في مساحة 20 متر تقع المساحة المخصصة لعلاج النساء المصابات بالأمراض النفسية داخل مصحة كوبر ، تتكون المصحة من عنبرين فقط ومكتب لطاقم التمريض والمراحيض ولاشئ غير ذلك . يسمى هذا المكان ( الحريمات ) ويعني تصغير لكلمة حرمة وهي المرأة ، في حين يحمل جناح الذكور مسمى ( جناح تنويم الرجال ) لطالما توقفت عند هذا الأسم الذي يدل على البنية الذكورية والعقلية المتعصبة تجاه النساء وهو الأمر الذي يتجلى في طرق المعاملة والتي سنأتي على ذكرها لاحقاً .
العنابر مصنوعة من مادة الزنك الرخيص وتكون في فصل الصيف شديدة الحرارة إلى درجة لا تحتمل ، لاتوجد في أي عنبر مروحة أو مكيف ووصفت نزيلة الجو المحتقن في الصيف بقولها " نحن هنا نعيش في أفران " وقالت أخرى " تشبه العنابر الأفران التي حرق فيها اليهود " ونتيجة ذلك تصاب معظمهن بالطفح الجلدي والحساسية وتظل النزيلات طوال الوقت في حالة مسح العرق عن أجسادهن ، وفي فصل الشتاء تكون البرودة أيضاً غير محتملة . أما النوافذ فهي مفتوحة دون وجود حواجز تمنع دخول الذباب والبعوض والحشرات المختلفة التي تتغذى من أجساد النزيلات على مدار اليوم . ولا توجد في أي سرير مخدات أو أغطية فتكتفي النزيلات بتغطية أجسادهن عن طريق ملابسهن الخاصة لأتقاء شر البعوض والبرد . توجد داخل المصحة خزانة بها ثياب جديدة تبرع بها أصحاب الخير لكن لايسمح للنزيلات بإرتدائها لذلك يكتفين بملابس قديمة وممزقة تقدم لهن ويتناوبن على غسلها واستعمالها.
البنية التحتية للمصحة سيئة ومتدهورة بشكل كبير ، يوجد داخل المصحة 6 مراحيض يستخدم واحد منها كمخزن والبقية لا تعمل لأن مياه الصرف الصحي تغطيها وبعضها مسدودة بالقاذورات فتستخدم جميع النزيلات مرحاض واحد فقط ، وهو قديم ومتهالك وغير نظيف ولا يصلح للإستخدام البشري . المبنى بشكل عام ضيق لا يحتمل العدد الكبير للنزيلات اللآتي يبلغ عددهن في المتوسط 24 نزيلة . الجدران الخارجية للمصحة متصدعة ومتسخة وتملئها الشقوق الكبيرة . الجدير بالذكر أن النزيلات لا يحصلن على صابون للإستخدام ويستخدمن الماء فقط لأن طاقم التمريض لا يوفر لهن الصابون ويستخدم الطاقم صابونة واحدة في اليوم لغسل الملابس واستحمام الحالات ذات الإقامة الدائمة أما بقية النزيلات فيعتمدن على ما تبقى من هذه الصابونة الواحدة لقضاء الحاجة.
الكتابة عن مصحة كوبر الغرض منها نقل التجربة القاسية التي تعيشها النزيلات هناك والتعريف عن مكان يقع في قلب الخرطوم ويمارس فيه أقسى أنواع العذاب والحط من كرامة الإنسان وكشف حقيقة المستشفيات الحكومية والتردئ في الخدمات الذي يصاحبها حيث يقال ( بعيداً عن الاعلام إذن قريب من الظلام ).
سألت النزيلات عن أكثر ما يزعجهن في هذا المكان وجاء الرد واضحاً إن في حال لم تتعاون إحداهن مع طاقم التمريض في انجاز أعمال النظافة وغسل الملابس فأن حصتهن من الطعام اليومي تكون ناقصة أو يحرمن من تناول الأكل ، قالت إحداهن إنها كثيراً ما حرمت من تناول شاي الصباح وبعض الوجبات لرفضها المشاركة في تنظيف المصحة ، ويحدث العكس كلما زادت الخدمات لطاقم التمريض عن طريق غسل الملابس وغيرها تتحصل النزيلة على بقايا الخبز الناشف ( قرقوش ) كنوع من المكافأة . بشكل عام تصف النزيلات الطعام بالردئ ، المكرر ، بلا نكهة أو مذاق وبالكاد يكفي الفرد الواحد حيث تتكون وجبتي الفطور والعشاء من الفول والعدس الذي يقدم يومياً ويكون بلا ملح ، تصف نزيلة ما يحدث قائلة " نجتهد للحصول على الملح ونشحده من المطبخ وبالمقابل لايوجد سكر إلا في شاي الصباح وهو قليل وبالكاد يلامس اللسان " والحرمان من الملح طريقة يستخدمها الشيوخ في العلاج بغرض حرمان الجسد من الملح حتى يضعف ويسهل بالتالي السيطرة عليه . الصحون التي تتناول فيها النزيلات الطعام يتم غسلها في المرحاض الواحد بالماء فقط ودون استخدام الصابون حيث لايوجد مكان مخصص لغسل أواني الطعام .
قال الفيلسوف الفرنسي ( ميشيل فوكو ) أن السلطة تسعى للسيطرة على الجسد عن طريق تطويعه والتحكم فيه وهو ما يحدث عادة في السجون والمصحات النفسية ، لذا فأن السلطة هناك تهدف في البداية للسيطرة على الجسد بغرض اخضاعه وللأسف تتبع في ذلك نهج بعض الشيوخ في العلاج الشعبي المعروف بقسوته . داخل مصحة كوبر تتم السيطرة على الجسد عن طريق الجوع وقلة الطعام حتى يفقد المريض أهم حواسه وهي التذوق . العلاج في ظل هذه الظروف يعمل على اعادة انتاج المرضى وهو ما أكد عليه الفيلسوف ( فوكو ) حيث شرح كيف تعيد مؤسسات العلاج النفسي نفس الأفراد إليها بعد تخريجهم ، وشعار الاصلاح والعلاج الذي ترفعه يدور في فلكه شخوص بأعينهم وهو ما شاهدته في مصحة كوبر ، داخل العنبر الواحد يمكن أن تتواجد 12 نزيلة 9 منهن سبق لهن الدخول للمصحة في أوقات سابقة وكلما تم ادخال فتاة جديدة تجد جزء من رفيقاتها في وقت سابق داخل المصحة قالت إحداهن " ما شاء الله الدفعة التي وجدتها عند دخولي المرة السابقة للمصحة معظمها هنا " ولعل من أسباب عودة النزيلات بشكل دوري ومتكرر للمصحة هو البيئة السيئة التي تمنع العلاج إضافة إلى سوء المعاملة والقسوة حيث تنتكس النزيلة على الفور .
حين زرت مصحة كوبر للأمراض النفسية والعصبية وجدت واحدة من طاقم التمريض ( ف . ب ) تردد على مسامع النزيلات الفاظ نابية وقاسية وتقول " إذا كان الأهل يرغبون فيكم فلماذا أودعوكم هنا؟ " وتردف قائلة " أنتم بالأساس لايوجد لديكم أهل وإذا وجدوا فهم لايعرفون ماهية التربية " وكانت تقول كلماتها بصوت عالي لتسمعه جميع النزيلات . هكذا نجحت الممرضة في كسر ارادتهن ويجوز لي القول أن جميع طاقم التمريض وظيفته الاساسية كانت كسر الارادة قبل مداوة المرضى وعندما ردت واحدة من النزيلات بإنها لن تسكت بعد اليوم عن هذه الإهانات وستقدم فيها شكوى للمسؤولة عن طاقم التمريض جاء الرد بالقول " سأكسر عظامك وأربطك بالحبال إلى أن يسيل منك الدم ولايوجد أحد يقدر هنا على الكلام عما حدث لكِ " . أيضاً وجدت نزيلة مقيدة بطريقة مهينة وقاسية ، كانت ترقد على بطنها ويديها مقيدتان بالحبال من الخلف مع قدميها وآثار الجروح تبدو ظاهرة حول معصميها .
لا أزال غير قادرة على فهم كيف لجهة تتدعى معرفتها بالعلاج أن تستخدم العنف وأفرادها يمارسون العنف الجسدي واللفظي بجميع أنواعه على مرضى . حين كنت هناك تم ادخال مريضة من جنوب السودان وكان طاقم التمريض يجلدونها بقوة داخل المشفى وأمام أنظارنا وقالت نزيلة معقبة على هذه الحادثة " لم نشهد حالات جلد للنساء من القبائل العربية " ! .
داخل مصحة كوبر توجد غرفتين بعيداً عن العنابر تعرف بأسم الزنازين ، لا يتجاوز مساحة كل منهما 100 سم وهما في حقيقة الأمر عبارة عن مراحيض قديمة غير مستعملة ، الزنازين عبارة عن بلاط فقط وفتحة المرحاض ويتم فيها حجز الحالات الخطيرة أو عندما تعاقب نزيلة على فعلٍ ما . لا تتسع الزنزانة لأكثر من فرد وتفوح منها رائحة الخراء والبول ، لاتوجد بها نافذة وكل زنزانة مصنوعة من الحجر ، مليئة بالحشرات والنمل ، و مظلمة . تنام فيها النزيلة عادةً وهي عارية بأمر من طاقم التمريض حتى لا تتعلق الرائحة الكريهة بالملابس . من يمكث فيها يصعب عليه النوم بسبب حرارة الجو والرقاد على البلاط ولأن الحشرات تنهش الجلد طوال الليل . في زنزانة توجد فتاة عارية ( ر ) مكثت فيها لشهور رغم معرفة الأطباء بهذا الوضع الأليم ، لا تخرج لرؤية الضوء إلا في ساعات الصباح الأولى لتستحم وتعود لتقضي باقي اليوم في الزنزانة . الجدير بالذكر أن الدخول للزنزانة آلية تهديد تلجأ إليها الممرضات لتخويف النزيلات واجبارهن على العمل ، قالت واحدة من النزيلات " والله هؤلاء الممرضات يدخلوننا إلى الزنزانة لأتفه الاسباب " وهذا جزء مما يحدث في مصحة كوبر للأمراض النفسية.
استغرقت في التفكير زمناً طويلاً بين كشف المستور والصمت ، لكن عاد ذهني إلى الأزمنة البدائية التي كان فيها المرضى النفسيين يحبسون في اقفاص ويتم عرضهم أمام العامة وإلى وقت قريب فى بدايات القرن الماضي حيث كان المريض يحبس في أوضاع لا تليق بالإنسانية ولا تحفظ كرامة الانسان وهو الأمر الذي لا أرغب بأن يتكرر في الزمن الراهن ، لذلك اتخذت قراراً بالكتابة وكلي أمل في تحسن أوضاع المستشفيات الحكومية وأحوال المريض النفسي وأن يعامل كإنسان ويحفظ له ماء الوجه داخل المؤسسة المعنية بعلاجه ورعايته . ما يحدث في مصحة كوبر هو إعادة للتاريخ المهين للمريض النفسي . نحن الآن في القرن الواحد والعشرين ومع ذلك ما يحدث في مصحة كوبر هو عبارة عن تاريخ أسود يعيد إلى الأذهان تلك الأزمنة البدائية حين كان المريض النفسي يعذب ويجلد بغرض طرد الأرواح الشريرة .
مروة التجاني
العنابر مصنوعة من مادة الزنك الرخيص وتكون في فصل الصيف شديدة الحرارة إلى درجة لا تحتمل ، لاتوجد في أي عنبر مروحة أو مكيف ووصفت نزيلة الجو المحتقن في الصيف بقولها " نحن هنا نعيش في أفران " وقالت أخرى " تشبه العنابر الأفران التي حرق فيها اليهود " ونتيجة ذلك تصاب معظمهن بالطفح الجلدي والحساسية وتظل النزيلات طوال الوقت في حالة مسح العرق عن أجسادهن ، وفي فصل الشتاء تكون البرودة أيضاً غير محتملة . أما النوافذ فهي مفتوحة دون وجود حواجز تمنع دخول الذباب والبعوض والحشرات المختلفة التي تتغذى من أجساد النزيلات على مدار اليوم . ولا توجد في أي سرير مخدات أو أغطية فتكتفي النزيلات بتغطية أجسادهن عن طريق ملابسهن الخاصة لأتقاء شر البعوض والبرد . توجد داخل المصحة خزانة بها ثياب جديدة تبرع بها أصحاب الخير لكن لايسمح للنزيلات بإرتدائها لذلك يكتفين بملابس قديمة وممزقة تقدم لهن ويتناوبن على غسلها واستعمالها.
البنية التحتية للمصحة سيئة ومتدهورة بشكل كبير ، يوجد داخل المصحة 6 مراحيض يستخدم واحد منها كمخزن والبقية لا تعمل لأن مياه الصرف الصحي تغطيها وبعضها مسدودة بالقاذورات فتستخدم جميع النزيلات مرحاض واحد فقط ، وهو قديم ومتهالك وغير نظيف ولا يصلح للإستخدام البشري . المبنى بشكل عام ضيق لا يحتمل العدد الكبير للنزيلات اللآتي يبلغ عددهن في المتوسط 24 نزيلة . الجدران الخارجية للمصحة متصدعة ومتسخة وتملئها الشقوق الكبيرة . الجدير بالذكر أن النزيلات لا يحصلن على صابون للإستخدام ويستخدمن الماء فقط لأن طاقم التمريض لا يوفر لهن الصابون ويستخدم الطاقم صابونة واحدة في اليوم لغسل الملابس واستحمام الحالات ذات الإقامة الدائمة أما بقية النزيلات فيعتمدن على ما تبقى من هذه الصابونة الواحدة لقضاء الحاجة.
الكتابة عن مصحة كوبر الغرض منها نقل التجربة القاسية التي تعيشها النزيلات هناك والتعريف عن مكان يقع في قلب الخرطوم ويمارس فيه أقسى أنواع العذاب والحط من كرامة الإنسان وكشف حقيقة المستشفيات الحكومية والتردئ في الخدمات الذي يصاحبها حيث يقال ( بعيداً عن الاعلام إذن قريب من الظلام ).
سألت النزيلات عن أكثر ما يزعجهن في هذا المكان وجاء الرد واضحاً إن في حال لم تتعاون إحداهن مع طاقم التمريض في انجاز أعمال النظافة وغسل الملابس فأن حصتهن من الطعام اليومي تكون ناقصة أو يحرمن من تناول الأكل ، قالت إحداهن إنها كثيراً ما حرمت من تناول شاي الصباح وبعض الوجبات لرفضها المشاركة في تنظيف المصحة ، ويحدث العكس كلما زادت الخدمات لطاقم التمريض عن طريق غسل الملابس وغيرها تتحصل النزيلة على بقايا الخبز الناشف ( قرقوش ) كنوع من المكافأة . بشكل عام تصف النزيلات الطعام بالردئ ، المكرر ، بلا نكهة أو مذاق وبالكاد يكفي الفرد الواحد حيث تتكون وجبتي الفطور والعشاء من الفول والعدس الذي يقدم يومياً ويكون بلا ملح ، تصف نزيلة ما يحدث قائلة " نجتهد للحصول على الملح ونشحده من المطبخ وبالمقابل لايوجد سكر إلا في شاي الصباح وهو قليل وبالكاد يلامس اللسان " والحرمان من الملح طريقة يستخدمها الشيوخ في العلاج بغرض حرمان الجسد من الملح حتى يضعف ويسهل بالتالي السيطرة عليه . الصحون التي تتناول فيها النزيلات الطعام يتم غسلها في المرحاض الواحد بالماء فقط ودون استخدام الصابون حيث لايوجد مكان مخصص لغسل أواني الطعام .
قال الفيلسوف الفرنسي ( ميشيل فوكو ) أن السلطة تسعى للسيطرة على الجسد عن طريق تطويعه والتحكم فيه وهو ما يحدث عادة في السجون والمصحات النفسية ، لذا فأن السلطة هناك تهدف في البداية للسيطرة على الجسد بغرض اخضاعه وللأسف تتبع في ذلك نهج بعض الشيوخ في العلاج الشعبي المعروف بقسوته . داخل مصحة كوبر تتم السيطرة على الجسد عن طريق الجوع وقلة الطعام حتى يفقد المريض أهم حواسه وهي التذوق . العلاج في ظل هذه الظروف يعمل على اعادة انتاج المرضى وهو ما أكد عليه الفيلسوف ( فوكو ) حيث شرح كيف تعيد مؤسسات العلاج النفسي نفس الأفراد إليها بعد تخريجهم ، وشعار الاصلاح والعلاج الذي ترفعه يدور في فلكه شخوص بأعينهم وهو ما شاهدته في مصحة كوبر ، داخل العنبر الواحد يمكن أن تتواجد 12 نزيلة 9 منهن سبق لهن الدخول للمصحة في أوقات سابقة وكلما تم ادخال فتاة جديدة تجد جزء من رفيقاتها في وقت سابق داخل المصحة قالت إحداهن " ما شاء الله الدفعة التي وجدتها عند دخولي المرة السابقة للمصحة معظمها هنا " ولعل من أسباب عودة النزيلات بشكل دوري ومتكرر للمصحة هو البيئة السيئة التي تمنع العلاج إضافة إلى سوء المعاملة والقسوة حيث تنتكس النزيلة على الفور .
حين زرت مصحة كوبر للأمراض النفسية والعصبية وجدت واحدة من طاقم التمريض ( ف . ب ) تردد على مسامع النزيلات الفاظ نابية وقاسية وتقول " إذا كان الأهل يرغبون فيكم فلماذا أودعوكم هنا؟ " وتردف قائلة " أنتم بالأساس لايوجد لديكم أهل وإذا وجدوا فهم لايعرفون ماهية التربية " وكانت تقول كلماتها بصوت عالي لتسمعه جميع النزيلات . هكذا نجحت الممرضة في كسر ارادتهن ويجوز لي القول أن جميع طاقم التمريض وظيفته الاساسية كانت كسر الارادة قبل مداوة المرضى وعندما ردت واحدة من النزيلات بإنها لن تسكت بعد اليوم عن هذه الإهانات وستقدم فيها شكوى للمسؤولة عن طاقم التمريض جاء الرد بالقول " سأكسر عظامك وأربطك بالحبال إلى أن يسيل منك الدم ولايوجد أحد يقدر هنا على الكلام عما حدث لكِ " . أيضاً وجدت نزيلة مقيدة بطريقة مهينة وقاسية ، كانت ترقد على بطنها ويديها مقيدتان بالحبال من الخلف مع قدميها وآثار الجروح تبدو ظاهرة حول معصميها .
لا أزال غير قادرة على فهم كيف لجهة تتدعى معرفتها بالعلاج أن تستخدم العنف وأفرادها يمارسون العنف الجسدي واللفظي بجميع أنواعه على مرضى . حين كنت هناك تم ادخال مريضة من جنوب السودان وكان طاقم التمريض يجلدونها بقوة داخل المشفى وأمام أنظارنا وقالت نزيلة معقبة على هذه الحادثة " لم نشهد حالات جلد للنساء من القبائل العربية " ! .
داخل مصحة كوبر توجد غرفتين بعيداً عن العنابر تعرف بأسم الزنازين ، لا يتجاوز مساحة كل منهما 100 سم وهما في حقيقة الأمر عبارة عن مراحيض قديمة غير مستعملة ، الزنازين عبارة عن بلاط فقط وفتحة المرحاض ويتم فيها حجز الحالات الخطيرة أو عندما تعاقب نزيلة على فعلٍ ما . لا تتسع الزنزانة لأكثر من فرد وتفوح منها رائحة الخراء والبول ، لاتوجد بها نافذة وكل زنزانة مصنوعة من الحجر ، مليئة بالحشرات والنمل ، و مظلمة . تنام فيها النزيلة عادةً وهي عارية بأمر من طاقم التمريض حتى لا تتعلق الرائحة الكريهة بالملابس . من يمكث فيها يصعب عليه النوم بسبب حرارة الجو والرقاد على البلاط ولأن الحشرات تنهش الجلد طوال الليل . في زنزانة توجد فتاة عارية ( ر ) مكثت فيها لشهور رغم معرفة الأطباء بهذا الوضع الأليم ، لا تخرج لرؤية الضوء إلا في ساعات الصباح الأولى لتستحم وتعود لتقضي باقي اليوم في الزنزانة . الجدير بالذكر أن الدخول للزنزانة آلية تهديد تلجأ إليها الممرضات لتخويف النزيلات واجبارهن على العمل ، قالت واحدة من النزيلات " والله هؤلاء الممرضات يدخلوننا إلى الزنزانة لأتفه الاسباب " وهذا جزء مما يحدث في مصحة كوبر للأمراض النفسية.
استغرقت في التفكير زمناً طويلاً بين كشف المستور والصمت ، لكن عاد ذهني إلى الأزمنة البدائية التي كان فيها المرضى النفسيين يحبسون في اقفاص ويتم عرضهم أمام العامة وإلى وقت قريب فى بدايات القرن الماضي حيث كان المريض يحبس في أوضاع لا تليق بالإنسانية ولا تحفظ كرامة الانسان وهو الأمر الذي لا أرغب بأن يتكرر في الزمن الراهن ، لذلك اتخذت قراراً بالكتابة وكلي أمل في تحسن أوضاع المستشفيات الحكومية وأحوال المريض النفسي وأن يعامل كإنسان ويحفظ له ماء الوجه داخل المؤسسة المعنية بعلاجه ورعايته . ما يحدث في مصحة كوبر هو إعادة للتاريخ المهين للمريض النفسي . نحن الآن في القرن الواحد والعشرين ومع ذلك ما يحدث في مصحة كوبر هو عبارة عن تاريخ أسود يعيد إلى الأذهان تلك الأزمنة البدائية حين كان المريض النفسي يعذب ويجلد بغرض طرد الأرواح الشريرة .
مروة التجاني