الأدب العبري.. ماذا نعرف عنه؟..
ماذا نعرف عن الأدب والفكر العبري. بخلاف اهتمام الاسرائليين الكبير بالآداب العربية والفلسطينية خصوصا ، وبقدر إهمال و استخفاف بعض الثقفوت والمتفيقهين العرب والأوساط الثقافية العربية بالأدب والثقافة والفكر اليهودي..
الكثير من المتأففين والمتعففين لهم مواقف عدائية من الأدب اليهودي.. ويبررون ذلك بأن إسرائيل دولة عنصرية، وفاشية، وامبريالية، ومستعمرة، ومحتلة، ومغتصبة للأراضي الفلسطينية، وأدبها يحمل أفكارا شوفينية وعدائية، وتدعو للعنف والكراهية، وهي مواقف سلبية في غياب معرفة حقيقية واطلاع على ثقافة اليهود.. وتخلط الفكر بالسياسة، دون تمييز بين اليهودية كدين سماوي، والصهيونية كفكر متطرف. وبين الأدب اليهودي، والاسرائيلي، والعبري، والصهيوني.
يقول ذ. كرم سعيد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية:
" بدأت إسرائيل منذ ستينيات القرن الماضي الاهتمام بشكل ممنهج بترجمة الأدب العربي، وبخاصة الرواية التي يعتقد قطاع واسع من علماء الاجتماع أنها باتت البديل الأوثق لتشريح المجتمعات، ومرآة عاكسة لتطورها."
( ذات يوم، أثناء دراستي الجامعية بقسم اللغة العبرية وآدابها، حادثتني زميلة، بدت يائسة. سألتني عن الهدف من كل هذا الكلام الفارغ الذي ندرسه في القسم، هل الهدف هو أن نبين أن هؤلاء الناس عندهم أدب وفن؟
"اعرف عدوك" و"اعرف جارك" هما شعاران متداولان لدى الحديث عن إسرائيل. الشعاران مختلفان في توصيف موضوع المعرفة، إسرائيل، الجارة أو العدوة، ولكنهما يتفقان على أهمية المعرفة، الرؤية، لذلك الشيء، الذي هو إسرائيل، ولنقرر بعد ذلك أن نعاديه أو نقوم بالتطبيع معه.)
(نائل الطوخي - في البدء... هكذا تكلم كوهين)
هكذا يوضح واحد من أهم من ترجموا الأدب العبري وقربوه للقارئ العربي من خلال مدونته الشهيرة "هكذا تكلم كوهين"
وبالإضافة الى الشعار العنصري التقليدي "اعرف عدوّك".. فإن ثمة مواقف ورؤى وحساسيات مغايرة أخرى تدخل في ذلك التعامل، إذ يعتبر العديد من السياسيين الاسرائلييين بأن الأدب الفلسطيني خاصة والعربي بصفة عامة جزء لا مجال لتجاهله في المجال العسكري. و يرون بأن دراسته لا يمكن أن تكون موضوعية وشاملة إذا لم تأخذ بعين الاعتبار الجانب الاستشراقي منه على وجه الخصوص، والذي يشكل مكونا رئيسيا ضمن الاستراتيجية العسكرية.. ويعتبرونه أدبا عدوا، يحسب له ألف حساب، ويتهيبون من قصيدة أو نص لمحمود درويش او سميح القاسم أو توفيق زياد ، أو فدوى طوقان، أو إميل حبيبي ، أو غسان كنفاني، أو احمد دحبور . او أي كاتب و أديب آخر من شعراء المقاومة يوم كان لشعر وادب المقاومة صوت وصدى مسموعين، وكانت القصيدة كالقنبلة سواء بسواء. لدرجة أن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يأمر إذاعة الجيش بمنع بث أغاني المطرب والشاعر والناشط اليساري يهونتان جيفن لكونه أهدى إحدى قصائده لعهد التميمي ، أو قصيدة (آهات أمام شباك التصاريح) للشاعرة فدوى طوقان على محمل الجد وتحللها على انها خطيرة، خاصة حبنما تصل لقولها:
( جوع حقدي فاغر فاه
سوى أكبادهم
لا يشبع الجوع الذي استوطن جلدي»:
قتلوا الحب بأعماقي أحالوا في عروقي الدم غليلاً وثار)
أو قصيدة محمود درويش ( بطاقة هوية) حين يقول فيها
( ولكنني إذا ما جعت
آكل لحم مغتصبي
حذار حذار من جوعي.
ومن غضبي
سجل أنا عربي)
ترى ماذا يقول الادباء اليهود المتطرفون والعنصريون منهم عن العرب؟
هل حاولنا يوما قراءة النشيد الوطني الاسرائيلي المرعب المليء بالوعيد والكراهية ، وفهم فحواه؟
طبعا المتفيقهون العرب يصنفون ذلك الاهتمام في خانة التطبيع والتخوين. فيما نجد بأن أشطر مثقفينا العرب لا يكادون يعرفون اسماء اربعة او خمسة أدباء يهود.
ونعتقد أننا مخطئون كثيرا في تعاملنا مع اليهود، ومع تجاهل ثقافتهم وآدابهم وفكرهم، بإصرارنا أولا على اعتباره فكرا ناتجا عن غريم عريق.. وباصرارنا ثانيا على تفسير كل شيء يخص المسالة اليهودية من خلال وجهة نظر سياسية ضيقة سلبية وشوفينية، تدخل ضمن الصراع الاسرائيلي العربي، وبإصرارنا أخيراً على إقحام المؤثرات السياسية والدينية في مكونات علاقات الإسرائيليين بالعرب، ومتهمين كل من يهتم بالموضوع بالتطبيع أو الجر نحو التطبيع والخيانة والعمالة.. الى غير ذلك من الصفات الذميمة والمتخلفة، وتهم التخوين متجاهلين الجوانب الجمالية و الفنية لتلك الآداب. والوقوف على ثقافة عدو يقتل الابرياء ويفرض حصارا جهنميا على اخواننا في فلسطين، ويزور التاريخ، ويستعين بالأسطورة والخرافة والكذب والتزوير وتحوير الدين لإثبات وجود كاذب، حتى أنهم صوروا أفلاما يدعون أن الجنود الإسرائيليين أبطال وانهم حاربوا وانتصروا في حرب أكتوبر وفي سائر الحروب التي خاضوها عبر تاريخهم الوهمي
ولا بد من الاشارة إلى أن العلاقة والأواصر التاريخية بين العرب والعبرانيين هي اكبر من مجرد تصحيف أو اشتقاق لفظي: (عبري - عربي)، فالعديد من اليهود عاشوا وتعايشوا بين ومع العرب لالاف السنين، ولهم تراث كبير عربي الهوية، وإن اجتثوا قسرا من بلدانهم بقرارات خاطئة وجائرة لبعض الحكام العرب. مما خلق لديهم جرحا عميقا لم يندمل مع السنين، بل ولايزالون يحنون لجذورهم العريقة و للصداقات الجميلة..
كتب عبده وازن:
( كان الشاعر محمود درويش يشعر بحال من الغيرة عندما يقرأ قصيدة جميلة عن أرض فلسطين كتبها شاعر إسرائيلي. هذه أرضي، كان يقول، لكنّ من يتغنى بها هو شاعر عدو. لعلّ هذا الشعور قد يخامر الكتّاب المصريين لو كان لهم أن يقرأوا رواية «هذه البلاد التي تشبهك» للكاتب اليهودي المصري الولادة والفرنسي الجنسية طوبيا ناثان. وقد يحرضهم قول الراوي الذي يحمل ملامح الكاتب: « إذا كنت قد هجرت مصر فهي لم تهجر روحي البتة»).
طوبيا ناثان هذا الذي قال يوما:
( فى أحيان يخيل إلىَّ أن ظلى هو الذى غادر القاهرة، بينما بقيت أنا هناك وحيدا تائها كما فى شبابى....)
هل حاولنا مرة الاقتراب من الادب العبري وقراءته، - نقصد الأدب المسالم الذي لا يدعو للعنف وللعنصرية والكراهية والتباغض، - وقراءته بمعزل عن المشاكل الدينية والعرقية والعقائدية والسياسية المتعصبة. وهل حاولنا التمييز يوما بين اسرائيل ككيان عنصري، وبين اليهود كشعب عريق يسعى بدوره للعيش في أمان وسلام، علما أنه توجد هناك اصوات تنادي للتعايش السلمي بين الشعبين العربي واليهودي، وتدعو لنبذ العنف والحروب، ووقف كل صنوف البطش والتنكيل والتقتيل التي يتعرض لها العرب في فلسطين على يد جبش الإحتلال الصهيوني.. وترك الخلافات، إن لم نقل الكراهية التي نضمرها لكل ما يأتي من الآخر ، فالآداب والثقافات والفنون تعد من أهم جسور التفاهم ورأب الصدع والاختلاف بين الشعوب والحضارات ادا عرفنا كيفية تناولها واستخدامها في أمور سلمية
ومن هذه الاصوات نذكر داليا رافيكوفيتش، يتسحاق لاؤور، أهارون شبتاي، يوديت شَحَر، روني هيرش، يَعرا شحوري، ماتي شموئولوف، ألموج بيهار؛ روعي تشيكي إراد، إفرات ميشوري، يهوشواع سيمون، أوري أفنيري أنور شاؤول إدمون عمران المليح ، جدعون ليفي ، إيلان بابيه، ألبير ميمي أبراهام السرفاتي سيون أسيدون وغيرهم ممن لا يتسع لذكرهم هذا الحيز..
الى جانب نصوص هؤلاء الكتاب اليهود المسالمين الساعين للتسامح والتعابش وجلهم يعيشون نوعا من الاستلاب الفكري والاغتراب ، بحكم انحدارهم من اصور مشرقية او تربيتهم السمحة والمتفتحة، ننشر موازاة مع ذلك صوصا لبعض الكتاب الاشكيناز الذين تتتسم كتاباتهم بالكراهية والبغض لسواهم من (للبوييم) غير اليهود، مثل الحاخام يهودا هليفي ، حاييم غوري ، حاييم بيالك ، ب. ميخاييل ، يهودا عميحاي ويوسف عجنونوغيرهم
هل الادب العبري شوفيني وعدواني واقصائي في مجمله.. حتى نفهم هذه المشاكل وجب علينا الاطلاع عليه وقراءته، دون تناسي دور اليهود المشارقة في اثراء الادب العربي عبر العصور، وعيشهم بين العرب والمسلمين منذ عصور سحيقة بدون فوارق عرقية أو طبقية أو صراعات إثنية ، قبل أن تفرق بينهم أنواء السياسة العاتية، ودون الاقتصار على الجانب العقائدي المقنع باللبوس الديني المتطرف العنصري والحاقد للصهيونية العالمية، الشيء الذي يدفعنا الى الإيمان في قدرة هذه الاداب والافكار على تفتيت الايديولوجيات المتعصبة وأبادتها، وإذابة البرود والجمود الكامن بمفاصل الثقافات والحضارات . إذ يقول الشاعر سميح القاسم: ( لولا وجود الاحتلال لكنا شعراء حب من الدرجة الأولى أو شعراء طبيعة)
ماذا نعرف عن الأدب والفكر العبري. بخلاف اهتمام الاسرائليين الكبير بالآداب العربية والفلسطينية خصوصا ، وبقدر إهمال و استخفاف بعض الثقفوت والمتفيقهين العرب والأوساط الثقافية العربية بالأدب والثقافة والفكر اليهودي..
الكثير من المتأففين والمتعففين لهم مواقف عدائية من الأدب اليهودي.. ويبررون ذلك بأن إسرائيل دولة عنصرية، وفاشية، وامبريالية، ومستعمرة، ومحتلة، ومغتصبة للأراضي الفلسطينية، وأدبها يحمل أفكارا شوفينية وعدائية، وتدعو للعنف والكراهية، وهي مواقف سلبية في غياب معرفة حقيقية واطلاع على ثقافة اليهود.. وتخلط الفكر بالسياسة، دون تمييز بين اليهودية كدين سماوي، والصهيونية كفكر متطرف. وبين الأدب اليهودي، والاسرائيلي، والعبري، والصهيوني.
يقول ذ. كرم سعيد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية:
" بدأت إسرائيل منذ ستينيات القرن الماضي الاهتمام بشكل ممنهج بترجمة الأدب العربي، وبخاصة الرواية التي يعتقد قطاع واسع من علماء الاجتماع أنها باتت البديل الأوثق لتشريح المجتمعات، ومرآة عاكسة لتطورها."
( ذات يوم، أثناء دراستي الجامعية بقسم اللغة العبرية وآدابها، حادثتني زميلة، بدت يائسة. سألتني عن الهدف من كل هذا الكلام الفارغ الذي ندرسه في القسم، هل الهدف هو أن نبين أن هؤلاء الناس عندهم أدب وفن؟
"اعرف عدوك" و"اعرف جارك" هما شعاران متداولان لدى الحديث عن إسرائيل. الشعاران مختلفان في توصيف موضوع المعرفة، إسرائيل، الجارة أو العدوة، ولكنهما يتفقان على أهمية المعرفة، الرؤية، لذلك الشيء، الذي هو إسرائيل، ولنقرر بعد ذلك أن نعاديه أو نقوم بالتطبيع معه.)
(نائل الطوخي - في البدء... هكذا تكلم كوهين)
هكذا يوضح واحد من أهم من ترجموا الأدب العبري وقربوه للقارئ العربي من خلال مدونته الشهيرة "هكذا تكلم كوهين"
وبالإضافة الى الشعار العنصري التقليدي "اعرف عدوّك".. فإن ثمة مواقف ورؤى وحساسيات مغايرة أخرى تدخل في ذلك التعامل، إذ يعتبر العديد من السياسيين الاسرائلييين بأن الأدب الفلسطيني خاصة والعربي بصفة عامة جزء لا مجال لتجاهله في المجال العسكري. و يرون بأن دراسته لا يمكن أن تكون موضوعية وشاملة إذا لم تأخذ بعين الاعتبار الجانب الاستشراقي منه على وجه الخصوص، والذي يشكل مكونا رئيسيا ضمن الاستراتيجية العسكرية.. ويعتبرونه أدبا عدوا، يحسب له ألف حساب، ويتهيبون من قصيدة أو نص لمحمود درويش او سميح القاسم أو توفيق زياد ، أو فدوى طوقان، أو إميل حبيبي ، أو غسان كنفاني، أو احمد دحبور . او أي كاتب و أديب آخر من شعراء المقاومة يوم كان لشعر وادب المقاومة صوت وصدى مسموعين، وكانت القصيدة كالقنبلة سواء بسواء. لدرجة أن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يأمر إذاعة الجيش بمنع بث أغاني المطرب والشاعر والناشط اليساري يهونتان جيفن لكونه أهدى إحدى قصائده لعهد التميمي ، أو قصيدة (آهات أمام شباك التصاريح) للشاعرة فدوى طوقان على محمل الجد وتحللها على انها خطيرة، خاصة حبنما تصل لقولها:
( جوع حقدي فاغر فاه
سوى أكبادهم
لا يشبع الجوع الذي استوطن جلدي»:
قتلوا الحب بأعماقي أحالوا في عروقي الدم غليلاً وثار)
أو قصيدة محمود درويش ( بطاقة هوية) حين يقول فيها
( ولكنني إذا ما جعت
آكل لحم مغتصبي
حذار حذار من جوعي.
ومن غضبي
سجل أنا عربي)
ترى ماذا يقول الادباء اليهود المتطرفون والعنصريون منهم عن العرب؟
هل حاولنا يوما قراءة النشيد الوطني الاسرائيلي المرعب المليء بالوعيد والكراهية ، وفهم فحواه؟
طبعا المتفيقهون العرب يصنفون ذلك الاهتمام في خانة التطبيع والتخوين. فيما نجد بأن أشطر مثقفينا العرب لا يكادون يعرفون اسماء اربعة او خمسة أدباء يهود.
ونعتقد أننا مخطئون كثيرا في تعاملنا مع اليهود، ومع تجاهل ثقافتهم وآدابهم وفكرهم، بإصرارنا أولا على اعتباره فكرا ناتجا عن غريم عريق.. وباصرارنا ثانيا على تفسير كل شيء يخص المسالة اليهودية من خلال وجهة نظر سياسية ضيقة سلبية وشوفينية، تدخل ضمن الصراع الاسرائيلي العربي، وبإصرارنا أخيراً على إقحام المؤثرات السياسية والدينية في مكونات علاقات الإسرائيليين بالعرب، ومتهمين كل من يهتم بالموضوع بالتطبيع أو الجر نحو التطبيع والخيانة والعمالة.. الى غير ذلك من الصفات الذميمة والمتخلفة، وتهم التخوين متجاهلين الجوانب الجمالية و الفنية لتلك الآداب. والوقوف على ثقافة عدو يقتل الابرياء ويفرض حصارا جهنميا على اخواننا في فلسطين، ويزور التاريخ، ويستعين بالأسطورة والخرافة والكذب والتزوير وتحوير الدين لإثبات وجود كاذب، حتى أنهم صوروا أفلاما يدعون أن الجنود الإسرائيليين أبطال وانهم حاربوا وانتصروا في حرب أكتوبر وفي سائر الحروب التي خاضوها عبر تاريخهم الوهمي
ولا بد من الاشارة إلى أن العلاقة والأواصر التاريخية بين العرب والعبرانيين هي اكبر من مجرد تصحيف أو اشتقاق لفظي: (عبري - عربي)، فالعديد من اليهود عاشوا وتعايشوا بين ومع العرب لالاف السنين، ولهم تراث كبير عربي الهوية، وإن اجتثوا قسرا من بلدانهم بقرارات خاطئة وجائرة لبعض الحكام العرب. مما خلق لديهم جرحا عميقا لم يندمل مع السنين، بل ولايزالون يحنون لجذورهم العريقة و للصداقات الجميلة..
كتب عبده وازن:
( كان الشاعر محمود درويش يشعر بحال من الغيرة عندما يقرأ قصيدة جميلة عن أرض فلسطين كتبها شاعر إسرائيلي. هذه أرضي، كان يقول، لكنّ من يتغنى بها هو شاعر عدو. لعلّ هذا الشعور قد يخامر الكتّاب المصريين لو كان لهم أن يقرأوا رواية «هذه البلاد التي تشبهك» للكاتب اليهودي المصري الولادة والفرنسي الجنسية طوبيا ناثان. وقد يحرضهم قول الراوي الذي يحمل ملامح الكاتب: « إذا كنت قد هجرت مصر فهي لم تهجر روحي البتة»).
طوبيا ناثان هذا الذي قال يوما:
( فى أحيان يخيل إلىَّ أن ظلى هو الذى غادر القاهرة، بينما بقيت أنا هناك وحيدا تائها كما فى شبابى....)
هل حاولنا مرة الاقتراب من الادب العبري وقراءته، - نقصد الأدب المسالم الذي لا يدعو للعنف وللعنصرية والكراهية والتباغض، - وقراءته بمعزل عن المشاكل الدينية والعرقية والعقائدية والسياسية المتعصبة. وهل حاولنا التمييز يوما بين اسرائيل ككيان عنصري، وبين اليهود كشعب عريق يسعى بدوره للعيش في أمان وسلام، علما أنه توجد هناك اصوات تنادي للتعايش السلمي بين الشعبين العربي واليهودي، وتدعو لنبذ العنف والحروب، ووقف كل صنوف البطش والتنكيل والتقتيل التي يتعرض لها العرب في فلسطين على يد جبش الإحتلال الصهيوني.. وترك الخلافات، إن لم نقل الكراهية التي نضمرها لكل ما يأتي من الآخر ، فالآداب والثقافات والفنون تعد من أهم جسور التفاهم ورأب الصدع والاختلاف بين الشعوب والحضارات ادا عرفنا كيفية تناولها واستخدامها في أمور سلمية
ومن هذه الاصوات نذكر داليا رافيكوفيتش، يتسحاق لاؤور، أهارون شبتاي، يوديت شَحَر، روني هيرش، يَعرا شحوري، ماتي شموئولوف، ألموج بيهار؛ روعي تشيكي إراد، إفرات ميشوري، يهوشواع سيمون، أوري أفنيري أنور شاؤول إدمون عمران المليح ، جدعون ليفي ، إيلان بابيه، ألبير ميمي أبراهام السرفاتي سيون أسيدون وغيرهم ممن لا يتسع لذكرهم هذا الحيز..
الى جانب نصوص هؤلاء الكتاب اليهود المسالمين الساعين للتسامح والتعابش وجلهم يعيشون نوعا من الاستلاب الفكري والاغتراب ، بحكم انحدارهم من اصور مشرقية او تربيتهم السمحة والمتفتحة، ننشر موازاة مع ذلك صوصا لبعض الكتاب الاشكيناز الذين تتتسم كتاباتهم بالكراهية والبغض لسواهم من (للبوييم) غير اليهود، مثل الحاخام يهودا هليفي ، حاييم غوري ، حاييم بيالك ، ب. ميخاييل ، يهودا عميحاي ويوسف عجنونوغيرهم
هل الادب العبري شوفيني وعدواني واقصائي في مجمله.. حتى نفهم هذه المشاكل وجب علينا الاطلاع عليه وقراءته، دون تناسي دور اليهود المشارقة في اثراء الادب العربي عبر العصور، وعيشهم بين العرب والمسلمين منذ عصور سحيقة بدون فوارق عرقية أو طبقية أو صراعات إثنية ، قبل أن تفرق بينهم أنواء السياسة العاتية، ودون الاقتصار على الجانب العقائدي المقنع باللبوس الديني المتطرف العنصري والحاقد للصهيونية العالمية، الشيء الذي يدفعنا الى الإيمان في قدرة هذه الاداب والافكار على تفتيت الايديولوجيات المتعصبة وأبادتها، وإذابة البرود والجمود الكامن بمفاصل الثقافات والحضارات . إذ يقول الشاعر سميح القاسم: ( لولا وجود الاحتلال لكنا شعراء حب من الدرجة الأولى أو شعراء طبيعة)