"فليسقط حبكم".
"فليسقط فنّكم".
"فليسقط نظامكم".
"فلتسقط ديانتكم"
- أربع صرخات لأربعة مقاطع.
أفكاركم
الحالمة في مخ رخو
كالخادم المترهل على أريكة قذرة
سأوقظها بنتف قلبي المدمى
ساخراً بصفاقة.
وفي روحي لا توجد شعرة شائبة واحدة.
ولا رقة الشيخوخة
صوتي يرعد مجلجلاً في هذا العالم
وأمضي جميلاً -
في الثانية والعشرين
يا أيها اللطفاء!
أنتم ترمون الحب على القيثارة
ويلقيه الأجلاف على الطبول
لن تستطيعوا أن تقبلوا ما في جوّاي
وغير الشفاه لن يبقى
تعالوا تعلموا
على المضيفة
وعلى رابطة الموظفات الإنكليزية الوقورة
التي تتصفح فيها الشفاه بهدوء
كما الطاهية تقلب كتب الطبخ
أتريدون-
سأغدو كالمصاب بداء الكلب
وسأغدو كالسماء تبدل نغمتها
أتريدون-
سأغدو ناعماً طرياً لا لوم ولا عتب
لست رجلاً، بل – غيمة في سروال!
ومرة أخرى – يمجدني
الرجال الكاسدون كالمشفى
والنساء المطروقات كالأمثال.
-1-
أتظنون، أن هذا هذيان الملاريا؟
هذا كان
كان في أوديسا (1)
"سآتي في الرابعة" – قالت ماريا
الثامنة
التاسعة
العاشرة
وتهاوى المساء
ليطرده الليل
من النوافذ
عابساً
كانونياً
وتضحك الشمعدانات ساخرة
من ظهري الفاني المحدودب
ما كان بوسعهم أن يعرفوني الآن:
هائلاً معروقاً
يزحر ألماً
ويتشنج
وماذا يمكن أن تريد هذه الصخرة،
والصخرة تريد الكثير؟
أما لنفسي فلا يهم
أما ما يتعلق بالبرونزي
بالقلب – الحديد البارد
ففي الليل، أريد
أن أخبئ ناقوسي في شيءٍ لين
في شيءٍ نسائي
وها أنذا الهائل
أحدودِب في النافذة
وأواجه بجبيني زجاجها
سيكون حباً أم لا؟
وأي حب-
حب كبير أم ضئيل؟
ومن أين الحب الكبير لجثة كهذه؟
يجب أن يكون صغيراً
وديعاً زغلولاً
يجفل من ضجيج السيارات
ويحب الأجراس الناعمة
ما زلت انتظر
وما زلت أخفي وجهي
بوجه المطر المجدور
أنتظر
مرشوشاً برعد اضطراب المدينة
انفرد منتصف الليل بالسكين
أطبق
طعن النهار
وها هو ذا قد احتضر
وسقطت الساعة الثانية عشرة
كما يسقط رأس المعدوم من على المقصلة
وتسقط الأمطار رمادية على الزجاج
تولول،
مصعّرة خدها
كأنها تحارب الآمال الخيالية الكاذبة
لكاتدرائية نوتردام
يا أيتها اللعينة!!
أهذا الذي ينقصنا؟
سينمزق الفم من الزعيق قريباً.
أصيخُ السمع:
هدوء موحش،
كالمريض في السرير
متوثب الأعصاب
وهكذا-
في البداية مشى، بصعوبة
وبصعوبة
ركض فيما بعد،
مهتاجاً
جلياً
والآن هو واثنان آخران
يرقصون يأساً من الألم
وفي الطابق السفلي سقطت قشرة الجدار
والأعصاب
الكبيرة،
الصغيرة،
الكثيرة،
وثبت مسعورة بداء الكَلبْ
وترنحت أرجل الأعصاب
والليل في الغرفة يظلم ويوحل
وفي العتمة الوحلية لا تمتد العين.
وانفتح الباب فجأة
كما في الفندق
ودخلتِ أنتِ
حادة كوميض الصاعقة!
تهصرين قفازي فرو
وقلت:
أتدري؟
"سأتزوج"
ماذا يهم! تزوجي
لابأس
سأصمد
أترين – كم أنا هادئ؟!
كنبض
الميت
أتتذكرين؟
حين قلتِ أنتِ:
"جاك لندن
مال،
حب،
شهوة"
أما أنا، فإني أرى
شيئاً واحداً
أنت – الجوكندا
التي يجب سرقتها
ولقد سرقوها.
ومرة أخرى، أخرج إلى اللعبة عاشقاً،
والنار تضيء حاجبي المحنيين
وماذا بعد؟
ففي البيت الذي احترق
يعيش، أحياناً، متشردون لا بيوت لهم.
وتشاكسيني
"مشاكسة القرش للشحاذ،
ولديك من الزمرد ما يسلب العقل".
أتذكرين!
لقد هلكت بومبي،
عندما انفجر بركان "فيزوف"!
إيه!
أيها السادة!
العشاق
الكفرة،
الجرائم،
المجازر الدموية،
أرأيتم
وجهي الأكثر رعباً
عندما
كنت
هادئاً
تماماً؟
إني أُحِسُّ، بأن هذه
"الأنا"
ليست على قدي
وأن أحداً ما، سيولد مني عنيداً
آلو!
من يتكلم؟
ماما؟
ماما!
ابنك مريض مرضاً رائعاً! (2)
ماما!
أصيب بحريق القلب
قولي لأختي: لودا وأوّلا-
لقد سد في وجهه الدرب
وكل كلمة
حتى المزحة
التي ينطق بها
من فم محروق
تنطلق كالعاهرة العارية
من بيت الدعارة المحترق
ويشم الناس
رائحة الحريق الفائحة
وجاؤوا
متألقين!
وعلى رؤوسهم خوذات!
قولوا لرجل الإطفاء:
على القلب الملتهب يتعربشون بغنج ودلال
أنا ذاتي
والعيون استنفدت براميل الدموع
أعطوني، كي أستند على ضلع من الضلوع
اقفز! اقفز! اقفز! اقفز!
لقد سقطوا
ولا تهربين من القلب!
وعلى الوجه المحروق
من شق الشفتين
تنطلق قبلة صغيرة
ماما!
لن أقوى على الغناء!
والقلب كجوقة في الكنيسة!
الكلمات المتفحمة من كل نوع وحجم
تقفز
من الجمجمة
كالأطفال من بيت يحترق
كالرعب
يحتل السماء
بأيدي "لوزيتانيا" المشتعلة (3)
ويرتعش الناس
في هدأة منازلهم
ومئات العيون المتقدة تتجه إلى الميناء
وها هي ذي
صرختي الأخيرة:
"إنني أحترق..
تنطلق للقرون القادمة
-2-
مجدوني!
فأنا عظيم ولست نكرة
أنا، فوق كل المخلوقات
أضع إشارة (X)
لا أريد أن أقرأ شيئاً
إطلاقاً
الكتب؟
ما الكتب؟!
لطالما فكرت-
أن الكتب تصنع هكذا:
يأتي شاعر
يفتح فمه برخاوة
وحالاً يغني الملهم البسيط-
يستأذن!
وقبل أن يبدأ الغناء
يمشون طويلاً مثقلين بالاستياء
ويتضح خيال سمكة غبية
تخبط بهدوءٍ في وحل القلب
وما زالوا يطبخون القوافي
من حب، وبلابل،
والشارع يمضي ملتوياً أخرس
لا يقوى على الصراخ أو النطق
ونتباهى من جديد
بتجديد مدن أبراج بابل
والرب
يهدم
المدن على الحقول
فتختلط الكلمات
ويتحمل الشارع متألماً صامتاً
والصرخة تقف في البلعوم
وسيارات التكسي المنتفخة وعربات الحنطور الهزيلة
تستقر كنصب لوم في الحنجرة
وصدر الشارع مثقلاً بالمارة
مسلولاً
وطريق المدينة مسدود بغيهب الظلام
ومع ذلك
عندما
بصق الشارعُ الحشدَ إلى الساحة
وتخلّص من زحامه
اعتقدت:
أن جوقة الملائكة تغني
والرب – قادم للعقاب
ويصيح الشارع مقعياً (4)
"فلنذهب إلى العلف!"
وآل كروب (يمكيجون) المدينة
راسمين التجاعيد القاسية
والحواجب العابسة
وفي الفم
تتوضع جثث الكلمات المتعفنة
وتبقى كلمتان:
"اللئام"
وكلمة أخرى
أظنها "- شوربة"
والشعراء
غارقون في الدموع والنشيج
مندفعين في الشارع مشعثين:
"كيف يمكن الغناء بهاتين الكلمتين
آنسة،
الحب
وزهرة مثقلة بالندى؟"
وخلف الشعراء-
هدوء الشوارع؛
طلبة؛
وعاهرات؛
ومقاولون أيضاً..
أيها السادة!
قفوا!
فأنتم لستم بشحاذين
لن تجرؤوا أن تتسولوا الصدقات!
نحن الأشداء
مع كل خطوة نكبر
فلا تسمعوهم،
بل مزقوهم-
كمحلق الجريدة المجاني
في كل سرير نوم مزدوج!
أم تطلبون منهم بدل:
"ساعدوني!"
أنتسول نشيداً؟
أو خطاباً!
نحن المبدعون في نشيد مشتعل
في ضجيج المعامل والمخابر
ما الذي يعنيه "فاوست" لي،
المسحور
الهارب مع ميفستوفيليس
على فرشة سماوية!
في يقيني
إن مسماراً في حذائي
أكثر رعباً من فنتازيا غوته!
أنا،
ذهبي اللسان،
فكل كلمة
تجدد الروح
وتحيي الجسد
أقول لكم:
إن أصغر ذرة تراب حيّة
أغلى بكثير من كل ما أفعله وفعلته!
اسمعوا!
اليوم، يغط زرادشت بفمه الملآن
متألماً حالماً،
ونحن،
بوجه، كشرشف قذر باهت،
وشفاه متدلية كثريا
نحن،
المحكومين بالأشغال الشاقة كمصابي الجذام
حيث الذهب والوسخ يولدان الداء
نحن أنقى من نقاء فينيسيا
المغتسلة بالشموس والبحار!
ولا يهم، أنه لا يوجد
لدى هوميروس وأوفيدوس
أبطال مثلنا
ملطخين بالسخام، والجدري.
إنني أعرف –
إن الشمس ستنكسف، لو ترى
أعماق أرواحنا الذهبية!
فالعضلة والوريد أكثر صدقاً من الصلاة.
فهل نلتمس رحمة الزمان!
نحن –
وكل واحد منا،
ممسك بكفه
أحزمة تحول العالم.
وهذا دعائي إلى قاعات غولغوف
في بطرسبورغ، موسكو، أوديسا، كييف،
ولم يبقى واحد
لم يصرخ:
"اصلبوه
ا ص ل ب و ه!"
ولكن
الذي آذاني
أيها الناس،
هم أنتم، الأعز والأقرب
أرأيتم،
كيف يلعق الكلب يد ضاربه؟
فأنا،
الذي أثير سخرية القبيلة المعاصرة،
كنكتة طويلة فاجرة
أرى المقبل عبر جبال الزمن
والذي لا يراه أحد.
حيث عيون الناس قصيرة النظر
عيون رؤوس القطعان الجائعة
إني أسمع جلجلة عام 1916
متوجاً بأكليل الثورة.
وأنا معكم – رائدها الأول
وأنا – سأكون حيث يكون الألم، وفي كل مكان أكون
ومع كل دمعة
أصلب نفسي
فاتَ زمن التمني
وأنا طهرت روحي، إذ أفسدتها الرقة.
وهذا أصعب من أن تحتل
ألف ألف باستيل.
وعندما
يأتي
مُعِلناً التمرد
وتخرجون إلى المخّلص
سأعطيكم
روحي
ترفَعوها مخضَبة، مشتعلة
راية كبيرة
-3-
آخ، لماذا كل هذا؟
ومن أين هذه القبضات القذرة
تلوث النور والفرح!
أعماني اليأس
وفي الرأس
تجول فكرة مشفى المجانين
و-
كما يهرعون
إلى فوهات النجاة،
متشنجين رعباً
أثناء غرق السفينة
كان بورليوك (5) كالمهبول يبحث عن مخرج
من خلال جفونه المدماة
تسلسل،
نهض،
ومضى
وبرقة مفاجئة، من رجل مترهل
صرخ:
"رائع!"
ورائعاً عندما تتدثر الروح
عن الأنظار، في بلوزة صفراء (*)
"رائع"
عندما يصرخ من يُقذف به
إلى مخالب المقصلة:
"اشربوا كاكاو فان هوتين" (6)
فهذه الومضة
الساطعة
الراعدة،
لن أبدلها بأي شيء
لن أبدلها..
ومن بين دخان السجائر
وكؤوس الخمر
أشرأب وجه "سيفيريانين"
المنفوخ من السكر
كيف تجرؤ أن تسمي نفسك شاعراً
وتزقي بغباء كطير السّمن!
واليوم
يجب
أن يفصّل العام في جمجمة
وأنتم،
يا من تقلقكم فكرة واحدة-
"هل أرقص بظرافة؟"
انظروا كيف أتسلى
أنا -
البذيء
القواد، المقامر المحتال
بعيداً عنكم،
يا أيها العاشقون
بعيداً عن الذين غرقوا بالدمع
منذ قرن
سأمضي
واضعاً الشمس على عيني منظاراً
وسأجوب الأرض
بملابس مضحكة
كي أفتنها إعجاباً
وأنا أقود نابليون
قدامي بسلسلة
مثل كلب افرنجي (*)
وتضطجع الأرض كأمرة:
تتململ عارية مستسلمة
وتسري الحياة بالأشياء الميتة-
والشفاه تتنبأ متلعثمة:
"تسا تسا تسا تسا"
فجأة
تنتشر الغيوم
ترتفع في الفضاء مضطربة متموجة
كأنها العمال تعلن غضبها للسماء
ويجلجل الرعد من السحاب
وتتمخط من منخرين هائلين
وتغضب السماء
مصعرة خدها، مثل بسمارك الحديدي،
وشخص ما
ضائع في غياهب السحاب
يمد يده إلى المقهى
نسائي – كأنه
ويبدو طرياً – ناعماً
أتظنون
أنها الشمس الحنون
تربت على خد المقهى
مرة أخرى، أنه دوي الجنرال جاليفه (7)
يطلق النار على المتمردين
وأنتم أيها السكارى، أخرجوا أيديكم من جيوبكم
التقطوا حجراً، سكيناً، أو قنبلة
ومن ليس لديه أيد
فليضرب برأسه
هلموا أيها الجائعون
أيها الغارقون
هلموا أيها
الخاضعون
المطمورون
بقذارة البراغيث
تعالوا:
أيام الاثنين والثلاثاء
مخضبين بالدم في الأعياد
لنجعل الأرض تحت وطأة السكين، تتذكر
من أرادت أن تذله
الأرض،
كالمعشوقة المنتفخة
التي هام فيها روتشيلد
ولترتفع جثث التجار الملطخة بالدماء
مرفرفة كرايات في اللهب
كما في الأعياد
ارفعوها أعلى من أعمدة المصابيح
تقيأ شاتماً
متوسلاً مستعطفاً
طعن
وانسل خلف أحد ما
يعض بأسنانه الخاصرة
ورصد الغروب مرتعشاً
في السماء أحمر – كالمارسلييز(*)
وحل الجنون
وغيره لا يمكن أن يكون
سيجيء الليل
فيقضمه
ويأكله
أترون –
أن السماء كيهوذا خائنة
مرصعة بحفنة نجوم
وأتى الليل
يقيم الولائم كما ولائم ماماي
مديراً ظهره للمدينة
والعين لا تخترق الليل
فهو أشد اسوداداً من (أزيف) (*)
منطرحاً في زاوية الخمارة
أسكب النبيذ على روحي من غير أسف
وأرى:
عينين واسعتين
عيني العذراء تنفذان إلى قلبي
فأي موهبة في هذه الرسومات الرديئة
المزدانة بحشود الخمارات
ألا ترين – مرة أخرى
أنهم يفضلون باراباس
وقد تنكروا للجلجلة (*)
ربما، وعن قصد
وجدت في الحظيرة الإنسانية
ولا يوجد وجه جديد
وأنا
ربما كنت
الأجمل
من بين كل أبنائك
فأعطِ
الغارقين في عفن الدنيا
الموت السريع
ليصبحوا أطفالاً – ثم مراهقين
شباباً، ثم آباء
بناتاً ثم – أمهات
وأعط المولودين حديثاً
حكمة العجائز الشائبات
وسيأتون هم
وسيعمدون أبناءهم
بأسماء قصائدي وأشعاري
وأنا أتغنى بالآلة، وإنكلترا،
وربما، كنت، بكل بساطة
أنا الحواري الثالث عشر
في الإنجيل
وعندما صوتي
يدوي بفحش
من ساعة لساعة
في الليل والنهار
يمكن أن يتنسم يسوع المسيح
روحي الخالدة
-4-
ماريا! ماريا! ماريا!
دعيني أدخل يا ماريا!
كفاني تشرداً في الشوارع
لا تريدين؟
تنتظرين
حتى يغور خداي
وينالني الجميع
استيقظي
سآتي
ادردَ من غير أسنان
فأنا اليوم
"طاهر بأعجوبة"
ماريا،
أترين –
لقد بدأت أحدودب
وفي الشوارع
يحشر المتخمون العلف في أجوافهم التي كالطوابق
- الأربعة
حتى الرقبة
وبصعوبة يفتحون عيونهم
ويقهقهون
في الأربعين من العمر الضائع
- مرة أخرى- ساخرين
أن بين أضراسي
بقايا لذة من كعكة البارحة
وينهمر المطر على الأرصفة
يحاصر محتالاً بحفر الماء
مبتلاً يلعق بلاط الشارع المغروز بالجثث
وعلى أهدابه الشائبة
- بلى!
على أهدابه المتجمدة- دموع
من العيون
- بلى!
من العيون السابلة كالميزاب
وتمتص سحنات المارة قطرات المطر
أما في العربة (فيتبروظ) رياضي بدين خلف رياضي
- أنيق:
والناس المترهلون
والمتخمون
تندلق الدهون من أجسادهم
تعكر مجرى نهرٍ
مع الخبز اليابس
واللحم المتعفن الممضوغ
ماريا!
في آذانهم وقر، فكيف نجعلهم يسمعون مثل هذه الكلمات
- الهادئة؟
والعصافير
تتسول أغنية.
تغني
وأنا، يا ماريا،
إنسان بسيط
والليل المصدور يطردني لأحضان شارع "بريسنايا"
- القذر
فهل تريدين هذا، يا ماريا؟
دعيني أدخل، يا ماريا!
فبأصابعي المتشنجة سأضغط على خناق الجرس
ماريا!
الشوارع، تنقلب مرتعاً للوحشية
وعلى رقبتي تضغط بأصابعها
افتحي!
موجوع!
أترين
دبابيس شعر النساء تنغرز بالعينين!
فتحتْ
صغيرتي
لا تجزعي
فعلى رقبتي التي مثل رقبة ثور
تتربع نساء معروقات بطونهن كالتلال
وسأجر هذا الحمل الثقيل كل عمري
من شق الحياة سأجر هذا الحمل الثقيل
من بين مليون حب عظيم
من بين ملايين الغراميات الصغيرة القذرة.
لا تجزعي
أن التصق بألف وجه جميل
مرة أخرى – خائناً
"فعاشقات مايكوفسكي"
من سلالة ملكية
وعلى قلب المجنون يرتقون عرش الملكات.
اقتربي يا ماريا!
عريانة من غير حياء!
بخشية مرتعشة
وأعطني فتنة شفتيك
فانا وقلبي لم نعش حتى أيار ولا مرة (8)
ففي حياتي الماضية
لم تكن غير وحول نيسان
ماريا!
شاعر السوناتات يغني إلى تيانا (*)
أما أنا –
فإنسان
كتلة من لحم
أشتهي جسدك
كما يتوسل المسيحييون:
"أعطنا خبزنا اليومي"
فأعطني يا ماريا!
ماريا!
أخشى أن أنسى اسمك
كما يخشى الشاعر
أن ينسى كلمة ولدت في الآم الليل
وهي بعظمة الإله
جسدك
سوف أحبه وأحميه
مثل جندي
شوهته الحرب
لا فائدة منه
لشيء
يحرس ساقه الوحيدة
ماريا!
تريدين؟
لا تريدين..
ها!
إذن – مرة أخرى،
سأحمل قلبي منكساً كئيباً
باكياً، حافراً بالدمع اخدوداً
مثل كلب يمد يده
التي سحقها القطار
وسأعمد الطريق بدم قلبي
وتلتصق الأزهار بغبار سترتي
وستدور ابنة هيروديا ألف مرة راقصة (9)
حول رأس يوحنا المعمدان
كما الأرض تدور حول الشمس
وعندما ترقص سنواتي
إلى نهايتها
سينفرش الطريق بمليون قطرة دم
إلى بيت أبي
سأخرج
قذراً من أقنية الليل
متقلباً من جنب إلى جنب
أنحني
وأهمس في أذنه:
اسمعني يا سيدي الله
ألا تحس بالضجر
وأنت تنظر بعينين ذابلتين
إلى هذه الغيوم
أتعرف؟!
تعالي ننصب أرجوحة
على شجرة الخير والشر
أيها الموجود في كل الوجود
لنسفح الخمر
حتى يقوم الحواري بطرس العابس
إلى رقصة كي – كا – بو
ونملأ الجنة من جديد، بالحوريات
فليكن أمرك-
في هذه الليلة بالذات
وسآتيك
بالحسناوات من كل الجهات
تريد؟
لا تريد.
تهز رأسك المشعث
وتقطب حاجبيك..
فهل تعتقد
أن الملاك المجنح خلفك
يعرف ما هو الحب؟!
فأنا ملاك أيضاً، إذ كنتُ
أنظر كحمل وديع
ولكن لن أمنح للإفراس هدايا بعد الآن
آلاماً من أفضل المزهريات
يا كلي القدرة، أنت الذي خلق اليدين
ووضعت:
لكل إنسان رأساً
فلماذا لم تخلق البشر
من غير آلام؟
قبلاتي قبلاتي قبلاتي
كنت أظن – أنك القادر رب السموات والأرض
فما أنت إلا ناقص العلم. يا إلهي الضئيل
أترى، ها أنذا، أنحني
أستل من قصبة جزمتي
سكين (الكندرجية)
أبترُ الأوباش
الذين اعتصموا في الجنة
مرتعشين نافشين ريشهم
وأنت أيها العابق بالبخور
سأفضحك
من هنا وحتى آلاسكا
دعوني!
لن توقفوني
فسيان إنْ كنت أكذب
أو أقول الحق..
لكن ليس بوسعي أن أهدأ
انظروا-
فالنجوم، مرة أخرى، من غير رؤوس
والسماء مضرجة بالمذابح
إيه،
يا أنتم!
أيتها السماء!
اخلعوا قبعاتكم
قادم أنا
صمت..
والكون يغفو
بإذنه الضخمة المسمرة بالنجوم
متكئاً على كفه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعد قصيدة "غيمة في سروال" من أهم قصائد ماياكوفسكي وأنضجها، في مرحلة ما قبل ثورة أكتوبر. بدأها الشاعر قبل نهاية عام 1914 وانتهى منها في تموز عام 1915. كان عمره اثنتين وعشرين سنة.
كان عنوان القصيدة في البداية "الحواري الثالث عشر". لكن الرقابة لم توافق على هذا العنوان، فاضطر إلى تغييره إلى "غيمة في سروال". قاصداً من ذلك التهكم على الرقابة والسخرية منها، من ناحية، ومن الناس الرخويين من ناحية ثانية. وعندما أعاد طباعة القصيدة عام 1918 حدد ماياكوفسكي نفسه مغزى القصيدة، ومضمونها فكتب:
المترجم
"فليسقط فنّكم".
"فليسقط نظامكم".
"فلتسقط ديانتكم"
- أربع صرخات لأربعة مقاطع.
أفكاركم
الحالمة في مخ رخو
كالخادم المترهل على أريكة قذرة
سأوقظها بنتف قلبي المدمى
ساخراً بصفاقة.
وفي روحي لا توجد شعرة شائبة واحدة.
ولا رقة الشيخوخة
صوتي يرعد مجلجلاً في هذا العالم
وأمضي جميلاً -
في الثانية والعشرين
يا أيها اللطفاء!
أنتم ترمون الحب على القيثارة
ويلقيه الأجلاف على الطبول
لن تستطيعوا أن تقبلوا ما في جوّاي
وغير الشفاه لن يبقى
تعالوا تعلموا
على المضيفة
وعلى رابطة الموظفات الإنكليزية الوقورة
التي تتصفح فيها الشفاه بهدوء
كما الطاهية تقلب كتب الطبخ
أتريدون-
سأغدو كالمصاب بداء الكلب
وسأغدو كالسماء تبدل نغمتها
أتريدون-
سأغدو ناعماً طرياً لا لوم ولا عتب
لست رجلاً، بل – غيمة في سروال!
ومرة أخرى – يمجدني
الرجال الكاسدون كالمشفى
والنساء المطروقات كالأمثال.
-1-
أتظنون، أن هذا هذيان الملاريا؟
هذا كان
كان في أوديسا (1)
"سآتي في الرابعة" – قالت ماريا
الثامنة
التاسعة
العاشرة
وتهاوى المساء
ليطرده الليل
من النوافذ
عابساً
كانونياً
وتضحك الشمعدانات ساخرة
من ظهري الفاني المحدودب
ما كان بوسعهم أن يعرفوني الآن:
هائلاً معروقاً
يزحر ألماً
ويتشنج
وماذا يمكن أن تريد هذه الصخرة،
والصخرة تريد الكثير؟
أما لنفسي فلا يهم
أما ما يتعلق بالبرونزي
بالقلب – الحديد البارد
ففي الليل، أريد
أن أخبئ ناقوسي في شيءٍ لين
في شيءٍ نسائي
وها أنذا الهائل
أحدودِب في النافذة
وأواجه بجبيني زجاجها
سيكون حباً أم لا؟
وأي حب-
حب كبير أم ضئيل؟
ومن أين الحب الكبير لجثة كهذه؟
يجب أن يكون صغيراً
وديعاً زغلولاً
يجفل من ضجيج السيارات
ويحب الأجراس الناعمة
ما زلت انتظر
وما زلت أخفي وجهي
بوجه المطر المجدور
أنتظر
مرشوشاً برعد اضطراب المدينة
انفرد منتصف الليل بالسكين
أطبق
طعن النهار
وها هو ذا قد احتضر
وسقطت الساعة الثانية عشرة
كما يسقط رأس المعدوم من على المقصلة
وتسقط الأمطار رمادية على الزجاج
تولول،
مصعّرة خدها
كأنها تحارب الآمال الخيالية الكاذبة
لكاتدرائية نوتردام
يا أيتها اللعينة!!
أهذا الذي ينقصنا؟
سينمزق الفم من الزعيق قريباً.
أصيخُ السمع:
هدوء موحش،
كالمريض في السرير
متوثب الأعصاب
وهكذا-
في البداية مشى، بصعوبة
وبصعوبة
ركض فيما بعد،
مهتاجاً
جلياً
والآن هو واثنان آخران
يرقصون يأساً من الألم
وفي الطابق السفلي سقطت قشرة الجدار
والأعصاب
الكبيرة،
الصغيرة،
الكثيرة،
وثبت مسعورة بداء الكَلبْ
وترنحت أرجل الأعصاب
والليل في الغرفة يظلم ويوحل
وفي العتمة الوحلية لا تمتد العين.
وانفتح الباب فجأة
كما في الفندق
ودخلتِ أنتِ
حادة كوميض الصاعقة!
تهصرين قفازي فرو
وقلت:
أتدري؟
"سأتزوج"
ماذا يهم! تزوجي
لابأس
سأصمد
أترين – كم أنا هادئ؟!
كنبض
الميت
أتتذكرين؟
حين قلتِ أنتِ:
"جاك لندن
مال،
حب،
شهوة"
أما أنا، فإني أرى
شيئاً واحداً
أنت – الجوكندا
التي يجب سرقتها
ولقد سرقوها.
ومرة أخرى، أخرج إلى اللعبة عاشقاً،
والنار تضيء حاجبي المحنيين
وماذا بعد؟
ففي البيت الذي احترق
يعيش، أحياناً، متشردون لا بيوت لهم.
وتشاكسيني
"مشاكسة القرش للشحاذ،
ولديك من الزمرد ما يسلب العقل".
أتذكرين!
لقد هلكت بومبي،
عندما انفجر بركان "فيزوف"!
إيه!
أيها السادة!
العشاق
الكفرة،
الجرائم،
المجازر الدموية،
أرأيتم
وجهي الأكثر رعباً
عندما
كنت
هادئاً
تماماً؟
إني أُحِسُّ، بأن هذه
"الأنا"
ليست على قدي
وأن أحداً ما، سيولد مني عنيداً
آلو!
من يتكلم؟
ماما؟
ماما!
ابنك مريض مرضاً رائعاً! (2)
ماما!
أصيب بحريق القلب
قولي لأختي: لودا وأوّلا-
لقد سد في وجهه الدرب
وكل كلمة
حتى المزحة
التي ينطق بها
من فم محروق
تنطلق كالعاهرة العارية
من بيت الدعارة المحترق
ويشم الناس
رائحة الحريق الفائحة
وجاؤوا
متألقين!
وعلى رؤوسهم خوذات!
قولوا لرجل الإطفاء:
على القلب الملتهب يتعربشون بغنج ودلال
أنا ذاتي
والعيون استنفدت براميل الدموع
أعطوني، كي أستند على ضلع من الضلوع
اقفز! اقفز! اقفز! اقفز!
لقد سقطوا
ولا تهربين من القلب!
وعلى الوجه المحروق
من شق الشفتين
تنطلق قبلة صغيرة
ماما!
لن أقوى على الغناء!
والقلب كجوقة في الكنيسة!
الكلمات المتفحمة من كل نوع وحجم
تقفز
من الجمجمة
كالأطفال من بيت يحترق
كالرعب
يحتل السماء
بأيدي "لوزيتانيا" المشتعلة (3)
ويرتعش الناس
في هدأة منازلهم
ومئات العيون المتقدة تتجه إلى الميناء
وها هي ذي
صرختي الأخيرة:
"إنني أحترق..
تنطلق للقرون القادمة
-2-
مجدوني!
فأنا عظيم ولست نكرة
أنا، فوق كل المخلوقات
أضع إشارة (X)
لا أريد أن أقرأ شيئاً
إطلاقاً
الكتب؟
ما الكتب؟!
لطالما فكرت-
أن الكتب تصنع هكذا:
يأتي شاعر
يفتح فمه برخاوة
وحالاً يغني الملهم البسيط-
يستأذن!
وقبل أن يبدأ الغناء
يمشون طويلاً مثقلين بالاستياء
ويتضح خيال سمكة غبية
تخبط بهدوءٍ في وحل القلب
وما زالوا يطبخون القوافي
من حب، وبلابل،
والشارع يمضي ملتوياً أخرس
لا يقوى على الصراخ أو النطق
ونتباهى من جديد
بتجديد مدن أبراج بابل
والرب
يهدم
المدن على الحقول
فتختلط الكلمات
ويتحمل الشارع متألماً صامتاً
والصرخة تقف في البلعوم
وسيارات التكسي المنتفخة وعربات الحنطور الهزيلة
تستقر كنصب لوم في الحنجرة
وصدر الشارع مثقلاً بالمارة
مسلولاً
وطريق المدينة مسدود بغيهب الظلام
ومع ذلك
عندما
بصق الشارعُ الحشدَ إلى الساحة
وتخلّص من زحامه
اعتقدت:
أن جوقة الملائكة تغني
والرب – قادم للعقاب
ويصيح الشارع مقعياً (4)
"فلنذهب إلى العلف!"
وآل كروب (يمكيجون) المدينة
راسمين التجاعيد القاسية
والحواجب العابسة
وفي الفم
تتوضع جثث الكلمات المتعفنة
وتبقى كلمتان:
"اللئام"
وكلمة أخرى
أظنها "- شوربة"
والشعراء
غارقون في الدموع والنشيج
مندفعين في الشارع مشعثين:
"كيف يمكن الغناء بهاتين الكلمتين
آنسة،
الحب
وزهرة مثقلة بالندى؟"
وخلف الشعراء-
هدوء الشوارع؛
طلبة؛
وعاهرات؛
ومقاولون أيضاً..
أيها السادة!
قفوا!
فأنتم لستم بشحاذين
لن تجرؤوا أن تتسولوا الصدقات!
نحن الأشداء
مع كل خطوة نكبر
فلا تسمعوهم،
بل مزقوهم-
كمحلق الجريدة المجاني
في كل سرير نوم مزدوج!
أم تطلبون منهم بدل:
"ساعدوني!"
أنتسول نشيداً؟
أو خطاباً!
نحن المبدعون في نشيد مشتعل
في ضجيج المعامل والمخابر
ما الذي يعنيه "فاوست" لي،
المسحور
الهارب مع ميفستوفيليس
على فرشة سماوية!
في يقيني
إن مسماراً في حذائي
أكثر رعباً من فنتازيا غوته!
أنا،
ذهبي اللسان،
فكل كلمة
تجدد الروح
وتحيي الجسد
أقول لكم:
إن أصغر ذرة تراب حيّة
أغلى بكثير من كل ما أفعله وفعلته!
اسمعوا!
اليوم، يغط زرادشت بفمه الملآن
متألماً حالماً،
ونحن،
بوجه، كشرشف قذر باهت،
وشفاه متدلية كثريا
نحن،
المحكومين بالأشغال الشاقة كمصابي الجذام
حيث الذهب والوسخ يولدان الداء
نحن أنقى من نقاء فينيسيا
المغتسلة بالشموس والبحار!
ولا يهم، أنه لا يوجد
لدى هوميروس وأوفيدوس
أبطال مثلنا
ملطخين بالسخام، والجدري.
إنني أعرف –
إن الشمس ستنكسف، لو ترى
أعماق أرواحنا الذهبية!
فالعضلة والوريد أكثر صدقاً من الصلاة.
فهل نلتمس رحمة الزمان!
نحن –
وكل واحد منا،
ممسك بكفه
أحزمة تحول العالم.
وهذا دعائي إلى قاعات غولغوف
في بطرسبورغ، موسكو، أوديسا، كييف،
ولم يبقى واحد
لم يصرخ:
"اصلبوه
ا ص ل ب و ه!"
ولكن
الذي آذاني
أيها الناس،
هم أنتم، الأعز والأقرب
أرأيتم،
كيف يلعق الكلب يد ضاربه؟
فأنا،
الذي أثير سخرية القبيلة المعاصرة،
كنكتة طويلة فاجرة
أرى المقبل عبر جبال الزمن
والذي لا يراه أحد.
حيث عيون الناس قصيرة النظر
عيون رؤوس القطعان الجائعة
إني أسمع جلجلة عام 1916
متوجاً بأكليل الثورة.
وأنا معكم – رائدها الأول
وأنا – سأكون حيث يكون الألم، وفي كل مكان أكون
ومع كل دمعة
أصلب نفسي
فاتَ زمن التمني
وأنا طهرت روحي، إذ أفسدتها الرقة.
وهذا أصعب من أن تحتل
ألف ألف باستيل.
وعندما
يأتي
مُعِلناً التمرد
وتخرجون إلى المخّلص
سأعطيكم
روحي
ترفَعوها مخضَبة، مشتعلة
راية كبيرة
-3-
آخ، لماذا كل هذا؟
ومن أين هذه القبضات القذرة
تلوث النور والفرح!
أعماني اليأس
وفي الرأس
تجول فكرة مشفى المجانين
و-
كما يهرعون
إلى فوهات النجاة،
متشنجين رعباً
أثناء غرق السفينة
كان بورليوك (5) كالمهبول يبحث عن مخرج
من خلال جفونه المدماة
تسلسل،
نهض،
ومضى
وبرقة مفاجئة، من رجل مترهل
صرخ:
"رائع!"
ورائعاً عندما تتدثر الروح
عن الأنظار، في بلوزة صفراء (*)
"رائع"
عندما يصرخ من يُقذف به
إلى مخالب المقصلة:
"اشربوا كاكاو فان هوتين" (6)
فهذه الومضة
الساطعة
الراعدة،
لن أبدلها بأي شيء
لن أبدلها..
ومن بين دخان السجائر
وكؤوس الخمر
أشرأب وجه "سيفيريانين"
المنفوخ من السكر
كيف تجرؤ أن تسمي نفسك شاعراً
وتزقي بغباء كطير السّمن!
واليوم
يجب
أن يفصّل العام في جمجمة
وأنتم،
يا من تقلقكم فكرة واحدة-
"هل أرقص بظرافة؟"
انظروا كيف أتسلى
أنا -
البذيء
القواد، المقامر المحتال
بعيداً عنكم،
يا أيها العاشقون
بعيداً عن الذين غرقوا بالدمع
منذ قرن
سأمضي
واضعاً الشمس على عيني منظاراً
وسأجوب الأرض
بملابس مضحكة
كي أفتنها إعجاباً
وأنا أقود نابليون
قدامي بسلسلة
مثل كلب افرنجي (*)
وتضطجع الأرض كأمرة:
تتململ عارية مستسلمة
وتسري الحياة بالأشياء الميتة-
والشفاه تتنبأ متلعثمة:
"تسا تسا تسا تسا"
فجأة
تنتشر الغيوم
ترتفع في الفضاء مضطربة متموجة
كأنها العمال تعلن غضبها للسماء
ويجلجل الرعد من السحاب
وتتمخط من منخرين هائلين
وتغضب السماء
مصعرة خدها، مثل بسمارك الحديدي،
وشخص ما
ضائع في غياهب السحاب
يمد يده إلى المقهى
نسائي – كأنه
ويبدو طرياً – ناعماً
أتظنون
أنها الشمس الحنون
تربت على خد المقهى
مرة أخرى، أنه دوي الجنرال جاليفه (7)
يطلق النار على المتمردين
وأنتم أيها السكارى، أخرجوا أيديكم من جيوبكم
التقطوا حجراً، سكيناً، أو قنبلة
ومن ليس لديه أيد
فليضرب برأسه
هلموا أيها الجائعون
أيها الغارقون
هلموا أيها
الخاضعون
المطمورون
بقذارة البراغيث
تعالوا:
أيام الاثنين والثلاثاء
مخضبين بالدم في الأعياد
لنجعل الأرض تحت وطأة السكين، تتذكر
من أرادت أن تذله
الأرض،
كالمعشوقة المنتفخة
التي هام فيها روتشيلد
ولترتفع جثث التجار الملطخة بالدماء
مرفرفة كرايات في اللهب
كما في الأعياد
ارفعوها أعلى من أعمدة المصابيح
تقيأ شاتماً
متوسلاً مستعطفاً
طعن
وانسل خلف أحد ما
يعض بأسنانه الخاصرة
ورصد الغروب مرتعشاً
في السماء أحمر – كالمارسلييز(*)
وحل الجنون
وغيره لا يمكن أن يكون
سيجيء الليل
فيقضمه
ويأكله
أترون –
أن السماء كيهوذا خائنة
مرصعة بحفنة نجوم
وأتى الليل
يقيم الولائم كما ولائم ماماي
مديراً ظهره للمدينة
والعين لا تخترق الليل
فهو أشد اسوداداً من (أزيف) (*)
منطرحاً في زاوية الخمارة
أسكب النبيذ على روحي من غير أسف
وأرى:
عينين واسعتين
عيني العذراء تنفذان إلى قلبي
فأي موهبة في هذه الرسومات الرديئة
المزدانة بحشود الخمارات
ألا ترين – مرة أخرى
أنهم يفضلون باراباس
وقد تنكروا للجلجلة (*)
ربما، وعن قصد
وجدت في الحظيرة الإنسانية
ولا يوجد وجه جديد
وأنا
ربما كنت
الأجمل
من بين كل أبنائك
فأعطِ
الغارقين في عفن الدنيا
الموت السريع
ليصبحوا أطفالاً – ثم مراهقين
شباباً، ثم آباء
بناتاً ثم – أمهات
وأعط المولودين حديثاً
حكمة العجائز الشائبات
وسيأتون هم
وسيعمدون أبناءهم
بأسماء قصائدي وأشعاري
وأنا أتغنى بالآلة، وإنكلترا،
وربما، كنت، بكل بساطة
أنا الحواري الثالث عشر
في الإنجيل
وعندما صوتي
يدوي بفحش
من ساعة لساعة
في الليل والنهار
يمكن أن يتنسم يسوع المسيح
روحي الخالدة
-4-
ماريا! ماريا! ماريا!
دعيني أدخل يا ماريا!
كفاني تشرداً في الشوارع
لا تريدين؟
تنتظرين
حتى يغور خداي
وينالني الجميع
استيقظي
سآتي
ادردَ من غير أسنان
فأنا اليوم
"طاهر بأعجوبة"
ماريا،
أترين –
لقد بدأت أحدودب
وفي الشوارع
يحشر المتخمون العلف في أجوافهم التي كالطوابق
- الأربعة
حتى الرقبة
وبصعوبة يفتحون عيونهم
ويقهقهون
في الأربعين من العمر الضائع
- مرة أخرى- ساخرين
أن بين أضراسي
بقايا لذة من كعكة البارحة
وينهمر المطر على الأرصفة
يحاصر محتالاً بحفر الماء
مبتلاً يلعق بلاط الشارع المغروز بالجثث
وعلى أهدابه الشائبة
- بلى!
على أهدابه المتجمدة- دموع
من العيون
- بلى!
من العيون السابلة كالميزاب
وتمتص سحنات المارة قطرات المطر
أما في العربة (فيتبروظ) رياضي بدين خلف رياضي
- أنيق:
والناس المترهلون
والمتخمون
تندلق الدهون من أجسادهم
تعكر مجرى نهرٍ
مع الخبز اليابس
واللحم المتعفن الممضوغ
ماريا!
في آذانهم وقر، فكيف نجعلهم يسمعون مثل هذه الكلمات
- الهادئة؟
والعصافير
تتسول أغنية.
تغني
وأنا، يا ماريا،
إنسان بسيط
والليل المصدور يطردني لأحضان شارع "بريسنايا"
- القذر
فهل تريدين هذا، يا ماريا؟
دعيني أدخل، يا ماريا!
فبأصابعي المتشنجة سأضغط على خناق الجرس
ماريا!
الشوارع، تنقلب مرتعاً للوحشية
وعلى رقبتي تضغط بأصابعها
افتحي!
موجوع!
أترين
دبابيس شعر النساء تنغرز بالعينين!
فتحتْ
صغيرتي
لا تجزعي
فعلى رقبتي التي مثل رقبة ثور
تتربع نساء معروقات بطونهن كالتلال
وسأجر هذا الحمل الثقيل كل عمري
من شق الحياة سأجر هذا الحمل الثقيل
من بين مليون حب عظيم
من بين ملايين الغراميات الصغيرة القذرة.
لا تجزعي
أن التصق بألف وجه جميل
مرة أخرى – خائناً
"فعاشقات مايكوفسكي"
من سلالة ملكية
وعلى قلب المجنون يرتقون عرش الملكات.
اقتربي يا ماريا!
عريانة من غير حياء!
بخشية مرتعشة
وأعطني فتنة شفتيك
فانا وقلبي لم نعش حتى أيار ولا مرة (8)
ففي حياتي الماضية
لم تكن غير وحول نيسان
ماريا!
شاعر السوناتات يغني إلى تيانا (*)
أما أنا –
فإنسان
كتلة من لحم
أشتهي جسدك
كما يتوسل المسيحييون:
"أعطنا خبزنا اليومي"
فأعطني يا ماريا!
ماريا!
أخشى أن أنسى اسمك
كما يخشى الشاعر
أن ينسى كلمة ولدت في الآم الليل
وهي بعظمة الإله
جسدك
سوف أحبه وأحميه
مثل جندي
شوهته الحرب
لا فائدة منه
لشيء
يحرس ساقه الوحيدة
ماريا!
تريدين؟
لا تريدين..
ها!
إذن – مرة أخرى،
سأحمل قلبي منكساً كئيباً
باكياً، حافراً بالدمع اخدوداً
مثل كلب يمد يده
التي سحقها القطار
وسأعمد الطريق بدم قلبي
وتلتصق الأزهار بغبار سترتي
وستدور ابنة هيروديا ألف مرة راقصة (9)
حول رأس يوحنا المعمدان
كما الأرض تدور حول الشمس
وعندما ترقص سنواتي
إلى نهايتها
سينفرش الطريق بمليون قطرة دم
إلى بيت أبي
سأخرج
قذراً من أقنية الليل
متقلباً من جنب إلى جنب
أنحني
وأهمس في أذنه:
اسمعني يا سيدي الله
ألا تحس بالضجر
وأنت تنظر بعينين ذابلتين
إلى هذه الغيوم
أتعرف؟!
تعالي ننصب أرجوحة
على شجرة الخير والشر
أيها الموجود في كل الوجود
لنسفح الخمر
حتى يقوم الحواري بطرس العابس
إلى رقصة كي – كا – بو
ونملأ الجنة من جديد، بالحوريات
فليكن أمرك-
في هذه الليلة بالذات
وسآتيك
بالحسناوات من كل الجهات
تريد؟
لا تريد.
تهز رأسك المشعث
وتقطب حاجبيك..
فهل تعتقد
أن الملاك المجنح خلفك
يعرف ما هو الحب؟!
فأنا ملاك أيضاً، إذ كنتُ
أنظر كحمل وديع
ولكن لن أمنح للإفراس هدايا بعد الآن
آلاماً من أفضل المزهريات
يا كلي القدرة، أنت الذي خلق اليدين
ووضعت:
لكل إنسان رأساً
فلماذا لم تخلق البشر
من غير آلام؟
قبلاتي قبلاتي قبلاتي
كنت أظن – أنك القادر رب السموات والأرض
فما أنت إلا ناقص العلم. يا إلهي الضئيل
أترى، ها أنذا، أنحني
أستل من قصبة جزمتي
سكين (الكندرجية)
أبترُ الأوباش
الذين اعتصموا في الجنة
مرتعشين نافشين ريشهم
وأنت أيها العابق بالبخور
سأفضحك
من هنا وحتى آلاسكا
دعوني!
لن توقفوني
فسيان إنْ كنت أكذب
أو أقول الحق..
لكن ليس بوسعي أن أهدأ
انظروا-
فالنجوم، مرة أخرى، من غير رؤوس
والسماء مضرجة بالمذابح
إيه،
يا أنتم!
أيتها السماء!
اخلعوا قبعاتكم
قادم أنا
صمت..
والكون يغفو
بإذنه الضخمة المسمرة بالنجوم
متكئاً على كفه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعد قصيدة "غيمة في سروال" من أهم قصائد ماياكوفسكي وأنضجها، في مرحلة ما قبل ثورة أكتوبر. بدأها الشاعر قبل نهاية عام 1914 وانتهى منها في تموز عام 1915. كان عمره اثنتين وعشرين سنة.
كان عنوان القصيدة في البداية "الحواري الثالث عشر". لكن الرقابة لم توافق على هذا العنوان، فاضطر إلى تغييره إلى "غيمة في سروال". قاصداً من ذلك التهكم على الرقابة والسخرية منها، من ناحية، ومن الناس الرخويين من ناحية ثانية. وعندما أعاد طباعة القصيدة عام 1918 حدد ماياكوفسكي نفسه مغزى القصيدة، ومضمونها فكتب:
المترجم