بالحكاية، ولا تهتم بمكونات الفضاء الروائي.
ويمكن أن تعم هذه الملاحظة على الأعمال الروائية التي كتبها محمد زفزاف، حيث يصبح المكان مجرد خلفية خارجية ومن دون أن يشكل سلطة قائمة بذاتها. وإذا كانت الحكاية تستعمل الأفعال، والوصف يستعمل النعوت، فإنه بهذا المستوى المورفولوجي متحقق في كتابات زفزاف الروائية، لكنه لا يرقى إلى مستوى الاشتغال داخل الحكاية، ليؤكد علاقته السيميائية (19)، وترميزه للفضاء الروائي.
إننا نفكر في كون هذه الملاحظات تحتاج إلى دراسة تفصيلية تنطلق من المتن الروائي، ولكننا نسوقها هنا بعجالة كتقديم لدراسة السرد الروائي.
الأفعى والبحر
تتمحور رواية "الأفعى والبحر" حول شخصية أساسية هي "سليمان"، حيث يأتي من مدينة الدار البيضاء إلى مدينة صغيرة تقع على البحر، لقضاء العطلة عند خالته "حليمة". ولا شك أن هذه البنية الحكائية (قضاء فترة في مدينة شاطئية) تتكرر بين "المرأة والوردة" و"الأفعى والبحر" حيث تنتقل الشخصية المركزية من محيطها الأصلي، بما تحمل عنه من ذكريات، إلى فضاء آخر: مدينة صغيرة وشاطئ وامرأة، وهو عنصر يتشابه في بعض جوانبه في الروايتين.
تتكون الرواية من عشرة فصول مرقمة، على عادة الرواية الواقعية التقليدية، إلى التعريف بالشخصيات الأساسية، إذ نلاحظ منذ الصفحة الأولى من الرواية، أنها تشير على خصوصية شخصية "سليمان"، الذي لم يكن عادياً كأختيه: "لم يكن سليمان يشبه أختيه في شيء، فقد كانتا عاديتين إلى حد بعيد..." (11). نعرف أنه طالب "قضى سنة طويلة في الدراسة" (12)، وهو "لا يحب الحركة وإنما السكون" (13)، ويقضي وقته في المطالعة: "إنك تقضي وقتك كله كما أعرف في مطالعة الكتب والنظر البعيد، حتى أني أعتقد أحياناً أنك ستفقد عقلك" (14). كما أن السارد يقدم جوانب من شخصية سليمان من خلال علاقته بثرياً: "ولم يكن سليمان يهتم إلا بخصائص قليلة في المرأة تميزها.
وكانت ثرياً من ذلك النوع من النساء الذي يثير اهتمام شخص مثله لأنه صعب وغير مفهوم إطلاقاً من طرف نوعية خاصة من النساء أنهن ينظرن إليه إما كأب صغير أو ابن كبير لهن. ولم يكن هو يحب ذلك. أما ثريا فيشعر أنها لا تعتبره هذا ولا ذاك، أنها تلائمه، ولا تشبه الأخريات. ولعل ما شده إليها، انطواؤها على نفسها، وعزوفها عن الناس والعالم، واهتمامها فقط بالكتب، الشيء الذي يجعلها تقترب من اهتماماته الخاصة. لكن هو، كان يحب السكون الكامل والخلود إلى الهدوء والانطواء" (15) تتولى الأحداث التفصيلية، لتكشف عن شخصية سليمان، ومن خلال علاقته الجديدة بالمدينة الصغيرة الشاطئية، التي جاء ليقضي بها عطلة الدراسة. وسنرصد تفاصيل هذه الأحداث.
تُكتب الرواية بضمير الغائب. والسارد يسرد الأحداث انطلاقاً من لحظة وصول سليمان إلى المدينة الشاطئية الصغيرة، وحتى دخوله في شبكة من العلاقات الجديدة كما ذكرنا.
وإذن فهناك زمن الذاكرة، ويتمثل في استرجاع سليمان لعلاقته بثريا الغائبة، والتي لم تلتحق به لقضاء العطلة معه، وزمن التفاصيل السردية اليومية، التي تتحقق في بيت الخالة، المقهى، الشاطئ، بيت سوسو، بيت الشابات الأجنبيات، والخلاء الذي يشهد حفلة رقص ليلية. تظل الدار البيضاء مكاناً لأحداث الذاكرة، بينما تتحرك الأحداث المتنامية مع زمن السرد، في المدينة الصغيرة الشاطئية.
تستحضر الرواية ثريا بواسطة ذاكرة سليمان، وبذلك تظل حاضرة في الرواية، غائبة عن المكان الذي تدور فيه الأحداث، وحضورها يرتبط في الرواية عادة بالذاكرة الجنسية عند سليمان:
"وقالت ثريا: إنني لا أحب السحر، لا أفهمه لكن أحب التأمل فقط.
وقال سليمان: أنا مادي، ومثلك أيضاً أحب التأمل في المادة لا في أشياء أخرى. قالت ثريا: مثل ماذا يا حبي؟ قال: مثل لا أدري يا حبي، إن لك جسماً متناسقاً جداً. عليّ أن أتأمل تناسقه (16).
"وقالت ثريا: إنك تتعبني بذلك يا سليمان.
قال سليمان:
-أجد منتهى اللذة في هذا.
-وأنا؟ أين لذتي. فأنا أيضاً أريد أن أعانق شيئاً. لا تكن أنانياً. تعال نتعانق بشكل طبيعي.
-إني أعبد فخذيك.
-أنت تكذب. لو كنت تحبهما لأمكن لك أن تجد أحسن منهما عند امرأة أخرى.
لماذا لا تقول أنك تحبني.
-ولكن فخذيك يا ثريا.
-لا أفهم، انهض. عانقني هكذا، لا تكن شاذاً." (17).
يهمنا أن نعرف كيف تستحضر الرواية ثريا. عادة يتقطع السرد أو الحوار بـ:
"قالت ثريا"، ثم يعود مساره السابق.
في المثال الأول الذي تقدم، كان الحوار دائراً بين سليمان والطفل أخ سوسو، ثم تقطع الحوار عندما أخبرنا السارد بغطس سليمان في الماء، وفرحه العارم، وإحساسه بانطلاقة غريبة مع عالم جميل ورائع، ثم: "وقالت ثريا..."، ليعود السرد إلى متابعة سليمان في علاقته بالطفل أخ سوسو. الطريقة نفسها التي تم بها التقطيع، تتكرر مع المثال الثاني، حيث كان سليمان يتصور أخت الطفل، ثم جاءت النقلة إلى الماضي: "وقالت ثريا..." ويعود السرد بعدها إلى بعض الأحداث التي تقع في الشاطئ.
يرتبط زمن التذكر بثريا وبالدار البيضاء، ويتعلق زمن الحكاية الحاضر بالمدينة الشاطئية الصغيرة، وبشخصيات أخرى هي:
-الخالة حليمة.
-كريمو، صديق سليمان، جاء هو الآخر من الدار البيضاء لقضاء العطلة.
-السي أحمد، شخص يرتبط –بالخالة حليمة، وهو أيضاً يظل غائباً في الرواية.
-سوسو.
-الشابات الأجنبيات.
تحقق الرواية على غرار الرواية الواقعية التقليدية نوعاً من التقابل بين الشخصيات، ففي مقابل غياب ثريا، هناك غياب السي أحمد، حيث يلتقي كل من سليمان وخالته في الارتباط الشعوري بالغائب. كما أن الرواية تقابل أيضاً بين سليمان وكريمو –بالإضافة إلى التقابل الذي سبق أن لاحظنا بين سليمان وثريا –حيث يختلف منظورها للمرأة، كما يقول السارد عن كريمو: "أنه شخص غريب حقاً، مثالي جداً. ويبتعد تماماً عن سليمان في كل شيء. لكن هذا الأخير يحب فيه روحه الهادئ وحبه للحيوانات وحتى كرهه للنساء" (18). وهناك تقابل آخر بين الخالة حليمة وثريا." أما خالته حليمة فهي ضيقة الأفق، لا يستطيع أن يناقشها في شيء، وهي شبيهة بأغلب النساء حتى أن المعري لو بعث من جديد وأخذ يقرأ من رسالة الغفران لما وجدت أن تقول شيئاً سوى أنه قبيح لأنه أعمى. أما ثريا فهي ليست من هذا النوع من النساء.
ليس فقط لأنها ذات عقل وقاد، ولكن أيضاً لأنها ذات عاطفة سامية وغير عادية" (19).
أيضاً نلاحظ التقابل بين مارييطا وثريا حول دخول السجن: "أنت مثلي إذن. أنا لا أحب عائلتي. إنهم برجوازيون كثيراً. منذ سنين وأنا أسافر. أحياناً يرسلون إلي بعض النقود. تاماراً كذلك. مارييطا كانت في السجن هي الأخرى؟" (20).
وكما رأينا في "المرأة والوردة" قيام الحدث الروائي على المزاوجة بين شخصيات مغربية (جو، محمد) وأخرى أجنبية (جورج، آلان، سوز) فإن "الأفعى والبحر"، تسير هي الأخرى في الاتجاه نفسه، حيث تبني على هذا التقابل بين سوسو وثريا والخالة حليمة من جهة، وبين لارا وتامارا ومارييطا من جهة أخرى.
تريد الرواية إذن، أن تصنع بعض المفارقات بين شخصياتها، ولكن هذه المفارقات لا تؤدي وظيفة أساسية في السرد، فالرواية الكلاسيكية، تقيم مفارقاتها على أساس الصراع بين الخير والشر، بين نماذج طيبة ساذجة وأخرى محتالة ماكرة، بين الفقر والتبرجز، وبذلك فهي تصعد بعدها الدرامي، وتنقل إلينا مظاهر الصراع الاجتماعي. أما في "الأفعى البحر" فلا شيء يحدث سوى تزجية فراغ العطلة والتيه بين الجنس والحشيش والثرثرة حول كل شيء، من السياسية إلى إدعاء الموقف من البورجوازية.
الحكاية الأساسية في الرواية، كما رأينا، هي قضاء سليمان لفترة العطلة الصيفية عند خالته في مدينة صغيرة شاطئية. كيف تنبني التفاصيل، وهل استطاعت أن تتمحور حول حدث أساسي يتنامى ويتطور ويتصاعد، ويتقاطع بأحداث أخرى؟
لا شك أن الرواية قد حاولت أن تسد الفراغ الذي يخلفه غياب حدث روائي ما، وبالمعنى التقليدي للرواية، ما دامت "الأفعى والبر" قد ألحت على واقعيتها من خلال تقابل الشخصيات ورسم مكوناتها الداخلية والخارجية، كما حاولت أن تتخيل واقعاً يتحقق في إطار الفضاء الروائي: المدينة الصغيرة الشاطئية بكل مظاهرها العامة.
كيف إذن تتالت التفاصيل، وأية تفاصيل، في حالة غياب حدث روائي متنام ومتكامل؟
الملاحظة الأولى تتعلق بطغيان الطابع الحواري على الرواية، وما دامت الدراسة تتعلق بالسرد، فالحوار نموذج لتقطيع السرد، كما أنه عن طريق مضمونه يستطيع أن يقدم أحداثاً متضمنة. إلا أن حوارية الرواية لا تقربها من توظيف المكون الأساسي للكتابة المسرحية، وإنما يغرقها في الثرثرة التي تؤدي إلى الانتقال من وحدة حكائية إلى أخرى. فالحوار إذن، لا يشكل نوعاً من التكامل مع البناء السردي، وقد لاحظنا كيف أن أخبار غياب ثريا، ورصد الرواية لعلاقة سليمان معها، تأتي إلينا عن طريق الحوارات المذكورة، بين سليمان وثريا.
كما أن الرواية تلجا إلى اقتناص كثير من التفاصيل التي تتعلق بطبيعة المدينة الصغيرة الشاطئية، لتجد لها نوعاً من العلاقة من مزاج وتكوين ومواقف الشخصية المركزية:
سليمان، ونسجلها في عنصرين:
آ-الفيلات الكبيرة التي بنيت بأموال الرشوة، وهذا ما يثير عند سليمان "نقد للبورجوازية وحقده عليها".
ب-المقاهي الصغيرة الشعبية، التي يدخن فيها سليمان الحشيش، والأحياء الفقيرة، وبيوت الزنا... مما يكون محوراً يتقاطع فيه الموضوع الخارجي مع رغبات سليمان، وتكوينه المصاب بهوس الجنس والحشيش.
لكن هذين العنصرين الأساسيين، تتفرع عنهما حكايات صغرى غير أساسية، ولا وظيفة لها في السرد. نشير إلى هذا الجانب ونحن نؤجل مناقشة رؤية الكتابة للعالم، وإنما نكتفي بالإشارة إلى موضوعات لا تأخذ شكل الحكاية في غالب الأحوال، ولكنها ترتبط بمنظور ووعي شخصيات الرواية، كما ينقله لنا السارد:
-ص 10: لا شيء يتغير في المدينة الصغيرة.
-ص21: الموقف من البورجوازية المتمثلة في (بن).
-ص25: انتهازية سليمان ورغبته في الاستفادة من (بن).
-ص28: المقارنة بين الصيادين وبين الأغنياء الذين يبنون الفيلات.
-ص31: الرشوة.
ص38: حوار حول الطبقة البورجوازية.
-ص. ": معاناة سليمان من غياب ثريا ومن وجود البورجوازية.
-ص84: الإشارة إلى التصميم الخماسي.
-ص98، 99: الحرب، الإشارة إلى بعض القضايا التي تحيل على زمن الرواية المادي.
أوردنا هذه الإشارات لا لنحاورها على أساس تصوير الرواية لرؤيتها للعالم، ولكن لكي نوضح مدى تعيش الرواية على خطاب نظري سابق، يقدمه السارد من خلال مواقف الشخصيات وبكيفية جاهزة، من دون أن ينسجم هذا الخطاب في أحداث تفصيلية يومية.
وهكذا نميز بين الحافز: الفيلات والبراريك، وبين التعلق الذي يأخذ بعداً نظرياً من خلال مواقف الشخصية الأساسية: سليمان. على أن الرواية، كان بإمكانها أن تتوفر على البساطة الواقعية في سرد الأحداث والتفاصيل اليومية، ونترك للقارئ إمكانية تأويل المعنى، أو استخلاصه من الأحداث بدلاً من الاحتفاء بالتفاصيل الجاهزة التي لا تجسمها الأحداث، أو تتناقض معها (سليمان يكره البورجوازية، وينتقد (بن) والوزراء المرتشين، وهو في الوقت نفسه، يربط بين نقده السياسي وبين تفسخ البورجوازية الجنسي، وهو أيضاً، يقود خالته لصديقه كريمو، ويمارس أسلوباً إباحياً في ممارسة الجنس مع بنت (بن)، وينتهر، ويتحشش...) أما العنصر الثاني فتتفرع عنه حكايات صغرى غير أساسية، ومن حقل مختلف، ما دامت ترتبط ببعض مظاهر العيش في المدينة الشاطئية الصغيرة، وسليمان، ونورد لذلك بعض الأمثلة:
-ص 27، 28: تلهي سليمان باصطياد ذبابة.
-ص 35: استدعاء ثريا من الذاكرة.
-ص 35، 36، 37: علاقة سليمان بالطفل أخ سوسو.
-ص 42: حديث سليمان وكريمو حول سوسو وأمها...
-ص 43: حب الكلاب والقطط والجرذان والسماء والماء.
-ص 44، 45: مقابلة بين وضع المدينة قبل وفود المصطافين من الدار البيضاء، وبين صخبها بعد ذلك.
-ص 45: حادث اختصام بين امرأة وزوجها.
-ص 47: حوار تعليقي عن الحادثة السابقة، وحول القطط والكلاب والجرذان.
-ص 49: حوار بين سليمان وكريمو حول الفرق الصوفية. الحافز: سماع صوت البندير والدعدوع.
ص 61: ممارسة الجنس وتدخين الحشيش في بيت سوسو.
-ص 65: سليمان في الشاطئ في انتظار سوسو.
-ص 67 إلى 69: تعرف سليمان وسوسو على كاري الفتاة الأجنبية.
-ص 62 إلى 82: جلسة الحشيش والثرثرة في بيت الشابات الأجنبيات.
-ص 78: حفلة رأس الحانوت.
-ص 83 إلى 95: اقتراب سليمان وكريمو من حفل يقام في العراء بحثاً عن الخمر والحشيش.
-ص 95 إلى 107: لقاء سليمان وسوسو في مقهى شعبي وإثارتها لرغبة رواد المقهى.
-ص 110 و111: رأي الإسكافي في تاريخ الزنا بالمدينة وعلاقة ذلك باليهود الذين استوطنوها.
-ص 112: حكاية الأميرة مع المتظاهرين المطالبين بالخبز.
وعلى كل فإن هذه الإشارات لبعض الأحداث التفصيلية الصغيرة تستطيع أن تبين عدم انسجامها داخل وحدة حكائية كبرى، ومن ثم فإن الرواية تحشد كل هذه الأحداث الصغرى لسد الفراغ وتسويد الصفحات.
على أن ثوابت الحكاية الأساسية، هي نقد سليمان للبورجوازية، مع سقوطه في التفسخ والانتهازية، وأيضاً بعض التفاصيل اليومية التي تتمحور حول الخمر والحشيش والثرثرة.
فما الذي أرادت أن تكتبه (تسرده) الأفعى والبحر؟ أن فراغ الرواية من الحدث، بالمعنى الذي تحيلنا عليه الرواية الواقعية، هو ما يجعل مهمة الكتابة معرضة لصدفوية المشاهدة، وللحوادث المفتعلة التي تثير تعليق الشارد أو الشخصية الروائية، وهكذا تتكون التفاصيل التي تتضخم في إطار التراكم، من دون أن ترتبط بعلاقات البنية.
بالإمكان تصور سرد تائه، سرد هذياني، يتوجه من نقطة البداية نحو مسار غير معروف سلفاً، كالنهر الذي يحفر مجراه، لكن السرد الذي يكتبه محمد زفزاف، يكون قد اكتسب محدداته من لحظة ما قبل الكتابة عن طريق تحديد الزمان والمكان الروائيين، والحدث الأساسي، من دون أن يقوى على تفجير طاقات أخرى ممكنة.
التقطيع السردي:
أشرنا إلى أن السرد في الرواية يتقطع بمجموعة من الحوارات التي تشكل تراكماً كمياً في الرواية. كما أن السرد يتقطع من خلال استحضار ثريا: "قالت ثريا....".
ونلاحظ تقطيعات أخرى في مسار السرد، ففي ص 17 نقرأ: "كان الآخران الآن يلعبان، ورآهما ملتصقين بعد ذلك واقفين.. وتخيل ما يمكن أن يحدث في خلوة كتلك بين رجل وامرأة... فتشهي ثريا. الفتاة الوحيدة التي تشعره بدفء خاص. فقد كان يشعر وهماً ملتحمان بأنهما لن يفترقا أبداً. شعور لم يعرفه مع امرأة أخرى. فقد كانت الأخريات ينظرن إليه. فترهبه نظراتهن التي تبدو ماكرة وغادرة. أما ثريا فتغمضهما بصدق وتصدر عنها أنات دافئة، يشعر معها هو، بأنها نهاية له من الوقت. لكنه مع الأسف طاقته محدودة. طاقة أي رجل محدودة.
أليس كذلك يا ثريا؟" (21).
يكون سليمان في الشاطئ، ورؤية رجل وامرأة يطاردان بعضهما في الماء، تشكل حافزاً لدى سليمان لتذكر ثريا. وبذلك تتم النقلة السرمدية من الزمان والمكان: حاضر سليمان في المدينة الشاطئية خلال العطلة، إلى ماضيه في الدار البيضاء، من خلال علاقته مع ثريا.
تتم النقلة من خلال: رأى.. تخيل.. تشهى.. وهي أفعال تبين من خلال تتاليها دور الحافز: الرؤية التي تؤدي إلى التخيل، والتخيل الذي يؤدي إلى التشهي. وينتهي هذا المقطع السردي بتوجيه النداء إلى ثريا عن طريق استحضارها من الذاكرة، وكأن سليمان ينتظر منها أن توافق على أن "طاقة أي رجل محدودة. فالنداء (أليس كذلك يا ثريا) له وظيفة استحضار الغائب، ومواجهته بالسؤال. وبذلك ينتقل السرد من استعمال ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب.
في الصفحة 34، 35، 36، نقرأ:
"أخذ سليمان ينظر إليه (كريمو) في تفكير وهو يشق طريقه إلى الماء وسط الناس المنتشرين على البلاج تحت. إنه شخص غريب حقاً، مثالي جداً. ويبتعد تماماً عن سليمان في كل شيء. لكن هذا الأخير يحب فيه روحه الهادئة وحبه للحيوانات وحتى كرهه للنساء.
يتجنبهن عن مذهب لا عن شذوذ. الشيء الذي ليس في ميسور أحد وساءل سليمان نفسه فيما إذا كان بمستطاعه هو أن يتجنب ثريا.
أن يتخلى عنها. ويحاول أن يحلل هذه الفكرة ويقنع نفسه ولو مؤقتاً، وفي هذه اللحظة بالذات، بأن ابتعاده عن ثريا ممكن. ذلك كله عبث في عبث، فسرعان ما أخذت تظهر له عارية، وهي تتنهد، تبكي أحياناً، تغمض عنينها، وتتلوى بين ذراعيه، وتحت جسمه.
رأى أيضاً شعرها الأسود الجميل وقد غطى كل وجهها. كان نهداها مستديرين واقفين وبينهما فجوة مريحة للرؤيا، كانت له كلها روحاً، وكل شيء. يفكر في هذه المخلوقة الجميلة التي تبعث فيه إحساسات نرسيسية قديمة. وأخيراً، لم يكن في إمكانه أن يقنع نفسه بالافتراق عنها. وكان متأكداً أيضاً، أن الأمر سواء بالنسبة إليها. ثم طرد ذبابة كانت تحوم حول وجهه. ورأى عندما اختفى كريمو من أمام عينيه.. صديقه الصغير الذي لا شك يبدأ أسرته بـ (بن)، وقرر أن يذهب وينادي عليه ليسأله عن أخته، حتى عن أمه إذا كان ذلك ممكناً. وأغلب الظن أن أمه ستلبي رغبته أكثر مما ستفعل أخته".
نلاحظ استحضار ثريا يأتي بعد وصف موقف كريمو من النساء. يرتبط هذا الاستحضار بمدى قدرة سليمان على التخلي عن ثريا، ثم يتم استحضارها عن طريق (أخذت تظهر له...) بعد أن تدرج الموقف إلى ذلك من: ساءل سليمان نفسه.. حاول أن يحلل الفكرة. ويظهر في هذا المقطع واضحاً، أن السرد قد تقطع مرات عدة، فقد تتالت الأحداث على الشكل التالي:
-انطباع سليمان عن كريمو.
-كره النساء.
-مدى إمكانية التخلي عن ثريا.
-تخيلها عارية.
-طرد ذبابة.
-اختفاء كريمو.
رؤية الصديق الصغير.
-رغبة سليمان في أخت الطفل وأمه.
ففي هذا المقطع السردي الصغير، تتراكم النقلات المتعددة، ولا شيء يربط بينها سوى ذات سليمان وتخيلاته وأوهامه ورغباته، حتى وإن كانت هذه الأحداث الجزئية الصغيرة التي تقع في ذاكرته أو في الخارج، لا تتوفر على أية نسبة من التماسك والوحدة، لتشكل بنية حكائية. إنه التراكم.
الرؤية السردية:
تسرد الرواية بضمير الغائب، فمنذ السطر الأول نقرأ: "كان سليمان قد وصل إلى المدينة الصغيرة...". والسارد في الرواية كما رأينا، لا يسرد حكاية متماسكة البقاء، وإنما يسر تيه سليمان في دروب الرغبة والحشيش، وبذلك فهو يخلق تفاصيل الحكاية من المشاهدة والصدفة، ليجعل منها مناسبة للتعليق. وننقل مجموعة من النصوص التي تحدد الرؤية السردية، ثم نأتي إلى مناقشتها:
1)"ورأى عندما اختفى كريمو أمام عينيه، صديقه الصغير الذي لا شك يبدأ اسم أسرته بـ "بن)، وقرر أن يذهب وينادي عليه ليسأله عن أخته" (22).
2)"أمه على كل حال لن تكون ذات جسد طويل نحيف ولا بد أنها سمينة مثل بقرة مترهلة، كثيرة الفكاهة. وتعمل شيء من أجل إسعاد الشاب الذي يشبع رغبتها النهمة" (23).
3)"يفعل ذلك بأصبعه ويفكر في هذه المخلوقة التي تبعث فيه إحساسات نرجسية قديمة" (24).
4)"انسحبت الخالة وتركته يسرد أسماء الذين يعرفهم والذين يتأوهون ويستلذون ذلك، وفي قرارة نفسها كانت تقول أن معه الحق، فهي مثلاً تتأوه عندما يذكر اسم السي أحمد فقط. وربما تأوهت عندما ترى كريمو" (25).
د)"كانت ترتدي سروال جين قديم.. تصور سليمان أنه مفتوح من الأمام. وقال أنها لا تخجل. لكنها عندما اقتربت لم يكن سروالها مفتوحاً ولا هم يحزنون" (26).
6)"أيديهم تقوم بحركات هستيرية في الفضاء" (27).
7-7 لم يكن يهتم بها سوى رجل يمكن أن يكون زوجها" (28).
8)"وسمع من خلفه صوت رجل يقول:
(الله على حليوة). أما مالم يسمعه فكان كما يلي: (قال رجل ملفوف...)" (29).
السارد كلي المعرفة، فهو يستطيع أن يعرف عن شخصيات الرواية أكثر مما تعرفه عن نفسها. نتساءل: من قدم المعرفة للسارد بكون اسم أسرة الطفل يبدأ بـ (بن)، ومن أخبره بأن أمه لن تكون ذات جسد طويل؟
أنه يعرف، ولا نعرف من يأتي بالمعرفة. كما أنه في المثالين: 1، 2 يستعمل صيغ التأكيد والنفي: لا شك –لن تكون. وفي المثال الرابع، يتحدث السارد عما في قرارة نفس الخالة". كما يستعمل صيغة الإمكان والاحتمال: "يمكن أن يكون زوجها" مبدياً تكهناته حول العلاقة بين الرجل والمرأة التي أغشي عليها في حلبة الرقص. أما في المثال الثامن، فهو ينقل لنا ما سمعه سليمان في المقهى، وما لم يسمعه من أحاديث بين رواد المقهى، مؤكداً على معرفته الكلية بالشخصيات وبما يقع خارجها.
كما نلاحظ أن السارد يستعمل كلمات معينة، ذات بعد ثقافي، لوصف الحالة التي يتعلق بها السرد. ومن ثم فالرواية لا تلجأ إلى الوصف والتشخيص، ويعطي السارد لنفسه حق اختصار كل ذلك بكلمات تحيلنا على البعد الثقافي: إحساسات نرجسية /حركات هستيرية/ ولا هم يحزنون (كما في الأمثلة: 3، 5، 6). وبذلك يكون النص قد عبر عن هوية السارد الثقافية، وهو هنا يلتقي في هذه الهوية، مع الشخصيات (سليمان وكريمو)، وإن كان يفوها معرفة بأحداث الرواية.
نضيف إلى هذه الملاحظة حول السارد، أن الرواية تشير من حين لآخر، إلى اهتمام كل من سليمان وكريمو بالقراءة والكتب.
وتتم الإشارة لـ: "ريكله"، "أبي اسحق الصابيء" "راندولف كارثر"، "أبي العلاء المعري". فمن هو سليمان ومن هو السارد في الرواية؟.
عنوان الرواية:
نلاحظ أن الرواية تغتصب رمز الأفعى، وتحيلنا بطريقة مباشرة، على أنها "سوسو" ثم رأى جسماً آخر أروع في الخارج، كان يتحرك ويتلوى مثل جسد أفعى، ولم يكن هذا الجسد سوى جسد سوسو" (30). الأفعى ترمز في آن واحد إلى الروح وإلى الشبقية أو الغريزة، وقد رأينا كيف أن الرواية تفضح رمز الأفعى وتفسره بالإحالة على أنها سوسو. أما البحر، فقد اغتصبته الرواية هو الآخر، حين جعلت منه مجرد ديكور خلفي، أو أرضية مكانية للأحداث، من دون أن تحاوره أو ترمزه وتخلق أبعاده وحالاته في علاقة تنامية مع الكتابة الروائية.
ويمكن أن تنسحب هذه الملاحظة على كل الرواية التي تقارب البحر، عند محمد زفزاف.
بيضة الديك وتعدد الأصوات السردية
"ولو ذهبت إلى طنجة لحملت لمحمد شكري زجاجات ويسكي مهربة، لكني حتماً سأمنعه من خنق النساء، لا لشيء، إلا لأنني لا أريد لكاتب أن يموت من الرواية ص 64
تتكون الرواية من ثمانية فصول معنونة تتناوب الشخصيات على سردها بضمير المتكلم، باستثناء الفصل الأخير الذي يسرد بضمير الغائب، وهي كالتالي:
-باب من فتح الله عليه، يسرده رحال.
-باب التي وجدت ما أرادت تسرده الحاجة.
-باب النساء، يسرده عمر.
-باب التي تكره أباها وتحب الرجال، تسرده غنو.
-باب الحب في مراكش، تسرده كنزة.
-باب الكيد، يسرده رحال.
-باب الخيانة، يسرده السارد بضمير الغائب.
نبدأ بتحليل هذه العنونة. أن هذا التقسيم للفصول الروائية وعنونتها بـ:
"باب..." يحلينا على النص الخلفي، ويوحي لنا بأن الرواية تستند إلى مفهوم معين لعلاقة الرجل بالمرأة، كالذي نجده في بعض الكتب القديمة التي شغَّلت أبوابها بـ "وصف" مظاهر هذه العلاقة. ونتذكر هنا "الروض العاطر" و"رجوع الشيخ إلى صباه"، ما دامت هذه الكتب هي الأخرى تمتلك سلطة الحكي، وتمرر خطابها الضمني عن مفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة. إلا أن هذه العنونة، بالنسبة لـ "بيضة الديك" إنما هي مجرد حلية، فتسمية "باب" تأخذ بعداً تزيينياً، وإن كانت "الأبواب" تتمحور حول علاقة داخلية تتكون من: "التي وجدت ما أرادت" و"التي تكره أباها وتحب الرجال"، "النساء"، "الحب"، "الكيد"، "الخيانة". وفي مقابل هذا المستوى الأنثوي، يحضر الرجل "الذي فتح الله عليه" و"الكاتب".
كما أن الرواية توضح عنوانها الأساسي، نقرأ في ص 22، 23: "لم يفكر ذلك العجوز أبداً في الزواج. ولكنه مرة اقترح علي ذلك، ولماذا لا أفعل؟ سوف يصبح البار ملكي.
والديك لا يبيض إلا مرة واحدة كاذبة في الحياة. يكفيني أنني استطعت أن أعطي القدرة للديك لكي يبيض" /"ثم يبيض الديك مرة ثانية، فيموت العجوز وأصبح صاحبة البار" /"غير أن البيضتين كانتا فاسدتين.
توفي الكتكوتان في المهد". الحاجة، هي التي تحكي، و"بيضة الديك" كما نلاحظ هي الحلم المستحيل الذي تحقق: زواجها من صاحب البار، ثم لتصبح صاحبته، وفساد البيضتين هو ضياع الحلم على أن الرواية وهي تفسر عنوانها بهذه الطريقة، تضيع على القارئ فرصة الدخول في العلاقة مع العنوان، وإيحاءاته المتعددة والممكنة، كارتباط بالنص، أو التجريدية الإيحائية.
البنية الحكائية:
تتسع الرواية لتشمل الجوانب الخاصة من حياة كل شخصية روائية تسرد عن نفسها.
ويمكن أن نتعامل مع هذه الرواية على أساس أنها تتكون من حكاية أساسية، وحكايات أخرى تتوازى وتتجاوز معها. الحكاية الأساسية، تتمركز حول كل من "رحال" "وغنو" التي تسمي نفسها "جيجي" في علاقتهما بكل من "عمر" و"الحاجة" و"الكاتب"، إلى جانب علاقات أخرى ثانوية تربطهما بـ "دحو" و"المخنتر" و"حسن".
ونلاحظ أن هذه الحكاية تتمحور حول خط سردي طولي يتدرج كالآتي:
طرد رحال من المدرسة حصوله على عمل في الصيدلية انفصال عن العائلة سكنه في غرفة سطح عمارة تملكها الحاجة إسكانه لدحو والمخنتر وحسن معه في الغرفة تعرفه على غنو وإسكانها في الغرفة مع الجماعة حصوله على عمل معها في الملهى إفراغ الثلاثة للغرفة تعرفهما على الكاتب الذي أخذ يزورهما باستمرار خيانتها لرحال مع الكاتب في نهاية الرواية.
نعتبر هذه الحكاية أساسية في الرواية، لعدة اعتبارات:
1-لكونها تتنامى بدءاً من الفصل الأول (باب من فتح الله عليه، وإلى الفصل الأخير (باب الخيانة).
2-لأن رحال يسرد ثلاثة أبواب من الرواية هي: (باب من فتح الله عليه) –(باب الكيد) –(باب طبيعة الكاتب).
3-لكون هذه الحكاية، تظل حاضرة داخل الأخرى الموازية.
تخترق هذه الحكاية الأساسية حكايات أخرى، لا نعتبرها ثانوية، لأنها تتميز بخاصتين:
1-التداخل مع الحكاية الأساسية الأولى التي وصفاها.
2-الاستقلال النسبي عن هذه الحكاية، من خلال مكونات سردية تفصيلية لا علاقة لها بالحكاية الأساسية.
تتعلق هذه الحكايات ببعض الشخصيات الروائية، وهي تتمحور حول كل من الحاجة، وعمر، وكنزة. أما الكاتب، فنلاحظ أن السرد يسرد عنه بضمير الغائب، ويستحضره في بعض المواقف، أو خلال الحوار. ويمكن أن نرصد أحداث هذه الحكايات وأزمنتها كالآتي:
حكاية عمر:
ماضي الحكاية يرتبط بمراكش كمكان، والحدث، هو اغتصاب عمر لكنزة والفرار إلى الدار البيضاء وبالعيش مع الحاجة، التي تدعي أنه ابنها وهو يرفض هذا الإدعاء، ويقبل بالعيش معها كعشيق ما دام لا يجد مجالاً آخر للعيش.
حكاية الحاجة:
ماضي الحاجة يتكون من مجموعة من التفاصيل ترصدها كالآتي: موت أبيها اليهودي علاقة أمها اليهودية بمسلم:
(السي العربي) أسلمت وتزوجت مسلماً اختفى من حياتها عملت في بار العجوز الشاذ جنسياً تزوجته ورثت البار بعد موته اشترت عمارتين دخلت في العلاقة مع عمر بعد أن خلصته من السجن بواسطة معارفها من رجال السلطة حجت إلى مكة طالبة أن تنجب وهي العاقر.
أما حاضر الحكاية، فيتكون من تحريضها لعمر على رحال لترحله من العمارة، ثم تعاطفها مع رحال وغنو، ثم كراهيتها للكاتب الذي يزورهما باستمرار، ويظل كل يوم صاعداً نازلاً على أدراج العمارة، وأيضاً، انشغالها بالشراب والقوادة والعلاقة ببعض رجل السلطة.
حكاية كنزة:
ماضي الحكاية: تعطلت دراجتها في الطريق إلى المدرسة اقترب عمر وساعدها على إصلاح الدراجة أحبته اغتصبها ربطها والدها طيلة أيام هرب عمر ولم يتزوجها خرجت من الدراسة.
حاضر الحكاية: لا تعرف ما تفعل بنفسها.
مستقبل الحكاية: الرغبة في البحث عن عمر في الدار البيضاء.
على أننا نعود إلى مكونات حكاية كل من "رحال" و"غنو" لتحليلهما في إطار الخصائص التي تتكون منها كل من الشخصيتين الروائيتين.
حكاية رحال:
ونحلل تناميها في الرواية، داخل طولية الخط السردي، ما دمنا تعرضنا لخلفياتها في الماضي ضمن الحكاية الأساسية في الرواية ثقته في غنو ويقينه بأنها تحبه خصومته الدامية مع عمر تصالحه مع عمر انسحاب حسن من الغرفة التقاء دحو بأوروبي شاذ في حديقة السندباد عرض عليه ثروته دحو يسرق نقود الأوربي تأثيث البيت الموجود على سطح العمارة:
الورق الملون والثلاجة والستيريو رحال يجد متعة خاصة في الاستماع إلى الكاتب رغم أنه لم يقرأ له استدعاء رحال الكاتب للبيت خفره للكاتب في الملهى وتمريره لبعض البيرات مجاناً.
ونلاحظ أن رحال ينوب عن ودحو في السرد، فهو يسرد عنهما بضمير الغائب، ويسرد عن نفسه بضمير المتكلم، وبذلك فالرواية تقدم لنا حكاية دحو مع الأوروبي الشاذ جنسياً، مسرودة من خلال رحال.
حكاية غنو:
وهي تتحرك في زمنين: الماضي والحاضر الذي يتنامى في الرواية.
ماضي الحكاية: قحبة في حي مبروكة مطرودة من المدرسة ترسل نقوداً لعائلتها أبوها ينفق نقوداً على شيخة في درب ميلاً تتعرف على رحال.
حاضر الحكاية: حلم تغيير الغرفة والزواج من رحال الحاجة تعتبرها ابنتها نصيحة الحاجة بطرد الآخرين من الغرفة وتأثيثها الفتيات في الملهى يحمن حول رحال وهو لا يعيرهن اهتماماً الإعجاب بالكاتب الخروج معه إلى مقهى المونتغمري التكاشف حول الخيانة ورد فعل رحال.
وبالفعل فإن حكاية رحال وغنو تتداخل، سواء بين هاتين الشخصيتين، أو مع شخصيات روائية أخرى. إلا أن الرواية تلح على الشخصيات أكثر مما تلح على الحدث نفسه، بدءاً من اعتمادها على تعددية اللوحات التي تسردها هذه الشخصيات بضمير المتكلم، وإلى تخصيص حيز هام لمكوناتها الشخصية، وذاكرتها، في الرواية. من هنا تتحقق بعض التقاطعات بين الحكايات: أحداث معنية تتكرر، من سرد شخصية لآخر. إلى جانب كون هذه الشخصيات تعبر عن وجهة نظرها في الأحداث. فهل "بيضة الديك" هي رواية وجهة النظر؟ لا نرى ذلك، لأن رواية وجهة النظر، تتركز على حدث معين يتميز بالوحدة، وتختلف الشخصيات في سرده انطلاقاً من وجهة نظرها، على أن ما لاحظناه في بيضة الديك، هو أن الشخصيات تستهيم في الحديث عن الماضي (ماضيها) الذي ليست له علاقة جوهرية بالحدث الأساسي، ومن هنا فإن "بيضة الديك" هي رواية الشخصيات، وليست، رواية وجهة النظر.
ويهمنا أن نعرف ما هي التقاطعات التي تلتقي فيها الحكاية الأساسية والحكايات الأخرى المجاورة. هناك عناصر حكائية تتكرر من باب لآخر، بين سرد شخصية وسرد أخرى.
ففي ص 9 من الرواية مثلاً (يسرد الفصل رحال) نعرف أن الحاجة يهودية أسلمت، وهو الشيء ذاته التي نتعرف على تفاصيله في الباب الثاني الذي تسرده الحاجة. في الصفحة 13، وفي الحوار الذي يدور بين رحال وعمر، خلال جلسة تصالحهما، يقول عمر: "أنا من مراكش. اغتصبت فتاة...." وهو الحدث نفسه الذي نتعرف عليه في الباب الخامس (باب الحب في مراكش) الذي تسرده كنزة، الفتاة التي اغتصبها عمر. في الصفحة 12، يقول رحال لعمر." أعرف أنك لست ابنها بالتبني" وهو الشيء الذي يتكشف عنه الفصلان اللذان تسرد أحدهما الحاجة (باب التي وجدت ما أرادت) ويسرد الثاني عمر (باب النساء) كما أن حادثة الخصومة بين رحال وعمر، تتكرر ثلاث مرات: سردها رحال بضمير المتكلم، تحاور حولها مع عمر، استعادتها الحاجة. وفي ص 34، يقول عمر، وهو يعود إلى موضوع إدعاء الحاجة بأنها تتبناه "أن بعضهم يتقول علي...". وأيضاً، فإن "اعتداء" وكيل النيابة العامة، على الحاجة الذي أدى إلى إغلاق البار، يتكرر مرتين، الأولى من خلال سرد الحاجة لتفاصيل حياتها في الماضي، والثانية في ص 56 على لسان رحال (بابا الكيد): "في الحقيقة هناك أشياء كثيرة تحيرني، مثل الضمير، العقل، الروح، أين هي هذه الأشياء؟ وفي أي مكان من أجسادنا توجد؟ وأتصور أحياناً، أن الإنسان لو استطاع العثور على مكامنها في الجسد لحلت الكثير من المشاكل اليومية، لكف الناس عن الاقتتال فوق السطوح، ولأغلقت النساء أفواههن التي تشبه المزابل في حالات الغضب، ولعاد كل قائد مقاطعة إلى زوجته وكف عن خيانتها، ولما اعتدى وكيل نيابة أو كوميسير على امرأة مسكينة بئيسة تدير باراً عادياً...".
ونلاحظ في هذا المقطع كما أشرنا، أنه يحيل على إغلاق بار الحاجة من طرف وكيل النيابة، كما قرأنا في الفصل الذي سردته الحاجة نفسها، ولكننا نلاحظ أيضاً، الإشارة إلى تقرب قائد اسني، الذي ذهب إليها عمر وكنزة للتفسح، كما يسرد الحادثة (باب الحب في مراكش) على لسان كنزة:
"ذهبنا مرة إلى اسني وتمتعنا برؤية الخضرة والأشجار وسبحنا في المسبح هناك، وقدم لنا قائد المقاطعة مشروبات على حسابه. كم كان ظريفاً ذلك القائد لكن عمر لم يحبه.
لأن القائد سكر وأخذ يقرب خياشمه من نهدي فسحبني عمر من ذراعي وعدنا إلى مراكش" (31).
إن هذه الثوابت، التي تتكرر بين حكاية وأخرى بين سرد وآخر، تقوم بدور تلخيصي، وكأنها تهدف عن طريق هذا التكرار إلى تكوين علاقات البنية، بين هذه الحكايات المتجاورة لتخرج من التراكم الكمي الحكائي.
الرؤية السردية:
يبدو واضحاً، أن الرواية تجعل الشخصيات هي التي تسرد عن نفسها، باستثناء الباب الأخير (باب الخيانة) الذي يتميز عن الأبواب السابقة بكون السارد هنا ليس هو إحدى الشخصيات الروائية، ولذلك نراه يسرد بضمير الغائب، عن اللقاء الذي تم بين "الكاتب وغنو" في الشارع، وفي مقهى المونتغمري، حيث يتكاشفان حول خيانتهما لرحال الجنسية، وحيث يخجل "الكاتب" من هذه الخيانة التي كان مدفوعاً إليها بإغراءات غنو، أما هي، فتؤكد له أن رحالاً لن يغضب إذا ما عرف ذلك، لأنها مجرد قحبة.
وإذن فكل الأبواب السبعة السابقة يتساوى فيها السارد مع الشخصية في المعرفة، أي أن السارد يعرف عن الشخصيات مثل ما تعرفه عن نفسها، وبذلك تكون هذه الرواية، قد تميزت عن روايات محمد زفزاف السابقة، بهذا التميز في رؤية السارد (الرؤية مع) إلا أننا نبدي بعض الملاحظات، حول خيانة الكتابة الروائية لهذه الرؤية السردية:
1-يخول السجل اللغوي والمعرفي الذي يستعمله السارد، رؤيته السردية، حيث لا تتطابق هذه اللغة مع المستوى الاجتماعي والثقافي للشخصيات، وتلجأ الرواية إلى تبرير هذه الاستعمالات في بعض الأحيان، عندما تنسبها إلى الأستاذ. ونعطي أمثلة تبين هذا التراوح في استعمال اللغة عند الشخصية /السارد، بين التعابير الشعبية والكلمات التي تحيلنا على ثقافة ما:
أ-تقول الحاجة لرحال: "هل تعجبك هذه الحياة. ماذا سوف تأكل. تبدأ أول الأمر كشكام. ويضع الكاتب بين قوسين (مخبر) ليشرح كلمة شكام الدارجية (32).
ب-يقول رحال: "وكثيراً ما تمنيت أن يقع زلزال في الدار البيضاء حتى يصبح عاليها سافلها وسافلها عاليها. ولكن أبعد الله عنا الشر. أولئك الكلاب سوف ينتفضون كما تنتفض العنقاء من الرماد، ويبنون ثروتهم من جديد (33). فرحال يستخدم رمز العنقاء، وهو قواد في ملهى كما تصفه الرواية، أو كما يقدم نفسه من خلالها، وهو أيضاً مطرود من المدرسة ولم يصل إلى مستوى البكالوريا.
ج-ونلاحظ كيف أن عمر يستعمل بعض التعابير التي تتردد بين الصيغ الدارجية وبين الإحالة على ثقافة السارد، ونعلم أن عمر هو السارد والشخصية في نفس الوقت: "لماذا سميت النساء نساء؟ قال والدي: لأن الله نسيهن من رحمته. واك.. واك.. هذا أبلغ تعبير سمعته في حقهن" (34). ويقول: "أصل كل شيء في الحياة أن يبقى الناس في وهمهم يعمهون" (35). كما يقول "الحياة في مراكش تمر في بطء وهريد النائب" (36).
د-تقول جيجي عن والد رحال: "لم يكن شريراً ولكنه كان غبياً وكسولاً، لا يعمل ولو حبة خردل من ذكاء لتحويل بعض منافع الحياة لصالحه" (37).
ولقد اخترنا هذه الأمثلة، لتدل على تنوع الشخصيات: (الحاجة رحال، عمر، جيجي) وهي في هذه الرواية شخصيات تتساوى مع السارد في المعرفة، كما توهمنا المعرفة، كما توهمنا القراءة الظاهرية، إلا أن هذه الشخصيات تتردد، كما لاحظنا، في استعمال سجل لغوي ينتمي إلى مكوناتها الاجتماعية والثقافية، أو آخر يحيلنا على ثقافة السارد، وبذلك تخون الكتابة الروائية رؤيتها السردية (الرؤية مع)، التي تكون قد حددتها سلفاً.
2-كما أن الرواية تحفل ببعض الإشارات الثقافية التي لا تتوافق مع المكونات المعرفية للشخصيات، ونقدم على ذلك بعض الأمثلة:
أ-يشير عمر إلى الشاعر محمد بن إبراهيم بالإشارة التالية: "هم في مراكش يحبون شاعراً كان يشتمهم ويمدح أسيادهم" (38).
ب-تقول جيجي عن غياب والدها ووضعها العائلي: "تركنا وذهب ليعيش مع قحبة في درب ميلا. من يدفع ثمن الكراء ومن يدفع نفقات البيت على أطفال، زغب الحواصل لا ماء ولا شجر، كما علمني أستاذ العربية الذي نكحني لأول مرة" (39).
ج-مرة أخرى تقول جيجي في حوار لها مع رحال: "زغب الحواصل لا ماء ولا شجر".
ويضع الكاتب بين قوسين: (تذكرت الأستاذ) (40)
د-يقول رحال: "قال لنا مدرس العربية ذات يوم: اعمل لرزقك كل آلة لا تقعدن بكل حالة" (41).
ه-يقول السارد في الباب الأخير عن الكاتب: "قال لنفسه هذا أوان الشد. ثم حمل الكأس إلى فمه وأعادها على ظهر الطاولة أو على ظهر وضم. ما يهمني إذا اشتدت الزيم؟" 42). وهنا نلاحظ أن السارد يحيلنا على الأبيات المنسوبة للحجاج، والتي وردت في خطبته المشهورة. والإحالة هنا ليست وظيفية، ولا تستطيع أن تخدم أي بعد تناصي، وكل ما في الأمر أن السارد يفرغ مقروءاته وذاكرته المعرفية، وبصورة لا تستجيب لضرورة السياق السردي.
3-ما معنى أن نقرأ في نهاية الباب الذي تسرده كنزة: "ومع ذلك، لا بد أن أزور الدار البيضاء ولا بد أن أرى عمر. وأنا متأكدة من أن عمر هو أيضاً يرغب في أن يراني."
وأن نقرأ في الهامش، في أسفل الصفحة:
"م. ز: احلمي طول عمرك. والله لن تشوفي عمر في حياتك يا خوينزة. ما أنت بالأولى ولا بالأخيرة. ما كل امرأة تتزوج من تحب وما كل رجل يتزوج من يحب.." (43).
لا شك أن م. ز، هول التدخل المباشر في الأحداث، من طرف الكاتب، معلناً عن اسمه بالأحرف الأولى، الكتابة الروائية؟ وهل يستطيع هذا التعليق، أن يكشف لنا عن هوية السارد الحقيقية، التي حاولت أن تتخفى من خلال الشخصية التي كانت تتولى مهمة السرد؟
4-نقرأ في ص 63: "يأتينا الكاتب أيضاً في المساء، أمرر له بيرات مجاناً، إنه يستحق ذلك، لأنه صديق وهو أعز عندي من أبي وأمي وبؤبؤ عيني. إنه يستحق ذلك لأن رأسه عامرة بالعجب. الله الله! ما أروع أن يثر في بلادنا أمثاله. وقال لي أن في بلادنا كتَّاباً كباراً، وله واحد منهم صديق مشهور في العالم اسمه محمد شكري يعيش في طنجة.
أنا أريد أن أراه قبل أن يموت". "محمد شكري! سأقرأ السوناتا التي كتب. ولماذا لا أقرأ لكتابنا؟ وقال لي أن هناك كتَّاباً آخرين كباراً، إلا أن بعضهم توقفوا عن الكتابة لأنهم تزوجوا وشغلت زوجاتهم كل أوقاتهم، وزجنهم في الحياة اليومية. البطاطيس والآجر والإسمنت والسيارة والأولاد" (44).
يحيلنا السارد مباشرة، على المرجع الواقعي، حيث نتعرف على واقع الكتاب في بلادنا، وعلى محمد شكري، الشخصية الواقعية التي نعرفها جميعاً، ومن خلال تفاصيل حياته اليومية ليعمق لدينا الشعور بوجوده الحقيقي.
فما الذي يهدف إليه الكاتب من وراء هذه الإشارة المرجعية، وما علاقتها بالبنية الحكائية إننا نزعم أن هذه الإشارة، تضيء لنا كثيراً من الجوانب، للدخول في علاقة مع "الكاتب" كشخصية في الرواية، سيما في حالة التقابل مع هذه الإشارة المرجعية.
هوامش:
(1)-سلسلة الكتاب الحديث. منشورات غاليري. بيروت 1972.
(2)-سلسلة كتابات جديدة. منشورات وزارة الإعلام، الجمهورية العراقية 1974.
(3)-الدار العربية للكتاب، 1978.
(5)-نشرت هذه الرواية بمجلة الأقلام العراقية، ع2، س 16، 1980.
(6)-منشورات "الجامعة" الدار البيضاء، يوليو تموز 1984.
*وقد صدرت له رواية سابعة مؤخراً، بعنوان: "الثعلب الذي يظهر ويختفي".
7-عبد الكريم غلاب، مبارك ربيع، البكري السباعي، والميلودي شغموم بصيغة جديدة.
8-ص 32 من الرواية.
9-نموذج سليمان في "الأفعى والبحر"، وأيضاً نموذج محمد في "المرأة والوردة".
(10)-فيليب آمون، مجلة بوتيك، ع12، 1972.
(11)-الرواية ص 9.
(12)- الرواية ص 10.
(13)- الرواية ص 10.
(14)- الرواية ص 11.
(15)- الرواية ص 11، 12.
(16)- الرواية ص 20.
(17)- الرواية ص 24.
(18)- الرواية ص 34 /35.
(19)- الرواية ص 55 /56.
(20)- الرواية ص 70.
(21)- الرواية ص 17.
(22)- الرواية ص35.
(23)- لرواية ص 36.
(24)- الرواية ص 35.
(25)- الرواية ص 52.
(26)- الرواية ص66.
(27)- الرواية ص 89.
(28)- الرواية ص 88.
(29)- الرواية ص 97.
(30)- الرواية ص97.
(31)- الرواية ص 49.
(32)- الرواية ص 15.
(33)- الرواية ص 15.
(34)- الرواية ص 34.
(35)- الرواية ص 34.
(36)- الرواية ص 34.
(37)- الرواية ص 41.
(38)- الرواية ص 36.
(39)- الرواية ص 40.
(40)- الرواية ص 43.
(41)- الرواية ص 58.
(42)- الرواية ص 79.
(43)- الرواية ص51.
(44)- الرواية ص 63.
يبدو أن التجربة الروائية عند الكاتب قد انطلقت مع "أرصفة وجدران" برغم أن "المرأة والوردة" كانت أسبق إلى النشر.
تأتي أهمية الأعمال الروائية لمحمد زفزاف، من كونها قد حققت نوعاً من التراكم في التجربة الروائية المغربية، فلقد أصدر هذا الكاتب بين سنة 1972 و1984 ست روايات هي على التوالي: المرأة والورد – أرصفة وجدران – قبور في الماء – الأفعى والبحر – محاولة عيش – بيضة الديك*.
تتجلى دلالة هذا التراكم، في حرص الكاتب على أن يرتاد مجال الكتابة الروائية، محاولاً تحقيق نوع من التطور في مفهومه للكتابة ورؤيته للعالم، فهو من جهة، قد استطاع أن يرسخ أسلوبه المتميز، وأن يجعل رواياته تعكس تكرارية بعض المضامين والنماذج الاجتماعية، كما استطاع في بعض رواياته أن يكسر هذه التكرارية باقتحام فضاءات جديدة، رغم أن مسار تجربته الروائية قد عرف بعض الانكسارات من خلال روايات ضعيفة فنياً.
إلا أن ما يهم الدار هو استمرارية الحضور الروائي لهذا الكاتب، ورصد مؤشرات وعلامات هذه الاستمرار، سيما وأن لروايات محمد زفزاف سماتها الخاصة في مجال الرواية المغربية، فهو لم يتجه نحو استعادة بعض تجليات الحركة الوطنية من خلال رواية الحقبة كما فعل روائيون مغاربة آخرون (7)، ولكنه كروائي ينتمي إلى جيل الاستقلال، قد ارتبط ببعض مظاهر التحول الاجتماعي والسياسي للبلاد، ومن خلال نماذج اجتماعية تعبر عن أزمة المثقف داخل مجتمع متخلف، أو أخرى شعبية مقهورة ومحكومة بسلطة السياسة وسلطة التقاليد الاجتماعية، مع أن الكاتب يرصد هذه النماذج من زاويته الخاصة، ومن مفهومه الخاص لمظاهر الصراع الاجتماعي، وبذلك فالكتابة تمتلك رؤيتها الخاصة للعالم، وهي رؤية وإن تمظهرت بالطابع الانتقادي فهي تستحق الكثير من النقاش، ذلك أن الرؤية السياسية الانتقادية في بعض الروايات، تتحقق من خلال خطاب فوقي يلقيه السارد، ولا تمارسه الشخوص الروائية كسلوك يومي من خلال فعل التغيير، ولعل هذه الشخوص وهي تنتقد الأوضاع، إنما تقع في تكريسها بتوجهها السلبي العدمي أو إغراقها في الجنس والحشيش كل مظاهر التفسخ التي تبرر نفسها بالتحرر من عقدة الأخلاق والتقاليد. من هنا فإن نقد البورجوازية هو نقد قائم على أساس المفارقة الاجتماعية من منظور يعكس أزمة المثقف، ولا يرقى إلى مستوى الصراع الطبقي.
داخل هذا التصور، يمكن تفسير شبكة العلائق الاجتماعية التي تكوّن العالم الروائي، وموقفها من السياسة والدين والمجتمع. أما الجنس في أعمال محمد زفزاف الروائية، فيستحق وقفة خاصة لأنه يشكل نقطة التقاء محورية بين معظم الروايات، كما يشكل علامة لها دلالتها الخاصة في الموقف من العالم، بكل المستويات الغريزية والعاطفية، وارتباط هذه المستويات بشبكة العلائق الأخرى.
يبدو أن التجربة الروائية عند الكاتب قد انطلقت مع "أرصفة وجدران" برغم أن "المرأة والوردة" كانت أسبق إلى النشر.
جاءت "أرصفة وجدران" لتحمل معها الموقف الوجودي العدمي من العالم، من خلال "بومهدي" الطالب الجامعي الذي يدرس الفلسفة. تعلن الرواية عن الموقف من المرأة، ومن الكتب واضرابات الطلاب ومن الحياة نفسها، حيث تعبر الشخصية الروائية عن كونها تعيش الغربة والاغتراب في الواقع (8).
إلا أن الجنس والحشيش والرغبة في اكتشاف الغرب، واختراق محرمات مجتمع "الطابو" المغربي، هي الموضوعة الكبرى في رواية "المرأة والوردة"، ونلاحظ أن هذه الموضوعة سوف تستمر وتتنامى بتفاصيل حكائية مختلفة في "الأفعى والبحر" على أن "قبور في الماء"، و"محاولة عيش" تشكلان منعطفاً في تجربة الكاتب التي ارتبطت بنموذج المثقف البورجوازي ومنظوره "الانتقادي" للعالم، ويتجلى هذا المنعطف في اختيار الكاتب لشخصيات تنتمي إلى الطبقة الشعبية؟ ففي "قبور في الماء" يواجه سكان قرية المهدية وبصورة جمعية غرق أحد مراكب الصيد والمطالبة بالدية، وهم بذلك، يواجهون "العياشي" صاحب المركب، والسلطة المتمثلة في القائد. لكن هذه المواجهة لا تعنف إلى مستوى تصعيد الصراع، عندما يقنع السكان بالزردة التي يقيمها العياشي ترحماً على الغائبين. وأيضاً فإن "حميد" في "محاولة عيش"، يواجه وبصورة فردية مجتمع السماسرة والمهربين ورجال الجمارك والسكارى الليليين، وعاهرات الحانات والجنود الأمريكيين وطقوس العائلة، وباكتشاف هذا العالم، والصراع من أجل العيش، تكون الرواية قد تدرجت في تقديم الملامح العامة للبيئة والنموذج الاجتماعي، وبذلك تتميز، داخل منحى الكتابة الواقعية عند محمد زفزاف، بكونها قد رصدت سيرورة حياة بكاملها ومن النشأة والحصول على العمل (بيع الجرائد) إلى الزواج والفشل. بينما نلاحظ، أن روايات الكاتب السابقة، تكتفي برصد فترة زمنية قصيرة من حياة الشخصيات الأساسية.
إلا أن "بيضة الديك" تبدو أكثر نضجاً في تلمسها للخلفيات الاجتماعية والسياسية التي تؤطر حياة نماذجها الروائية، حيث تصبح هذه الحياة مسرودة بضمير المتكلم، ومن منظور التجربة الشخصية التي عاشتها نماذج الرواية الأساسية.
تتنامى تجربة الكاتب الروائية، كما لاحظنا، انطلاقاً من الموقف السلبي العدمي من العالم، نحو تصعيد هذا الموقف إلى القضايا السياسية والاجتماعية التي "تهم البلاد".
ومن وجهة نظر سبق أن وصفناها بالخطاب الفوقي، إلى جانب التقاء هذا الموقف بالنزوع نحو التعبير عن القضايا الجنسية والغريزية التي يحاول النص الروائي، أن يوهمنا من خلال طرحها وبوسائط إباحية، بأنه يقف ضد الأخلاق الاجتماعية السائدة، كما أنه يسعى إلى تفجير طاقات الفرد وتحريره من الكبت والإحباط. إن هذه المواقف الثلاثة، هي ما يشكل نقط الارتكاز الأساسية في أعمال محمد زفزاف الروائية.
ولقد رأينا كيف أن عالم الرواية، ينبني على رصد المواقف الاجتماعية والسياسية والثقافية، من خلال شخصية واحدة مركزية أو من خلال تعدد الشخصيات الجمعية التي تسهم في بلورة الموقف من العالم.
كما أن تجربة الكاتب، قد تراوحت بين التعبير عن المأزق الفردي البورجوازي الصغير، كمثقف، وبين الانفلات نحو ملامسة الهموم الاجتماعية عند نماذج شعبية ترتبط بفضاء مغاير (القرية) (الحي القصير).
ونلاحظ أن هذا التباين، قد ساعد الكتابة الروائية على الخروج من تكرار بنياتها الدلالية الأساسية، برغم تنوع الحكاية، وبين رواية وأخرى، إلا أن العالم الروائي عند الكاتب، قد ظل مرتبطاً ببعض "التيمات" الأساسية التي تشكل محور الكتابة، كالجنس ونقد السلطة والبورجوازية، ومن المنظور الكتابة نفسها.
وأيضاً، فإن معظم الروايات، حتى وإن كانت تتمحور حول بعض المضامين الشعبية، تحيلنا على الثقافي، سواء من خلال التعابير التي يستخدمها السارد، أو تستخدمها الشخصيات، أو بواسطة الإشارات الثقافية إلى الكتب والروايات وأسماء الأدباء.
كما نلاحظ حرص الأعمال الروائية التي كتبها محمد زفزاف على تشغيل شخصيات أجنبية داخل سيرورة الأحداث وتوجه تفاصيلها ورؤيتها للعالم. أما ما يفسر هذه الظاهرة، هو رغبة الشخصيات الروائية في وجود توافق اجتماعي خارج البنية المتمعية التقليدية، والتطلع إلى تحرر كامل لا يحقق نموذجه إلا في الغرب.
مع ذلك، فـ "رجولية" المنظور الاجتماعي للمرأة، تظل مهيمنة على مواقف الشخصيات "الذكورية" في إطار تحقيق أناتها الخاصة، حيث ترغب في تحرير ذاتها من القيم الأخلاقية، ولكن نظرتها للمرأة، تظل نظرة أخلاقية (9).
ومن ثم فالرجل، يمارس على المرأة نقداً أخلاقياً عندما تمارس الخيانة على الزوج والصديق، أما هو كرجل، فيريد أن يتحرر من عقد وأخلاقيات المجتمع.
هكذا يتحقق حضور المرأة في العالم الروائي، وهي محاصرة برغبات الرجل الجنسية، ومتهمة بالخيانة ولذلك نلاحظ تعدد النماذج النسائية المتهمة بالخيانة في المستوى الكمي للروايات، بدءاً من "أرصفة وجدران" إلى "بيضة الديك". أن الخيانة تكتسي طابعاً خاصاً، عندما ترتبط في تصور الشخصية الروائية بنقد التفسخ البورجوازي، كما هو الحال في "الأفعى والبحر".
وكظلال لشخصية الكاتب في الأعمال الروائية، نلاحظ حضور "الكاتب" في بعض الروايات. ففي "المرأة والوردة" نرى أن محمداً يطرح في نهاية الرواية مشروعه ليكون كاتباً، بعد إخفاق محاولة تهريب الحشيش، التي اشترك فيها. كما نلاحظ هاجس الكتابة عند سليمان في "الأفعى والبحر". أما في بيضة الديك، فنرى حضور الكاتب كشخصية روائية، تسهم في الفعل الروائي، وهناك إشارات أخرى تجعل "الكاتب" يحضر بشكل أو بآخر، وهو عموماً، حضور لا يوازي عملية الكتابة نفسها، ولا يعطي للنص الروائي إمكانية مساءلة ذاته وطرح أسئلة الكتابة من الداخل.
روايات قصيرة تشغل البياض بما يقارب المائة صفحة في المتوسط.. وهي بهذا الحجم، لا تسمح للأحداث بأن تنمو وتتسع، ومن المفترض، أن يفرض عليها هذا الحجم نوعاً من الاقتصاد والتركيز. إلا أن ما يلاحظ هو اعتماد الروايات على الطابع الحواري، وتعلقها ببعض التفاصيل التي لا تخدم البنية الحكاية. على أن هذه الملاحظة تتعلق بحدة، بروايات من دون أخرى، وسوف تتضح بصورة أكثر، مع دراسة السرد، وتحليل مكوناته الحكائية.
على أن السارد وهو يسرد الأحداث، سواء عندما يتقدم بها في خط تصاعدي، أم حين يوجهها نحو الماضي، فإنه لا يهتم بتشكيل الفضاء الروائي، الأحداث مسرودة بكلياتها وتفاصيلها الجزئية، وهذا ما يتكون منه العمل الروائي. أما الوصف، فغالباً ما يكون متداخلاً مع السرد. وإذا كان البحر يشكل نقطة التقاء مكانية بين روايات عدة، فإنه يظل بعيداً عن أي حضور في تلك الروايات، حتى وإن تعلق الأمر بوظيفة التزيينية، لأنه يكون خلفية خارجية لا يمسها الوصف. تقع بعض الأحداث في الشاطئ، كما هو الحال في "المرأة والوردة" و"الأفعى والبحر"، وتتمحور "قبول في الماء" حول غياب مجموعة من الصيادين بعد غرق المركب، إلا أن البحر، سواء بعالمه ورموزه، أم بمكوناته الخارجية، يظل غائباً في هذه الروايات، لأنها تهتم بالحكاية، ولا تهتم بمكونات الفضاء الروائي.
ويمكن أن تعم هذه الملاحظة على الأعمال الروائية التي كتبها محمد زفزاف، حيث يصبح المكان مجرد خلفية خارجية ومن دون أن يشكل سلطة قائمة بذاتها. وإذا كانت الحكاية تستعمل الأفعال، والوصف يستعمل النعوت، فإنه بهذا المستوى المورفولوجي متحقق في كتابات زفزاف الروائية، لكنه لا يرقى إلى مستوى الاشتغال داخل الحكاية، ليؤكد علاقته السيميائية (19)، وترميزه للفضاء الروائي.
إننا نفكر في كون هذه الملاحظات تحتاج إلى دراسة تفصيلية تنطلق من المتن الروائي، ولكننا نسوقها هنا بعجالة كتقديم لدراسة السرد الروائي.
الأفعى والبحر
تتمحور رواية "الأفعى والبحر" حول شخصية أساسية هي "سليمان"، حيث يأتي من مدينة الدار البيضاء إلى مدينة صغيرة تقع على البحر، لقضاء العطلة عند خالته "حليمة". ولا شك أن هذه البنية الحكائية (قضاء فترة في مدينة شاطئية) تتكرر بين "المرأة والوردة" و"الأفعى والبحر" حيث تنتقل الشخصية المركزية من محيطها الأصلي، بما تحمل عنه من ذكريات، إلى فضاء آخر: مدينة صغيرة وشاطئ وامرأة، وهو عنصر يتشابه في بعض جوانبه في الروايتين.
تتكون الرواية من عشرة فصول مرقمة، على عادة الرواية الواقعية التقليدية، إلى التعريف بالشخصيات الأساسية، إذ نلاحظ منذ الصفحة الأولى من الرواية، أنها تشير على خصوصية شخصية "سليمان"، الذي لم يكن عادياً كأختيه: "لم يكن سليمان يشبه أختيه في شيء، فقد كانتا عاديتين إلى حد بعيد..." (11). نعرف أنه طالب "قضى سنة طويلة في الدراسة" (12)، وهو "لا يحب الحركة وإنما السكون" (13)، ويقضي وقته في المطالعة: "إنك تقضي وقتك كله كما أعرف في مطالعة الكتب والنظر البعيد، حتى أني أعتقد أحياناً أنك ستفقد عقلك" (14). كما أن السارد يقدم جوانب من شخصية سليمان من خلال علاقته بثرياً: "ولم يكن سليمان يهتم إلا بخصائص قليلة في المرأة تميزها.
وكانت ثرياً من ذلك النوع من النساء الذي يثير اهتمام شخص مثله لأنه صعب وغير مفهوم إطلاقاً من طرف نوعية خاصة من النساء أنهن ينظرن إليه إما كأب صغير أو ابن كبير لهن. ولم يكن هو يحب ذلك. أما ثريا فيشعر أنها لا تعتبره هذا ولا ذاك، أنها تلائمه، ولا تشبه الأخريات. ولعل ما شده إليها، انطواؤها على نفسها، وعزوفها عن الناس والعالم، واهتمامها فقط بالكتب، الشيء الذي يجعلها تقترب من اهتماماته الخاصة. لكن هو، كان يحب السكون الكامل والخلود إلى الهدوء والانطواء" (15) تتولى الأحداث التفصيلية، لتكشف عن شخصية سليمان، ومن خلال علاقته الجديدة بالمدينة الصغيرة الشاطئية، التي جاء ليقضي بها عطلة الدراسة. وسنرصد تفاصيل هذه الأحداث.
تُكتب الرواية بضمير الغائب. والسارد يسرد الأحداث انطلاقاً من لحظة وصول سليمان إلى المدينة الشاطئية الصغيرة، وحتى دخوله في شبكة من العلاقات الجديدة كما ذكرنا.
وإذن فهناك زمن الذاكرة، ويتمثل في استرجاع سليمان لعلاقته بثريا الغائبة، والتي لم تلتحق به لقضاء العطلة معه، وزمن التفاصيل السردية اليومية، التي تتحقق في بيت الخالة، المقهى، الشاطئ، بيت سوسو، بيت الشابات الأجنبيات، والخلاء الذي يشهد حفلة رقص ليلية. تظل الدار البيضاء مكاناً لأحداث الذاكرة، بينما تتحرك الأحداث المتنامية مع زمن السرد، في المدينة الصغيرة الشاطئية.
تستحضر الرواية ثريا بواسطة ذاكرة سليمان، وبذلك تظل حاضرة في الرواية، غائبة عن المكان الذي تدور فيه الأحداث، وحضورها يرتبط في الرواية عادة بالذاكرة الجنسية عند سليمان:
"وقالت ثريا: إنني لا أحب السحر، لا أفهمه لكن أحب التأمل فقط.
وقال سليمان: أنا مادي، ومثلك أيضاً أحب التأمل في المادة لا في أشياء أخرى. قالت ثريا: مثل ماذا يا حبي؟ قال: مثل لا أدري يا حبي، إن لك جسماً متناسقاً جداً. عليّ أن أتأمل تناسقه (16).
"وقالت ثريا: إنك تتعبني بذلك يا سليمان.
قال سليمان:
-أجد منتهى اللذة في هذا.
-وأنا؟ أين لذتي. فأنا أيضاً أريد أن أعانق شيئاً. لا تكن أنانياً. تعال نتعانق بشكل طبيعي.
-إني أعبد فخذيك.
-أنت تكذب. لو كنت تحبهما لأمكن لك أن تجد أحسن منهما عند امرأة أخرى.
لماذا لا تقول أنك تحبني.
-ولكن فخذيك يا ثريا.
-لا أفهم، انهض. عانقني هكذا، لا تكن شاذاً." (17).
يهمنا أن نعرف كيف تستحضر الرواية ثريا. عادة يتقطع السرد أو الحوار بـ:
"قالت ثريا"، ثم يعود مساره السابق.
في المثال الأول الذي تقدم، كان الحوار دائراً بين سليمان والطفل أخ سوسو، ثم تقطع الحوار عندما أخبرنا السارد بغطس سليمان في الماء، وفرحه العارم، وإحساسه بانطلاقة غريبة مع عالم جميل ورائع، ثم: "وقالت ثريا..."، ليعود السرد إلى متابعة سليمان في علاقته بالطفل أخ سوسو. الطريقة نفسها التي تم بها التقطيع، تتكرر مع المثال الثاني، حيث كان سليمان يتصور أخت الطفل، ثم جاءت النقلة إلى الماضي: "وقالت ثريا..." ويعود السرد بعدها إلى بعض الأحداث التي تقع في الشاطئ.
يرتبط زمن التذكر بثريا وبالدار البيضاء، ويتعلق زمن الحكاية الحاضر بالمدينة الشاطئية الصغيرة، وبشخصيات أخرى هي:
-الخالة حليمة.
-كريمو، صديق سليمان، جاء هو الآخر من الدار البيضاء لقضاء العطلة.
-السي أحمد، شخص يرتبط –بالخالة حليمة، وهو أيضاً يظل غائباً في الرواية.
-سوسو.
-الشابات الأجنبيات.
تحقق الرواية على غرار الرواية الواقعية التقليدية نوعاً من التقابل بين الشخصيات، ففي مقابل غياب ثريا، هناك غياب السي أحمد، حيث يلتقي كل من سليمان وخالته في الارتباط الشعوري بالغائب. كما أن الرواية تقابل أيضاً بين سليمان وكريمو –بالإضافة إلى التقابل الذي سبق أن لاحظنا بين سليمان وثريا –حيث يختلف منظورها للمرأة، كما يقول السارد عن كريمو: "أنه شخص غريب حقاً، مثالي جداً. ويبتعد تماماً عن سليمان في كل شيء. لكن هذا الأخير يحب فيه روحه الهادئ وحبه للحيوانات وحتى كرهه للنساء" (18). وهناك تقابل آخر بين الخالة حليمة وثريا." أما خالته حليمة فهي ضيقة الأفق، لا يستطيع أن يناقشها في شيء، وهي شبيهة بأغلب النساء حتى أن المعري لو بعث من جديد وأخذ يقرأ من رسالة الغفران لما وجدت أن تقول شيئاً سوى أنه قبيح لأنه أعمى. أما ثريا فهي ليست من هذا النوع من النساء.
ليس فقط لأنها ذات عقل وقاد، ولكن أيضاً لأنها ذات عاطفة سامية وغير عادية" (19).
أيضاً نلاحظ التقابل بين مارييطا وثريا حول دخول السجن: "أنت مثلي إذن. أنا لا أحب عائلتي. إنهم برجوازيون كثيراً. منذ سنين وأنا أسافر. أحياناً يرسلون إلي بعض النقود. تاماراً كذلك. مارييطا كانت في السجن هي الأخرى؟" (20).
وكما رأينا في "المرأة والوردة" قيام الحدث الروائي على المزاوجة بين شخصيات مغربية (جو، محمد) وأخرى أجنبية (جورج، آلان، سوز) فإن "الأفعى والبحر"، تسير هي الأخرى في الاتجاه نفسه، حيث تبني على هذا التقابل بين سوسو وثريا والخالة حليمة من جهة، وبين لارا وتامارا ومارييطا من جهة أخرى.
تريد الرواية إذن، أن تصنع بعض المفارقات بين شخصياتها، ولكن هذه المفارقات لا تؤدي وظيفة أساسية في السرد، فالرواية الكلاسيكية، تقيم مفارقاتها على أساس الصراع بين الخير والشر، بين نماذج طيبة ساذجة وأخرى محتالة ماكرة، بين الفقر والتبرجز، وبذلك فهي تصعد بعدها الدرامي، وتنقل إلينا مظاهر الصراع الاجتماعي. أما في "الأفعى البحر" فلا شيء يحدث سوى تزجية فراغ العطلة والتيه بين الجنس والحشيش والثرثرة حول كل شيء، من السياسية إلى إدعاء الموقف من البورجوازية.
الحكاية الأساسية في الرواية، كما رأينا، هي قضاء سليمان لفترة العطلة الصيفية عند خالته في مدينة صغيرة شاطئية. كيف تنبني التفاصيل، وهل استطاعت أن تتمحور حول حدث أساسي يتنامى ويتطور ويتصاعد، ويتقاطع بأحداث أخرى؟
لا شك أن الرواية قد حاولت أن تسد الفراغ الذي يخلفه غياب حدث روائي ما، وبالمعنى التقليدي للرواية، ما دامت "الأفعى والبر" قد ألحت على واقعيتها من خلال تقابل الشخصيات ورسم مكوناتها الداخلية والخارجية، كما حاولت أن تتخيل واقعاً يتحقق في إطار الفضاء الروائي: المدينة الصغيرة الشاطئية بكل مظاهرها العامة.
كيف إذن تتالت التفاصيل، وأية تفاصيل، في حالة غياب حدث روائي متنام ومتكامل؟
الملاحظة الأولى تتعلق بطغيان الطابع الحواري على الرواية، وما دامت الدراسة تتعلق بالسرد، فالحوار نموذج لتقطيع السرد، كما أنه عن طريق مضمونه يستطيع أن يقدم أحداثاً متضمنة. إلا أن حوارية الرواية لا تقربها من توظيف المكون الأساسي للكتابة المسرحية، وإنما يغرقها في الثرثرة التي تؤدي إلى الانتقال من وحدة حكائية إلى أخرى. فالحوار إذن، لا يشكل نوعاً من التكامل مع البناء السردي، وقد لاحظنا كيف أن أخبار غياب ثريا، ورصد الرواية لعلاقة سليمان معها، تأتي إلينا عن طريق الحوارات المذكورة، بين سليمان وثريا.
كما أن الرواية تلجا إلى اقتناص كثير من التفاصيل التي تتعلق بطبيعة المدينة الصغيرة الشاطئية، لتجد لها نوعاً من العلاقة من مزاج وتكوين ومواقف الشخصية المركزية:
سليمان، ونسجلها في عنصرين:
آ-الفيلات الكبيرة التي بنيت بأموال الرشوة، وهذا ما يثير عند سليمان "نقد للبورجوازية وحقده عليها".
ب-المقاهي الصغيرة الشعبية، التي يدخن فيها سليمان الحشيش، والأحياء الفقيرة، وبيوت الزنا... مما يكون محوراً يتقاطع فيه الموضوع الخارجي مع رغبات سليمان، وتكوينه المصاب بهوس الجنس والحشيش.
لكن هذين العنصرين الأساسيين، تتفرع عنهما حكايات صغرى غير أساسية، ولا وظيفة لها في السرد. نشير إلى هذا الجانب ونحن نؤجل مناقشة رؤية الكتابة للعالم، وإنما نكتفي بالإشارة إلى موضوعات لا تأخذ شكل الحكاية في غالب الأحوال، ولكنها ترتبط بمنظور ووعي شخصيات الرواية، كما ينقله لنا السارد:
-ص 10: لا شيء يتغير في المدينة الصغيرة.
-ص21: الموقف من البورجوازية المتمثلة في (بن).
-ص25: انتهازية سليمان ورغبته في الاستفادة من (بن).
-ص28: المقارنة بين الصيادين وبين الأغنياء الذين يبنون الفيلات.
-ص31: الرشوة.
ص38: حوار حول الطبقة البورجوازية.
-ص. ": معاناة سليمان من غياب ثريا ومن وجود البورجوازية.
-ص84: الإشارة إلى التصميم الخماسي.
-ص98، 99: الحرب، الإشارة إلى بعض القضايا التي تحيل على زمن الرواية المادي.
أوردنا هذه الإشارات لا لنحاورها على أساس تصوير الرواية لرؤيتها للعالم، ولكن لكي نوضح مدى تعيش الرواية على خطاب نظري سابق، يقدمه السارد من خلال مواقف الشخصيات وبكيفية جاهزة، من دون أن ينسجم هذا الخطاب في أحداث تفصيلية يومية.
وهكذا نميز بين الحافز: الفيلات والبراريك، وبين التعلق الذي يأخذ بعداً نظرياً من خلال مواقف الشخصية الأساسية: سليمان. على أن الرواية، كان بإمكانها أن تتوفر على البساطة الواقعية في سرد الأحداث والتفاصيل اليومية، ونترك للقارئ إمكانية تأويل المعنى، أو استخلاصه من الأحداث بدلاً من الاحتفاء بالتفاصيل الجاهزة التي لا تجسمها الأحداث، أو تتناقض معها (سليمان يكره البورجوازية، وينتقد (بن) والوزراء المرتشين، وهو في الوقت نفسه، يربط بين نقده السياسي وبين تفسخ البورجوازية الجنسي، وهو أيضاً، يقود خالته لصديقه كريمو، ويمارس أسلوباً إباحياً في ممارسة الجنس مع بنت (بن)، وينتهر، ويتحشش...) أما العنصر الثاني فتتفرع عنه حكايات صغرى غير أساسية، ومن حقل مختلف، ما دامت ترتبط ببعض مظاهر العيش في المدينة الشاطئية الصغيرة، وسليمان، ونورد لذلك بعض الأمثلة:
-ص 27، 28: تلهي سليمان باصطياد ذبابة.
-ص 35: استدعاء ثريا من الذاكرة.
-ص 35، 36، 37: علاقة سليمان بالطفل أخ سوسو.
-ص 42: حديث سليمان وكريمو حول سوسو وأمها...
-ص 43: حب الكلاب والقطط والجرذان والسماء والماء.
-ص 44، 45: مقابلة بين وضع المدينة قبل وفود المصطافين من الدار البيضاء، وبين صخبها بعد ذلك.
-ص 45: حادث اختصام بين امرأة وزوجها.
-ص 47: حوار تعليقي عن الحادثة السابقة، وحول القطط والكلاب والجرذان.
-ص 49: حوار بين سليمان وكريمو حول الفرق الصوفية. الحافز: سماع صوت البندير والدعدوع.
ص 61: ممارسة الجنس وتدخين الحشيش في بيت سوسو.
-ص 65: سليمان في الشاطئ في انتظار سوسو.
-ص 67 إلى 69: تعرف سليمان وسوسو على كاري الفتاة الأجنبية.
-ص 62 إلى 82: جلسة الحشيش والثرثرة في بيت الشابات الأجنبيات.
-ص 78: حفلة رأس الحانوت.
-ص 83 إلى 95: اقتراب سليمان وكريمو من حفل يقام في العراء بحثاً عن الخمر والحشيش.
-ص 95 إلى 107: لقاء سليمان وسوسو في مقهى شعبي وإثارتها لرغبة رواد المقهى.
-ص 110 و111: رأي الإسكافي في تاريخ الزنا بالمدينة وعلاقة ذلك باليهود الذين استوطنوها.
-ص 112: حكاية الأميرة مع المتظاهرين المطالبين بالخبز.
وعلى كل فإن هذه الإشارات لبعض الأحداث التفصيلية الصغيرة تستطيع أن تبين عدم انسجامها داخل وحدة حكائية كبرى، ومن ثم فإن الرواية تحشد كل هذه الأحداث الصغرى لسد الفراغ وتسويد الصفحات.
على أن ثوابت الحكاية الأساسية، هي نقد سليمان للبورجوازية، مع سقوطه في التفسخ والانتهازية، وأيضاً بعض التفاصيل اليومية التي تتمحور حول الخمر والحشيش والثرثرة.
فما الذي أرادت أن تكتبه (تسرده) الأفعى والبحر؟ أن فراغ الرواية من الحدث، بالمعنى الذي تحيلنا عليه الرواية الواقعية، هو ما يجعل مهمة الكتابة معرضة لصدفوية المشاهدة، وللحوادث المفتعلة التي تثير تعليق الشارد أو الشخصية الروائية، وهكذا تتكون التفاصيل التي تتضخم في إطار التراكم، من دون أن ترتبط بعلاقات البنية.
بالإمكان تصور سرد تائه، سرد هذياني، يتوجه من نقطة البداية نحو مسار غير معروف سلفاً، كالنهر الذي يحفر مجراه، لكن السرد الذي يكتبه محمد زفزاف، يكون قد اكتسب محدداته من لحظة ما قبل الكتابة عن طريق تحديد الزمان والمكان الروائيين، والحدث الأساسي، من دون أن يقوى على تفجير طاقات أخرى ممكنة.
التقطيع السردي:
أشرنا إلى أن السرد في الرواية يتقطع بمجموعة من الحوارات التي تشكل تراكماً كمياً في الرواية. كما أن السرد يتقطع من خلال استحضار ثريا: "قالت ثريا....".
ونلاحظ تقطيعات أخرى في مسار السرد، ففي ص 17 نقرأ: "كان الآخران الآن يلعبان، ورآهما ملتصقين بعد ذلك واقفين.. وتخيل ما يمكن أن يحدث في خلوة كتلك بين رجل وامرأة... فتشهي ثريا. الفتاة الوحيدة التي تشعره بدفء خاص. فقد كان يشعر وهماً ملتحمان بأنهما لن يفترقا أبداً. شعور لم يعرفه مع امرأة أخرى. فقد كانت الأخريات ينظرن إليه. فترهبه نظراتهن التي تبدو ماكرة وغادرة. أما ثريا فتغمضهما بصدق وتصدر عنها أنات دافئة، يشعر معها هو، بأنها نهاية له من الوقت. لكنه مع الأسف طاقته محدودة. طاقة أي رجل محدودة.
أليس كذلك يا ثريا؟" (21).
يكون سليمان في الشاطئ، ورؤية رجل وامرأة يطاردان بعضهما في الماء، تشكل حافزاً لدى سليمان لتذكر ثريا. وبذلك تتم النقلة السرمدية من الزمان والمكان: حاضر سليمان في المدينة الشاطئية خلال العطلة، إلى ماضيه في الدار البيضاء، من خلال علاقته مع ثريا.
تتم النقلة من خلال: رأى.. تخيل.. تشهى.. وهي أفعال تبين من خلال تتاليها دور الحافز: الرؤية التي تؤدي إلى التخيل، والتخيل الذي يؤدي إلى التشهي. وينتهي هذا المقطع السردي بتوجيه النداء إلى ثريا عن طريق استحضارها من الذاكرة، وكأن سليمان ينتظر منها أن توافق على أن "طاقة أي رجل محدودة. فالنداء (أليس كذلك يا ثريا) له وظيفة استحضار الغائب، ومواجهته بالسؤال. وبذلك ينتقل السرد من استعمال ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب.
في الصفحة 34، 35، 36، نقرأ:
"أخذ سليمان ينظر إليه (كريمو) في تفكير وهو يشق طريقه إلى الماء وسط الناس المنتشرين على البلاج تحت. إنه شخص غريب حقاً، مثالي جداً. ويبتعد تماماً عن سليمان في كل شيء. لكن هذا الأخير يحب فيه روحه الهادئة وحبه للحيوانات وحتى كرهه للنساء.
يتجنبهن عن مذهب لا عن شذوذ. الشيء الذي ليس في ميسور أحد وساءل سليمان نفسه فيما إذا كان بمستطاعه هو أن يتجنب ثريا.
أن يتخلى عنها. ويحاول أن يحلل هذه الفكرة ويقنع نفسه ولو مؤقتاً، وفي هذه اللحظة بالذات، بأن ابتعاده عن ثريا ممكن. ذلك كله عبث في عبث، فسرعان ما أخذت تظهر له عارية، وهي تتنهد، تبكي أحياناً، تغمض عنينها، وتتلوى بين ذراعيه، وتحت جسمه.
رأى أيضاً شعرها الأسود الجميل وقد غطى كل وجهها. كان نهداها مستديرين واقفين وبينهما فجوة مريحة للرؤيا، كانت له كلها روحاً، وكل شيء. يفكر في هذه المخلوقة الجميلة التي تبعث فيه إحساسات نرسيسية قديمة. وأخيراً، لم يكن في إمكانه أن يقنع نفسه بالافتراق عنها. وكان متأكداً أيضاً، أن الأمر سواء بالنسبة إليها. ثم طرد ذبابة كانت تحوم حول وجهه. ورأى عندما اختفى كريمو من أمام عينيه.. صديقه الصغير الذي لا شك يبدأ أسرته بـ (بن)، وقرر أن يذهب وينادي عليه ليسأله عن أخته، حتى عن أمه إذا كان ذلك ممكناً. وأغلب الظن أن أمه ستلبي رغبته أكثر مما ستفعل أخته".
نلاحظ استحضار ثريا يأتي بعد وصف موقف كريمو من النساء. يرتبط هذا الاستحضار بمدى قدرة سليمان على التخلي عن ثريا، ثم يتم استحضارها عن طريق (أخذت تظهر له...) بعد أن تدرج الموقف إلى ذلك من: ساءل سليمان نفسه.. حاول أن يحلل الفكرة. ويظهر في هذا المقطع واضحاً، أن السرد قد تقطع مرات عدة، فقد تتالت الأحداث على الشكل التالي:
-انطباع سليمان عن كريمو.
-كره النساء.
-مدى إمكانية التخلي عن ثريا.
-تخيلها عارية.
-طرد ذبابة.
-اختفاء كريمو.
رؤية الصديق الصغير.
-رغبة سليمان في أخت الطفل وأمه.
ففي هذا المقطع السردي الصغير، تتراكم النقلات المتعددة، ولا شيء يربط بينها سوى ذات سليمان وتخيلاته وأوهامه ورغباته، حتى وإن كانت هذه الأحداث الجزئية الصغيرة التي تقع في ذاكرته أو في الخارج، لا تتوفر على أية نسبة من التماسك والوحدة، لتشكل بنية حكائية. إنه التراكم.
الرؤية السردية:
تسرد الرواية بضمير الغائب، فمنذ السطر الأول نقرأ: "كان سليمان قد وصل إلى المدينة الصغيرة...". والسارد في الرواية كما رأينا، لا يسرد حكاية متماسكة البقاء، وإنما يسر تيه سليمان في دروب الرغبة والحشيش، وبذلك فهو يخلق تفاصيل الحكاية من المشاهدة والصدفة، ليجعل منها مناسبة للتعليق. وننقل مجموعة من النصوص التي تحدد الرؤية السردية، ثم نأتي إلى مناقشتها:
1)"ورأى عندما اختفى كريمو أمام عينيه، صديقه الصغير الذي لا شك يبدأ اسم أسرته بـ "بن)، وقرر أن يذهب وينادي عليه ليسأله عن أخته" (22).
2)"أمه على كل حال لن تكون ذات جسد طويل نحيف ولا بد أنها سمينة مثل بقرة مترهلة، كثيرة الفكاهة. وتعمل شيء من أجل إسعاد الشاب الذي يشبع رغبتها النهمة" (23).
3)"يفعل ذلك بأصبعه ويفكر في هذه المخلوقة التي تبعث فيه إحساسات نرجسية قديمة" (24).
4)"انسحبت الخالة وتركته يسرد أسماء الذين يعرفهم والذين يتأوهون ويستلذون ذلك، وفي قرارة نفسها كانت تقول أن معه الحق، فهي مثلاً تتأوه عندما يذكر اسم السي أحمد فقط. وربما تأوهت عندما ترى كريمو" (25).
د)"كانت ترتدي سروال جين قديم.. تصور سليمان أنه مفتوح من الأمام. وقال أنها لا تخجل. لكنها عندما اقتربت لم يكن سروالها مفتوحاً ولا هم يحزنون" (26).
6)"أيديهم تقوم بحركات هستيرية في الفضاء" (27).
7-7 لم يكن يهتم بها سوى رجل يمكن أن يكون زوجها" (28).
8)"وسمع من خلفه صوت رجل يقول:
(الله على حليوة). أما مالم يسمعه فكان كما يلي: (قال رجل ملفوف...)" (29).
السارد كلي المعرفة، فهو يستطيع أن يعرف عن شخصيات الرواية أكثر مما تعرفه عن نفسها. نتساءل: من قدم المعرفة للسارد بكون اسم أسرة الطفل يبدأ بـ (بن)، ومن أخبره بأن أمه لن تكون ذات جسد طويل؟
أنه يعرف، ولا نعرف من يأتي بالمعرفة. كما أنه في المثالين: 1، 2 يستعمل صيغ التأكيد والنفي: لا شك –لن تكون. وفي المثال الرابع، يتحدث السارد عما في قرارة نفس الخالة". كما يستعمل صيغة الإمكان والاحتمال: "يمكن أن يكون زوجها" مبدياً تكهناته حول العلاقة بين الرجل والمرأة التي أغشي عليها في حلبة الرقص. أما في المثال الثامن، فهو ينقل لنا ما سمعه سليمان في المقهى، وما لم يسمعه من أحاديث بين رواد المقهى، مؤكداً على معرفته الكلية بالشخصيات وبما يقع خارجها.
كما نلاحظ أن السارد يستعمل كلمات معينة، ذات بعد ثقافي، لوصف الحالة التي يتعلق بها السرد. ومن ثم فالرواية لا تلجأ إلى الوصف والتشخيص، ويعطي السارد لنفسه حق اختصار كل ذلك بكلمات تحيلنا على البعد الثقافي: إحساسات نرجسية /حركات هستيرية/ ولا هم يحزنون (كما في الأمثلة: 3، 5، 6). وبذلك يكون النص قد عبر عن هوية السارد الثقافية، وهو هنا يلتقي في هذه الهوية، مع الشخصيات (سليمان وكريمو)، وإن كان يفوها معرفة بأحداث الرواية.
نضيف إلى هذه الملاحظة حول السارد، أن الرواية تشير من حين لآخر، إلى اهتمام كل من سليمان وكريمو بالقراءة والكتب.
وتتم الإشارة لـ: "ريكله"، "أبي اسحق الصابيء" "راندولف كارثر"، "أبي العلاء المعري". فمن هو سليمان ومن هو السارد في الرواية؟.
عنوان الرواية:
نلاحظ أن الرواية تغتصب رمز الأفعى، وتحيلنا بطريقة مباشرة، على أنها "سوسو" ثم رأى جسماً آخر أروع في الخارج، كان يتحرك ويتلوى مثل جسد أفعى، ولم يكن هذا الجسد سوى جسد سوسو" (30). الأفعى ترمز في آن واحد إلى الروح وإلى الشبقية أو الغريزة، وقد رأينا كيف أن الرواية تفضح رمز الأفعى وتفسره بالإحالة على أنها سوسو. أما البحر، فقد اغتصبته الرواية هو الآخر، حين جعلت منه مجرد ديكور خلفي، أو أرضية مكانية للأحداث، من دون أن تحاوره أو ترمزه وتخلق أبعاده وحالاته في علاقة تنامية مع الكتابة الروائية.
ويمكن أن تنسحب هذه الملاحظة على كل الرواية التي تقارب البحر، عند محمد زفزاف.
بيضة الديك وتعدد الأصوات السردية
"ولو ذهبت إلى طنجة لحملت لمحمد شكري زجاجات ويسكي مهربة، لكني حتماً سأمنعه من خنق النساء، لا لشيء، إلا لأنني لا أريد لكاتب أن يموت من الرواية ص 64
تتكون الرواية من ثمانية فصول معنونة تتناوب الشخصيات على سردها بضمير المتكلم، باستثناء الفصل الأخير الذي يسرد بضمير الغائب، وهي كالتالي:
-باب من فتح الله عليه، يسرده رحال.
-باب التي وجدت ما أرادت تسرده الحاجة.
-باب النساء، يسرده عمر.
-باب التي تكره أباها وتحب الرجال، تسرده غنو.
-باب الحب في مراكش، تسرده كنزة.
-باب الكيد، يسرده رحال.
-باب الخيانة، يسرده السارد بضمير الغائب.
نبدأ بتحليل هذه العنونة. أن هذا التقسيم للفصول الروائية وعنونتها بـ:
"باب..." يحلينا على النص الخلفي، ويوحي لنا بأن الرواية تستند إلى مفهوم معين لعلاقة الرجل بالمرأة، كالذي نجده في بعض الكتب القديمة التي شغَّلت أبوابها بـ "وصف" مظاهر هذه العلاقة. ونتذكر هنا "الروض العاطر" و"رجوع الشيخ إلى صباه"، ما دامت هذه الكتب هي الأخرى تمتلك سلطة الحكي، وتمرر خطابها الضمني عن مفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة. إلا أن هذه العنونة، بالنسبة لـ "بيضة الديك" إنما هي مجرد حلية، فتسمية "باب" تأخذ بعداً تزيينياً، وإن كانت "الأبواب" تتمحور حول علاقة داخلية تتكون من: "التي وجدت ما أرادت" و"التي تكره أباها وتحب الرجال"، "النساء"، "الحب"، "الكيد"، "الخيانة". وفي مقابل هذا المستوى الأنثوي، يحضر الرجل "الذي فتح الله عليه" و"الكاتب".
كما أن الرواية توضح عنوانها الأساسي، نقرأ في ص 22، 23: "لم يفكر ذلك العجوز أبداً في الزواج. ولكنه مرة اقترح علي ذلك، ولماذا لا أفعل؟ سوف يصبح البار ملكي.
والديك لا يبيض إلا مرة واحدة كاذبة في الحياة. يكفيني أنني استطعت أن أعطي القدرة للديك لكي يبيض" /"ثم يبيض الديك مرة ثانية، فيموت العجوز وأصبح صاحبة البار" /"غير أن البيضتين كانتا فاسدتين.
توفي الكتكوتان في المهد". الحاجة، هي التي تحكي، و"بيضة الديك" كما نلاحظ هي الحلم المستحيل الذي تحقق: زواجها من صاحب البار، ثم لتصبح صاحبته، وفساد البيضتين هو ضياع الحلم على أن الرواية وهي تفسر عنوانها بهذه الطريقة، تضيع على القارئ فرصة الدخول في العلاقة مع العنوان، وإيحاءاته المتعددة والممكنة، كارتباط بالنص، أو التجريدية الإيحائية.
البنية الحكائية:
تتسع الرواية لتشمل الجوانب الخاصة من حياة كل شخصية روائية تسرد عن نفسها.
ويمكن أن نتعامل مع هذه الرواية على أساس أنها تتكون من حكاية أساسية، وحكايات أخرى تتوازى وتتجاوز معها. الحكاية الأساسية، تتمركز حول كل من "رحال" "وغنو" التي تسمي نفسها "جيجي" في علاقتهما بكل من "عمر" و"الحاجة" و"الكاتب"، إلى جانب علاقات أخرى ثانوية تربطهما بـ "دحو" و"المخنتر" و"حسن".
ونلاحظ أن هذه الحكاية تتمحور حول خط سردي طولي يتدرج كالآتي:
طرد رحال من المدرسة حصوله على عمل في الصيدلية انفصال عن العائلة سكنه في غرفة سطح عمارة تملكها الحاجة إسكانه لدحو والمخنتر وحسن معه في الغرفة تعرفه على غنو وإسكانها في الغرفة مع الجماعة حصوله على عمل معها في الملهى إفراغ الثلاثة للغرفة تعرفهما على الكاتب الذي أخذ يزورهما باستمرار خيانتها لرحال مع الكاتب في نهاية الرواية.
نعتبر هذه الحكاية أساسية في الرواية، لعدة اعتبارات:
1-لكونها تتنامى بدءاً من الفصل الأول (باب من فتح الله عليه، وإلى الفصل الأخير (باب الخيانة).
2-لأن رحال يسرد ثلاثة أبواب من الرواية هي: (باب من فتح الله عليه) –(باب الكيد) –(باب طبيعة الكاتب).
3-لكون هذه الحكاية، تظل حاضرة داخل الأخرى الموازية.
تخترق هذه الحكاية الأساسية حكايات أخرى، لا نعتبرها ثانوية، لأنها تتميز بخاصتين:
1-التداخل مع الحكاية الأساسية الأولى التي وصفاها.
2-الاستقلال النسبي عن هذه الحكاية، من خلال مكونات سردية تفصيلية لا علاقة لها بالحكاية الأساسية.
تتعلق هذه الحكايات ببعض الشخصيات الروائية، وهي تتمحور حول كل من الحاجة، وعمر، وكنزة. أما الكاتب، فنلاحظ أن السرد يسرد عنه بضمير الغائب، ويستحضره في بعض المواقف، أو خلال الحوار. ويمكن أن نرصد أحداث هذه الحكايات وأزمنتها كالآتي:
حكاية عمر:
ماضي الحكاية يرتبط بمراكش كمكان، والحدث، هو اغتصاب عمر لكنزة والفرار إلى الدار البيضاء وبالعيش مع الحاجة، التي تدعي أنه ابنها وهو يرفض هذا الإدعاء، ويقبل بالعيش معها كعشيق ما دام لا يجد مجالاً آخر للعيش.
حكاية الحاجة:
ماضي الحاجة يتكون من مجموعة من التفاصيل ترصدها كالآتي: موت أبيها اليهودي علاقة أمها اليهودية بمسلم:
(السي العربي) أسلمت وتزوجت مسلماً اختفى من حياتها عملت في بار العجوز الشاذ جنسياً تزوجته ورثت البار بعد موته اشترت عمارتين دخلت في العلاقة مع عمر بعد أن خلصته من السجن بواسطة معارفها من رجال السلطة حجت إلى مكة طالبة أن تنجب وهي العاقر.
أما حاضر الحكاية، فيتكون من تحريضها لعمر على رحال لترحله من العمارة، ثم تعاطفها مع رحال وغنو، ثم كراهيتها للكاتب الذي يزورهما باستمرار، ويظل كل يوم صاعداً نازلاً على أدراج العمارة، وأيضاً، انشغالها بالشراب والقوادة والعلاقة ببعض رجل السلطة.
حكاية كنزة:
ماضي الحكاية: تعطلت دراجتها في الطريق إلى المدرسة اقترب عمر وساعدها على إصلاح الدراجة أحبته اغتصبها ربطها والدها طيلة أيام هرب عمر ولم يتزوجها خرجت من الدراسة.
حاضر الحكاية: لا تعرف ما تفعل بنفسها.
مستقبل الحكاية: الرغبة في البحث عن عمر في الدار البيضاء.
على أننا نعود إلى مكونات حكاية كل من "رحال" و"غنو" لتحليلهما في إطار الخصائص التي تتكون منها كل من الشخصيتين الروائيتين.
حكاية رحال:
ونحلل تناميها في الرواية، داخل طولية الخط السردي، ما دمنا تعرضنا لخلفياتها في الماضي ضمن الحكاية الأساسية في الرواية ثقته في غنو ويقينه بأنها تحبه خصومته الدامية مع عمر تصالحه مع عمر انسحاب حسن من الغرفة التقاء دحو بأوروبي شاذ في حديقة السندباد عرض عليه ثروته دحو يسرق نقود الأوربي تأثيث البيت الموجود على سطح العمارة:
الورق الملون والثلاجة والستيريو رحال يجد متعة خاصة في الاستماع إلى الكاتب رغم أنه لم يقرأ له استدعاء رحال الكاتب للبيت خفره للكاتب في الملهى وتمريره لبعض البيرات مجاناً.
ونلاحظ أن رحال ينوب عن ودحو في السرد، فهو يسرد عنهما بضمير الغائب، ويسرد عن نفسه بضمير المتكلم، وبذلك فالرواية تقدم لنا حكاية دحو مع الأوروبي الشاذ جنسياً، مسرودة من خلال رحال.
حكاية غنو:
وهي تتحرك في زمنين: الماضي والحاضر الذي يتنامى في الرواية.
ماضي الحكاية: قحبة في حي مبروكة مطرودة من المدرسة ترسل نقوداً لعائلتها أبوها ينفق نقوداً على شيخة في درب ميلاً تتعرف على رحال.
حاضر الحكاية: حلم تغيير الغرفة والزواج من رحال الحاجة تعتبرها ابنتها نصيحة الحاجة بطرد الآخرين من الغرفة وتأثيثها الفتيات في الملهى يحمن حول رحال وهو لا يعيرهن اهتماماً الإعجاب بالكاتب الخروج معه إلى مقهى المونتغمري التكاشف حول الخيانة ورد فعل رحال.
وبالفعل فإن حكاية رحال وغنو تتداخل، سواء بين هاتين الشخصيتين، أو مع شخصيات روائية أخرى. إلا أن الرواية تلح على الشخصيات أكثر مما تلح على الحدث نفسه، بدءاً من اعتمادها على تعددية اللوحات التي تسردها هذه الشخصيات بضمير المتكلم، وإلى تخصيص حيز هام لمكوناتها الشخصية، وذاكرتها، في الرواية. من هنا تتحقق بعض التقاطعات بين الحكايات: أحداث معنية تتكرر، من سرد شخصية لآخر. إلى جانب كون هذه الشخصيات تعبر عن وجهة نظرها في الأحداث. فهل "بيضة الديك" هي رواية وجهة النظر؟ لا نرى ذلك، لأن رواية وجهة النظر، تتركز على حدث معين يتميز بالوحدة، وتختلف الشخصيات في سرده انطلاقاً من وجهة نظرها، على أن ما لاحظناه في بيضة الديك، هو أن الشخصيات تستهيم في الحديث عن الماضي (ماضيها) الذي ليست له علاقة جوهرية بالحدث الأساسي، ومن هنا فإن "بيضة الديك" هي رواية الشخصيات، وليست، رواية وجهة النظر.
ويهمنا أن نعرف ما هي التقاطعات التي تلتقي فيها الحكاية الأساسية والحكايات الأخرى المجاورة. هناك عناصر حكائية تتكرر من باب لآخر، بين سرد شخصية وسرد أخرى.
ففي ص 9 من الرواية مثلاً (يسرد الفصل رحال) نعرف أن الحاجة يهودية أسلمت، وهو الشيء ذاته التي نتعرف على تفاصيله في الباب الثاني الذي تسرده الحاجة. في الصفحة 13، وفي الحوار الذي يدور بين رحال وعمر، خلال جلسة تصالحهما، يقول عمر: "أنا من مراكش. اغتصبت فتاة...." وهو الحدث نفسه الذي نتعرف عليه في الباب الخامس (باب الحب في مراكش) الذي تسرده كنزة، الفتاة التي اغتصبها عمر. في الصفحة 12، يقول رحال لعمر." أعرف أنك لست ابنها بالتبني" وهو الشيء الذي يتكشف عنه الفصلان اللذان تسرد أحدهما الحاجة (باب التي وجدت ما أرادت) ويسرد الثاني عمر (باب النساء) كما أن حادثة الخصومة بين رحال وعمر، تتكرر ثلاث مرات: سردها رحال بضمير المتكلم، تحاور حولها مع عمر، استعادتها الحاجة. وفي ص 34، يقول عمر، وهو يعود إلى موضوع إدعاء الحاجة بأنها تتبناه "أن بعضهم يتقول علي...". وأيضاً، فإن "اعتداء" وكيل النيابة العامة، على الحاجة الذي أدى إلى إغلاق البار، يتكرر مرتين، الأولى من خلال سرد الحاجة لتفاصيل حياتها في الماضي، والثانية في ص 56 على لسان رحال (بابا الكيد): "في الحقيقة هناك أشياء كثيرة تحيرني، مثل الضمير، العقل، الروح، أين هي هذه الأشياء؟ وفي أي مكان من أجسادنا توجد؟ وأتصور أحياناً، أن الإنسان لو استطاع العثور على مكامنها في الجسد لحلت الكثير من المشاكل اليومية، لكف الناس عن الاقتتال فوق السطوح، ولأغلقت النساء أفواههن التي تشبه المزابل في حالات الغضب، ولعاد كل قائد مقاطعة إلى زوجته وكف عن خيانتها، ولما اعتدى وكيل نيابة أو كوميسير على امرأة مسكينة بئيسة تدير باراً عادياً...".
ونلاحظ في هذا المقطع كما أشرنا، أنه يحيل على إغلاق بار الحاجة من طرف وكيل النيابة، كما قرأنا في الفصل الذي سردته الحاجة نفسها، ولكننا نلاحظ أيضاً، الإشارة إلى تقرب قائد اسني، الذي ذهب إليها عمر وكنزة للتفسح، كما يسرد الحادثة (باب الحب في مراكش) على لسان كنزة:
"ذهبنا مرة إلى اسني وتمتعنا برؤية الخضرة والأشجار وسبحنا في المسبح هناك، وقدم لنا قائد المقاطعة مشروبات على حسابه. كم كان ظريفاً ذلك القائد لكن عمر لم يحبه.
لأن القائد سكر وأخذ يقرب خياشمه من نهدي فسحبني عمر من ذراعي وعدنا إلى مراكش" (31).
إن هذه الثوابت، التي تتكرر بين حكاية وأخرى بين سرد وآخر، تقوم بدور تلخيصي، وكأنها تهدف عن طريق هذا التكرار إلى تكوين علاقات البنية، بين هذه الحكايات المتجاورة لتخرج من التراكم الكمي الحكائي.
الرؤية السردية:
يبدو واضحاً، أن الرواية تجعل الشخصيات هي التي تسرد عن نفسها، باستثناء الباب الأخير (باب الخيانة) الذي يتميز عن الأبواب السابقة بكون السارد هنا ليس هو إحدى الشخصيات الروائية، ولذلك نراه يسرد بضمير الغائب، عن اللقاء الذي تم بين "الكاتب وغنو" في الشارع، وفي مقهى المونتغمري، حيث يتكاشفان حول خيانتهما لرحال الجنسية، وحيث يخجل "الكاتب" من هذه الخيانة التي كان مدفوعاً إليها بإغراءات غنو، أما هي، فتؤكد له أن رحالاً لن يغضب إذا ما عرف ذلك، لأنها مجرد قحبة.
وإذن فكل الأبواب السبعة السابقة يتساوى فيها السارد مع الشخصية في المعرفة، أي أن السارد يعرف عن الشخصيات مثل ما تعرفه عن نفسها، وبذلك تكون هذه الرواية، قد تميزت عن روايات محمد زفزاف السابقة، بهذا التميز في رؤية السارد (الرؤية مع) إلا أننا نبدي بعض الملاحظات، حول خيانة الكتابة الروائية لهذه الرؤية السردية:
1-يخول السجل اللغوي والمعرفي الذي يستعمله السارد، رؤيته السردية، حيث لا تتطابق هذه اللغة مع المستوى الاجتماعي والثقافي للشخصيات، وتلجأ الرواية إلى تبرير هذه الاستعمالات في بعض الأحيان، عندما تنسبها إلى الأستاذ. ونعطي أمثلة تبين هذا التراوح في استعمال اللغة عند الشخصية /السارد، بين التعابير الشعبية والكلمات التي تحيلنا على ثقافة ما:
أ-تقول الحاجة لرحال: "هل تعجبك هذه الحياة. ماذا سوف تأكل. تبدأ أول الأمر كشكام. ويضع الكاتب بين قوسين (مخبر) ليشرح كلمة شكام الدارجية (32).
ب-يقول رحال: "وكثيراً ما تمنيت أن يقع زلزال في الدار البيضاء حتى يصبح عاليها سافلها وسافلها عاليها. ولكن أبعد الله عنا الشر. أولئك الكلاب سوف ينتفضون كما تنتفض العنقاء من الرماد، ويبنون ثروتهم من جديد (33). فرحال يستخدم رمز العنقاء، وهو قواد في ملهى كما تصفه الرواية، أو كما يقدم نفسه من خلالها، وهو أيضاً مطرود من المدرسة ولم يصل إلى مستوى البكالوريا.
ج-ونلاحظ كيف أن عمر يستعمل بعض التعابير التي تتردد بين الصيغ الدارجية وبين الإحالة على ثقافة السارد، ونعلم أن عمر هو السارد والشخصية في نفس الوقت: "لماذا سميت النساء نساء؟ قال والدي: لأن الله نسيهن من رحمته. واك.. واك.. هذا أبلغ تعبير سمعته في حقهن" (34). ويقول: "أصل كل شيء في الحياة أن يبقى الناس في وهمهم يعمهون" (35). كما يقول "الحياة في مراكش تمر في بطء وهريد النائب" (36).
د-تقول جيجي عن والد رحال: "لم يكن شريراً ولكنه كان غبياً وكسولاً، لا يعمل ولو حبة خردل من ذكاء لتحويل بعض منافع الحياة لصالحه" (37).
ولقد اخترنا هذه الأمثلة، لتدل على تنوع الشخصيات: (الحاجة رحال، عمر، جيجي) وهي في هذه الرواية شخصيات تتساوى مع السارد في المعرفة، كما توهمنا المعرفة، كما توهمنا القراءة الظاهرية، إلا أن هذه الشخصيات تتردد، كما لاحظنا، في استعمال سجل لغوي ينتمي إلى مكوناتها الاجتماعية والثقافية، أو آخر يحيلنا على ثقافة السارد، وبذلك تخون الكتابة الروائية رؤيتها السردية (الرؤية مع)، التي تكون قد حددتها سلفاً.
2-كما أن الرواية تحفل ببعض الإشارات الثقافية التي لا تتوافق مع المكونات المعرفية للشخصيات، ونقدم على ذلك بعض الأمثلة:
أ-يشير عمر إلى الشاعر محمد بن إبراهيم بالإشارة التالية: "هم في مراكش يحبون شاعراً كان يشتمهم ويمدح أسيادهم" (38).
ب-تقول جيجي عن غياب والدها ووضعها العائلي: "تركنا وذهب ليعيش مع قحبة في درب ميلا. من يدفع ثمن الكراء ومن يدفع نفقات البيت على أطفال، زغب الحواصل لا ماء ولا شجر، كما علمني أستاذ العربية الذي نكحني لأول مرة" (39).
ج-مرة أخرى تقول جيجي في حوار لها مع رحال: "زغب الحواصل لا ماء ولا شجر".
ويضع الكاتب بين قوسين: (تذكرت الأستاذ) (40)
د-يقول رحال: "قال لنا مدرس العربية ذات يوم: اعمل لرزقك كل آلة لا تقعدن بكل حالة" (41).
ه-يقول السارد في الباب الأخير عن الكاتب: "قال لنفسه هذا أوان الشد. ثم حمل الكأس إلى فمه وأعادها على ظهر الطاولة أو على ظهر وضم. ما يهمني إذا اشتدت الزيم؟" 42). وهنا نلاحظ أن السارد يحيلنا على الأبيات المنسوبة للحجاج، والتي وردت في خطبته المشهورة. والإحالة هنا ليست وظيفية، ولا تستطيع أن تخدم أي بعد تناصي، وكل ما في الأمر أن السارد يفرغ مقروءاته وذاكرته المعرفية، وبصورة لا تستجيب لضرورة السياق السردي.
3-ما معنى أن نقرأ في نهاية الباب الذي تسرده كنزة: "ومع ذلك، لا بد أن أزور الدار البيضاء ولا بد أن أرى عمر. وأنا متأكدة من أن عمر هو أيضاً يرغب في أن يراني."
وأن نقرأ في الهامش، في أسفل الصفحة:
"م. ز: احلمي طول عمرك. والله لن تشوفي عمر في حياتك يا خوينزة. ما أنت بالأولى ولا بالأخيرة. ما كل امرأة تتزوج من تحب وما كل رجل يتزوج من يحب.." (43).
لا شك أن م. ز، هول التدخل المباشر في الأحداث، من طرف الكاتب، معلناً عن اسمه بالأحرف الأولى، الكتابة الروائية؟ وهل يستطيع هذا التعليق، أن يكشف لنا عن هوية السارد الحقيقية، التي حاولت أن تتخفى من خلال الشخصية التي كانت تتولى مهمة السرد؟
4-نقرأ في ص 63: "يأتينا الكاتب أيضاً في المساء، أمرر له بيرات مجاناً، إنه يستحق ذلك، لأنه صديق وهو أعز عندي من أبي وأمي وبؤبؤ عيني. إنه يستحق ذلك لأن رأسه عامرة بالعجب. الله الله! ما أروع أن يثر في بلادنا أمثاله. وقال لي أن في بلادنا كتَّاباً كباراً، وله واحد منهم صديق مشهور في العالم اسمه محمد شكري يعيش في طنجة.
أنا أريد أن أراه قبل أن يموت". "محمد شكري! سأقرأ السوناتا التي كتب. ولماذا لا أقرأ لكتابنا؟ وقال لي أن هناك كتَّاباً آخرين كباراً، إلا أن بعضهم توقفوا عن الكتابة لأنهم تزوجوا وشغلت زوجاتهم كل أوقاتهم، وزجنهم في الحياة اليومية. البطاطيس والآجر والإسمنت والسيارة والأولاد" (44).
يحيلنا السارد مباشرة، على المرجع الواقعي، حيث نتعرف على واقع الكتاب في بلادنا، وعلى محمد شكري، الشخصية الواقعية التي نعرفها جميعاً، ومن خلال تفاصيل حياته اليومية ليعمق لدينا الشعور بوجوده الحقيقي.
فما الذي يهدف إليه الكاتب من وراء هذه الإشارة المرجعية، وما علاقتها بالبنية الحكائية إننا نزعم أن هذه الإشارة، تضيء لنا كثيراً من الجوانب، للدخول في علاقة مع "الكاتب" كشخصية في الرواية، سيما في حالة التقابل مع هذه الإشارة المرجعية.
هوامش:
(1)-سلسلة الكتاب الحديث. منشورات غاليري. بيروت 1972.
(2)-سلسلة كتابات جديدة. منشورات وزارة الإعلام، الجمهورية العراقية 1974.
(3)-الدار العربية للكتاب، 1978.
(5)-نشرت هذه الرواية بمجلة الأقلام العراقية، ع2، س 16، 1980.
(6)-منشورات "الجامعة" الدار البيضاء، يوليو تموز 1984.
*وقد صدرت له رواية سابعة مؤخراً، بعنوان: "الثعلب الذي يظهر ويختفي".
7-عبد الكريم غلاب، مبارك ربيع، البكري السباعي، والميلودي شغموم بصيغة جديدة.
8-ص 32 من الرواية.
9-نموذج سليمان في "الأفعى والبحر"، وأيضاً نموذج محمد في "المرأة والوردة".
(10)-فيليب آمون، مجلة بوتيك، ع12، 1972.
(11)-الرواية ص 9.
(12)- الرواية ص 10.
(13)- الرواية ص 10.
(14)- الرواية ص 11.
(15)- الرواية ص 11، 12.
(16)- الرواية ص 20.
(17)- الرواية ص 24.
(18)- الرواية ص 34 /35.
(19)- الرواية ص 55 /56.
(20)- الرواية ص 70.
(21)- الرواية ص 17.
(22)- الرواية ص35.
(23)- لرواية ص 36.
(24)- الرواية ص 35.
(25)- الرواية ص 52.
(26)- الرواية ص66.
(27)- الرواية ص 89.
(28)- الرواية ص 88.
(29)- الرواية ص 97.
(30)- الرواية ص97.
(31)- الرواية ص 49.
(32)- الرواية ص 15.
(33)- الرواية ص 15.
(34)- الرواية ص 34.
(35)- الرواية ص 34.
(36)- الرواية ص 34.
(37)- الرواية ص 41.
(38)- الرواية ص 36.
(39)- الرواية ص 40.
(40)- الرواية ص 43.
(41)- الرواية ص 58.
(42)- الرواية ص 79.
(43)- الرواية ص51.
(44)- الرواية ص 63.