تمهيد :
يَعدِل الماءُ ثلاثةَ أضعافِ اليابسةِ، تقريباً ولذلك كان من الطبيعيّ أن تكونَ للإنسان معَ البحرَ علاقاتٌ متعدِّدةٌ، وتَفاعُلاتٌ كثيرةٌ، ولذلك أيضاً كان من الطبيعيِّ أن نجِدَ صَدًى لتلك العَلاقةِ في أَدَبِه شعرِه ونثرِه .
والعربيُّ ــ كغيرِه من بَني الإنسان ــ كانت له مع البحر تجاربُ لا تُحصى ضمّنَها أدبَه بعامّةٍ وشعرَه خاصّةً، ذلك لأنَّ العربَ أُمَّةُ شِعرٍ، كانت كذلك منذ سالِفِ العصرِ، وهي باقيةٌ على ذلك أَمَـدَ الدَّهـرِ.
يقولُ الرسولُ الأكرمُ {صلى الله عليه وسلم}(لا تَدَعُ العربُ الشِّعرَ حتى تَدَعَ الإبلُ الحنين)(1). والشعر ـ كما هو معروفٌ ـ (ديوانُ العربِ) (2) فيه حياتُهم بكلِّ تفـاصيلِها، حَفِظَ تاريخَها، وعبَّرَ عن آمالِها وآلامِها، وتَرْجَمَ عَواطفَها وأحاسيسَها، ولذلك سيكون للشعر النصيبُ الأوفى من بحثِنا هذا، ولأنَّ القرآن الكريم هو القِمّةُ التي ينتمي إليها الأدب العربيُّ، والدَّوحةُ التي يتفيَّأ ظِلالها، والمَوردُ الذي منه ينهل، به سنبدأ وسيتوزَّعُ بحثُنا على الأبوابِ الآتية:
أبواب الكتاب:
1 ـــ البحر في اللغـة العربية .
2 ـــ البحر في القرآن الكريم .
3 ـــ البحر في الحديث النبوي الشريف .
4 ـــ البحر في النثر العربي .
5 ـــ البحر في الشعر العربي ، وسيشتمل هذا الباب {الأخيرُ}على :
أ ــ الشعر في العصر الجاهلي والإسلامي الأوّل.
ب ــ الشعر في العصر الأندلسـي .
ج ــ العصـور المتأخرة .
باب: البحر في اللغة العربية
جاء في مُعْجَم ِمَقاييسِ اللُّغةِ لابنِ فارسَ مادة(بَحَرَ) الباءُ والحاءُ والراءُ. قال الخليلُ سُمّيَ البحرُ بحراً لاستِبْحارِه، وهو انْبساطُهُ وسَعَتُه. واسْتَبْحَرَ فلانٌ في العِلْمِ أي نَهَلَ منه الكثيرَ واتّسعتْ معرفتُه، وتَبَحَّرَ فلانٌ في المالِ حاز منه الكثيرَ واتَّسَعَ رِزقُه، ورجلٌ بحْرٌ أيْ سَخِيٌّ لأنَّ كفَّهُ تَفيضُ بالعطاءِ كما يَفيضُ البحرُ ، وأَبْحَـرَ القومُ أَيْ ركِبـوا البحـرَ ، وبَحَـرَ الرَجُلُ سَبَحَ في البحرِ. (3) ويُقالُ للماءِ إذا غَلُظَ بعدَ عُذوبةٍ اِسْتَبْحَرَ، وماءٌ بحْرٌ، أيْ مالحٌ، قال نُصيبٌ الشاعرُ:
وقد عاد ماءُ الأرضِ بَحراً فزادني
على مرضي أن أَبْحَرَ المَشْرَبُ الَعذْبُ (4)
والبَحْرَةُ الفَجْوةُ المُتَّسِعةُ من الأرضِ، والرَّجُلُ الباحِرُ، الأحْمَقُ، ذلك لأنّه يتّسِعُ ــ لجهلِه ــ فيما لا يتَّسِعُ فيه العاقلُ .
والبَحيرَةُ : الناقةُ تُشَقُّ أُذُنُها إذا نُتِجتْ عشَرةَ أَبْطنٍ، كان العربُ في الجاهليةِ يُحرِّمون ظَهرَها فلا تُركَبُ ولا يُحْمَلُ عليها وقد نهى اللهُ عن ذلك بقوله (ما جعل اللهُ من بَحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وَصيلةٍ ولا حامٍ) . (5)
والبحرُ ـ عند صاحبِ المُعجمِ المفهرسِ لآياتِ القرآنِ الكريمِ ـ الماءُ الكثيرُ، مِلحاً كان أو عذْباً، وجمعُه بُحورٌ وأبحُرٌ وبحارٌ . (6)
وقد سمَّى العربُ البحرَ بأسماءَ متعددةٍ فهو اليَمُّ: إذا كان صغيراً ثمَّ البحرُ: إذا كان أكبر، ثمَّ المحيطُ: وهو الضخمُ لإحاطتِه ببلادٍ واسعةٍ، وهو المُعْجَـمُ: لغموضِهِ وإبهامِهِ. والقاموسُ: لكثرةِ مائه .
جاء في القاموس المحيط للفيروز أبادي (القاموسُ، معظمُ ماءِ البحرِ، والبئرُ العظيمةُ تَغوصُ فيها الدلاءُ لكَثرَةِ مائها).(7) وهي من قَمَسَ: أي غاص وغَطَس، فالقَمُوس والقاموس هو الذي تغوص الدلاءُ فيه لكَثرة مائه. كما سُمِّيَّ الهِقَمُّ لعِظَمِـهِ وبُعد قَعْرِهِ، وصوتُ البحرِ هَيْقَمٌ، قال رُؤْبَةُ الشاعرُ :
ولم يَزَلْ عِــزُّ تميمٍ مُدَعَّما
كالبحرِ يدعو هَيْقَماً وهَيْقَما (8)
وهو الهِلْقامُ: أي الضخمُ الواسعُ البطنِ. (9) والقمقام: لأنه مجتمع الماء، وشبه الرجل به لاجتماع الأمور إليه فيقال سيد قمقام: (10)
وهو النوفل: أي الكثير العطاء (11) الدأماء: البحر (12) والغَطَمْطَم: أي العظيم الواسع المنبسط وهو من أسماء البحر أيضاً (13) والطَمُّ: جاء في المثل السائر قولهم: {له الطِّمُّ وَالرِّمُّ} فالطَمُّ البحر والرَمُّ :الثَّرَى . (14)
مصادر الباب الأوّل:
1 ــ كتاب العمدة لابن رشيق ،ط المكتبة التجارية المصرية 1934، ص17.
2ــ نفس المصدر .
3 ــ معجم مقاييس اللغة لابن فارس ط اتحاد الكتاب العرب ص201 .
4 ــ لسان العرب ج5 ، ص 103 .
5 ــ سورة المائدة :ص 103 .
6 ــ المعجم المفهرس : ص82 .
7 ــ القاموس المحيط للفيروز ابادي: ص251 .
8 ــ ديوان رُؤبة : ص 184 .
9ــ معجم مقاييس اللغة لابن فارس :ج6ص71 .
10ــ المبهج (ج 1/ص 25)و أساس البلاغة ــ (ج 1/ص 391). والزاهر في معاني كلمات الناس ــ (ج 1/ص293)وخزانة الأدب ــ (ج 1 ص 192) .
11 ــ المحكم والمحيط الأعظم ــ(ج 10/ص380)والمعجم الوسيط ــ(ج2/ ص 94)
12 ــ المعجم الوسيط ــ (ج1/ص268) وتاج العروس من جواهر القاموس ــ (ج1ص72)
13ــ تاج العروس من جواهر القاموس ــ (ج 1/ص 117)
14 ــ أدب الكاتب ــ (ج 1/ص37
يَعدِل الماءُ ثلاثةَ أضعافِ اليابسةِ، تقريباً ولذلك كان من الطبيعيّ أن تكونَ للإنسان معَ البحرَ علاقاتٌ متعدِّدةٌ، وتَفاعُلاتٌ كثيرةٌ، ولذلك أيضاً كان من الطبيعيِّ أن نجِدَ صَدًى لتلك العَلاقةِ في أَدَبِه شعرِه ونثرِه .
والعربيُّ ــ كغيرِه من بَني الإنسان ــ كانت له مع البحر تجاربُ لا تُحصى ضمّنَها أدبَه بعامّةٍ وشعرَه خاصّةً، ذلك لأنَّ العربَ أُمَّةُ شِعرٍ، كانت كذلك منذ سالِفِ العصرِ، وهي باقيةٌ على ذلك أَمَـدَ الدَّهـرِ.
يقولُ الرسولُ الأكرمُ {صلى الله عليه وسلم}(لا تَدَعُ العربُ الشِّعرَ حتى تَدَعَ الإبلُ الحنين)(1). والشعر ـ كما هو معروفٌ ـ (ديوانُ العربِ) (2) فيه حياتُهم بكلِّ تفـاصيلِها، حَفِظَ تاريخَها، وعبَّرَ عن آمالِها وآلامِها، وتَرْجَمَ عَواطفَها وأحاسيسَها، ولذلك سيكون للشعر النصيبُ الأوفى من بحثِنا هذا، ولأنَّ القرآن الكريم هو القِمّةُ التي ينتمي إليها الأدب العربيُّ، والدَّوحةُ التي يتفيَّأ ظِلالها، والمَوردُ الذي منه ينهل، به سنبدأ وسيتوزَّعُ بحثُنا على الأبوابِ الآتية:
أبواب الكتاب:
1 ـــ البحر في اللغـة العربية .
2 ـــ البحر في القرآن الكريم .
3 ـــ البحر في الحديث النبوي الشريف .
4 ـــ البحر في النثر العربي .
5 ـــ البحر في الشعر العربي ، وسيشتمل هذا الباب {الأخيرُ}على :
أ ــ الشعر في العصر الجاهلي والإسلامي الأوّل.
ب ــ الشعر في العصر الأندلسـي .
ج ــ العصـور المتأخرة .
باب: البحر في اللغة العربية
جاء في مُعْجَم ِمَقاييسِ اللُّغةِ لابنِ فارسَ مادة(بَحَرَ) الباءُ والحاءُ والراءُ. قال الخليلُ سُمّيَ البحرُ بحراً لاستِبْحارِه، وهو انْبساطُهُ وسَعَتُه. واسْتَبْحَرَ فلانٌ في العِلْمِ أي نَهَلَ منه الكثيرَ واتّسعتْ معرفتُه، وتَبَحَّرَ فلانٌ في المالِ حاز منه الكثيرَ واتَّسَعَ رِزقُه، ورجلٌ بحْرٌ أيْ سَخِيٌّ لأنَّ كفَّهُ تَفيضُ بالعطاءِ كما يَفيضُ البحرُ ، وأَبْحَـرَ القومُ أَيْ ركِبـوا البحـرَ ، وبَحَـرَ الرَجُلُ سَبَحَ في البحرِ. (3) ويُقالُ للماءِ إذا غَلُظَ بعدَ عُذوبةٍ اِسْتَبْحَرَ، وماءٌ بحْرٌ، أيْ مالحٌ، قال نُصيبٌ الشاعرُ:
وقد عاد ماءُ الأرضِ بَحراً فزادني
على مرضي أن أَبْحَرَ المَشْرَبُ الَعذْبُ (4)
والبَحْرَةُ الفَجْوةُ المُتَّسِعةُ من الأرضِ، والرَّجُلُ الباحِرُ، الأحْمَقُ، ذلك لأنّه يتّسِعُ ــ لجهلِه ــ فيما لا يتَّسِعُ فيه العاقلُ .
والبَحيرَةُ : الناقةُ تُشَقُّ أُذُنُها إذا نُتِجتْ عشَرةَ أَبْطنٍ، كان العربُ في الجاهليةِ يُحرِّمون ظَهرَها فلا تُركَبُ ولا يُحْمَلُ عليها وقد نهى اللهُ عن ذلك بقوله (ما جعل اللهُ من بَحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وَصيلةٍ ولا حامٍ) . (5)
والبحرُ ـ عند صاحبِ المُعجمِ المفهرسِ لآياتِ القرآنِ الكريمِ ـ الماءُ الكثيرُ، مِلحاً كان أو عذْباً، وجمعُه بُحورٌ وأبحُرٌ وبحارٌ . (6)
وقد سمَّى العربُ البحرَ بأسماءَ متعددةٍ فهو اليَمُّ: إذا كان صغيراً ثمَّ البحرُ: إذا كان أكبر، ثمَّ المحيطُ: وهو الضخمُ لإحاطتِه ببلادٍ واسعةٍ، وهو المُعْجَـمُ: لغموضِهِ وإبهامِهِ. والقاموسُ: لكثرةِ مائه .
جاء في القاموس المحيط للفيروز أبادي (القاموسُ، معظمُ ماءِ البحرِ، والبئرُ العظيمةُ تَغوصُ فيها الدلاءُ لكَثرَةِ مائها).(7) وهي من قَمَسَ: أي غاص وغَطَس، فالقَمُوس والقاموس هو الذي تغوص الدلاءُ فيه لكَثرة مائه. كما سُمِّيَّ الهِقَمُّ لعِظَمِـهِ وبُعد قَعْرِهِ، وصوتُ البحرِ هَيْقَمٌ، قال رُؤْبَةُ الشاعرُ :
ولم يَزَلْ عِــزُّ تميمٍ مُدَعَّما
كالبحرِ يدعو هَيْقَماً وهَيْقَما (8)
وهو الهِلْقامُ: أي الضخمُ الواسعُ البطنِ. (9) والقمقام: لأنه مجتمع الماء، وشبه الرجل به لاجتماع الأمور إليه فيقال سيد قمقام: (10)
وهو النوفل: أي الكثير العطاء (11) الدأماء: البحر (12) والغَطَمْطَم: أي العظيم الواسع المنبسط وهو من أسماء البحر أيضاً (13) والطَمُّ: جاء في المثل السائر قولهم: {له الطِّمُّ وَالرِّمُّ} فالطَمُّ البحر والرَمُّ :الثَّرَى . (14)
مصادر الباب الأوّل:
1 ــ كتاب العمدة لابن رشيق ،ط المكتبة التجارية المصرية 1934، ص17.
2ــ نفس المصدر .
3 ــ معجم مقاييس اللغة لابن فارس ط اتحاد الكتاب العرب ص201 .
4 ــ لسان العرب ج5 ، ص 103 .
5 ــ سورة المائدة :ص 103 .
6 ــ المعجم المفهرس : ص82 .
7 ــ القاموس المحيط للفيروز ابادي: ص251 .
8 ــ ديوان رُؤبة : ص 184 .
9ــ معجم مقاييس اللغة لابن فارس :ج6ص71 .
10ــ المبهج (ج 1/ص 25)و أساس البلاغة ــ (ج 1/ص 391). والزاهر في معاني كلمات الناس ــ (ج 1/ص293)وخزانة الأدب ــ (ج 1 ص 192) .
11 ــ المحكم والمحيط الأعظم ــ(ج 10/ص380)والمعجم الوسيط ــ(ج2/ ص 94)
12 ــ المعجم الوسيط ــ (ج1/ص268) وتاج العروس من جواهر القاموس ــ (ج1ص72)
13ــ تاج العروس من جواهر القاموس ــ (ج 1/ص 117)
14 ــ أدب الكاتب ــ (ج 1/ص37