ما أكثر ما كُتِب ويكتَب عن النص، ومن زوايا شتى: لغوية، سيميائية، ظواهرية، بنيوية، تفكيكية، ووجودية...الخ، وما أكثر ما أشير إلى النص وكيفية انتظامه: كيف يمكنه أن يكون نصاً بالفعل، حيث بُذِلت اجتهادات، ومورست أشكال من العنف المختلفة بالمقابل، بصدد ميكانيزم بناء النص، بدءاً من كونه كموناً إلى استحالته فعلاً: مكتمل التكوين .
أترانا مغفَّلين إلى هذه الدرجة لنقول: هوذا الإجراء الصحيح، إن من جهة الحديث عما يهِبُ النص كمال تكوينه، أو نضجه، أي ما يشار إليه بقاعدة ، أو بصيغة الجمع: قواعد إنشائه، أو قانون/ قوانين نشأته، أو من جهة التطرق إلى حقيقة هذا الانبناء، هذا التشكيل المعتبَر نصاً، والبحث عن الثغرات فيه، ليكون أفضل مما هو عليه ؟
في الحالتين، نجد أنفسنا بين سندان القانون " وما يتميز به من حساب صارم، ليأتي النص متطابقاً مع قالبه " ومطرقة النص التي تمارس مساءلة للنص، أو مكاشفة له، ومدى تحقق مفهوم " النص " وما هو مغفَل عنه..الخ.
في نطاق القانون، أو يكونه قانوناً، ثمة تجاه نحو الداخل، في إطار المفتاح، نتذكر المفتاح العادي، وكيف يفتَح به قفل معين، أو نزع برغي ما، من باب تفحص الموضوع للقراءة أو النقد، أو تبيُّن دقة النص من عدمه.
في الحالة الأولى، ليس في وسع أحد، الزعم بأنه تمكَّن، أو استطاع الحسم في هذا المضمار، إذ إن النص يأتي من عالم المجهول، ولا يعرَف متى يظهر، لا يعرَف إذا كان الذي صار نصاً قد أبرز كل ما تم التفكير فيه، تخيّله، أو تصوره، أي ميكانيزم مخاضه، وهو مفهوم معلوم جهة الاستعارة والمجاز، والذي من جهته يمكن الكشف عن خلل المودَع فيه، وهو أن النص ليس جينة، ليس جنيناً، وقد عرِف فيه جنسه، ومدى سلامته وأوصافه، لتنتظَر لحظة ولادته. ثمة الحديث عن المجهول، عن اللاجهة في عملية الانتظار، وهذا من شأنه التطويح بكل ما يتردد عن قانون / قاعدة تشكُّله نصاً.
النص كما معرَّف به في وصفه، يتشكل كتابةً من خلال عملية الكتابة " من اليمن إلى اليسار أو بالعكس "، في مجمل اللغات. لكن النص عمل تصويري يعاش من نواح/ جهات مختلفة. ربما كان ربطه بالنسيج سعياً مجازياً إلى تسليط الضوء على داخله ليعنى به بصورة أفضل. لكن النسيج هذا يفتقد العمق، لأن هناك ما يخرج عن المأمور به، يعصى على الضبط. إنه أكثر من كونه نسيجاً، تصويراً، ولهذا كان الاختلاف وحتى الخلاف عليه وحوله .
ذلك ما يمكننا قوله بخصوص مفهوم المفتاح، في الحالة الثانية: من أين جيء بالمفتاح؟ إيحاء إلى أن النص مفهوم في وضعية انغلاق أو إغلاق، وأن المفتاح هو الذي يسمح بدخول نطاقه والنظر فيه بسبل مختلفة. واقعاً، ليس هناك مفتاح يُزعَم أنه المالك لقوة سحرية في تعرية النص أو تبين كل خصائصه ، مناقبه ومثالبه.
ثمة تاريخ يعلِم ويعلّم في آن، وهو أن النصوص التي نتفاعل معها، أو نسمّيها، أو نتوقف عندها في سياقات زمنية، تبقى متعدية لهذين الجانبين. إن أي نص، حين يوضع قيد " الدرس " لا ينتهي أمره، وهذا يعني، وبشكل دائم، وبتفاوت من نص إلى آخر، أن ما يسمّيه لا يؤمّم فيه " حقيقته . حقيقة النص أكبر بما لا يقاس من أي تحديد قواعدي له، ذلك أن الكاتب ذاته والذي يحتفظ هو نفسه بالحالة التي حفَّزته لكتابته، يكون أدرى هنا بتلك الخطوات التي مر بها، تلك الانقطاعات، الحوارات، السجالات، التهدئات، والمشاعر والأحاسيس المرافقة، وخاصيات الزمان والمكان، التي تمثّل أدوات فاعلة في التعرف على داخلية النص. وإن استأنسنا بما هو فرويدي، نرى أن الكاتب ذاته يكون محكوماً بقوى لا يمكنه الجزم بأنها " كذا وكذا " فالأنا ليس صانع ألعابه " كتاباته " على سبيل التحديد، هناك الغائب، المغيب، المستور: الهو، هناك ما يشغل تفكيره وتدبيره لحظة انتقاء الكلمات: مواد بناء نصه، واختيار الأصلح، وكذلك ما يراه الأفضل وموقع الآخر: الأنا الأعلى في فعل التكوين: النص، الذي يظل شاغلاً له بصورة ما. كل ذلك يظل عناصر متفاوتة البنى، القوى، التأثير والتدبير، ينبغي أخذ العلم بها، ومراعاتها، كما هو وضع اللاشعور وما يكونه حقيقة، وما لا يحاط به في المتابعة .
بناء عليه، يكون كل حديث عن النص حديثاًعن فعل حضور " مضارع " والغائب سباق ومؤثّر في بنية الحدث: النص. وبالتالي، يكون المفتاح نفسه متحولاً، متنوعاً، مختلفاً في أسمائه ومقاييسه، ولهذا كان التجاذب في القول، وفي عملية تسمى بالتقويم أو حتى التحكيم، ليكون النص مالىء نفوس أولي أمره، وشاغل أفكارهم بتنوع أسمائها ومناهجها .
لهذا كان سريان فعل التجاوز لكل قاعدة أو مفتاح، حيث النصوص ليست تاريخانية، إنما مأخوذة بلاتناهي أبعادها، بلا تناهي العمق، مهما عرّف بالنص في عدد كلماته، حيث جديده فيما ينبثق عنه، فيما يعتمَد عليه من قراءات يمكن تحريها في لغات شتى، عند ترجمة نص ما، وهذا يجعل أي نص طليقاً دون هوية قطعية، وأرشيف النص هو الذي يمكّننا من النطق بهذه القيمة الجمالية، أو الفنية التي تجعلنا أكثر اطمئناناً إلى ما نكتب، أو ما نقرأ، لحظة التفكير في عبارات مثل : استبداد النص، أو جبروت القراءة، ما يدفع بنا إلى النظر بعيداً، وفي اتجاهات شتى، ونحن نكتب، أو نقرأ، أو نتتبع ما هو مدوَّن في هذا النطاق غير الحدودي، ودون ذلك ليس في الوسع التفكير في فعل الإبداع أو ما يلحق به من نقد، أو ما يسبقه من تنظير، وهو ينطلق من قاعدة: ما يجب فعله، وما لا يجب العمل به...!
إبراهيم محمود
أترانا مغفَّلين إلى هذه الدرجة لنقول: هوذا الإجراء الصحيح، إن من جهة الحديث عما يهِبُ النص كمال تكوينه، أو نضجه، أي ما يشار إليه بقاعدة ، أو بصيغة الجمع: قواعد إنشائه، أو قانون/ قوانين نشأته، أو من جهة التطرق إلى حقيقة هذا الانبناء، هذا التشكيل المعتبَر نصاً، والبحث عن الثغرات فيه، ليكون أفضل مما هو عليه ؟
في الحالتين، نجد أنفسنا بين سندان القانون " وما يتميز به من حساب صارم، ليأتي النص متطابقاً مع قالبه " ومطرقة النص التي تمارس مساءلة للنص، أو مكاشفة له، ومدى تحقق مفهوم " النص " وما هو مغفَل عنه..الخ.
في نطاق القانون، أو يكونه قانوناً، ثمة تجاه نحو الداخل، في إطار المفتاح، نتذكر المفتاح العادي، وكيف يفتَح به قفل معين، أو نزع برغي ما، من باب تفحص الموضوع للقراءة أو النقد، أو تبيُّن دقة النص من عدمه.
في الحالة الأولى، ليس في وسع أحد، الزعم بأنه تمكَّن، أو استطاع الحسم في هذا المضمار، إذ إن النص يأتي من عالم المجهول، ولا يعرَف متى يظهر، لا يعرَف إذا كان الذي صار نصاً قد أبرز كل ما تم التفكير فيه، تخيّله، أو تصوره، أي ميكانيزم مخاضه، وهو مفهوم معلوم جهة الاستعارة والمجاز، والذي من جهته يمكن الكشف عن خلل المودَع فيه، وهو أن النص ليس جينة، ليس جنيناً، وقد عرِف فيه جنسه، ومدى سلامته وأوصافه، لتنتظَر لحظة ولادته. ثمة الحديث عن المجهول، عن اللاجهة في عملية الانتظار، وهذا من شأنه التطويح بكل ما يتردد عن قانون / قاعدة تشكُّله نصاً.
النص كما معرَّف به في وصفه، يتشكل كتابةً من خلال عملية الكتابة " من اليمن إلى اليسار أو بالعكس "، في مجمل اللغات. لكن النص عمل تصويري يعاش من نواح/ جهات مختلفة. ربما كان ربطه بالنسيج سعياً مجازياً إلى تسليط الضوء على داخله ليعنى به بصورة أفضل. لكن النسيج هذا يفتقد العمق، لأن هناك ما يخرج عن المأمور به، يعصى على الضبط. إنه أكثر من كونه نسيجاً، تصويراً، ولهذا كان الاختلاف وحتى الخلاف عليه وحوله .
ذلك ما يمكننا قوله بخصوص مفهوم المفتاح، في الحالة الثانية: من أين جيء بالمفتاح؟ إيحاء إلى أن النص مفهوم في وضعية انغلاق أو إغلاق، وأن المفتاح هو الذي يسمح بدخول نطاقه والنظر فيه بسبل مختلفة. واقعاً، ليس هناك مفتاح يُزعَم أنه المالك لقوة سحرية في تعرية النص أو تبين كل خصائصه ، مناقبه ومثالبه.
ثمة تاريخ يعلِم ويعلّم في آن، وهو أن النصوص التي نتفاعل معها، أو نسمّيها، أو نتوقف عندها في سياقات زمنية، تبقى متعدية لهذين الجانبين. إن أي نص، حين يوضع قيد " الدرس " لا ينتهي أمره، وهذا يعني، وبشكل دائم، وبتفاوت من نص إلى آخر، أن ما يسمّيه لا يؤمّم فيه " حقيقته . حقيقة النص أكبر بما لا يقاس من أي تحديد قواعدي له، ذلك أن الكاتب ذاته والذي يحتفظ هو نفسه بالحالة التي حفَّزته لكتابته، يكون أدرى هنا بتلك الخطوات التي مر بها، تلك الانقطاعات، الحوارات، السجالات، التهدئات، والمشاعر والأحاسيس المرافقة، وخاصيات الزمان والمكان، التي تمثّل أدوات فاعلة في التعرف على داخلية النص. وإن استأنسنا بما هو فرويدي، نرى أن الكاتب ذاته يكون محكوماً بقوى لا يمكنه الجزم بأنها " كذا وكذا " فالأنا ليس صانع ألعابه " كتاباته " على سبيل التحديد، هناك الغائب، المغيب، المستور: الهو، هناك ما يشغل تفكيره وتدبيره لحظة انتقاء الكلمات: مواد بناء نصه، واختيار الأصلح، وكذلك ما يراه الأفضل وموقع الآخر: الأنا الأعلى في فعل التكوين: النص، الذي يظل شاغلاً له بصورة ما. كل ذلك يظل عناصر متفاوتة البنى، القوى، التأثير والتدبير، ينبغي أخذ العلم بها، ومراعاتها، كما هو وضع اللاشعور وما يكونه حقيقة، وما لا يحاط به في المتابعة .
بناء عليه، يكون كل حديث عن النص حديثاًعن فعل حضور " مضارع " والغائب سباق ومؤثّر في بنية الحدث: النص. وبالتالي، يكون المفتاح نفسه متحولاً، متنوعاً، مختلفاً في أسمائه ومقاييسه، ولهذا كان التجاذب في القول، وفي عملية تسمى بالتقويم أو حتى التحكيم، ليكون النص مالىء نفوس أولي أمره، وشاغل أفكارهم بتنوع أسمائها ومناهجها .
لهذا كان سريان فعل التجاوز لكل قاعدة أو مفتاح، حيث النصوص ليست تاريخانية، إنما مأخوذة بلاتناهي أبعادها، بلا تناهي العمق، مهما عرّف بالنص في عدد كلماته، حيث جديده فيما ينبثق عنه، فيما يعتمَد عليه من قراءات يمكن تحريها في لغات شتى، عند ترجمة نص ما، وهذا يجعل أي نص طليقاً دون هوية قطعية، وأرشيف النص هو الذي يمكّننا من النطق بهذه القيمة الجمالية، أو الفنية التي تجعلنا أكثر اطمئناناً إلى ما نكتب، أو ما نقرأ، لحظة التفكير في عبارات مثل : استبداد النص، أو جبروت القراءة، ما يدفع بنا إلى النظر بعيداً، وفي اتجاهات شتى، ونحن نكتب، أو نقرأ، أو نتتبع ما هو مدوَّن في هذا النطاق غير الحدودي، ودون ذلك ليس في الوسع التفكير في فعل الإبداع أو ما يلحق به من نقد، أو ما يسبقه من تنظير، وهو ينطلق من قاعدة: ما يجب فعله، وما لا يجب العمل به...!
إبراهيم محمود