بينا في الكلمة السابقة ما ينبغي توفيره لجميع رجال المسرح من الكرامتين المادية والمعنوية، وبينا نصيب كل من وزارتي المعارف والشئون من مهمة إنهاض المسرح المصري وموالاة العناية به حتى يقوى عوده ويشتد ساعده؛ لأنه بذلك يكفل لنا نهضة اجتماعية ونهضة إصلاحية ونهضة في اللغة ونهضة في الأدب ونهضة في الأمن ونهضة في الذوق العام ونهضة في جميع فروع الحياة المصرية، بل نهضة الأمم العربية قاطبة في كل فروع حياتها
وبينا كذلك ما يجب على بلديات المدن المصرية جميعاً أن تساهم به مهمتهم لا تقف قط عند حدود مراعاة النظافة في مدنهم وتجميل شوارعها، وغرس الأشجار على جوانب الطرقات، وما إلى ذلك من عمليات الكنس والرش والإضاءة وتوفير المياه المرشحة وإنشاء المجاري. . . كلا. . . إن مهمة أعضاء البلديات لا تقف قط عند حدود هذا الجهاد الأصغر، كما قال مرة أحد مشجعي النهضة المسرحية في ألمانيا. . . بل إنها تتعدى تلك الحدود إلى جهاد أكبر يفوقها قيمة وجدوى. . . ذلك هو العمل على رفع مستوى الشعب وحياته الاجتماعية. . . فيجب ألا يقتصر الكنس على شوارع المدينة وحاراتها، بل ينبغي أن يتناول القاذورات المختبئة في نفوس الأفراد أيضاً. . . وإذا نجحنا في إزالة هذه القاذورات استطعنا أن نضاعف نظافة المدينة وأن نزيد في جمالها ورونقها. . . والحمد لله، فلقد تنبهت بلديات كثيرة مصرية إلى واجبها نحو الثقافة العامة، فأنشأت دور الكتب والمسارح التي اقتصرت إلى الآن على عرض الصور المتحركة، فلتكن هذه باكورة نهضة مسرحية إقليمية نحكي بها ما قام في إنجلترا من المسارح المتنقلة، الـ ومسارح المدن الخاصة التي سمينا الكثير منها في الفصول السابقة عن المسرح في أوربا
فإذا وجد المسرح المصري على هذا النحو، فلا مندوحة من أن يبدأ حياته على صورة ما من صور مسارح المستودعات، وذلك إلى أن توجد الدرامة المصرية الحقة التي يمكن أن تأخذ مكانها بين الدرامات العالمية المثالية، والتي نستطيع إخراجها على صورة تمث تمثيلاً صادقاً لا بهرج فيه ولا تهريج
ولما كانت مسارح المستودعات الـ تعنى بتمثيل الدرامات العالمية - أو الوطنية - التي سبق تمثيلها قبل عنايتها بإخراج روايات جديدة فسيواجه مسرحنا مشكلة نقل طائفة كبيرة من أشهر الدرامات الأجنبية إلى اللغة العربية. . . وقد عرضنا في كلمة سابقة لهذه المشكلة وأثبتنا تقصير الهيئات جميعاً في معالجتها. . . ونحن ما نزال عند الذي قلناه في هذا الصدد، ولن يضيرنا أن ينقم علينا من ينقم ما دمنا نقول الحق وننشد الخير. . . فالدولة - ممثلة في وزارة المعارف - لم تتناول بعد مشكلة الترجمة بما ينبغي لها من عناية ورعاية. . . وتقصير الدولة في ذلك يؤخر نهضتنا ويقعد بها ويؤذيها، كما يؤخر الأدب واللغة ويقعد بهما ويؤذيهما. . . وإن تأخرت نهضتنا وتأخر أدبنا ولغتنا تأخرت عجلة الحياة في مصر بل في الشرق العربي عامة
إنه لابد من حركة ترجمة واسعة شاملة للأدب الأوربي بوجه عام، وللآداب المسرحية بوجه خاص. . . يجب أن تتصل نهضتنا بأقطاب الفكر العالمي عن طريق ترجمات عربية قوية لروائعهم التي تمد مكتبتنا بثروة ليست بعدها ثروة، فيجد شبابنا ما يثقف به نفسه من ذلك الغذاء الروحي العظيم الذي سيظل محروماً منه ما دام محبوساً عن لغتنا. . . يجب أن تعرف المكتبة العربية جميع روائع شكسبير ومارلو وبن جونسون وتشايمان وشريدان وكونجريف وباري وشو وجولذورثي وويلد وباركر وما سفيلد وسينج وبيتس وروبنسن وغيرهم من أساطين الدرامة الإنجليزية
يجب أن تعرف المكتبة العربية جميع الطرف السامية التي أنتجتها قرائح آلهة المسرح الفرنسي من أمثال: موليير وراسين وهاردي وكورني وجان روترو وكوينولت وكريبلون وهوجو وسكريب وروستان
إلى متى تحرم المكتبة العربية من درامات المسرحيين الأسبان أمثال: ناهارو، ولوب دي رودا، ودي أرجنسولا، وما أبقت عليه يد العفاء من درامات سرفنتس، ثم لوب دي فيحا العظيم الذي يؤثر أنه ألف للمسرح ألفاً وثمانمائة درامة بقي منها أكثر من أربعمائة إلى يومنا هذا، ثم تروسو دي مولينا، وكالدرون، وألاركون، وزورللا، ودي جويفارا، ودي موراتان، وتامايو، وجوسي إشجاري، وبلايو، وبلاسكوإباني ومتى يستطيع القارئ العربي أو المسرح العربي الاستمتاع بدراما المسرحين الإيطاليين أمثال: ترسينو، تاسو، أريوستو، مكيافللي، جواريني، مافي، زينو، ألفييري، جولدوني، كارلو جوزي، متاستاسيو، مونتي، فوسكولو، مانزوني، نيكوليني، كوسا، داننزيو وبيراندللو؟
ولنذهب برقشة مقالنا بأسماء المؤلفين المسرحيين في الأمم المختلفة إلى حد المغلاة، فنذكر والحسرة تملأ جوانحنا أن المكتبة العربية محرومة من ترجمات لدرامات النوابغ الجرمانيين: يعقوب ومفلنج، وستلتس، كرشماير، لسنج، ويس، إشنبرج، جوته، كلنجر، مللر، شللر، كوزنر، شليجل، جرلبارزر، هيل، جراب، موسن، لدفج، هالم، رايموند، لوب، أنزنجروبر، سودرمان، هرشفلد، ويلدنبروخ، هوبتمان؛ كما أنها محرومة حتى من نموذج واحد من الدرامات التعبيرية التي وضعها جورج قيصر، وأرنست تللر، وسترنهايم، ويولنبرج، وهاردن، وبول إرنست، وفرانز ورفل
وماذا نقل إلى اللغة العربية من درامات المسرحين الهولنديين هامسن، وشمل، ونوهانز، ودي كو، وهايرمانز، وسيمونز ميز، وألفونس لودي؟
وماذا تعرف العربية من درامات هولبرج، وإبسن، وهيبرج، وكجار، وبراتمان، وهانز كنك النرويجيين؟
وهل تعرف المكتبة العربية درامات بلانشن، وسترند برج السويديين؟
وهل تعرف مكتبتنا الدراميين الروس ماياكوفسكي، وترتياكوف، وليولنتس
وهل نقل إلينا شيء من درامات التشكيين لفوفيك، ودفوراك، وفشر، وكارل كابل الذي مثلت جميع دراماته في جميع مسارح العالم؟
وبعد:
فلقد تعمدت أن أسلم القارئ العربي لهذا التيه المضل من أسماء كتاب الدرامة وشعرائها ليعلم إلى أي حد نحن محرومون من هذه الثروة الذهنية الهائلة التي ينعم بها أهل اللغات الأخرى لأنها مترجمة إليها. . . وأننا محرومون منها بسبب إهمال وزارة المعارف وتكاسل الجامعة وكبار الأدباء الذين لا يجدون تشجيهاً ولا حافراً
لقد أهملت مئات من كتاب الدرامة فلم أذكرهم لأنهم ممن كتبوا أقل من عشر روايات. . .
ومع ذاك فقد ذكرت أشهر المكثرين فقط، ولو أراد أحد سرد أسمائهم جميعاً لضاق بهم نطاق أعداد عديدة من هذه المجلة. . . وكنت أوشك أن أسرد عشرات من كتاب الدرامة اليابانية التي لا تقل رونقاً عن الدرامة الأوربية، إلا أنني حسبت حساب تلك الابتسامات المرضية المتورمة التي تؤول ما أردت من ذكرها أسوأ تأويل. . . ولهذا أيضاً غضضت الطرف عن أبطال الدرامة الأمريكية في ممالكها
إن في عالم الأدب دنيا بأكملها من الررامة الراقية واكبت كل عصور التاريخ. . . فمتى تكون لنا درامة عربية ياترى؟ وكيف تكون لنا درامة عربية ونحن لم ننقل مائة أو مائتين من عشرات آلاف الدرامات العالمية لينسج كتابنا على منوالها، وليكب شبابنا على قراءتها فتترك في قرائحهم خمائر التفكير اللازمة للإنتاج الذي نطمح به ونفكر فيه، ثم هي تعلمهم كيف يقسمون فكرة الرواية إلى فصول، وكيف يقسمون الفصول إلى مناظر، وكيف يمهدون للمفاجئات، وكيف يسلسلون الحوار. . . ثم كيف يخلقون لنا درامة مصرية تعالج مشكلاتنا وتتناول قضايانا وتسلك أدبنا في كوكب الآداب العالمية الراقية التي يمثلها الأدب المسرحي أحسن تمثيل وأصدقه
إلى متى يا ترى يظل أدبنا يباباً فارغاً هكذا؟
على رسلك أيها القارئ الذي يظن بي الظن، فأنا لا أقل عنك غيرة على الأدب العربي، وبالأحرى على الأدب المصري؛ وأنا أقدر لغتي العربية بل أقدسها، لكني مع ذاك أعترف بأن الأدب العربي سيظل وسوف يظل وراء الآداب العالمية قاطبة، ما لم نسلك فيه الأدب المسرحي وآداباً أخرى غير الأدب المسرحي ليس هنا مقام ذكرها. . . والسبيل إلى أن نسلك في أدبنا هذه الألوان من الأدب لابد أن تبدأ بالترجمة. . . لنترجم عن أدباء إنجلترا وأيرلندة وفرنسا وألمانيا والنمسا وإيطاليا وأسبانيا والسويد والنرويج وتشكو سلوفاكيا وبولندة وروسيا وأمريكا. وعن أدباء اليابان والصين إن وجدنا إلى الترجمة عنهم من سبيل لنترجم عن هؤلاء وهؤلاء، فلقد أصبح لكل أمة أدب قومي مستقل كما أصبح لكل أمة مسرح قومي مستقل. . . إلا مصر وإلا الشعوب العربية قاطبة، فأدبها ما يزال أدب تراجم وقصائد ومقالات. . . وإن شدا من القصة نصيباً ضئيلاً لا غناء فيه نعد
وما دامت الترجمة هي السبيل الوحيد الآن أمامنا لنخدم أدبنا المصري وأدبنا العربي ولنخدم مسرحنا ولنخدم لغتنا، فماذا يقعدنا عن التوسع فيها توسعاً لا نبخل عليه بجهد أو مال، ولا يصح أن نبخل عليه بجهد أو مال، وإلا أثبتنا أننا أمة من الأميين. . . ممن يفكرون كثيراً وينفذون قليلاً. . . بل لا ينفذون شيئاً
كيف يستكثر علينا مستكثر أن نصرخ في آذان وزارة المعارف لكي تقوم بواجبها في هذه السبيل فتولي عنايتها إدارة الترجمة بها وتشجع المترجمين بالمبالغ الضخمة التي تحفزهم وتشحذ همهم
لماذا لا ترفع عدد المترجمين الفنيين إلى مائة أو مائتين بدل هذا العدد الذي لم يرتفع إلى عشرة بعد؟
لماذا لا يتنوع المترجمون فينقلون من الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والأسبانية واليونانية القديمة ومن اللاتينية والروسية؟
لماذا لا ترصد المبالغ الضخمة لهذه الإدارة التي لا تقل فائدتها للبلاد واللغة والأدب والعلم عن الجامعة ولا عن مجمع اللغة ولا عن مصلحة الآثار؟
ومتى يتاح لوزارة المعارف عصر كهذا العصر الديمقراطي الذي يعنى بصالح الأمة فيهيئ لأدبها ولغتها هذا الإصلاح؟
ومتى يتاح لوزارة المعارف رجلان كالرجلين اللذين يرسمان سياستها ويقودان سفينتها، فتكون فرصة إدارة الترجمة، وفرصة الأدب العربي، وفرصة اللغة، وفرصة المسرح، وكل فرص الحياة الثقافية العامة في وجودهما، ولتعز إدارة الترجمة، وليعز الأدب العربي، ولتعز اللغة العربية، وليعز المسرح المصري ورجاله الشهداء الأوفياء؟!
. . . ليقل جاهل أو غبي كما قال من قبل، إن هذا كلام له ما وراءه. . . لا. . . فنحن بحمد الله مستعدون للارتداد إلى خطوطنا الأولى. . . ولذلك فإنا لا نبالي بأن نلاحظ على وزارة المعارف تقصيرها في العمل للنهضة الثقافية بمصر، بالرغم مما هيئ لها من زعامة أدبية خالصة كانت لمصر فيها آمال كبار؛ وما تزال لها فيها تلك الآمال الكبار. وإنا لن نمل من الكتابة في هذا والتبشير به والإلحاح فيه، حتى تبلغ منه نهضتنا ما تريد
على أن التفكير في إنشاء معاهد كثيرة للتمثيل، لابد أن يسبقه تفكير في نقل عدد كبير من الدراسات الأجنبية الرائعة لأشهر الكتاب الدراميين كي تجد المعاهد ثروتها من الروايات التي تتخذ نماذج لتطبيق دراساتها كما تجدها مهيأة للتمثيل. . . وإلا فهل نحن معتزمون أن تكون الدراسة في تلك المعاهد بالعربية ثم يكون التطبيق العملي بلغة أجنبية؟
وإذا نحن سلمنا بهذا ونقلنا عدداً كبيراً من الدراسات الأجنبية، لزم أن نلخص تاريخاً عاماً للمسرح في الممالك المختلفة ليلم الممثلون بتاريخ المؤلفين وتاريخ التطور المسرحي في كل منها. والقيام بعمل هذا الملخص لتاريخ المسرح يصح أن يوكل لهيئة من المترجمين، أو أن يكون قسمة بين إدارة الترجمة ومدرسي معاهد التمثيل.
(يتبع)
دريني خشبة
مجلة الرسالة - العدد 525
بتاريخ: 26 - 07 - 1943
وبينا كذلك ما يجب على بلديات المدن المصرية جميعاً أن تساهم به مهمتهم لا تقف قط عند حدود مراعاة النظافة في مدنهم وتجميل شوارعها، وغرس الأشجار على جوانب الطرقات، وما إلى ذلك من عمليات الكنس والرش والإضاءة وتوفير المياه المرشحة وإنشاء المجاري. . . كلا. . . إن مهمة أعضاء البلديات لا تقف قط عند حدود هذا الجهاد الأصغر، كما قال مرة أحد مشجعي النهضة المسرحية في ألمانيا. . . بل إنها تتعدى تلك الحدود إلى جهاد أكبر يفوقها قيمة وجدوى. . . ذلك هو العمل على رفع مستوى الشعب وحياته الاجتماعية. . . فيجب ألا يقتصر الكنس على شوارع المدينة وحاراتها، بل ينبغي أن يتناول القاذورات المختبئة في نفوس الأفراد أيضاً. . . وإذا نجحنا في إزالة هذه القاذورات استطعنا أن نضاعف نظافة المدينة وأن نزيد في جمالها ورونقها. . . والحمد لله، فلقد تنبهت بلديات كثيرة مصرية إلى واجبها نحو الثقافة العامة، فأنشأت دور الكتب والمسارح التي اقتصرت إلى الآن على عرض الصور المتحركة، فلتكن هذه باكورة نهضة مسرحية إقليمية نحكي بها ما قام في إنجلترا من المسارح المتنقلة، الـ ومسارح المدن الخاصة التي سمينا الكثير منها في الفصول السابقة عن المسرح في أوربا
فإذا وجد المسرح المصري على هذا النحو، فلا مندوحة من أن يبدأ حياته على صورة ما من صور مسارح المستودعات، وذلك إلى أن توجد الدرامة المصرية الحقة التي يمكن أن تأخذ مكانها بين الدرامات العالمية المثالية، والتي نستطيع إخراجها على صورة تمث تمثيلاً صادقاً لا بهرج فيه ولا تهريج
ولما كانت مسارح المستودعات الـ تعنى بتمثيل الدرامات العالمية - أو الوطنية - التي سبق تمثيلها قبل عنايتها بإخراج روايات جديدة فسيواجه مسرحنا مشكلة نقل طائفة كبيرة من أشهر الدرامات الأجنبية إلى اللغة العربية. . . وقد عرضنا في كلمة سابقة لهذه المشكلة وأثبتنا تقصير الهيئات جميعاً في معالجتها. . . ونحن ما نزال عند الذي قلناه في هذا الصدد، ولن يضيرنا أن ينقم علينا من ينقم ما دمنا نقول الحق وننشد الخير. . . فالدولة - ممثلة في وزارة المعارف - لم تتناول بعد مشكلة الترجمة بما ينبغي لها من عناية ورعاية. . . وتقصير الدولة في ذلك يؤخر نهضتنا ويقعد بها ويؤذيها، كما يؤخر الأدب واللغة ويقعد بهما ويؤذيهما. . . وإن تأخرت نهضتنا وتأخر أدبنا ولغتنا تأخرت عجلة الحياة في مصر بل في الشرق العربي عامة
إنه لابد من حركة ترجمة واسعة شاملة للأدب الأوربي بوجه عام، وللآداب المسرحية بوجه خاص. . . يجب أن تتصل نهضتنا بأقطاب الفكر العالمي عن طريق ترجمات عربية قوية لروائعهم التي تمد مكتبتنا بثروة ليست بعدها ثروة، فيجد شبابنا ما يثقف به نفسه من ذلك الغذاء الروحي العظيم الذي سيظل محروماً منه ما دام محبوساً عن لغتنا. . . يجب أن تعرف المكتبة العربية جميع روائع شكسبير ومارلو وبن جونسون وتشايمان وشريدان وكونجريف وباري وشو وجولذورثي وويلد وباركر وما سفيلد وسينج وبيتس وروبنسن وغيرهم من أساطين الدرامة الإنجليزية
يجب أن تعرف المكتبة العربية جميع الطرف السامية التي أنتجتها قرائح آلهة المسرح الفرنسي من أمثال: موليير وراسين وهاردي وكورني وجان روترو وكوينولت وكريبلون وهوجو وسكريب وروستان
إلى متى تحرم المكتبة العربية من درامات المسرحيين الأسبان أمثال: ناهارو، ولوب دي رودا، ودي أرجنسولا، وما أبقت عليه يد العفاء من درامات سرفنتس، ثم لوب دي فيحا العظيم الذي يؤثر أنه ألف للمسرح ألفاً وثمانمائة درامة بقي منها أكثر من أربعمائة إلى يومنا هذا، ثم تروسو دي مولينا، وكالدرون، وألاركون، وزورللا، ودي جويفارا، ودي موراتان، وتامايو، وجوسي إشجاري، وبلايو، وبلاسكوإباني ومتى يستطيع القارئ العربي أو المسرح العربي الاستمتاع بدراما المسرحين الإيطاليين أمثال: ترسينو، تاسو، أريوستو، مكيافللي، جواريني، مافي، زينو، ألفييري، جولدوني، كارلو جوزي، متاستاسيو، مونتي، فوسكولو، مانزوني، نيكوليني، كوسا، داننزيو وبيراندللو؟
ولنذهب برقشة مقالنا بأسماء المؤلفين المسرحيين في الأمم المختلفة إلى حد المغلاة، فنذكر والحسرة تملأ جوانحنا أن المكتبة العربية محرومة من ترجمات لدرامات النوابغ الجرمانيين: يعقوب ومفلنج، وستلتس، كرشماير، لسنج، ويس، إشنبرج، جوته، كلنجر، مللر، شللر، كوزنر، شليجل، جرلبارزر، هيل، جراب، موسن، لدفج، هالم، رايموند، لوب، أنزنجروبر، سودرمان، هرشفلد، ويلدنبروخ، هوبتمان؛ كما أنها محرومة حتى من نموذج واحد من الدرامات التعبيرية التي وضعها جورج قيصر، وأرنست تللر، وسترنهايم، ويولنبرج، وهاردن، وبول إرنست، وفرانز ورفل
وماذا نقل إلى اللغة العربية من درامات المسرحين الهولنديين هامسن، وشمل، ونوهانز، ودي كو، وهايرمانز، وسيمونز ميز، وألفونس لودي؟
وماذا تعرف العربية من درامات هولبرج، وإبسن، وهيبرج، وكجار، وبراتمان، وهانز كنك النرويجيين؟
وهل تعرف المكتبة العربية درامات بلانشن، وسترند برج السويديين؟
وهل تعرف مكتبتنا الدراميين الروس ماياكوفسكي، وترتياكوف، وليولنتس
وهل نقل إلينا شيء من درامات التشكيين لفوفيك، ودفوراك، وفشر، وكارل كابل الذي مثلت جميع دراماته في جميع مسارح العالم؟
وبعد:
فلقد تعمدت أن أسلم القارئ العربي لهذا التيه المضل من أسماء كتاب الدرامة وشعرائها ليعلم إلى أي حد نحن محرومون من هذه الثروة الذهنية الهائلة التي ينعم بها أهل اللغات الأخرى لأنها مترجمة إليها. . . وأننا محرومون منها بسبب إهمال وزارة المعارف وتكاسل الجامعة وكبار الأدباء الذين لا يجدون تشجيهاً ولا حافراً
لقد أهملت مئات من كتاب الدرامة فلم أذكرهم لأنهم ممن كتبوا أقل من عشر روايات. . .
ومع ذاك فقد ذكرت أشهر المكثرين فقط، ولو أراد أحد سرد أسمائهم جميعاً لضاق بهم نطاق أعداد عديدة من هذه المجلة. . . وكنت أوشك أن أسرد عشرات من كتاب الدرامة اليابانية التي لا تقل رونقاً عن الدرامة الأوربية، إلا أنني حسبت حساب تلك الابتسامات المرضية المتورمة التي تؤول ما أردت من ذكرها أسوأ تأويل. . . ولهذا أيضاً غضضت الطرف عن أبطال الدرامة الأمريكية في ممالكها
إن في عالم الأدب دنيا بأكملها من الررامة الراقية واكبت كل عصور التاريخ. . . فمتى تكون لنا درامة عربية ياترى؟ وكيف تكون لنا درامة عربية ونحن لم ننقل مائة أو مائتين من عشرات آلاف الدرامات العالمية لينسج كتابنا على منوالها، وليكب شبابنا على قراءتها فتترك في قرائحهم خمائر التفكير اللازمة للإنتاج الذي نطمح به ونفكر فيه، ثم هي تعلمهم كيف يقسمون فكرة الرواية إلى فصول، وكيف يقسمون الفصول إلى مناظر، وكيف يمهدون للمفاجئات، وكيف يسلسلون الحوار. . . ثم كيف يخلقون لنا درامة مصرية تعالج مشكلاتنا وتتناول قضايانا وتسلك أدبنا في كوكب الآداب العالمية الراقية التي يمثلها الأدب المسرحي أحسن تمثيل وأصدقه
إلى متى يا ترى يظل أدبنا يباباً فارغاً هكذا؟
على رسلك أيها القارئ الذي يظن بي الظن، فأنا لا أقل عنك غيرة على الأدب العربي، وبالأحرى على الأدب المصري؛ وأنا أقدر لغتي العربية بل أقدسها، لكني مع ذاك أعترف بأن الأدب العربي سيظل وسوف يظل وراء الآداب العالمية قاطبة، ما لم نسلك فيه الأدب المسرحي وآداباً أخرى غير الأدب المسرحي ليس هنا مقام ذكرها. . . والسبيل إلى أن نسلك في أدبنا هذه الألوان من الأدب لابد أن تبدأ بالترجمة. . . لنترجم عن أدباء إنجلترا وأيرلندة وفرنسا وألمانيا والنمسا وإيطاليا وأسبانيا والسويد والنرويج وتشكو سلوفاكيا وبولندة وروسيا وأمريكا. وعن أدباء اليابان والصين إن وجدنا إلى الترجمة عنهم من سبيل لنترجم عن هؤلاء وهؤلاء، فلقد أصبح لكل أمة أدب قومي مستقل كما أصبح لكل أمة مسرح قومي مستقل. . . إلا مصر وإلا الشعوب العربية قاطبة، فأدبها ما يزال أدب تراجم وقصائد ومقالات. . . وإن شدا من القصة نصيباً ضئيلاً لا غناء فيه نعد
وما دامت الترجمة هي السبيل الوحيد الآن أمامنا لنخدم أدبنا المصري وأدبنا العربي ولنخدم مسرحنا ولنخدم لغتنا، فماذا يقعدنا عن التوسع فيها توسعاً لا نبخل عليه بجهد أو مال، ولا يصح أن نبخل عليه بجهد أو مال، وإلا أثبتنا أننا أمة من الأميين. . . ممن يفكرون كثيراً وينفذون قليلاً. . . بل لا ينفذون شيئاً
كيف يستكثر علينا مستكثر أن نصرخ في آذان وزارة المعارف لكي تقوم بواجبها في هذه السبيل فتولي عنايتها إدارة الترجمة بها وتشجع المترجمين بالمبالغ الضخمة التي تحفزهم وتشحذ همهم
لماذا لا ترفع عدد المترجمين الفنيين إلى مائة أو مائتين بدل هذا العدد الذي لم يرتفع إلى عشرة بعد؟
لماذا لا يتنوع المترجمون فينقلون من الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والأسبانية واليونانية القديمة ومن اللاتينية والروسية؟
لماذا لا ترصد المبالغ الضخمة لهذه الإدارة التي لا تقل فائدتها للبلاد واللغة والأدب والعلم عن الجامعة ولا عن مجمع اللغة ولا عن مصلحة الآثار؟
ومتى يتاح لوزارة المعارف عصر كهذا العصر الديمقراطي الذي يعنى بصالح الأمة فيهيئ لأدبها ولغتها هذا الإصلاح؟
ومتى يتاح لوزارة المعارف رجلان كالرجلين اللذين يرسمان سياستها ويقودان سفينتها، فتكون فرصة إدارة الترجمة، وفرصة الأدب العربي، وفرصة اللغة، وفرصة المسرح، وكل فرص الحياة الثقافية العامة في وجودهما، ولتعز إدارة الترجمة، وليعز الأدب العربي، ولتعز اللغة العربية، وليعز المسرح المصري ورجاله الشهداء الأوفياء؟!
. . . ليقل جاهل أو غبي كما قال من قبل، إن هذا كلام له ما وراءه. . . لا. . . فنحن بحمد الله مستعدون للارتداد إلى خطوطنا الأولى. . . ولذلك فإنا لا نبالي بأن نلاحظ على وزارة المعارف تقصيرها في العمل للنهضة الثقافية بمصر، بالرغم مما هيئ لها من زعامة أدبية خالصة كانت لمصر فيها آمال كبار؛ وما تزال لها فيها تلك الآمال الكبار. وإنا لن نمل من الكتابة في هذا والتبشير به والإلحاح فيه، حتى تبلغ منه نهضتنا ما تريد
على أن التفكير في إنشاء معاهد كثيرة للتمثيل، لابد أن يسبقه تفكير في نقل عدد كبير من الدراسات الأجنبية الرائعة لأشهر الكتاب الدراميين كي تجد المعاهد ثروتها من الروايات التي تتخذ نماذج لتطبيق دراساتها كما تجدها مهيأة للتمثيل. . . وإلا فهل نحن معتزمون أن تكون الدراسة في تلك المعاهد بالعربية ثم يكون التطبيق العملي بلغة أجنبية؟
وإذا نحن سلمنا بهذا ونقلنا عدداً كبيراً من الدراسات الأجنبية، لزم أن نلخص تاريخاً عاماً للمسرح في الممالك المختلفة ليلم الممثلون بتاريخ المؤلفين وتاريخ التطور المسرحي في كل منها. والقيام بعمل هذا الملخص لتاريخ المسرح يصح أن يوكل لهيئة من المترجمين، أو أن يكون قسمة بين إدارة الترجمة ومدرسي معاهد التمثيل.
(يتبع)
دريني خشبة
مجلة الرسالة - العدد 525
بتاريخ: 26 - 07 - 1943