لابد لهذا الجمود في العلم عندنا من آخر، ولا شئ يقرب نهاية هذا الجمود غير الطعنة الجريئة توجه للمتعارف بين أهله، والمجمع بينهم على صحته، لتثور بذلك ثائرتهم، وتتفتح به أذهانهم المقفلة
وطعنتي اليوم لتلك الواو التي حيرت النحويين في نحو إياك والشر وغيره من صيغ التحذير، فقد حمَّلوها ما لا تحمله من معنى العطف، وتكلفوا في حملها عليه وجوهاً تأباها جزالة اللغة، فقال بعضهم: إن الأصل في ذلك - اتق نفسك أن تدنو من الشرِّ والشرِّ أن يدنو منك - فحذف أن والفعل وجارُّه المقدَّر والجارُّ المتعلِّق به من كل من المعطوف والمعطوف عليه، فصار - اتق نفسك والشر - ثم حذف الفعل والمضاف وأنيب عنه الضمير فانفصل. وهناك تكلفات أخرى في ذلك أسهلها أن الأصل فيه - احذر تلاقي نَفسِكَ والشرِّ - فحذف الفعل ثم المضاف الأول وأنيب عنه الثاني، فصار - نفسكَ والشرَّ - ثم حذف لفظ نفس وأنيب عنه الضمير فانتصب وانفصل وصار - إياك والشرَّ
والحقيقة أن هذه الواو ليست من العطف في شئ، وأن التعليم التلقيني التقليدي هو الذي يجعلنا نصر إلى الآن على أنها للعطف، وأكبر دليل على أنها ليست للعطف أن صيغة التحذير قد تخلو منها فيكون معناها مع خلوها منها كمعناها مع وجودها فيها، كما قال الشاعر:
فإياك إياك المِراَء فإنه ... إلى الشر دعَّاءٌ وللشر جالب
وليس هذا شأن حرف العطف، وإنما هو شأن الحرف الزائد، فهذه الواو عندي زائدة لا عاطفة
ويلي هذا عندي أن تكون أصلية عاطفة لا على معنى التشريك في الحكم، ولكن على معنى من الجارَّة، فيكون معنى - إياك والشر - إياك من الشر، ولا غرابة في أن تأتي الواو العاطفة بمعنى من الجارة، فقد وردت عاطفة بمعنى باء الجر في نحو قولهم - أنت أعلم ومالك - أي بمالك، وهذا هو رأيي في تلك الواو أعرضه على قراء الرسالة الغراء، ليوازنوا بين الرأيين، وكم ترك الأول للآخر.
عبد المتعال الصعيدي
بتاريخ: 25 - 08 - 1941
مجلة الرسالة - العدد 425