كتب الوهراني على لسان بغلته إلى الأمير عز الدين موسك فقال: المملوكة ريحانة بغلة الوهراني تقبل الأرض بين يدي المولى عز الدين حسام أمير المؤمنين، نجاه الله من حر نار السعير، وعطر بذكره قوافل العير، ورزقه من القرط والتبن والشعير، وسق مائة ألف بعير، واستجاب فيه صالح الأدعية من الجم الغفير، من الخيل والبغال والحمير، وتنهي كل ما تقاسيه من مواصلة الصيام، وسوء القيام، والتعب في الليل والدواب نيام، قد أشرفت مملوكته على التلف، وصاحبها لا يحتمل الكلف، ولا يوقن بالخلف، ولا يحل به البلاء العظيم، إلا في وقت حاجتي إلى القضيم، لأنه في بيته مثل المسك والعبير. . .
فشعيره أبعد من الشعرى العبور، لا وصول إليه ولا عبور، وقرطه أعزُّ من قرط مارية، لا يخرجه بيع ولا هبة ولا عارية، والتبن أحبُّ إليه من الابن، والجلبان، أعز من دهن البان، والقضيم، بمنزلة الدر النظيم، والفصة، أجمل من سبائك الفضة، وأما الفول، فمن دونه ألف باب مقفول، فما يهون عليه أن يعلف الدواب، إلا بعيون الآداب، والفقه اللباب، والسؤال والجواب، وما عند الله من الثواب.
ومعلوم يا سيدي أن البهائم، لا توصف بالحلوم، ولا تعيش بسماع العلوم، ولا تطرب إلى شعر أبي تمام، ولا تعرف الحارث بن همام ولاسيما البغال، التي تشتغل في جميع الأشغال، شبكة من القصيل، أحب إليها من كتاب التحصيل، وقفة من الدريس، اشتهى إليها من فقه محمد بن إدريس لو أكل البغل كتاب المقامات، مات، فإن لم يجد إلا كتاب الرضاع، ضاع ولو قيل له أنت هالك، إن لم تأكل موطأ مالك، ما قبل ذلك. وكذا الجمل، لا يتغذى بشرح أبيات الجمل، وحزمة من الكلاء، أحب إليه من شعر أبي العلاء، وليس عنده طيب، شعر أبي الطيب. وأما الخيل، فلا تطرب إلا لسماع الكيل، وإذا أكلت كتاب الذيل، ماتت في النهار قبل الليل، والويل لهاثم الويل. ولا تستغني الأكاديش، عن الحشيش، بكل ما في الحماسة من شعر أبي الحريش. وإذا أطعمت الحمار، شعر ابن عمار حل به الدمار، وأصبح منفوخاً كالطبل، على باب الإسطبل. وبعد هذا كله قد راح صاحبهما إلى العلاف، وعرض عليه مسائل الخلاف. وطلب من بيته خمس قفاف، فقام إليه بالخفاف، فخاطبه بالتقعير، وفسر عليه آية العير، وطلب منه ويبة (كذا) شعير، فحمل على عياله ألف بعير، فانصرف الشيخ منكسر القلب مغتاظاً من الثلب، وهو أنجس من ابن بنت الكلب، فالتف إلى المسكينة، وقد سلبه الغيظ ثوب السكينة، وقال لها إن شئت أن تكدي فكدي، لا ذقت شعيراً ما دمت عندي: فبقيت المملوكة حائرة، لا قائمة ولا سائرة، فقال لها العلاف لا تجزعي من حباله ولا تلتفتي على سباله، ولا تنظري إلى نفقته، ولا يكون عندك أخس من عنفقته.
مجلة المقتبس - العدد 1
بتاريخ: 24 - 2 - 1906
فشعيره أبعد من الشعرى العبور، لا وصول إليه ولا عبور، وقرطه أعزُّ من قرط مارية، لا يخرجه بيع ولا هبة ولا عارية، والتبن أحبُّ إليه من الابن، والجلبان، أعز من دهن البان، والقضيم، بمنزلة الدر النظيم، والفصة، أجمل من سبائك الفضة، وأما الفول، فمن دونه ألف باب مقفول، فما يهون عليه أن يعلف الدواب، إلا بعيون الآداب، والفقه اللباب، والسؤال والجواب، وما عند الله من الثواب.
ومعلوم يا سيدي أن البهائم، لا توصف بالحلوم، ولا تعيش بسماع العلوم، ولا تطرب إلى شعر أبي تمام، ولا تعرف الحارث بن همام ولاسيما البغال، التي تشتغل في جميع الأشغال، شبكة من القصيل، أحب إليها من كتاب التحصيل، وقفة من الدريس، اشتهى إليها من فقه محمد بن إدريس لو أكل البغل كتاب المقامات، مات، فإن لم يجد إلا كتاب الرضاع، ضاع ولو قيل له أنت هالك، إن لم تأكل موطأ مالك، ما قبل ذلك. وكذا الجمل، لا يتغذى بشرح أبيات الجمل، وحزمة من الكلاء، أحب إليه من شعر أبي العلاء، وليس عنده طيب، شعر أبي الطيب. وأما الخيل، فلا تطرب إلا لسماع الكيل، وإذا أكلت كتاب الذيل، ماتت في النهار قبل الليل، والويل لهاثم الويل. ولا تستغني الأكاديش، عن الحشيش، بكل ما في الحماسة من شعر أبي الحريش. وإذا أطعمت الحمار، شعر ابن عمار حل به الدمار، وأصبح منفوخاً كالطبل، على باب الإسطبل. وبعد هذا كله قد راح صاحبهما إلى العلاف، وعرض عليه مسائل الخلاف. وطلب من بيته خمس قفاف، فقام إليه بالخفاف، فخاطبه بالتقعير، وفسر عليه آية العير، وطلب منه ويبة (كذا) شعير، فحمل على عياله ألف بعير، فانصرف الشيخ منكسر القلب مغتاظاً من الثلب، وهو أنجس من ابن بنت الكلب، فالتف إلى المسكينة، وقد سلبه الغيظ ثوب السكينة، وقال لها إن شئت أن تكدي فكدي، لا ذقت شعيراً ما دمت عندي: فبقيت المملوكة حائرة، لا قائمة ولا سائرة، فقال لها العلاف لا تجزعي من حباله ولا تلتفتي على سباله، ولا تنظري إلى نفقته، ولا يكون عندك أخس من عنفقته.
مجلة المقتبس - العدد 1
بتاريخ: 24 - 2 - 1906