عندما جيء به إلى خشبة المَِشنقة، نظر حوله ورمق الجمهور بنظرات تبُثّ الرعب ”ها هو المذنب بكلّ ما جرى!“ زعق وحاول فكّ قيوده، امسكوه!
في ساحة سوق بلدة غومودجنا التركية، من بين العديد من المحلات التجارية، تواجدت هناك أيضًا بِقالة يهودية لبيع السكّر والملح والرِّنجة والشاي والقهوة إلخ. وعلى بعد خُطُوات معدودة كانت هناك بِقالة أُخرى تركية تبيع الأشياء نفسَها. إضافة إلى سكّان المدينة، اشترى من هاتين البقالتين مزارعو المنطقة الذين جاؤوا في بعض الأحيان لشراء حاجيّاتهم الضرورية. كانت للبقّال اليهودي سُمعة طيّبة بين أوساط المتسوّقين، لديه ميزان قِسْط، أسعار ثابتة، ولا يغشّ الزبائن. ليس فقط اليهود ولكن أيضًا الآخرين، سواء كانوا من المدينة أم من المنطقة المحيطة بها، وثِقوا بالبقّال اليهودي أكثر من البقّال التركي. لا عجبَ ففي أيّام السوق، التي تُقام من وقت لآخرَ، كانت بقالة اليهودي تعِجّ بالمشترين. في حين كانت بقالة جاره التركي في بعض الأحيان فارغةً منهم. من السهل أن نفهم أنّ هذا الوضع قد أغاظ التاجر التركي، فأخذ يبحث عن طرق للتخلّص من هذه المنافسة غير السارّة.
هذه الحادثة التي نحن بصددها، حصلت في مدينة غومودجنا التركية عام ١٧٨٦، كان ذلك في يوم سوق عادي، عندما وقف البقّال التركي بجانب بِقالته ونظر بعيني الغيرة والحسد كيف يدخل فلاحو المنطقة المجاورة، ويخرجون من بقالة اليهودي وأيديهم ملأى بالمشتريات. عزم البقّال التركي على تلفيق افتراء يُلصقه بالبقّال اليهودي، يساعده في التخلّص منه. عندما مرّ به أحد المشترين، فلاح من أصل تتاري دعاه لدخول حانوته. ”تعالَ لأُريك بأنّ البقّال اليهودي قد غشّك“ قال التركي للتتاري - ”دعنا نر كم من الملح اشتريت منه؟“ أجابه التتاري الساذج واقترح التركي عليه وزْن الملح من جديد. نوعان مخبّئان من الأوزان (عيارات) كانا لدى التركي تحت الميزان. استعمل النوع الأثقل من العاديّ عند شرائه البضاعة، أمّا النوع الآخر فاستعمله عند البيع، وكان بالطبع أقلّ من الوزن الحقيقي. هكذا دأب على خدْع المشترين والبائعين على حدٍّ سواء. الآن أخرج الأوزان الثقيلة لوزن الملح الذي اشتراه التتاري من دكّان اليهودي. ”ها أنظر كيف غشّك، قال، كيف أعطاك أقلّ من الوزن الكامل“. وهكذا فعل البقّال التركي بباقي مشتريات التتاري ليُثبت الغشّ والخديعة في الوزن.
اغتاظ التتاري جدّا وطفق عائدًا إلى بِقالة اليهودي وهو مفعم بالغضب الشديد. انقضّ على اليهودي وأشبعه ضربًا مُبرحًا وهو يصيح: ”أيّها اليهودي اللعين، كيف جرؤت على خديعتي!“ بدأ البقّال اليهودي يصرُخ ويستغيث، دخل في الحال جيران يهود وأوقفوا التتاري. في هذه الأثناء قامت في السوق جلبة كبيرة وعمّم غير اليهود شائعةً تقول إنّ اليهود ينوون قتل تركي. كادت الأمور تصل لحدّ سفك الدماء، ولكن في اللحظة الأخيرة وصلت الشرطة، وأعادت المياه إلى مجاريها. أُخذ اليهودي والتتاري إلى المحكمة.
بعد سماع ادّعاءات الطرفين، أعلن القاضي أنّه يريد أن يفحص على الفور في ما إذا خدع حقًّا اليهوديُ المشتريَ التتاري. أمر بإحضار أوزان البلدية الرسمية التي بها كانت تُفحص الأوزان الأخرى لدى البقّالين كافّة. تبيّن بعد الفحص بأنّ اليهودي قد أعطى الوزن الكاملَ لا بل وأكثر من ذلك بقليل. عبثًا حاول التتاري الاعتذار قائلًا بأنّ البقّال التركي حاول إيقاعه في مكيدة، إلا أنّ الأخير أنكر كلّ شيء.
حكم القاضي على التتاري الذي وشى باليهودي وذلّه بعشر جَلْدات وفرض عليه غرامة مالية على ما سبّبه من الأسى والعار للبقّال البريء. سيق التتاري فورًا إلى ساحة السوق ونطق بالحكم على مسامع الناس المحتشدين هناك، أوثقوا المحكوم عليه بعامود وأخذ جنديان قويّان بجلده عشر جلدات يستحقّها. عاد التتاري إلى قريته جريحًا جسدًا وروحا. كان جسمه يقطر دمًا من الضربات التي تلقّاها، أمّا شرفه فأُصيب في مقتل طالبًا الانتقام. أقسم بأنّه سينتقم من كلّ المدينة، ابتداءً من القاضي وانتهاءً بالبقّال اليهودي. وأقسم كذلك بألّا يبقى حجر على حجر في المدينة، وأنّه سيلقّنهم درسًا لن ينسوه، ليعوا ما معنى جلد تتاري!
أخذ يتنقّل من مكان إلى آخرَ ليحرّض أصدقاءه وجيرانه، وكذلك صنع في القرى المجاورة. رويدًا رويدًا أخذت تتجمّع حوله عِصابة كبيرة من أناس فارغين متسرّعين، شبان متهوّرين، ووعدهم بثراء جمّ سيتوفّر عن طريق القتل والسطو. استترت العصابة في الجبال ونشرت الرعب والفزع في كل المنطقة. دأبت العِصابة على الانقضاض على المارّة، المسافرين الآمنين، وقتلهم والاستيلاء على ما في حوزتهم. كبُرت العصابة يومًا بعد يوم، ووصل تعدادُها خمسة آلاف لصّ مسلّح وترأّسهم صاحبنا التتاري الذي أقسم بالانتقام.
عندما شعر بما لديه من قوّة كافية، قرّر التتاري تنفيذ فعلته والانتقام من مدينة غومودجنا وسكّانها. عاش أهلها بخوف دائم. استعدّوا للهجوم ونظّموا حراسة مدنية، مهمّتها الدفاع عن المدينة ودحر كل معتد. وهم علموا بأنّ بقواهم الذاتية لن يتمكّنوا من الصمود مدّة طويلة أمام اللصوص المسلّحين جيّدا. أرسلت إدارة البلدة فارسين إلى السلطان وبأيديهما رسالة عاجلة مفادها طلب المساعدة الفورية، إلّا أنّ الفارسين لم يعودا والمساعدة المنشودة لم تصل.
استولت على المدافعين فكرة فظيعة: ربّما وقع الفارسان في قبضة المشاغبين، وهكذا فلا أمل بوصول أيّة مساعدة من الخارج، وبقُوا تحت رحمة السماء. بصورة خاصّة خاف يهود المدينة من المصير المرتقب، علموا جيّدًا أنّه في مثل هذه الأحوال سيكونون الضحايا الأولى. فرض الحاخامون الصوم فصام اليهود يوميًا باستثناء يوم السبت من الصباح وحتّى المساء، واجتمعوا في الكُنُس، صلّوا وطلبوا الرحمة. وفي الوقت ذاته أخذوا بجمع مبلغ كبير من المال على أمل استخدامه فدية عنهم لدى المشاغبين. انضمّ كل شاب يهودي قادر على حمل السلاح إلى المدافعين.
وها جاء اليوم المرير سريعًا، وصلت عصابات اللصوص إلى بوّابات المدينة. كانت البوابات موصدة ووقف المدافعون على أسوارها ولكن كان واضحًا أنّه بلا مساعدة خارجية لا تتمكّن المدينة من الصمود وقتًا طويلا. في إحدى الليالي اخترق المشاغبون السور الخارجي وانتشروا في أحياء المدينة وسيطروا عليها، وكان سكّانها قد هربوا من هناك إلى قلب المدينة في وقت سابق. فرّوا بجلدهم تاركين كلّ ممتلكاتهم في البيوت. وهكذا تمكّن اللصوص من السلب والنهب بدون أيّ عائق ومن ثَمّ الاستعداد للمعركة الحاسمة على المدينة نفسها. كان الوضع لا يُطاق.
في اللحظة الأخيرة، عندما لم يتبق شيء لإنقاذ المدينة، ولّى اللصوص هاربين لإنقاذ أنفسهم. اتّضح للتوّ أنّ قوّات السلطان قد وصلت لتحرير المدينة من المعتدين عليها. لحق الجنود اللصوص َ ودارت معركة حامية الوطيس، دموية: ضُربتِ العصابة وتشرذمت وأُلقي القبض على التتاري أسيرًا وجيء به مُقيّدًا إلى المدينة. أُنقذت المدينة. انتظر اليهودُ خطرا جديدا. شاعت إشاعة مفادها أنّ اليهود هم الذين فتحوا بوابات المدينة للمشاغبين. وقيل إنّ اليهود حينما رأوا أن الوضع ميئوسٌ منه تحالفوا مع اللصوص ووافقوا على إدخالهم إلى داخل المدينة وبهذا ينجو اليهود. ويقال وفق إشاعة جوفاء أنّ اليهود تمكّنوا من الحفاظ على ممتلكاتهم بواسطة فدية، مبلغ ضخم دفعوه، على ما يبدو، للصوص. هذه الدسيسة السافلة عمّمها البقّال التركي بنفسه، صاحب البِقالة الواقعة في ساحة السوق بجوار الحوانيت اليهودية. وبهذا أراد أن يتخلّص ليس من منافسه اليهودي فحسب بل ومن جميع يهود المدينة. بالضبط مثل همان الشرّير في حينه.
ولكن أُعطي لقائد قوّات الحكومة أمرٌ واضح يقضي بالدفاع عن كلّ سكّان المدينة، بما في ذلك اليهود. وقف القائد لذلك بالمرصاد لمنع أيّ انقضاض أو هجوم على اليهود. أضف إلى ذلك وعد بتقصّي قضيّة التهمة ضد اليهود، وأصدر أمره باعتقال الراب وزعماء الطائفة. في هذه الأثناء حوكم التتاري المتمرّد وصدر الحكم عليه بالموت شنقًا في ساحة السوق. احتشد جمهور غفير لمشاهدة عملية الشنق.
عندما جُلب إلى خشبة المشنقة، نظر التتاري حوله ورمق الجمهور بنظرات تبُثّ الرعب والفزع، وقع نظره على البقّال التركي الذي أقنعه وأغراه للتهجّم على التاجر اليهودي. ”ها هو السافل اللعين، المذنب بكلّ ما حصل!“ صرخ التتاري وحاول فكّ قيوده، ليعدو ويمسك التركي الذي وقف في الصفوف الخلفية. حاول التركي حينها أن يهرب ويغادر المكان ولكن بدون جدوى. ”آمسكوا الكلب“ - زعق التتاري. أمر قائد الجيش بإحضار البقّال التركي إليه لبحث صلته في القضية.
”أنت أقنعتني وأغريتني بالافتراء على البقّال اليهودي البريء، وأنت فتحت لي بوّابات المدينة، خسئت يا سافل!“ صرخ التتاري من مرارة فؤاده. ”هكذا؟“ قال القائد - ”إنزعوا عنه جلده حتّى يقرّ بفعلته!“. انبطح التركي على قدمي القائد طالبًا الرحمة. إنّه لم يقصِد القيام بأيّ أذىً أو ضرر، تمتم، وكلّ ما ابتغاه كان التخلّص من اليهود ”الملاعين”. ”أُشنقوه!“، أمر القائد، ونفّذ أمرُه حالًا وشنقوا التتاري والبقّال التركي، الواحد بجانب الآخر.
”هذا الأمر ينبغي أن يكون عِبرة للجميع“، قال القائد -، ”هكذا يكون مصير كلّ من يجرؤ على رفع يده ضدّ السلطان أو الدسّ ضدّ مواطنين آمنين“. هكذا نجا يهود مدينة غومودجنا من الخطر الفظيع الذي ترقّبهم في تلك الأيام العصيبة. تعهّد يهود المدينة بالاحتفال بيوم الثاني والعشرين من شهر حشڤان كيوم پوريم /مساخر فريد من نوعه، ذكرى خلاصهم الخارق العجيب. وفي كلّ سنة أقام يهود المدينة وليمة وفرحًا ومديحا لله، وهكذا دخل الحادثُ التاريخَ كپوريم لصوص وانضمّ إلى سلسلة طويلة من أعياد الپوريم الخاصّة في الطوائف المختلفة.
* نُقِل عن العبرية.
في ساحة سوق بلدة غومودجنا التركية، من بين العديد من المحلات التجارية، تواجدت هناك أيضًا بِقالة يهودية لبيع السكّر والملح والرِّنجة والشاي والقهوة إلخ. وعلى بعد خُطُوات معدودة كانت هناك بِقالة أُخرى تركية تبيع الأشياء نفسَها. إضافة إلى سكّان المدينة، اشترى من هاتين البقالتين مزارعو المنطقة الذين جاؤوا في بعض الأحيان لشراء حاجيّاتهم الضرورية. كانت للبقّال اليهودي سُمعة طيّبة بين أوساط المتسوّقين، لديه ميزان قِسْط، أسعار ثابتة، ولا يغشّ الزبائن. ليس فقط اليهود ولكن أيضًا الآخرين، سواء كانوا من المدينة أم من المنطقة المحيطة بها، وثِقوا بالبقّال اليهودي أكثر من البقّال التركي. لا عجبَ ففي أيّام السوق، التي تُقام من وقت لآخرَ، كانت بقالة اليهودي تعِجّ بالمشترين. في حين كانت بقالة جاره التركي في بعض الأحيان فارغةً منهم. من السهل أن نفهم أنّ هذا الوضع قد أغاظ التاجر التركي، فأخذ يبحث عن طرق للتخلّص من هذه المنافسة غير السارّة.
هذه الحادثة التي نحن بصددها، حصلت في مدينة غومودجنا التركية عام ١٧٨٦، كان ذلك في يوم سوق عادي، عندما وقف البقّال التركي بجانب بِقالته ونظر بعيني الغيرة والحسد كيف يدخل فلاحو المنطقة المجاورة، ويخرجون من بقالة اليهودي وأيديهم ملأى بالمشتريات. عزم البقّال التركي على تلفيق افتراء يُلصقه بالبقّال اليهودي، يساعده في التخلّص منه. عندما مرّ به أحد المشترين، فلاح من أصل تتاري دعاه لدخول حانوته. ”تعالَ لأُريك بأنّ البقّال اليهودي قد غشّك“ قال التركي للتتاري - ”دعنا نر كم من الملح اشتريت منه؟“ أجابه التتاري الساذج واقترح التركي عليه وزْن الملح من جديد. نوعان مخبّئان من الأوزان (عيارات) كانا لدى التركي تحت الميزان. استعمل النوع الأثقل من العاديّ عند شرائه البضاعة، أمّا النوع الآخر فاستعمله عند البيع، وكان بالطبع أقلّ من الوزن الحقيقي. هكذا دأب على خدْع المشترين والبائعين على حدٍّ سواء. الآن أخرج الأوزان الثقيلة لوزن الملح الذي اشتراه التتاري من دكّان اليهودي. ”ها أنظر كيف غشّك، قال، كيف أعطاك أقلّ من الوزن الكامل“. وهكذا فعل البقّال التركي بباقي مشتريات التتاري ليُثبت الغشّ والخديعة في الوزن.
اغتاظ التتاري جدّا وطفق عائدًا إلى بِقالة اليهودي وهو مفعم بالغضب الشديد. انقضّ على اليهودي وأشبعه ضربًا مُبرحًا وهو يصيح: ”أيّها اليهودي اللعين، كيف جرؤت على خديعتي!“ بدأ البقّال اليهودي يصرُخ ويستغيث، دخل في الحال جيران يهود وأوقفوا التتاري. في هذه الأثناء قامت في السوق جلبة كبيرة وعمّم غير اليهود شائعةً تقول إنّ اليهود ينوون قتل تركي. كادت الأمور تصل لحدّ سفك الدماء، ولكن في اللحظة الأخيرة وصلت الشرطة، وأعادت المياه إلى مجاريها. أُخذ اليهودي والتتاري إلى المحكمة.
بعد سماع ادّعاءات الطرفين، أعلن القاضي أنّه يريد أن يفحص على الفور في ما إذا خدع حقًّا اليهوديُ المشتريَ التتاري. أمر بإحضار أوزان البلدية الرسمية التي بها كانت تُفحص الأوزان الأخرى لدى البقّالين كافّة. تبيّن بعد الفحص بأنّ اليهودي قد أعطى الوزن الكاملَ لا بل وأكثر من ذلك بقليل. عبثًا حاول التتاري الاعتذار قائلًا بأنّ البقّال التركي حاول إيقاعه في مكيدة، إلا أنّ الأخير أنكر كلّ شيء.
حكم القاضي على التتاري الذي وشى باليهودي وذلّه بعشر جَلْدات وفرض عليه غرامة مالية على ما سبّبه من الأسى والعار للبقّال البريء. سيق التتاري فورًا إلى ساحة السوق ونطق بالحكم على مسامع الناس المحتشدين هناك، أوثقوا المحكوم عليه بعامود وأخذ جنديان قويّان بجلده عشر جلدات يستحقّها. عاد التتاري إلى قريته جريحًا جسدًا وروحا. كان جسمه يقطر دمًا من الضربات التي تلقّاها، أمّا شرفه فأُصيب في مقتل طالبًا الانتقام. أقسم بأنّه سينتقم من كلّ المدينة، ابتداءً من القاضي وانتهاءً بالبقّال اليهودي. وأقسم كذلك بألّا يبقى حجر على حجر في المدينة، وأنّه سيلقّنهم درسًا لن ينسوه، ليعوا ما معنى جلد تتاري!
أخذ يتنقّل من مكان إلى آخرَ ليحرّض أصدقاءه وجيرانه، وكذلك صنع في القرى المجاورة. رويدًا رويدًا أخذت تتجمّع حوله عِصابة كبيرة من أناس فارغين متسرّعين، شبان متهوّرين، ووعدهم بثراء جمّ سيتوفّر عن طريق القتل والسطو. استترت العصابة في الجبال ونشرت الرعب والفزع في كل المنطقة. دأبت العِصابة على الانقضاض على المارّة، المسافرين الآمنين، وقتلهم والاستيلاء على ما في حوزتهم. كبُرت العصابة يومًا بعد يوم، ووصل تعدادُها خمسة آلاف لصّ مسلّح وترأّسهم صاحبنا التتاري الذي أقسم بالانتقام.
عندما شعر بما لديه من قوّة كافية، قرّر التتاري تنفيذ فعلته والانتقام من مدينة غومودجنا وسكّانها. عاش أهلها بخوف دائم. استعدّوا للهجوم ونظّموا حراسة مدنية، مهمّتها الدفاع عن المدينة ودحر كل معتد. وهم علموا بأنّ بقواهم الذاتية لن يتمكّنوا من الصمود مدّة طويلة أمام اللصوص المسلّحين جيّدا. أرسلت إدارة البلدة فارسين إلى السلطان وبأيديهما رسالة عاجلة مفادها طلب المساعدة الفورية، إلّا أنّ الفارسين لم يعودا والمساعدة المنشودة لم تصل.
استولت على المدافعين فكرة فظيعة: ربّما وقع الفارسان في قبضة المشاغبين، وهكذا فلا أمل بوصول أيّة مساعدة من الخارج، وبقُوا تحت رحمة السماء. بصورة خاصّة خاف يهود المدينة من المصير المرتقب، علموا جيّدًا أنّه في مثل هذه الأحوال سيكونون الضحايا الأولى. فرض الحاخامون الصوم فصام اليهود يوميًا باستثناء يوم السبت من الصباح وحتّى المساء، واجتمعوا في الكُنُس، صلّوا وطلبوا الرحمة. وفي الوقت ذاته أخذوا بجمع مبلغ كبير من المال على أمل استخدامه فدية عنهم لدى المشاغبين. انضمّ كل شاب يهودي قادر على حمل السلاح إلى المدافعين.
وها جاء اليوم المرير سريعًا، وصلت عصابات اللصوص إلى بوّابات المدينة. كانت البوابات موصدة ووقف المدافعون على أسوارها ولكن كان واضحًا أنّه بلا مساعدة خارجية لا تتمكّن المدينة من الصمود وقتًا طويلا. في إحدى الليالي اخترق المشاغبون السور الخارجي وانتشروا في أحياء المدينة وسيطروا عليها، وكان سكّانها قد هربوا من هناك إلى قلب المدينة في وقت سابق. فرّوا بجلدهم تاركين كلّ ممتلكاتهم في البيوت. وهكذا تمكّن اللصوص من السلب والنهب بدون أيّ عائق ومن ثَمّ الاستعداد للمعركة الحاسمة على المدينة نفسها. كان الوضع لا يُطاق.
في اللحظة الأخيرة، عندما لم يتبق شيء لإنقاذ المدينة، ولّى اللصوص هاربين لإنقاذ أنفسهم. اتّضح للتوّ أنّ قوّات السلطان قد وصلت لتحرير المدينة من المعتدين عليها. لحق الجنود اللصوص َ ودارت معركة حامية الوطيس، دموية: ضُربتِ العصابة وتشرذمت وأُلقي القبض على التتاري أسيرًا وجيء به مُقيّدًا إلى المدينة. أُنقذت المدينة. انتظر اليهودُ خطرا جديدا. شاعت إشاعة مفادها أنّ اليهود هم الذين فتحوا بوابات المدينة للمشاغبين. وقيل إنّ اليهود حينما رأوا أن الوضع ميئوسٌ منه تحالفوا مع اللصوص ووافقوا على إدخالهم إلى داخل المدينة وبهذا ينجو اليهود. ويقال وفق إشاعة جوفاء أنّ اليهود تمكّنوا من الحفاظ على ممتلكاتهم بواسطة فدية، مبلغ ضخم دفعوه، على ما يبدو، للصوص. هذه الدسيسة السافلة عمّمها البقّال التركي بنفسه، صاحب البِقالة الواقعة في ساحة السوق بجوار الحوانيت اليهودية. وبهذا أراد أن يتخلّص ليس من منافسه اليهودي فحسب بل ومن جميع يهود المدينة. بالضبط مثل همان الشرّير في حينه.
ولكن أُعطي لقائد قوّات الحكومة أمرٌ واضح يقضي بالدفاع عن كلّ سكّان المدينة، بما في ذلك اليهود. وقف القائد لذلك بالمرصاد لمنع أيّ انقضاض أو هجوم على اليهود. أضف إلى ذلك وعد بتقصّي قضيّة التهمة ضد اليهود، وأصدر أمره باعتقال الراب وزعماء الطائفة. في هذه الأثناء حوكم التتاري المتمرّد وصدر الحكم عليه بالموت شنقًا في ساحة السوق. احتشد جمهور غفير لمشاهدة عملية الشنق.
عندما جُلب إلى خشبة المشنقة، نظر التتاري حوله ورمق الجمهور بنظرات تبُثّ الرعب والفزع، وقع نظره على البقّال التركي الذي أقنعه وأغراه للتهجّم على التاجر اليهودي. ”ها هو السافل اللعين، المذنب بكلّ ما حصل!“ صرخ التتاري وحاول فكّ قيوده، ليعدو ويمسك التركي الذي وقف في الصفوف الخلفية. حاول التركي حينها أن يهرب ويغادر المكان ولكن بدون جدوى. ”آمسكوا الكلب“ - زعق التتاري. أمر قائد الجيش بإحضار البقّال التركي إليه لبحث صلته في القضية.
”أنت أقنعتني وأغريتني بالافتراء على البقّال اليهودي البريء، وأنت فتحت لي بوّابات المدينة، خسئت يا سافل!“ صرخ التتاري من مرارة فؤاده. ”هكذا؟“ قال القائد - ”إنزعوا عنه جلده حتّى يقرّ بفعلته!“. انبطح التركي على قدمي القائد طالبًا الرحمة. إنّه لم يقصِد القيام بأيّ أذىً أو ضرر، تمتم، وكلّ ما ابتغاه كان التخلّص من اليهود ”الملاعين”. ”أُشنقوه!“، أمر القائد، ونفّذ أمرُه حالًا وشنقوا التتاري والبقّال التركي، الواحد بجانب الآخر.
”هذا الأمر ينبغي أن يكون عِبرة للجميع“، قال القائد -، ”هكذا يكون مصير كلّ من يجرؤ على رفع يده ضدّ السلطان أو الدسّ ضدّ مواطنين آمنين“. هكذا نجا يهود مدينة غومودجنا من الخطر الفظيع الذي ترقّبهم في تلك الأيام العصيبة. تعهّد يهود المدينة بالاحتفال بيوم الثاني والعشرين من شهر حشڤان كيوم پوريم /مساخر فريد من نوعه، ذكرى خلاصهم الخارق العجيب. وفي كلّ سنة أقام يهود المدينة وليمة وفرحًا ومديحا لله، وهكذا دخل الحادثُ التاريخَ كپوريم لصوص وانضمّ إلى سلسلة طويلة من أعياد الپوريم الخاصّة في الطوائف المختلفة.
* نُقِل عن العبرية.