هناك طريقة لفهم كاتب من الكتاب تتلخص في ترسم مسيرته الروحية. هكذا يتصور المرء أنه يخطو بكلمات "الآخر"، لكن المرء، سواءٌ أكان يلمس الأرض أم تزل به القدم، إنما يحتفظ مع ذلك الذي يترسم خطاه بعلاقة "عهد نزيه" سوف تبدو من الخارج حميمية وجد وثيقة في حين أنها تحمل في طياتها صدعاً غير مرئي، ومآلها، هو أيضاً، إنما هو مأساة الشريكين، هو التعاسة الختامية التي لا يعود معناها واحداً بالفعل بالنسبة لطرفيها. ففي الوقت الذي يتعين فيه توافر كابح في الوقت الأنسب – أي في لحظة الارتباط المختارة المثلى – تتواصل حركة الكائنات، أي يتواصل انزلاق الحقيقة الأبدي. إن نقطة ضوء على حافة الأفق قد تعني الفجر كما قد تعني الشفق سواءً بسواء. ولابد من القدرة على سلب زمن الآخر، لابد من اشتمال هذا الحرمان الفَرِح. لكن ذلك غير ممكن بالمرة. ولا مفر للمرء من الاكتفاء – عبر ذكاء أمثل أو عبر النشوة – بتقويم انحرافه هو، كما يفعل الطيارون في سمائهم النفعية. إن حج الضمير ليس اندراجاً في طريق يجري النظر إليه بوصفه نداء؛ إنه، في واقع الأمر، تجربة مختلفة اختلافاً يدعو إلى الأسى عن التجربة التي تؤدي إلى انفتاح هذا الطريق. ومازال يجري البحث، كما لو عن سر ضائع، عن ذلك الشيء الذي يفصل الشرق عن الغرب، وعندما نحسب كل ما يخص طابع كل منهما، سوف يبقى ذلك الفاصل الطبيعي الذي لا يكون أكثر إزعاجاً إلاَّ في لقاءات الحب والذي يحركنا كلنا في منظور غير إقليدي، يجد البعض عند أطرافه اليأس ويبتدع البعض الآخر المسرة.
من بين جميع الفلاسفة العرب، فإن محيي الدين ابن عربي، هو الذي يؤرق، الآن، الضمير الغربي، أعمق الأرق. فمنذ بضع سنوات، أدى مقتطفٌ قصيرٌ تُرجم ونُشر تحت عنوان "حلية الأبدال" (دار نشر شاكورناك، باريس) إلى إثارة الأذهان بما يفيض منه من نور غير عادي. ومنذ ذلك الحين، شهدنا ظهور عملين يتميزان بأهمية نادرة: "حكمة الأنبياء" (دار نشر آلبان ميشيل) لابن عربي، وفي ربيع 1958، دراسة الأستاذ هنري كوربان الرائعة، "الخيال الإبداعي في تصوف ابن عربي" (دار نشر فلاماريون). وحول هذا الكتاب الأخير، لدينا أخيراً، العمل رفيع المستوى لشارل دويت (الذي ظهر في عدد يناير 1960 من مجلة "كريتيك") والذي دون أن يهتم بالتأويل، يتجه مباشرة إلى المعرفة. إن ابن عربي، الذي عاش بين عامي 1165 و 1240، لم يهتم بتعاليم ابن رشد إلاَّ لكي يطور، بسرعة بالغة، ما يسميه كوربان بـ "استقلال"ـه "الروحي" هو. ولا مجال هنا للإحاطة بعمل ابن عربي، ولا بشخصيته. فالاثنان يتميزان على حد سواء بالتعقيد وبالشفافية، وبالعذوبة وبالحسم. وأقصى ما يمكننا هو السعي إلى بيان إلى أي مدى يعتبر ابن عربي حديثا، وأنه حديث، تحديدا، لأنه يمكث في الانفصال دون أن يفك، مع ذلك، الارتباط. وحول تيمة الاتحاد الصوفي هذه، يزيدنا ابن عربي علماً بهذه الكلمات المدهشة: "لا تبحث عني فيك، فسوف تكابد بلا طائل. لكن لا تبحث عني مع ذلك خارجك، فلن تصل إلى مرادك. لا تجهر بالبحث عني، فسوف تكون شقياً". والحال أن شارل دويت محق تماماً في تشديده على هذا الطابع المميز لميتافيزيقا ابن عربي وفي استنتاجه: "إن التمييز هو من ثم ضروري، وابن عربي، بعيداً عن أن يلغي المظهر، إنما يحتفظ به". إن الانفصال لا "يتعالى"، كما تزعم ذلك أخلاق التبجح الخالص؛ إنه ليس ذلك الاختزال للذات الذي يجب، من ثم، إيجاد عزاء له عبر إرهاب جماعي ما. إنه يطرح نفسه على الذكاء الذي يجعل منه مبدأه الخاص بإعادة البناء الممكنة في اتجاه الواحد، نوره لا حجابه.
إن تأملات ابن عربي الفلسفية ليست نظرية يحاكمها المرء باستسهال. إننا معتادون على حركية الأفكار وليس ذلك هو ما سوف يربكنا. لكن الأمر، عند ابن عربي، إنما يتعلق بشكل من أشكال الأسطورة المجسدة، هو شكل أسطورة إنسانية تنزاح، وبانزياحها المتواصل، تستولي على الروح وتجرها إلى اكتشاف ذلك الذي قد لا يُعطى لها أبداً. إن ابن عربي لا يتجاوز الفكرة. إنه يدفعها إلى الارتداد باتجاه الحياة التي هي عبارة عن تناقض، وحيث يملك الإنسان أيضاً حق اختيار الخطأ، - حق الامتناع عن إغاثة الروح المرشدة. إننا نؤيد شارل دويت إذ يسجل، على رأس بحثه، تلك الجملة لمفكر عربي آخر:
"أيتها الحقيقة، إننا لم نجدك،
ولهذا، برقصنا، نخبط الأرض"
أبريل 1960
من بين جميع الفلاسفة العرب، فإن محيي الدين ابن عربي، هو الذي يؤرق، الآن، الضمير الغربي، أعمق الأرق. فمنذ بضع سنوات، أدى مقتطفٌ قصيرٌ تُرجم ونُشر تحت عنوان "حلية الأبدال" (دار نشر شاكورناك، باريس) إلى إثارة الأذهان بما يفيض منه من نور غير عادي. ومنذ ذلك الحين، شهدنا ظهور عملين يتميزان بأهمية نادرة: "حكمة الأنبياء" (دار نشر آلبان ميشيل) لابن عربي، وفي ربيع 1958، دراسة الأستاذ هنري كوربان الرائعة، "الخيال الإبداعي في تصوف ابن عربي" (دار نشر فلاماريون). وحول هذا الكتاب الأخير، لدينا أخيراً، العمل رفيع المستوى لشارل دويت (الذي ظهر في عدد يناير 1960 من مجلة "كريتيك") والذي دون أن يهتم بالتأويل، يتجه مباشرة إلى المعرفة. إن ابن عربي، الذي عاش بين عامي 1165 و 1240، لم يهتم بتعاليم ابن رشد إلاَّ لكي يطور، بسرعة بالغة، ما يسميه كوربان بـ "استقلال"ـه "الروحي" هو. ولا مجال هنا للإحاطة بعمل ابن عربي، ولا بشخصيته. فالاثنان يتميزان على حد سواء بالتعقيد وبالشفافية، وبالعذوبة وبالحسم. وأقصى ما يمكننا هو السعي إلى بيان إلى أي مدى يعتبر ابن عربي حديثا، وأنه حديث، تحديدا، لأنه يمكث في الانفصال دون أن يفك، مع ذلك، الارتباط. وحول تيمة الاتحاد الصوفي هذه، يزيدنا ابن عربي علماً بهذه الكلمات المدهشة: "لا تبحث عني فيك، فسوف تكابد بلا طائل. لكن لا تبحث عني مع ذلك خارجك، فلن تصل إلى مرادك. لا تجهر بالبحث عني، فسوف تكون شقياً". والحال أن شارل دويت محق تماماً في تشديده على هذا الطابع المميز لميتافيزيقا ابن عربي وفي استنتاجه: "إن التمييز هو من ثم ضروري، وابن عربي، بعيداً عن أن يلغي المظهر، إنما يحتفظ به". إن الانفصال لا "يتعالى"، كما تزعم ذلك أخلاق التبجح الخالص؛ إنه ليس ذلك الاختزال للذات الذي يجب، من ثم، إيجاد عزاء له عبر إرهاب جماعي ما. إنه يطرح نفسه على الذكاء الذي يجعل منه مبدأه الخاص بإعادة البناء الممكنة في اتجاه الواحد، نوره لا حجابه.
إن تأملات ابن عربي الفلسفية ليست نظرية يحاكمها المرء باستسهال. إننا معتادون على حركية الأفكار وليس ذلك هو ما سوف يربكنا. لكن الأمر، عند ابن عربي، إنما يتعلق بشكل من أشكال الأسطورة المجسدة، هو شكل أسطورة إنسانية تنزاح، وبانزياحها المتواصل، تستولي على الروح وتجرها إلى اكتشاف ذلك الذي قد لا يُعطى لها أبداً. إن ابن عربي لا يتجاوز الفكرة. إنه يدفعها إلى الارتداد باتجاه الحياة التي هي عبارة عن تناقض، وحيث يملك الإنسان أيضاً حق اختيار الخطأ، - حق الامتناع عن إغاثة الروح المرشدة. إننا نؤيد شارل دويت إذ يسجل، على رأس بحثه، تلك الجملة لمفكر عربي آخر:
"أيتها الحقيقة، إننا لم نجدك،
ولهذا، برقصنا، نخبط الأرض"
أبريل 1960