لقد بعثت الفلسفة الإغريقية من جديد في المدرسة الفلسفية المغربية التي أنجبت خلفاء فلاسفة اليونان أمثال ابن باجة (دفين فاس) وابن الطفيل (دفين مراكش)، وابن رشد الذي قضى شطرا من حياته بعاصمة الموحدين شارحا النظريات الارستطاليسية حتى اعتبره مؤرخو الفلسفة المعلم الثاني...
ولم بكن معنى هذا الانبعاث الإغريقي في الفلسفة المغربية أن عقليتها بقيت عالة على الفكر اليوناني، بل إنها استطاعت أن تجوب مجاهل لم يخضعها اليونانيون من قبل، وكان من الرواد الأوائل لهذه المجاهل العميقة السيكولوجي الكبير، وفيلسوف الصوفيين، محيي الدين ابن العربي المشهور، الذي نريد في هذه العجالة أن نلقي نظرة على بعض نظرياته المهمة.
درج المؤرخون على أن يذكروا ابن العربي في عداد المتصوفة، وأن يتركوا الفلسفة بمعزل عن دراسة أثمن مخلفاته التي تكاد توازي لب ما اهتدت إليه عبقرية علماء النفس المعاصرين أمثال برجسون وفرود...
وقد تجوز لنا المفارقة بين فيلسوفين عظيمين من المغرب وهما ابن العربي وابن رشدن فقد صادف ابن العربي عقبات ومؤامرات تجيز لنا التشبيه بينه وبين لفيلسوف الكبير ابن رشدن فكما كان هذا الأخير موضع ارتياب الفقهاء، وهدف نقد الحكام والعلماء، حتى أضحى غريبا بين أهله، وأصبح موضع انتقاد وكراهية سواد الأمة، ثم هدف سهام القاضي ابن أبي الحسين بن ربيع، والخطيب الأندلسي أبي علي بن حجاج، وغيرها، مما أدى به إلى الاضطهاد والنكبة القاسية المشهورة، فكذلك كان ابن العربي، الذي رغم تسلحه بمظهر التصوف لم يصرف ذلك معاصريه عن النيل من فلسفته وآرائه، ثم اتهامه بالمروق، مما اضطر فريقا من علماء عصره إلى الدفاع عنه، كرضي الدين بن الخياط، وكمال الدين الزملكاني، وصلاح الدين الصفدي، وقطب الين الحموين والسهروردي وفخر الدين الرازي، والبلغيثي، وابن السبكي، والسيوطي...بينما كان ابن تيمية يتهمه بإفساد الدين، كما يتهمه بذلك ابن إياس، والتفتازاني، وجمال الدين بن نور الدين، وألفاظ الذهبي.
ولا أريد هنا أن أقارن بين ابن رشد وابن العربي، فالفرق بينهما من الاتساع بحيث لا يتأتى لنا أن نقارن، ولكن المجال الوحيد لهذه المقارنة هو غرابة الشخصين في عصرهما.
فإذا كان ابن رشد الذي عاش في بيئة مسلمة سنية، وفي بلاط متشدد في الأبحاث الدينية كبلاط الموحدين، ينتحل فكرة الانبثاق العام، ويقول بالفصل بين العقل الفعال الهيولي، أو العقل المؤثر والمآثر ويرى مذهب وحدة النفوس، ويقلو في التصوف بالاتصال أو الوحدة، ثم يتهم الغزالي وهو أعظم فيلسوف مسلم...بل ويرى كثيرا من الآراء الجريئة والشاذة في بيئته ووسطه، فإن ابن العربي كان ينتحل أفكارا لا تقل جرأة وخطورة عن أفكار ابن رشد، وكفى أن يكون مذهبه في وحدة الوجود بحيث يجاوز فيه مفاهيم المتصوفة الذين ثار ضدهم العلماء والفقهاء، إذ يرى أن الوجود حقيقة، والتعدد إنما هو أمر قضت به الحواس الظاهرة.
وفي كتابه القيم (الفتوحات) عبارات تؤدي معنى هذه الفكرة صراحة، كما أن في كتاب الفصوص أبيات تشعر بهذه النظرية التي لا يمكن أن يقبلها علماء الإسلام السنيون أو يحتملوا تأويلها، لأنها فلسفة محضة، كان اقل منها يثير حميمة المفكرين السنيين...
بل إن فكرته هذه لا تبعد عن المذهب الذي ذهب إليه سبنوزا من بعده في الوحدة، وكان سبب الحملة القاسية على الفيلسوف الغربي من لدن معاصريه.
ولو أن آثار ابن العربي كانت مترجمة في عهد سبنوزا لما كان لهذا الفيلسوف أي فضل على الفكر الفلسفي بعد فلسفة ابن العربي.
والطريف في نظريات ابن العربي هو اهتداؤه الصوفية وحدها إلى آراء ونظريات تدخل في ميدان العلم الفيزيقي وحدهن كقصة اختزال الأصوات في القضاء وحفظها في بعض طبقاتهن ثم القدرة على جلبها لو تأتت لنا المقدرة لاستنزالها...
كما أن لابن العربي رأيا خاصا في تفسير (الكلمة) وفي شرحها الصوفي، ولعل رأيه فيها هو أول رأي من المناقشات.
وباختصار فكتابه(الفتوحات المكية) يعتبر أروع بحث مستفيض في التحليل الصوفي والنفسي والفلسفي، وهو جدير بقول بعض النقاد المحدثين« لا يليق بعالم أو أديب أو متصوف أن يبقى بدون إلمام بهذا الكتاب الذي يعد فريدا في بابه في سائر اللغات»
ولم بكن معنى هذا الانبعاث الإغريقي في الفلسفة المغربية أن عقليتها بقيت عالة على الفكر اليوناني، بل إنها استطاعت أن تجوب مجاهل لم يخضعها اليونانيون من قبل، وكان من الرواد الأوائل لهذه المجاهل العميقة السيكولوجي الكبير، وفيلسوف الصوفيين، محيي الدين ابن العربي المشهور، الذي نريد في هذه العجالة أن نلقي نظرة على بعض نظرياته المهمة.
درج المؤرخون على أن يذكروا ابن العربي في عداد المتصوفة، وأن يتركوا الفلسفة بمعزل عن دراسة أثمن مخلفاته التي تكاد توازي لب ما اهتدت إليه عبقرية علماء النفس المعاصرين أمثال برجسون وفرود...
وقد تجوز لنا المفارقة بين فيلسوفين عظيمين من المغرب وهما ابن العربي وابن رشدن فقد صادف ابن العربي عقبات ومؤامرات تجيز لنا التشبيه بينه وبين لفيلسوف الكبير ابن رشدن فكما كان هذا الأخير موضع ارتياب الفقهاء، وهدف نقد الحكام والعلماء، حتى أضحى غريبا بين أهله، وأصبح موضع انتقاد وكراهية سواد الأمة، ثم هدف سهام القاضي ابن أبي الحسين بن ربيع، والخطيب الأندلسي أبي علي بن حجاج، وغيرها، مما أدى به إلى الاضطهاد والنكبة القاسية المشهورة، فكذلك كان ابن العربي، الذي رغم تسلحه بمظهر التصوف لم يصرف ذلك معاصريه عن النيل من فلسفته وآرائه، ثم اتهامه بالمروق، مما اضطر فريقا من علماء عصره إلى الدفاع عنه، كرضي الدين بن الخياط، وكمال الدين الزملكاني، وصلاح الدين الصفدي، وقطب الين الحموين والسهروردي وفخر الدين الرازي، والبلغيثي، وابن السبكي، والسيوطي...بينما كان ابن تيمية يتهمه بإفساد الدين، كما يتهمه بذلك ابن إياس، والتفتازاني، وجمال الدين بن نور الدين، وألفاظ الذهبي.
ولا أريد هنا أن أقارن بين ابن رشد وابن العربي، فالفرق بينهما من الاتساع بحيث لا يتأتى لنا أن نقارن، ولكن المجال الوحيد لهذه المقارنة هو غرابة الشخصين في عصرهما.
فإذا كان ابن رشد الذي عاش في بيئة مسلمة سنية، وفي بلاط متشدد في الأبحاث الدينية كبلاط الموحدين، ينتحل فكرة الانبثاق العام، ويقول بالفصل بين العقل الفعال الهيولي، أو العقل المؤثر والمآثر ويرى مذهب وحدة النفوس، ويقلو في التصوف بالاتصال أو الوحدة، ثم يتهم الغزالي وهو أعظم فيلسوف مسلم...بل ويرى كثيرا من الآراء الجريئة والشاذة في بيئته ووسطه، فإن ابن العربي كان ينتحل أفكارا لا تقل جرأة وخطورة عن أفكار ابن رشد، وكفى أن يكون مذهبه في وحدة الوجود بحيث يجاوز فيه مفاهيم المتصوفة الذين ثار ضدهم العلماء والفقهاء، إذ يرى أن الوجود حقيقة، والتعدد إنما هو أمر قضت به الحواس الظاهرة.
وفي كتابه القيم (الفتوحات) عبارات تؤدي معنى هذه الفكرة صراحة، كما أن في كتاب الفصوص أبيات تشعر بهذه النظرية التي لا يمكن أن يقبلها علماء الإسلام السنيون أو يحتملوا تأويلها، لأنها فلسفة محضة، كان اقل منها يثير حميمة المفكرين السنيين...
بل إن فكرته هذه لا تبعد عن المذهب الذي ذهب إليه سبنوزا من بعده في الوحدة، وكان سبب الحملة القاسية على الفيلسوف الغربي من لدن معاصريه.
ولو أن آثار ابن العربي كانت مترجمة في عهد سبنوزا لما كان لهذا الفيلسوف أي فضل على الفكر الفلسفي بعد فلسفة ابن العربي.
والطريف في نظريات ابن العربي هو اهتداؤه الصوفية وحدها إلى آراء ونظريات تدخل في ميدان العلم الفيزيقي وحدهن كقصة اختزال الأصوات في القضاء وحفظها في بعض طبقاتهن ثم القدرة على جلبها لو تأتت لنا المقدرة لاستنزالها...
كما أن لابن العربي رأيا خاصا في تفسير (الكلمة) وفي شرحها الصوفي، ولعل رأيه فيها هو أول رأي من المناقشات.
وباختصار فكتابه(الفتوحات المكية) يعتبر أروع بحث مستفيض في التحليل الصوفي والنفسي والفلسفي، وهو جدير بقول بعض النقاد المحدثين« لا يليق بعالم أو أديب أو متصوف أن يبقى بدون إلمام بهذا الكتاب الذي يعد فريدا في بابه في سائر اللغات»