1 - عبقريته في إكمال أغنية الرياح الأربع
2 - مشخصات أسلوبه
3 - بعض صور كتبه
4 - لقب شاعر اللذة
ليس فرحنا بأغنية الرياح الأربع أنها لشاعر مصري قديم يرجع زمنه إلى أربعة آلاف من السنين، بل لأنها نظمت بالعربية بعد زمان هذا الشاعر المصري القديم بأربعة آلاف من السنين؛ وقد نظمها شاعر مصري تسلمها منقوصة فسواها كاملة، وجعل منها آية فنية مشرقة البيان، حسنة السبك، فياضة بالحياة التي تملأ جميع جوانبها
فمن المقدمة القصيرة التي وضعها الأستاذ دريتون للأغنية والتي يقول فيها: (تقوم هذه الأغنية على الحوار فبعد أربع مقطوعات تغنى كلا منها فتاة يدخل رجل فيحييهن ويشرع في خطفهن ليستولي على الرياح الممثلة فيهن، فيغريهن بإثارة الفضول في نفوسهن، وذلك بأن يعرض عليهن زيارة سفينته. . . ولما قوبل طلبه بالرفض، لم يستسلم للهزيمة كما هو واضح من المقطوعة الأخيرة في الأغنية (إن وسائلي لا تنفد). ولكن لسوء الحظ لم نعثر على تكملة الأغنية والوسائل التي لجأ إليها الرجل. وأكبر الظن أنها مما يثير الشراهة التي تكشف مواطن الضعف في النساء). نستنتج أن الفصل الأول والفصل الأخير من تمثيلية الأستاذ علي محمود طه هما من ابتكاره. وأن الفن الرائع الذي لون به الفصل الثاني - وهو الفصل الذي تضمن الأغنية المصرية القديمة كلها تقريباً - هو من إنتاج قريحته الخصبة المبدعة. . . أثمره خياله المتجدد، وسرت فيه بالحياة شاعريته النابضة، ودوت فيه موسيقاه بألحان الجمال.
وقد يسأل بعض القراء: وما قيمة هذه الأغنية وماذا تتناوله من مشكلات الحياة؟ وليس أيسر من الرد على هذا بما ختمنا به مقالنا الأول عنها من أنها سحر وشعر وفن وجمال. . . إنها من قبيل هذه الدرامات الرائعة التي نظمها شيكسبير في صدر حياته. و (العاصفة) هي أقرب أمثلة ذلك؛ إذ ترتكز على السحر الذي كان يجيده بروسبيرو، والذي سخر به الريح فأغرقت سفينة ملك نابلي وسلط عليه وعلى أخيه الخائن الروح آريل يسيمها من العذاب ألواناً، حتى تنتهي الرواية بصلح عام تكون ثمرته زواج ابن ملك نابلي من ابنة بروسبيرو وعودة بروسبيرو إلى ملكه في ميلان. فالموضوع في (العاصفة) موضوع شعري ساحر تجلت فيه عبقرية شيكسبير، وظهرت في عرضه وتناوله مواهبه التصويرية العالية. وكذلك موضوع أغنية الرياح الأربع. والعجيب أن تكون هذه أولى روايات علي محمود طه المسرحية ويتمها مع ذلك على هذه الصورة الرائعة من الحبكة والحركة والتسلسل والإبداع المتناهي في التصوير واختيار المناظر الخيالية الراقصة. . . هذا فضلاً عن بيانه المشرق وديباجته العالية وقوافيه المنتقاة وقوة تدفقه في الحوار وحرصه على موسيقية الأوزان، بل موسيقية الألفاظ. . . فقلما تعثر على لفظة نابية، أو كلمة قلقة، أو جملة لم يحسن الشاعر اختيارها وصقلها وتجويدها. . . وأنا متعمد أن أسوق كل هذا الكلام الذي يشبه الإطراء، بل هو الإطراء نفسه، لأذكر سببه. . . حقاً إن لهذا الإطراء سبباً طريقاً أرى أن أسوقه هنا، لأن هنا موضعه. . . ذلك أنني تعودت كلما فكرت في الكتابة عن شيء أن أسأل هذا النفر من إخواني الأدباء الذين أتوسم فيهم إلماماً بالموضوع رأيهم فيما أنا بسبيله منه. وقد سألت هذه المرة كثيرين من إخواني الشعراء رأيهم في علي محمود طه أولاً، وفي تمثيليته أغنية الرياح الأربع ثانياً؛ فعجب إذ وجدت الغالبية منهم تجمع على مآخذ يأخذونها على هذا الشاعر، منها أنه مولع بألفاظ وعبارات بعينها يرددها في الجزء الأكبر من شعره. فمن هذه الألفاظ (شعشع) وما يتفرع منها، و (عبقري) وما تصفه من خيال وخمر وموسيقا وجمال، و (لؤلؤ) وما إليه من لألأ ولآلاء ولؤلؤى، و (تذويب القلب) في الدموع وفي القبلة وفي النظرة وفي الابتسامة، و (مرح)، فالمجداف مرح، والحبيب مرح الأعطاف، والجيد مرح، والقلب مرح، والشباب مرح؛ و (مجنح) فالخيال مجنح والطيف مجنح والسفين المجنحات، وللريح أجنحة
أي روح خفية أي ريح ... حملتنا بأجْنُحٍ في الخفاء؟
و (سلسل) وما يصرف منها، ومثلها، (ضوأ) و (ناسم ويناسم) و (الأصائل العسجدية) و (الخلجان المسحورة) و (حدائق النسيان) و (الكنوز المرصودة) إلى آخر هذا الثبت الطويل من الألفاظ والعبارات التي تركتهم يحصونها ولا يكادون يفرغون منها لكثرتها. وقد كنت أكتب ما يذكرون منها في ورقة بسرعة فائقة؛ فلما سكتوا سألتهم رأيهم في هذه الكلمات، أشر هي؟ وهل فيها كلمة لم يعمل الدوق السليم فيها عمله؟ وعلام تدل هذه الكثرة العجيبة من تلك الألفاظ والعبارات المنتقاة؟ أهي دليل فقر في محصول الشاعر الأدبي واللغوي، أم هي دليل شئ آخر غير الفقر؟ والمعاني التي تساعد هذه الألفاظ في أدائها؟ ألغو هي؟ أم هي من أدق المعاني وأحلاها وأكثرها طلاوة؟ وهل نسينا أن لكل كاتب ولكل شاعر أسلوبه الخاص، وأن لهذا الأسلوب الخاص مشخصات تشبه علائم الطريق؛ فهي تميزه وتعرف به. . . فالدكتور طه حسين مثلاً يلتزم عبارات تعينها يرددها في كل كتبه أو في معظم كتبه؛ وهو يرددها أكثر مما يرددها أي كاتب آخر، بل لعل معظم الكتاب في مصر وفي العالم العربي لا يرددون من عبارات الدكتور طه حسين شيئاً، تلك العبارات التي يعرف بها أسلوبه بين مائة أسلوب أو أكثر من ذلك لو أنه وضع بينها. وكذلك أسلوب الأستاذ العقاد، ذلك الأسلوب القوي الذي يفيض بفحولة تتعب إفهام القراء أحياناً، وهو تعب تنتج عنه لذة ذهنية عجيبة إذا استطاع القارئ أن يدرك المعنى الحقيقي الذي يرمي إليه الكاتب الكبير، فإذا لم يستطيع القارئ إدراك هذا المعنى أحس عند تلك الفقرة أو ذلك السطر من كتابة الأستاذ العقاد بمرارة، لكنه مع ذلك يمضي في القراءة مأخوذاً بالجمال الكلي عن هذه الجزيئات الهينة. وللأستاذ المازني مشخصات عجيبة في أسلوبه، تميزه من جميع أساليب الكتاب المصريين والكتاب العرب على حد سواء، فهو دائماً (يمط بوز) أبطال مقالاته و (يمط شفاههم!)، وهو مولع بترديد (حملاق العين) في جميع كتاباته أو في أكثرها، وفي قصته الجميلة (إبراهيم الثاني) تردد هذا (الحملاق) أكثر من أربعين أو خمسين مرة كما ترددت هذه العبارات مراراً:
(أي نعم، ليس إلا، لا تجعل بالك إلى كذا، من الحزامة أن تصنع كذا، التبات والنبات، باسها، الحب الآخذ بالكليتين؟)
ولست أدري كيف يأخذ الحب بالكليتين، والذي أعرفه هو الحب الذي يأخذ بمجامع القلوب مثلاً. ولأسلوب الأستاذ (المازني) مشخصات أخرى عجيبة سنعود إليها في موضع آخر إن شاء الله وللدكتور زكي مبارك مشخصات أسلوبية معروفة لقراء هذه المجلة. وقد ظلمه الأستاذ العقاد حين جرد أسلوبه من (مقومات الشخصية)، ومشخصات أسلوبه أكثرها (أنماط) جامعية.
فهو يكثر من (على التحقيق) و (النص على كذا)، و (هذا معناه) و (هل يمتري منصف في كذا) و (الحقائق الأدبية) و (في الأثر) و (الوارد هو كيت). . . هذا إلى ما تفيض به مؤلفاته من روح الاعتداد بالنفس والزهو الذي أعجب به من زكي مبارك ولا أعيبه عليه. . . ولله ما أطرف ما يجيب به حين يسأل عن هذا فيقول: زمان لا يريد أن ينصفني فلماذا لا أنتصف منه لنفسي!
ولكل من شعرائنا أسلوبه الخاص كذلك، ولولا خشية الإطالة لضربنا الأمثال الكثيرة لذلك، وحسبنا أن نشير إلى اشتراك رجلين من أقطاب شعرائنا الشيوخ في فخامة العبارة وقوة النسج وتخير الألفاظ التي تأتي في قصائدهما كأنها خارجة من كفى لأل؛ أما هذان فهما الجارم ومحرم، وإن لم يصعب على الناقد البصير أن يميز كلا منهما عن الآخر مع اشتراكهما في هذا السبيل.
ومن شعرائنا الشباب عدد كبير يستطيع الناقد كما يستطيع القارئ العادي أن يدل عليهم من أشعارهم وإن لم تحمل أسماءهم، ومن هؤلاء الشعراء الشباب من أغرم بألفاظ خاصة وعبارات بعينها تشيع في معظم منظوماته، وهي مع هذا لا تنقص من قيمة شعره شيئاً، إن لم تكسبه ميزة جديدة فوق ميزاته الكثيرة الرائعة.
(للكلام صلة)
دريني خشبة
مجلة الرسالة - العدد 551
بتاريخ: 24 - 01 - 1944
2 - مشخصات أسلوبه
3 - بعض صور كتبه
4 - لقب شاعر اللذة
ليس فرحنا بأغنية الرياح الأربع أنها لشاعر مصري قديم يرجع زمنه إلى أربعة آلاف من السنين، بل لأنها نظمت بالعربية بعد زمان هذا الشاعر المصري القديم بأربعة آلاف من السنين؛ وقد نظمها شاعر مصري تسلمها منقوصة فسواها كاملة، وجعل منها آية فنية مشرقة البيان، حسنة السبك، فياضة بالحياة التي تملأ جميع جوانبها
فمن المقدمة القصيرة التي وضعها الأستاذ دريتون للأغنية والتي يقول فيها: (تقوم هذه الأغنية على الحوار فبعد أربع مقطوعات تغنى كلا منها فتاة يدخل رجل فيحييهن ويشرع في خطفهن ليستولي على الرياح الممثلة فيهن، فيغريهن بإثارة الفضول في نفوسهن، وذلك بأن يعرض عليهن زيارة سفينته. . . ولما قوبل طلبه بالرفض، لم يستسلم للهزيمة كما هو واضح من المقطوعة الأخيرة في الأغنية (إن وسائلي لا تنفد). ولكن لسوء الحظ لم نعثر على تكملة الأغنية والوسائل التي لجأ إليها الرجل. وأكبر الظن أنها مما يثير الشراهة التي تكشف مواطن الضعف في النساء). نستنتج أن الفصل الأول والفصل الأخير من تمثيلية الأستاذ علي محمود طه هما من ابتكاره. وأن الفن الرائع الذي لون به الفصل الثاني - وهو الفصل الذي تضمن الأغنية المصرية القديمة كلها تقريباً - هو من إنتاج قريحته الخصبة المبدعة. . . أثمره خياله المتجدد، وسرت فيه بالحياة شاعريته النابضة، ودوت فيه موسيقاه بألحان الجمال.
وقد يسأل بعض القراء: وما قيمة هذه الأغنية وماذا تتناوله من مشكلات الحياة؟ وليس أيسر من الرد على هذا بما ختمنا به مقالنا الأول عنها من أنها سحر وشعر وفن وجمال. . . إنها من قبيل هذه الدرامات الرائعة التي نظمها شيكسبير في صدر حياته. و (العاصفة) هي أقرب أمثلة ذلك؛ إذ ترتكز على السحر الذي كان يجيده بروسبيرو، والذي سخر به الريح فأغرقت سفينة ملك نابلي وسلط عليه وعلى أخيه الخائن الروح آريل يسيمها من العذاب ألواناً، حتى تنتهي الرواية بصلح عام تكون ثمرته زواج ابن ملك نابلي من ابنة بروسبيرو وعودة بروسبيرو إلى ملكه في ميلان. فالموضوع في (العاصفة) موضوع شعري ساحر تجلت فيه عبقرية شيكسبير، وظهرت في عرضه وتناوله مواهبه التصويرية العالية. وكذلك موضوع أغنية الرياح الأربع. والعجيب أن تكون هذه أولى روايات علي محمود طه المسرحية ويتمها مع ذلك على هذه الصورة الرائعة من الحبكة والحركة والتسلسل والإبداع المتناهي في التصوير واختيار المناظر الخيالية الراقصة. . . هذا فضلاً عن بيانه المشرق وديباجته العالية وقوافيه المنتقاة وقوة تدفقه في الحوار وحرصه على موسيقية الأوزان، بل موسيقية الألفاظ. . . فقلما تعثر على لفظة نابية، أو كلمة قلقة، أو جملة لم يحسن الشاعر اختيارها وصقلها وتجويدها. . . وأنا متعمد أن أسوق كل هذا الكلام الذي يشبه الإطراء، بل هو الإطراء نفسه، لأذكر سببه. . . حقاً إن لهذا الإطراء سبباً طريقاً أرى أن أسوقه هنا، لأن هنا موضعه. . . ذلك أنني تعودت كلما فكرت في الكتابة عن شيء أن أسأل هذا النفر من إخواني الأدباء الذين أتوسم فيهم إلماماً بالموضوع رأيهم فيما أنا بسبيله منه. وقد سألت هذه المرة كثيرين من إخواني الشعراء رأيهم في علي محمود طه أولاً، وفي تمثيليته أغنية الرياح الأربع ثانياً؛ فعجب إذ وجدت الغالبية منهم تجمع على مآخذ يأخذونها على هذا الشاعر، منها أنه مولع بألفاظ وعبارات بعينها يرددها في الجزء الأكبر من شعره. فمن هذه الألفاظ (شعشع) وما يتفرع منها، و (عبقري) وما تصفه من خيال وخمر وموسيقا وجمال، و (لؤلؤ) وما إليه من لألأ ولآلاء ولؤلؤى، و (تذويب القلب) في الدموع وفي القبلة وفي النظرة وفي الابتسامة، و (مرح)، فالمجداف مرح، والحبيب مرح الأعطاف، والجيد مرح، والقلب مرح، والشباب مرح؛ و (مجنح) فالخيال مجنح والطيف مجنح والسفين المجنحات، وللريح أجنحة
أي روح خفية أي ريح ... حملتنا بأجْنُحٍ في الخفاء؟
و (سلسل) وما يصرف منها، ومثلها، (ضوأ) و (ناسم ويناسم) و (الأصائل العسجدية) و (الخلجان المسحورة) و (حدائق النسيان) و (الكنوز المرصودة) إلى آخر هذا الثبت الطويل من الألفاظ والعبارات التي تركتهم يحصونها ولا يكادون يفرغون منها لكثرتها. وقد كنت أكتب ما يذكرون منها في ورقة بسرعة فائقة؛ فلما سكتوا سألتهم رأيهم في هذه الكلمات، أشر هي؟ وهل فيها كلمة لم يعمل الدوق السليم فيها عمله؟ وعلام تدل هذه الكثرة العجيبة من تلك الألفاظ والعبارات المنتقاة؟ أهي دليل فقر في محصول الشاعر الأدبي واللغوي، أم هي دليل شئ آخر غير الفقر؟ والمعاني التي تساعد هذه الألفاظ في أدائها؟ ألغو هي؟ أم هي من أدق المعاني وأحلاها وأكثرها طلاوة؟ وهل نسينا أن لكل كاتب ولكل شاعر أسلوبه الخاص، وأن لهذا الأسلوب الخاص مشخصات تشبه علائم الطريق؛ فهي تميزه وتعرف به. . . فالدكتور طه حسين مثلاً يلتزم عبارات تعينها يرددها في كل كتبه أو في معظم كتبه؛ وهو يرددها أكثر مما يرددها أي كاتب آخر، بل لعل معظم الكتاب في مصر وفي العالم العربي لا يرددون من عبارات الدكتور طه حسين شيئاً، تلك العبارات التي يعرف بها أسلوبه بين مائة أسلوب أو أكثر من ذلك لو أنه وضع بينها. وكذلك أسلوب الأستاذ العقاد، ذلك الأسلوب القوي الذي يفيض بفحولة تتعب إفهام القراء أحياناً، وهو تعب تنتج عنه لذة ذهنية عجيبة إذا استطاع القارئ أن يدرك المعنى الحقيقي الذي يرمي إليه الكاتب الكبير، فإذا لم يستطيع القارئ إدراك هذا المعنى أحس عند تلك الفقرة أو ذلك السطر من كتابة الأستاذ العقاد بمرارة، لكنه مع ذلك يمضي في القراءة مأخوذاً بالجمال الكلي عن هذه الجزيئات الهينة. وللأستاذ المازني مشخصات عجيبة في أسلوبه، تميزه من جميع أساليب الكتاب المصريين والكتاب العرب على حد سواء، فهو دائماً (يمط بوز) أبطال مقالاته و (يمط شفاههم!)، وهو مولع بترديد (حملاق العين) في جميع كتاباته أو في أكثرها، وفي قصته الجميلة (إبراهيم الثاني) تردد هذا (الحملاق) أكثر من أربعين أو خمسين مرة كما ترددت هذه العبارات مراراً:
(أي نعم، ليس إلا، لا تجعل بالك إلى كذا، من الحزامة أن تصنع كذا، التبات والنبات، باسها، الحب الآخذ بالكليتين؟)
ولست أدري كيف يأخذ الحب بالكليتين، والذي أعرفه هو الحب الذي يأخذ بمجامع القلوب مثلاً. ولأسلوب الأستاذ (المازني) مشخصات أخرى عجيبة سنعود إليها في موضع آخر إن شاء الله وللدكتور زكي مبارك مشخصات أسلوبية معروفة لقراء هذه المجلة. وقد ظلمه الأستاذ العقاد حين جرد أسلوبه من (مقومات الشخصية)، ومشخصات أسلوبه أكثرها (أنماط) جامعية.
فهو يكثر من (على التحقيق) و (النص على كذا)، و (هذا معناه) و (هل يمتري منصف في كذا) و (الحقائق الأدبية) و (في الأثر) و (الوارد هو كيت). . . هذا إلى ما تفيض به مؤلفاته من روح الاعتداد بالنفس والزهو الذي أعجب به من زكي مبارك ولا أعيبه عليه. . . ولله ما أطرف ما يجيب به حين يسأل عن هذا فيقول: زمان لا يريد أن ينصفني فلماذا لا أنتصف منه لنفسي!
ولكل من شعرائنا أسلوبه الخاص كذلك، ولولا خشية الإطالة لضربنا الأمثال الكثيرة لذلك، وحسبنا أن نشير إلى اشتراك رجلين من أقطاب شعرائنا الشيوخ في فخامة العبارة وقوة النسج وتخير الألفاظ التي تأتي في قصائدهما كأنها خارجة من كفى لأل؛ أما هذان فهما الجارم ومحرم، وإن لم يصعب على الناقد البصير أن يميز كلا منهما عن الآخر مع اشتراكهما في هذا السبيل.
ومن شعرائنا الشباب عدد كبير يستطيع الناقد كما يستطيع القارئ العادي أن يدل عليهم من أشعارهم وإن لم تحمل أسماءهم، ومن هؤلاء الشعراء الشباب من أغرم بألفاظ خاصة وعبارات بعينها تشيع في معظم منظوماته، وهي مع هذا لا تنقص من قيمة شعره شيئاً، إن لم تكسبه ميزة جديدة فوق ميزاته الكثيرة الرائعة.
(للكلام صلة)
دريني خشبة
مجلة الرسالة - العدد 551
بتاريخ: 24 - 01 - 1944